الخواجة وبس

الخواجة وبس
الخواجة عبد القادر محاولة لإعادة اكتشاف الذات من خلال الآخر الذي جاء هاربا فأصبح منتمياً وواحداً من أهل الدار
أنس زاهد
بسبب ظروف سفري إلى الخارج، لم يتسن لي متابعة أي عمل من الأعمال الدرامية التلفزيونية التي تعرض خلال شهر رمضان المبارك متابعة كاملة.
كل ما تابعته قمت بمتابعته بشكل متقطع، وكل ما تابعته بشكل متقطع انحصر في عملين اثنين، الأول: فرقة ناجي عطا الله، والثاني: الخواجة عبد القادر. المسلسل الأول يحتاج إلى مشاهدة حتى الحلقة الأخيرة لإصدار حكم عليه، أما المسلسل الثاني فيبدو أنه متفرد ونسيج وحده ولا يشبه غيره من الأعمال الدرامية تلفزيونية كانت أم سينمائية.
في مسلسل ( الخواجة عبد القادر ) يبدو كل شيء متميزا ويتمتع بالفرادة والغرابة. الأجواء الفنية للعمل بدت ساحرة بكل ما تحتوي عليه الأجواء السحرية من غموض وجاذبية ودهشة وشجن وعجائبية ورقّة.. وهي الصفات التي يتكون منها ما يمكن أن نطلق عليه المجال أو المناخ الروحي الذي يطغى على العمل.
الفكرة بحد ذاتها تحتاج إلى أجواء أشبه ما تكون بالفانتازيا، ولكن فانتازيا مضبوطة على عقارب الساعة ومشدودة إلى مجال الواقع بشكل عجيب.
الخواجة عبد القادر ذلك الرجل الإنجليزي الذي يدفعه الحزن واليأس إلى إدمان الخمر، هو نفس الرجل الذي يتغير مصيره في السودان حيث كان يعمل، ليعتنق الإسلام ويذوب في المجتمع السوداني ومن ثم مجتمع صعيد مصر، معيدا اكتشاف نفسه من خلال اكتشاف ثقافة جديدة ومجتمعات بعيدة كل البعد عن المدنية الباردة الموحشة التي كان يعيش في ظلها عندما كان ما يزال مقيما في وطنه: إنجلترا.
المكان أو الأمكنة كانت شريكة في البطولة لأنها جسدت بشكل موفق للغاية الأجواء السحرية أو الروحانية للعمل. والبيئة وبالذات في السودان، كانت شريكة هي الأخرى في البطولة. والأجمل هو وجود زمنين متداخلين لا يحس المشاهد بأنهما متنافران رغم كل المتناقضات والتغيرات التي تفصل بينهما. أما الموسيقى التي صاغها المؤلف الموسيقي عمر خيرت بكل ما تحتوي عليه من أبعاد صوفية، فقد كانت ترجمة صوتية متميزة لروح العمل العجائبي الذي أهدى لمدرسة الواقعية، صيغة جديدة يطغى عليها الجانب الفلسفي أو الوجودي تماما كما هو الحال في أعمال نجيب محفوظ.
الممثلون بدورهم أبدعوا في أداء أدوارهم، وقد تألق بشكل خاص محمود الجندي والممثلان السودانيان إضافة إلى الممثلة السورية. أما يحيى الفخراني الذي كان الملك لير هو آخر موعد له مع الدهشة، فقد أثبت أنه ممثل عبقري قادر على مجاراة خيال أعظم الكتاب والمخرجين، وربما قادر على التفوق عليه.
الخواجة عبد القادر محاولة لإعادة اكتشاف الذات من خلال الآخر الذي جاء هاربا فأصبح منتميا وواحدا من أهل الدار.
المدينة
ما لم يلحظه الكاتب زاهد، تلك الفروق الجوهرية بين التعامل الذي وجده في السودان، وذلك الذي قابله به مجتمع الصعيد.. ففي السودان وجد مجتمعاً مؤمناً دعوياً، حد إسقاط الإحساس بالعداء للمستعمر.. وقد تمثل قبول الآخر في درجة الصداقة والود والحب التي وجدها الخواجة عبد القادر من الشيخ عبد القادر، الذي قربه نجيا، وخصه ببعض الأسرار التي يتقرب بها إلى الله زلفي عند الملمات الخطيرة(يارب عبد القادر نجي عبد القادر).. وصديقه الأول فضل الله.. كان الخواجة في السودان آمناً مطمئناً بعد أن دخل الإسلام، وقد مثل نقله لصعيد مصر لحظة فارقة من الحزن والإحباط لفضل الله وللخواجة عبد القادر إلا أن الشيخ التقي الذي كشفت له الحجب، رأى في سفر عبد القادر تجربة جديدة تعجم عود إيمانه (الغض)، وكان الشيخ يتابع سلوك مريده أينما حل واتجه، وقد كان له ما أراد.. فقد كان الخواجة عبد القادر مثالاً حياً للمؤمن القوي الذي لا تأخذه في الحق لومة لائم بالرغم الظروف غير الطبيعية، والحياة المعقدة في صعيد مصر، أقلها عجرفة زعماء العشائر والعمد والمشايخ، والإدعاء الخبيث للشرف الذي يمثله العمدة عبد الظاهر، والشيخ يوسف.. وما لم يشر إليه زاهد، وقد يكون عن قصد،وبعض الظن إثم، أن السوداني في المسلسل اتسم بالصدق وعمق التدين، وصادق الحب، وتجذير وإعلاء قيمة الأخوة في الإسلام مع القوة والتوكل على الله، عكس المجتمع المصري الذي لم يبرز فيه إلا محمود الجندي الذي كان صادقاً، ولكنه ضعيف.
قصة مسلسل الخواجة عبد القادر قصة حقيقيةرغم تغيير كثير من الحقائق ولكن جوهر القصة يظل كما هو علما بان الشيخ هو العارف بالله سيدي الشيخ عبد الباقي المكاشفي والخواجة عبد القادر الحقيقي ليس انجليزي بل نمساوي وامه المانية وقدم للسودان للعمل وكان المهنس المشرف على بناء خزان جبل اولياء وكثير من الخزانات والمواقع المهمة والحيوية وهو مات ودفن في ضريح في السودان في قرية ود اب امنة في ولاية الجزيرة وتم بناء قبة اكرام لهذا الرجل التقي الصالح وغير ماياظهره المسلسل انه كان سكير فقد نشاء ملتزم ونهل كثر من علم ومدد المكاشفي ابو عمر ومازال بعض افراد اسرته يعيشون في الخرطوم.رحم الله الشيخ المكاشفي والشيخ الخواجة عبد القادر النمساوي ونفعنا الله بجاههم وصلاحهم و ببركاتهم.