عندما يعتذرون.. لا يعتذرون حقيقة..سياسيون ومشاهير يتلاعبون بالكلمات

واشنطن: محمد علي صالح
في عام 2008، في آخر سنة للرئيس جورج بوش الابن في البيت الأبيض، قال قولة صارت مشهورة: «حيث ارتكبت أخطاء، تقع المسؤولية عليّ». كان يجيب عن سؤال عن مسؤوليته في حرب العراق، خاصة بعد أن زاد عدد القتلى الأميركيين (وزادت نفقات الحرب المالية).

كان واضحا أنه لم يقل «ارتكبت أنا أخطاء»؛ هل إذا اعترف بأنه أخطأ، كان سيتحمل المسؤولية؟ وهل إذا تحمل المسؤولية، كان سيعتذر؟ لكن عن أي شيء يعتذر إذا لم يعترف بخطئه؟

هذا ما قاله هذا الكتاب: «آسف على ذلك: لغة الاعتذار»، الذي كتبه إدوين باتستليا، أستاذ اللغة الإنجليزية في جامعة ساثيرن أوريغون (ولاية أوريغون). ويتناول فيه «أنواع الاعتذارات» و«اعتذارات نجحت، وأخرى فشلت» و«الفرق بين الاعتذار والاعتراف»، و«الدفاع عن النفس.. لغويا» و«اعتذارات أميركية»، و«اعتذارات عالمية». ويقول الكاتب: «توجد قاعدة لاعتذارات السياسيين والمشاهير. فكلما كثرت اعتذاراتهم، قلت قيمتها. في الوقت نفسه، عندما لا يعتذرون، تزيد أهمية اعتذاراتهم».

ففي عام 2010، «اعتذر» إيفان سبيغيل، الذي اخترع موقع «سنابشوت» التصويري في الإنترنت. وكان قد أرسل، في العام الذي سبق، رسالة بريد إلكتروني أساء فيه إلى طالبات مدرسة راقية في جامعة ستانفورد (ولاية كاليفورنيا). وقال إنهن يردن منافسة الرجال، وهن لسن رجالا. وفي الحال، شنت الطالبات، واتحادات ومنظمات نسائية حملة ضده في الإنترنت، وخاصة في الموقع الذي اخترعه. فاضطر لأن يكتب «اعتذارا» جاء فيه: «ما قلت في الماضي عن النساء ليس هو رأيي الآن». وطبعا، ليس هذا الاعتذار اعتذارا، ولا حتى اعترافا بارتكاب خطأ، ولم يوجهه إلى الطالبات اللاتي أساء إليهن.

وهناك «اعتذار» الممثل جونا هيل، الذي اعتدى على مصور مجلة فضائح تابعه، والتقط له صورا كثيرة، بعضها محرج، مع صديقاته. ووصف المصور بأنه مصاب بالشذوذ الجنسي. ومرة أخرى، هبت حملة ضده، وهذه المرة بقيادة منظمات واتحادات المثليين الجنسيين. وعندما جاء وقت الاعتذار، وزع بيانا قال فيه: «أشعر، حقا، بالأسف العميق لأي شخص تأثرت حياته بهذا المصطلح الذي استعملته». وطبعا، كأنه لم يعتذر.

في الأسبوع الماضي، علقت لوسي كالاوي، كاتبة عمود في صحيفة «فاينانشيال تايمز»، عن اعتذار شيرل ساندبيرغ، مديرة شركة «فيسبوك». وكانت معلومات في «فيسبوك» كشفت بأن الشركة تستخدم تكنولوجيا جديدة لدراسة الحالة النفسية لزبائنها. «اعتذرت» ساندبيرغ بأن قالت: «ما حدث كان بسبب مشاكل إدارية داخل الشركة. وبسبب هذه المشاكل، نحن نعتذر. نحن لم نقصد أن نغصبكم».

لكن، توجد في هذا «الاعتذار» ثلاثة أخطاء؛ أولا قالت: «نحن»، ولم تقل «أنا». ثانيا: اعتذرت عن مشاكل في الاتصالات، وليس عن مسؤوليتها هي. وثالثا: «لم نقصد أن نغضبكم» فيها استعلاء على الزبائن، وكأنها تربيهم.

لكن، في الجانب الآخر، هناك اعتذارات حقيقية، أو شبه حقيقية.

مثل المغنى فاريل الذي واجه نقدا من منظمات وجمعيات الهنود الحمر (الأميركيين الأصليين) بعد أن ظهر على غلاف مجلة وهو يضع على رأسه «لاكوتا» (قبعة طويلة من ريش الطيور. تسمى أيضا «بونيت». واسم «لاكوتا» من قبيلة اشتهرت بها). اعتذر المغنى بأن قال: «أنا احترم كل الأعراق والثقافات والخلفيات. وأنا آسف حقا».

ومثل صاحب فريق «كليبارز» لكرة السلة في لوس أنجليس، دونالد ستيرلنغ، الذي نشرت صديقته، بعد أن هجرها، فيديو يتحدث فيه عن الزنوج بصورة غير لائقة، بعدما شاهدها في صورة مع لاعب كرة سلة زنجي. ويبدو أنه فعل ذلك بدافع الغيرة. وبعد أن انتشر الفيديو، اضطر لأن يعتذر.

وقال، في مقابلة تلفزيونية طويلة: «أنا لست عنصريا. وارتكبت خطأ مروعا للغاية. وأنا هنا معكم اليوم لأعتذر، وأطلب المغفرة من كل الذين أصابهم أذى بسبب ما قلت».

طبعا، هذا اعتذار واضح. وفيه توبة، وطلب غفران.

لكن، هل هو الاعتذار المثالي؟ ما هو الاعتذار المثالي؟

جاء في الكتاب: «كل اعتذار له ظروف خاصة به. ويحتاج كل خطأ إلى اعتذار يناسبه». لكن حدد المواصفات الآتية:

أولا: يجب أن يحدد المعتذر الذين أذاهم خطأه. (مثل أن يعتذر الرئيس السابق بوش الابن للعراقيين).

ثانيا: يجب أن يكون الاعتذار واضحا ومباشرا. (مثل أن يقول بوش إنه يتحمل مسؤولية الدمار الذي سببه في العراق).

ثالثا: يجب أن يصحب الاعتذار طلب غفران. (اقترح بعض معارضي بوش أن يذهب إلى بغداد، ويسير في شوارعها حافي القدمين، حالق الرأس).

رابعا: يجب أن يرد على الاعتذار الذين وجه لهم الاعتذار. (يقبلونه، يرفضونه، أو يطلبون التفاوض حوله).

لكن، طبعا، لا يحدث ذلك في كثير من الحالات. خاصة وسط السياسيين.

في عام 1987، اعتذر الرئيس رونالد ريغان بعد اكتشاف فضيحة «إيران غيت» (التفاوض سرا مع إيران، وإرسال أسلحة وهدايا سرا). وقال ريغان، في كلمات أعدها مستشاروه وكاتبو خطبه: «رغم أني غاضب جدا على ما فعل مساعدي ومستشاريّ من دون علمي، فأنا أتحمل مسؤولية ما فعلوا».

وفي عام 1994، اعتذرت هيلاري كلينتون، وكانت السيدة الأولى، عندما كرر صحافيون أسئلتهم لها، خلال غداء دعتهم له. قالت: «أنا المسؤولة، وأنا آسفة جدا». وكان الموضوع هو فشل برنامج ضمان صحي لكل الأميركيين (حققه الرئيس باراك أوباما، بعد ذلك بـ20 سنة تقريبا). لكن، كان واضحا أن هيلاري اعتذرت عن أخطاء ارتكبها آخرون. قالت: «أنا المسؤولة»، ولم تقل «أنا التي أخطأت».

عن مثل هذا الاعتذار، يقول الكاتب: «عندما يقول شخص إنه مسؤول عن أخطاء غيره، يصير الاعتذار عن ظروف الخطأ، وليس عن الخطأ نفسه».

في كتابها الأخير «هارد تشويزز» (خيارات صعبة)، اعترفت هيلاري كلينتون بأنها صوتت، في عام 2002، بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، وبعد غزو أفغانستان، على منح الرئيس بوش الابن سلطة استعمال القوة لغزو العراق. وقالت في الكتاب ما نصه: «أخطأت. باختصار، وبوضوح».

لكن، كما قال الكتاب عن شروط الاعتذار السابقة، لم تفعل هيلاري الآتي: أولا: لم تعتذر اعتذارا مباشرا، إذ قالت: «أخطأت فيما فعلت». ولم تقل «أنا أخطأت»، ثانيا: حتى إذا قالت إنها أخطأت، فإنها لم تعتذر. ثانيا، حتى إذا كانت اعتذرت، فإنها لم تعتذر للذين تضرروا بتصويتها؛ العراقيين. ثالثا، لم تطلب مغفرة. لأنها لم تعتذر، عن مثل هذه الحالة من الاعتذار، يقول الكتاب: «يوجد فرق كبير بين الاعتراف بالخطأ، والاعتذار عن الخطأ، مثل أن تضرب شخصا، ثم تنكر، ثم تعترف بأنك ضربته. ليس هذا اعتذارا».

وبسبب قوة اللوبي اليهودي في واشنطن، ومتابعته لكل كبيرة وصغيرة يقولها السياسيون الأميركيون عن إسرائيل، اضطر كثير من هؤلاء للاعتذار أمام ضغط اللوبي الإسرائيلي. في عام 2006، نشر الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر كتاب «فلسطين: سلام، لا تفرقة عنصرية».

وحالما صدر الكتاب، ادعت أكبر المنظمات السياسية اليهودية في الولايات المتحدة «أيباك»، بأن كارتر يؤيد الهجمات الانتحارية التي يقوم بها الفلسطينيون. جاء ذلك في جملة واحدة فقط، ويبدو أنهم دققوا في كل كلمة في الكتاب حتى وصلوا إلى هذه.

وهبّ قادة اللوبي اليهودي يطلبون من كارتر الاعتذار.

اعتذر أول مرة خلال خطاب ألقاه في جامعة برانديس (فيها أساتذة وطلاب يهود كثيرون). واعتذر ثاني مرة في مؤتمر صحافي بعد ذلك. ومرة ثالثة، أصدر بيانا قال فيه: «طلبت من ناشر الكتاب حذف تلك الجملة». ومرة رابعة، اعتذر في مؤتمر في واشنطن. وأخيرا، أصدر بيانا لـ«الطائفة اليهودية» بأنه «يعتذر شخصيا». هذه عبارة مهمة، ولها معانيها، عندما تصدر من رئيس أميركي سابق.

وفي البيان، طلب الصفح والمغفرة من «الطائفة اليهودية» عن «أي كلمة، أو عمل».

عن هذا الاعتذار، يقول الكتاب: «يريد كارتر من اعتذاراته الكثيرة هنا أن يكسب في الحالتين؛ أن يغفروا له، وأن لا يبدو وكأنه تراجع عن رأيه».

لكن، لم يقل الكتاب أن اعتذار كارتر جاء، أولا، بعد حملة من جماعة تقدر على إيذائه (ليس بسبب انتقادات صحافية، أو حملات في الإنترنت لا تقدر على معاقبة الذين يرفضون الاعتذار)، وثانيا إن اعتذار رئيس سابق للولايات المتحدة هو درس لغيره من السياسيين الأميركيين بأن لا يتفوهوا في المستقبل بما تفوه هو به.

الشرق الاوسط

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..