السودان… إرادة الغالبية الصامتة..من يقفون مع نظام البشير وأعوانه، في داخل السودان وخارجه، هم من بحاجة إلى دخول مصحات نفسية.

معاوية يس

لو أن المرء أقرَّ بالضجر والملل من كثرة طَرقْه قضايا بعينها في الشأن السوداني، فذلك قمين بتشجيع الطرف السيئ في معادلة الحكم: محفل نظام الإنقاذ الذي يتزعمه عمر البشير، الذي لم يجد جهة «إسلامية» مستعدة لتبنيه، لكنه ماضٍ في تدمير البلاد حاضراً ومستقبلاً. وهو أيضاً اعتراف بهزيمة في معركة لا تحتمل غير الانتصار، لأن إرادة الحق والعدالة والإنصاف والضمير السليم هي التي حتماً ستسود، لتنقضي دولة الظلم مهما تطاول بقاؤها، ومهما تفننت في البطش والتنكيل. إن من واجب جيلنا والأجيال التي تلتنا أن نعمل على كنس تأثير نظام محفل الإنقاذ من السودان، ليس لأننا لا نحبه، ولكن لأن فظائعه على الأرض والإنسان والاقتصاد والمجتمع أضحت باهظة الثمن، وقد يستغرق إصلاحها عقوداً عدة، نحن نتحدث عن نظام لم يكتفِ باختطاف السلطة فحسب من حكم منتخب ديموقراطياً منتصف سنة 1989، بل اختطف السلطة من الحركة الإسلامية النافقة التي أتت به، واستأثر بها عدد محدود من أقطابه، ليتقاسموا الغنائم في ما بينهم، ويوزعوها على أقاربهم والمحسوبين عليهم من رجال الأحزاب الهرمة ورموز الأنظمة الشمولية المماثلة.

وفي سياق تلك الهيمنة على ثروات البلاد، عاثت جماعة المحفل الإنقاذي في إدارة الدولة، وتخبطت في سياساتها فدمرت التعليم والصحة والخدمات المحلية والسياسة الخارجية، رافضة الاستماع لأي صوت عاقل، فلما وقعت في الحفر التي حفرتها لنفسها بأيدي قادتها، رضخت خائرة للإرادة الخارجية، خصوصاً الأميركية، فبصمت على معاهدة سلام مذلة مع الثوار الجنوبيين، وقبلت الوعود الكاذبة بعدم تسليم البشير وأعوانه إلى المحكمة الجنائية الدولية في مقابل تمرير صفقة فصل الجنوب والتمهيد لفصل دارفور.

صحيح أننا ما أكثر ما طرقنا تلك القضايا، بالأوصاف ذاتها، ووجهنا سهام النقد نفسها لتلك الأسماء وأولئك القادة، ولكنها مطلوبة، وتكرارها واجب، لأن جماعة محفل الإنقاذ السوداني اتبعت أساليب لتغبيش وعي الشعب، وأغرقت الشباب الذين هم عماد الثورة الآتية، في متاهات المهرجانات الموسيقية والغنائية والرياضية، وأنشأت لهم الحدائق ليلتقوا آناء النهار والأصيل والمساء ليشكو كل منهم حاله لمن يحلم بالارتباط بها، وجميعهم بلا وظائف ولا مدخرات ولا أمل في مستقبل… أي مستقبل حتى لو كان من طراز «خلوها مستورة» التي غدت إحدى أشهر عبارات الحض على تكتم الفساد.

نعم مطلوب طرق هذه الجوانب حتى لو ملّها الآخرون، لأن الكاتب السياسي والصحافي ليس مطالباً بأن تصدح مقالاته عن هوى الآخرين، وليس عليه أن يكتب ما يريده من يقرأونه. إنه مطالب بكتابة الحقيقة، والتبصرة بالطريق المأمون إلى الغد. والحض على الحل الأقل فداحة، في زمن سيطرت فيه تلك المجموعة على جميع المداخل إلى المال والسلطة اللذين لا تقوم من دونهما سياسة، ولا يتأتى في غيابهما طرح بدائل إصلاحية تتسق مع الضمير وأمانة الفرد تجاه مجتمعه.

وبالطبع فإن التسليم بما تريده تلك الجماعة الشريرة من إغراق الشعب في شعور باليأس التام من إمكان إيجاد بديل يحل محلها أمر لا يمكن أن يقبله عاقل يستشعر مسؤوليته أمام الله ووطنه وأهله في التصدي لذلك الظلم والانتهاك وإعدام المستقبل. صحيح أن الأحزاب السياسية السودانية العتيقة ليست في حياة ترجى ولا قادة ينتظرون، ولا فكر يُعَوّل عليه، بل إنما هي حوانيت لتكديس أموال الشعب في خزائن العائلات المهيمنة عليها، بل هي لا تعرف الديموقراطية حتى في أنظمتها.

وصحيح أن المهاجرين السودانيين (أكثر من تسعة ملايين مهاجر ومغترب بغرض العمل) ليس بوسعهم أن يقدموا لوطنهم في هذه المحنة سوى الأمنيات الطيبات، وبمن قد يضحي منهم بأوضاعه الحسنة في الخارج ليعود إلى وطنه في حال سقوط نظام المحفل الإنقاذي. بيد أن الأمل معقود على أن تخرج إلى العلن في الوقت المناسب قيادات بديلة، ولا يحركها الشبق إلى تعويض الحرمان بالغنائم، ولا هي باحثة عن الأضواء وارتياد دور الصحف والقنوات التلفزيونية لنشر صورها وأحاديثها.

أولئك القادة الجدد موجودون في صفوف شعبهم، يكتوون كبقية أهلهم بجور سياسات المحفل الإنقاذي، وقد ينتاب بعضهم شعور بائس باليأس، وبأن لا أمل ولا مستقبل ولكنهم حتماً سينهضون ليقفوا تحت شمس الحرية ليكتبوا نهاية المحفل، وليبدأوا بمعاونة مواطنيهم لإعادة البناء الذي تهدّم في مناحي الحياة السودانية كافة، مبرّأين – بإذن الله – من دنس القبلية، وشللية التحزب، مشحونين طاقات من وحي ضمائر شريفة، ونفوس ديدنها العفَّة والشرف وطهر اليد وصدق الإيمان.

وإلى حين ظهور تلك القيادات، في الوقت الذي تحدده إرادة الغالبية الصامتة التي تتحمل منذ العام 1989 ظلماً وكيداً ونحراً فوق طاقة البشر، لن يكون ثمة مناص من الطرق على المآخذ والفضائح والفظائع نفسها، وبذكر الأسماء نفسها، مهما كره الكارهون من المتعاطفين مع النظام الإنقاذي خوفاً على مصالحهم، ومهما حاولوا أن يخذلونا ويَصمُوننا بالعتة والسفه، ومهما تعددت نصائحهم بأن نراجع أطباء نفسانيين ليداوونا من عشق الحرية والشفافية والنزاهة، ومَقْتِ الفساد، وإزهاق الأرواح البريئة، وأكل أموال الناس بالباطل.

وأعتقد يقيناً بأن من يقفون مع نظام البشير وأعوانه، في داخل السودان وخارجه، هم من بحاجة إلى دخول مصحات نفسية علّها تغسل ما في دواخلهم من أدران، غض الطرف بدافع الأجر والمصلحة المحققة عن فظائع محفل الإنقاذ. سيتواصل تناولنا للجوانب التي لا يريد هؤلاء أن نتطرق لها. ليس لأننا نريد مكايدتهم وإغاظتهم، ولكن لأنهم ليسوا من نستهدفهم بها، ولا نستهدف بها زمرة المحفل الحاكم ومُحَازِبيه، فهم لا يقرأون ولا يفقهون. إنما القصد أن يزيد وعي الغالبية الصامتة… جنود الثورة الآتية مهما تأخرت.

* صحافي من أسرة «الحياة».

[email protected]

تعليق واحد

  1. اتفق معك يا اخ معاوية يسن فى ان اكبر جريمة للانظمة الشمولية هى تغييب وعى الشعب من خلال الآلة الاعلامية التى يمتلكونها فى الداخل طبعا و خطبهم السياسية التى تخاطب المشاعر و ليس العقل و الواقع لدرجة ان قطاع كبير من السودانيين و حتى للاسف من المتعلمين اكاديميا لكن جهلة سياسيا يقولوا ليك الديمقراطية ما بتنفع فى السودان و احسن حاجة هى حكم العسكر لان مخهم كله مليان بحكاية الطرق و الكبارى و صف الرغيف و البنزين و الكلام الفارغ ده زى التقول الدول الديمقراطية ما فيها تنمية!!!!6 و هم لو سالتهم عن ماهى الديمقراطية يعطوك اجابات تضحك!!! ياخى من شدة عدم الوعى يجى واحد يقول ليك ان الكرمك و قيسان سقطت فى عهد الديمقراطية الثالثة و جو ناس الانقاذ و حرروها!!!!! و بعد شوية ح نسمع ان الحكم الديمقراطى فى عهد الصادق هو الفصل الجنوب و عمل مشاكل دارفور و اخواتها و هو الجاب الجنود الاجانب فى السودان!!! والله الواحد بقى مذهول من عقلية كثيرين من السودانيين و هذه هى الطامة الكبرى لذلك واصل فى مقالاتك حتى تنزاح الغشاوة عن عقل كثيرين من السودانيين و لا تمل من تكرار اخطاء و كوارث الانقاذ لان الذكرى تنفع المؤمنين!!

  2. اتقى اللة فى ما تكتب وبرضو احسن من صف الرغيف ووقية السكر
    الكبارى والزلط والانارة كانت وين فى عهد الجماعة كانو ساكين ورست اجدادم

  3. هل فعلا ان هؤلاء طوروا السودان كما يزعمون وهل فعلآ اضاءوا ظلام جهل السودانين بنور العلم بل يظنون اكثر من ذلك انهم أدخلوا الناس ملة الأسلام كلا والله بحكم اننا من الجيل الذي عايش ا لفترتين ماقبل 89 كانت الحياة سهلة وكان التعليم اقوي وكانت نيران االخلاوي موقده وكانت النفوس طيبه حتي الحياة لها طعم لا أدري من اين أتي هؤلاء الأبالسه من اي ارحام خرجوا وفي اي بيوت تربوا وأي نوع من القلوب لهم معروف عننا اننا كرماء ونتصف برقة القلوب وبسطاء وعفويين كل مانتمناه قبل الممات ان نري بزوغ فجر حريه في بلادي التي ما عادت كسيرتها الأولي ونسأل رب العرش العظيم ان يزيل ملكهم ويحطم جندهم زوي السياط والعصي ويفك اسرنا منهم

  4. معاويه يا صديقنا ..
    اي نظام في العالم ، قام بسرقه آبار بترول (بحاله) ، واعطاها لمنسوبيه ، دون ان يدري أحد ،؟؟
    حتي حساب آبار البترول المعروفه فقد كانت حساباتها (سريه) لايعلم بها الا اعضاء (المحفل) والشيطان ؟؟
    لقد كان يخفي هؤلاء اللصوص ، عشرات بل المئات الآبار التي كانت تديرها بعض شركات المؤتمرجيه الخاصة بعيداً عن عيون العامه ؟؟
    يا سيدي .. حتى الموالون والكانوا نايمين على آذانهم قد علموا بكذب هؤلاء وضاقوا زرعاً بهم ويتمنون زوال سلطان (المحفل ) بين يوم وليلة ..

  5. اقول للاخ[صبرىعبدالكريم] [ 19/02/2012 الساعة 3:30 مساءً]

    ماذا استفاد اهلك في اصقاع السودان المختلفة من هنه الكباري المبعثرة على انهر الخرطوم اتعدهنا تنمية ومانا تعني الوفرة في الخبز وغيره ان كنت لا استطيع شراءه يظهر انك ممن يأتيهم عيشهم رغدا دون عناء . اما قولك ورست اجدادهم هذه لم افهمها اما ان كنت تقصد ورثة اجدادهم فاقول لك الحمد لله الذي جعل لهم ارث يطالبون به وليس مال منهوب وماذا يضيرك انت ايها الغافل لاتكون بوغا تردد ما تسمع

  6. استهل بالمثل الشعبي (اللي مابشوف من الغربال يبقى اعمى ) ..مؤيدي نظام البشير الفاشل واعوانه باتو مدركين تماماً لحقيقة هذا النظام وسياساته الخرقاء في حكم البلاد وادارة الازمات , ولكن يمنعهم كبريائهم من الاعتراف بالخطاء اما المستفدين فمن المستحيل بمكان ان يعترفو ويقفو في وجه هذا النظام لان هذا سيكون عكس مصالحهم ..
    ولكن للاسف الشديد فقد افرز هذا النظام فئتين من المؤيدين فئة سلبية متخاذلة الى مالا نهاية بالرغم من كم المعاناة الذي يعيشونه الا انهم يبررون قبول النظام بحجة من البديل (وكان حواء السودانية قد عقرت) .. باختصار انعدمت ثقة الناس بانفسهم وبكفائتهم (وهذا من ادوات النظام الحاكم قتل الثقة في المواطن) .
    اما الفئة الاخرى فتتمسك وتؤيد وتتحجج بان مافعلته الانقاذ من ايجابيات لم تفعلة اي حكومة سابقة (هؤلاء في نظري هم مستجدو النعم الذين بهرتهم الشوارع وشركات الاتصالات وبذلك اعتقدو ان الانقاذ قد ابدعت واتت بما لم تاتي به العرب والعجم) ..وكلا الفئتين تحتاج على حد قولك لتاهيل نفسي في مشافي.

  7. نعم لقد اجرموا في حق الانسان السوداني الطيب فطرة والطيب تربية وسلوكا والطيب مجتمعا وامة
    عاثوا في الناس فسادا وافسادا باسم الدين
    عظموا شعائر الدين كان لم يعرف الناس قبلهم شعائر الدين
    واتخذوا من شعائر الدين مسلكا لتعليم الناس النفاق والرياء كمثل الذين اتخذوا مسجدا بكافوري
    فليقل لي من يصلون هناك الاتخافون على صلاتكم لماذا تهاجرون يوم الجمعة لذاك المسجد والمساجد قريبة منكم ام انه المول الذي بني فيه لتتسامروا وتتبضعوا ويسلم يعضكم على بعض سلامكم الكريه البنعرفوا داك الاتخافون يوم الحساب
    ان الرياء شرك بالله اسال الله لكم العافية
    خافوا على انفسكم واهليكم ولا تصلوا بمسجد اتخذ ضرارا ورياء الناس

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..