مساهمة نقدية حول حوارية د. صديق الزيلعي و د. أحمد عثمان (٢-٣)

الفاضل الهاشمي
“إذا تعاطى الحاكم التجارة، فسد الحكم وفسدت التجارة”
ابن خلدون
أطلّ على شَجرٍ يحرُسُ الليل من نفسِهِ
ويحرس نومَ الذين يُحبّونني ميّتاً
أطلّ على موكبِ الأنبياء القدامي
وهم يَصْعَدون حُفاةً الي أورشليم
وأسألُ: هل من نبيٍّ جديدٍ
لهذا الزمان الجديدْ؟
أطلّ على عِقد إحدى فقيرات ِ طاغورَ
تطحنُه عرباتُ الأمير الوسيمْ..
أطلّ على هُدْهدٍ مُجهَدٍ من عتاب الملكْ
أطلّ على ما وراء الطبيعة:
ماذا سيحدث … ماذا سيحدثُ بعد الرماد؟
أطلُّ علي جَسَدي خائفاً من بعيدْ..
أطلُّ ، كشرفةِ بيتٍ ، علي ما أريدْ
أطلُّ على لغتي بعد يومين.. يكفي غيابٌ قليلٌ ليفتح أسخيليوسُ الباب للسِلْمِ
يكفي
خطابٌ قصيرٌ ليشعل أنطونيو الحربَ
تكفي
يدُ امرأةٍ في يدي
كي أعانق حريتي
وأن يبدأ المدُّ والجزْرُ في جسدي من جديدْ
محمود درويش، أرى شبحي قادماً من بعيد، لماذا تركت الحصان وحيداً
مقدمة:
رأيت أن أتوسّع في نقد مقال صديق الزيلعي الرابع لأهمية البنك الدولي والصندوق الذين لم يتناولهما بما يستحقان، كونهما أصل داء عضال ، رغم أن مدارس الإقتصاد النيوكلاسيكي ذات نفسها نفضت يدها منهما. وأشير هنا الي جوزيف استلغتز الحائز علي جائزة نوبل، والذي شغل منصب نائب الرئيس الأول وكبير الاقتصاديين في البنك الدولي. لقد بحّ صوت استاذنا علي عبد القادر، رحمه الله، في نقد البنك والصندوق وكثير من نخبنا التي لم تتلوّث بعطايا المؤسستين. وسيكون المقال الأخير مختصراً حول مقاليْ صديق الزيلعي وأحمد عثمان الأخيرين السادس والسابع.
خطاب السخرية المقيتة من هتاف الثوار “لن يحكمنا البنك الدولي”
١. أطروحات صديق حول البنك الدولي والصندوق مرتبكة وغامضة:
أتناول في الجزء الثاني من مساهمتي نقدياً مقال صديق الزيلعي الرابع الموسوم “هل سنواصل هتاف لن يحكمنا البنك الدولي ام هناك بدائل؟” ثم نستعرض مقتطفات من ردود أحمد عثمان.
أورد صديق الزيلعي زعم أحمد عثمان خضوع قحت التام “لروشتة صندوق النقد الدولي، والتنكر للبرنامج الاسعافي ومخرجات المؤتمر الاقتصادي التي شاركت (قحت) نفسها في اعدادهما”، ولسبب ما قرّر صديق أنه لا يود “الخوض في تلك النقاشات” التي هي أساس وجوهر هذا الجدل والحوارية حول موقف التغيير الجذري السلبي من قحت الذي ظل صديق ينتقده بحماس. لماذا اذن يتجنّب صديق الخوض في هذا الموقف الأساسي والجوهري في مآخذه؟. لابد أن صديق خجل من موقف قحت هنا، ويود تجنّب مغبة المطب الفكري في دعم هاتين المؤسستين (البنك والصندوق) من القوي الديمقراطية الأكاديمية والسياسية في الشمال والجنوب الكونييْن كما سنبيّن في هذا المقال. دعنا نواصل أطروحته المرتبكة في مقاله الرابع وتحت عنوان جورنالي سياسوي يدين ضمنياً هتاف الثوار القديم المتجدّد “لن يحكمنا البنك الدولي، لن يحكمنا الإستعمار”.
كتب صديق “وهنا لا نود الخوض في تلك النقاشات، ولكن سوف أناقش باختصار الموقف الرافض للتعامل مع البنك الدولي وصندوق النقد وموقفنا من المجتمع الدولي بصفة عامة (في الجوانب الاقتصادية)”، وكأن هناك جوانب إقتصادية صمدة خارج السياسي الإجتماعي. وللخروج من ورطة قحت أدخل أطروحته في ورطة أخري زعم أنها “مدخل نظري تاريخي مختصر، لمساعدتنا في وضع القضية في اطارها الصحيح”.
ترى لماذا تنكرت حكومة حمدوك (وتبعته قحت بعد إنقسامها) للبرنامج الإسعافي ومخرجات المؤتمر الاقتصادي الذي جاء من لجنة قحت الإقتصادية ذات نفسها؟ ولماذا لا يود الزيلعي إدانته لذلك الخطاب الجوهري الذي لاعلاقة له بثورة ديسمبر؟
الأبعاد التاريخية المستمرة لعمليات إخضاع الشمال الكوني للجنوب ليست هي “علاقات التبادل غير المتكافئ مع الدول الرأسمالية” وحدها كما ذكر صديق ؛ تلك هي أبعاد التبادل التجاري الفوقي وحدها كما ركّزت على ذلك المدرسة البنيوية من قبل، وتجاهلت الاستغلال على مستوى الانتاج المادي كونياً عبر الشركات العابرة للقارات و الأقطار التي هاجرت مدن الشمال الكوني الصناعية قاصدة المكسيك ثم آسيا وأفريقيا بحثاً عن مستوى أجور متدني تفرضه في الجنوب الكوني ضمن عمليات الاستغلال وبمعاونة النظم الدكتاتورية في الجنوب ، ،هو ما يهمنا هنا.
لاحظ رهان صديق على حرص ومساعدة “المجتمع الدولي” الرحيم علي حل أزماتنا وطرح حلول وتوصيات عبر دراسات منظمة العمل الدولية في ١٩٧٦، وكانت “أرضية مناسبة للإصلاح”. لاحظت أن عبارة الإصلاح ومشتقاتها وردت في مقالات صديق ١٣ مرة !!!
بلا شك “جاء المؤتمر الاقتصادي القومي بعد انتفاضة مارس ابريل 1985 وقدم مساهمات عميقة وجادة لحل مشاكل اقتصادنا” وقدّم أطروحات وتوصيات عميقة حول تفكيك تلك المؤسسات، وأقصد البنك الدولي والصندوق ، كما سنري هنا. ونعم أنه بعد ١٩٧٣ لم يستفيد السودان “من ملايين الدولارات للاستثمار في السودان ولكن الفساد وضعف أداء جهاز الدولة، أضاع تلك الفرصة النادرة وامثالها كثر”.
كما نتفق جميعاً أن الطامة الكبرى جاءت “مع انقلاب الاسلامويين، فتم سرقة مؤسسات القطاع العام تحت ستار الخصخصة، ودمرت البنيات الأساسية، وفي مقدمتها السكة الحديد والنقل النهري، وخربت المنشآت المنتجة وفي مقدمتها مشروع الجزيرة. اما الأموال الطائلة الناتجة عن البترول، فلم يعرف مكانها وتم اخفائها في البنوك الأجنبية” ونضيف إختلاس الذهب في العقد الأخير من حكم الإسلاميين”.
في سياق تقييم السياسة المالية والميزانية في الجمعية التأسيسية المنتخبة ذكر نقد عند مناقشة الميزانية في ١٩٨٦ مشكلة المجاعة وذيولها، ومشكلة الحرب الأهلية والديون ومشكلة جهاز الدولة المايوي أن” طرق العلاج والحل وطرح المطالب والمطامع والطموحات يمكن أن تتقيد في إطار واقعي ومعقول. والى جانب المجاعة والحرب الاهلية، تواجه مشكلة الديون” ؛ وحول ديون السودان الكبيرة حينئذ قال نقد “كان يمكن الا يستدين كل تلك المبالغ بلا عائد وبلا تنمية وبلا أساس للمستقبل على الأقل لتسديد الديون”. ويشير نقد هنا للفساد بعد تطبيق روشتة الصندوق من قبل نميري منذ أواخر السبعينيات، ولم يستمر حينئذ تطبيق الروشتة أكثر من سبع سنوات تقريباً. يقول صديق أن خطاب نقد الطويل ” لم يتعرض للبنك الدولي او صندوق النقد بالهجوم والاتهامات الخ، رغم ان الصندوق كان متمسكا آنذاك بروشتته الشهيرة (برامج التكيّف الهيكلي) بكل شروطها المجحفة بحق البلدان النامية”. ويواصل صديق “ثم قدّم نقد أربعة بدائل لاعلاقة لها بصندوق النقد أو البنك” وهي تشبه البرنامج الاسعافي ومخرجات المؤتمر الاقتصادي. يخلص صديق من كل هذه الإشارة الطويلة حول خطاب نقد في الجمعية التأسيسية الي أن نقد لم يهاجم الصندوق والبنك، يود صديق هنا أن يخلص ، بصورة غير مباشرة، وكأن نقد يدعم رؤي واستراتيجيات وسياسات البنك الدولي والصندوق !. هذه إشارة غير سليمة ببساطة لأن البدائل الأربعة التي طرحها لاعلاقة لها إطلاقاً بهاتين المؤسستين.
تلك الفترة كان الشعب السوداني يقود مقاومته تحت شعار وهتاف “لن يحكمنا البنك الدولي، لن يحكمنا الاستعمار”؛ وكان الحزب عبر منشوراته وميدانه السرية يعرّي ويفضح تلك السياسات؛ كما كان صوت وصدي فن وأدب وغناء المقاومة ضد نميري والبنك الدولي وأمريكا عالياً، كما في هذا النقد العميق للمجتمع الدولي وبنككه الدولي وأمريكا ذات نفسها:
يا سيد جمال الكون
عاقل انا المجنون
للقبرو واشنطون
يا حاج نوينا..
بحق كل مغبون
صبحت ديارنا
مفضوحة وفاضحة
ونهبوها وقعدوا
بالسرقة الواضحة
وفساد الذمة
مفضوحة وفاضحة
بالبنك الدولى
وبنوكاً شاطحة
(القدال)
ثم حول مشاريع التنمية الفاشلة التي ذكرها نقد كتب الشاعر:
تضيع الرموز التغتى الكلام
أقول السكاكر أبتنى ورمتنى وكفانا ؟
اقول العساكر تبارى الكبارى
وتفتش قلوب الجهال الشلوخهم هوية
واغنى الزيوت والكنانة؟ كضب.
٢. التحذير من مغبة تدخّل المؤسسات الدولية كان جوهر مؤتمر سياسات الاقتصاد الكلي (يناير ١٩٨٦)
لا يعتقد صديق الزيلعي أن موضوعة البنك الدولي والصندوق ذات أهمية لأن خطاب نقد الطويل في الجمعية التأسيسية ” لم يتعرض للبنك الدولي او صندوق النقد بالهجوم والاتهامات الخ، رغم ان الصندوق كان متمسكا آنذاك بروشتته الشهيرة (برامج التكيّف الهيكلي) بكل شروطها المجحفة بحق البلدان النامية”. ليت صديق اقتبس من نقد الحزب الشيوعي الكثيف للبنك والصندوق، وسيكون ذلك أكثر سلاسة ووجاهة من إقتباساته التي كانت خارج السياق التاريخي كما فعل في مقالاته السبعة، عسى أن نكون شهداء بالقِسْط “ولا يَجرمنّكم شنآن قومٍ علي ألا تعدلوا”. دعني أوضّج دون إسهاب ما دار في مؤتمر ١٩٨٦ حول هاتين المؤسستين العقيمتين بالرجوع لذلك السياق عبر تلخيص لخلاصة أوراق مؤتمر سياسات الاقتصاد الكلي حتي لا ندخل في شبهة تزوير السياق آنئذ. دعنا نستنير بكتابة صديقي د. محمد محمود الطيب حول ما ذُكر بكثافة حول السوءآت القياموية لسياسات البنك الدولي والصندوق حينئذ.
نلحظ أوجه شبه عامة بين المؤتمرين الإقتصاديين (١٩٨٦ و ٢٠٢٠) من حيث الدكتاتورية العسكرية للنظامين وإستخدام الدين في الاقتصاد وأسلمة النظام الاقتصادي وبداية نموء راس المال المصرفي الإسلامي في ١٩٨٣ ، وتوغله في صيغ من عمليات المضاربة والتخزين والمرابحة ودخوله في الإستثمار المباشر. غير أننا في ٢٠٢٠ علي مشارف إنهيار شامل علي مستوي البنيات الاقتصادية وأجهزة الدولة من حيث مستوي التدخل الدولي والإقليمي ونهب القطاع العام وإنفصال الجنوب وتحوّل المؤسسات العسكرية الي ملّاك لما نهب، وتضخّم الراسمالية التجارية الطفيلية عبر النهب والخصخصة، واستفحال الارتباط بمؤسسات التمويل الدولية، و إختراع وصناعة الحكومة المركزية للمليشيا في الحدود المتاخمة للجنوب كظاهرة إرتزاق واسعة فرّخت مليشيا الجنجويد، وتراكم الديون الخارجية من ٩ مليار الي ٦٠ مليار دولار.
كان جميع المؤتمرين في ١٩٨٦ يحتفون مفهومياً وفكرياً بضرورة قيام القطاع العام بالريادة في عملية التنمية ، وشملت الأوراق “تفنيد الأساس النظري لأطروحة صندوق النقد الدولي بتحقيق تطابق في السعر الرسمي والسعر الحر للعملة السودانية على مدى سنوات من خلال خلق سوق رسمية وأخرى موازية (سوق سوداء) بعد رفع نظام الرقابة على النقد ، كما اثبت الباحث بالشواهد العلمية خطل السياسة وما أفضت إليه من تشوهات في الاقتصاد” ( راجع “بمناسبة عقد المؤتمر الاقتصادي القومي ،عرض تحليلي وتلخيص اوراق مؤتمر سياسات الاقتصاد الكلي يناير ١٩٨٦، د. محمد محمود”). ورقة أخري بحثت ضرورة الدعم من منطلق متطلبات الأمن الغذائي للإنسان السوداني انسجاما مع معايير المنظمات الدولية (منظمة الأغذية والزراعة العالمية) وطرح الباحث جوانب مثيرة حول الحقيقة والخيال في مسالة الدعم وهل صحيح مثلا ان الخبز مدعوم؟ ( مثل جدل هل الجازولين والبنزين مدعومان في المؤتمر الأخير) ويخلص إلى توصيات هامة لدعم كل سلعة من السلع الضرورية (الخبز السكر المواد البترولية). وخلصت إحدي الأوراق “إلى أن تدهور كفاءة الجهاز التنفيذي على مستوى الوزارات والمصالح الحكومية والمؤسسات العامة قد ساهم بالقسط الأوفر في تدهور أداء الاقتصاد القومي ومن ثم في الازمة الاقتصادية الموروثة من النظام السّابق”. كان ذلك قبل الخصخصة الشاملة ونهب القطاع العام وهيمنة الرسمالية الطفيلية العسكرية والمدنية.
لقد كان سقف مؤتمر ١٩٨٦ الوطني عالياً حيث أكّدت إحدي الأوراق “إن التنمية الاقتصادية والاجتماعية للسودان موضوع هام وخطير لايمكن تركه لأحد القطاعين (العام والخاص) منفرداً. وإن القضية الاساسية تكمن في أى القطاعين يمكن أن يقوم بدور القيادة في عملية التنمية لتصفية التخلف ووضع السودان على أعتاب طريق التنمية الذي يعتمد على استلهام واستنهاض الذات والاعتماد على النفس والموارد المحلية”.
هناك “إجماع عام بين الاقتصاديين أنه نتيجة لضعف وتبعية الطبقة الرأسمالية في الدول المتخلفة فإن نظم وقوانين واستثمارات الدولة تلعب دورا هاما وضروريا لتحقيق “القفزة” إلى إيجاد تنمية ذاتية مستمرة وعرف الاقتصاديون القطاع العام بأنه يشمل المؤسسات الاقتصادية المؤممة وتلك التي تملكها الدولة وفِي هذا السياق يرى هؤلاء الاقتصاديون أن على القطاع الخاص أن يلعب دورا مساعدا ولكنه مهم لتعزيز دور القطاع العام في تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع ككل” (من ورقة د. ابراهيم الكرسني، راجع المصدر). كان جوهر تلك المساهمة إيضاح أهمية القطاع العام كقائد لعملية التطور الاقتصادي والاجتماعي في السودان، وهذا من أهم اللاءآت من لدن مؤسستي البنك الدولي والصندوق التي يومئ صديق الي ويؤمن بضرورة تقبّل التعامل معهما.
يعتقد صديق أن عدم ذكر محمد إبراهيم نقد للمؤسستين في خطابه يعني إما أنه يباركهما أو أن موضوعتهما لم تثار حينئذ. ثم كأن صديق ينفي تناولهما في ذلك المؤتمر، في حين أن أهم ورقة تم تقديمها في ذلك المؤتمر كانت بعنوان “صندوق النقد الدولي والفوضي الاقتصادية في السودان، تجربة السوق السوداء. تقديم بروفسير علي عبد القادر جامعة الجزيرة و بروفسير محمد نورالدين جامعة الجزيرة”. ونكتفي بالإشارة الي جوهر تلك الورقة والذي يعكس ما نحن ازاءه من إثبات خطل التدخل الدولي. تحدثت الورقة عن أن بداية العلاقة بين السودان ومؤسسات التمويل الدولية وبالتحديد البنك الدولي وصندوق النقد كانت في ١٩٧٩.
“من خلال ما يسمى ببرنامج الإصلاح الهيكلي للاقتصاد السوداني والذي بموجبه تمكن النظام من الحصول على بعض القروض والمساعدات الفنية مقابل الالتزام بكل التوصيات او بما يسمى بـ روشتة الصندوق والتي تشمل تخفيض العملة وسحب الدعم عن السلع الأساسية وزيادة الضرائب وتحرير التجارة الخارجية وغيرها من الشروط المجحفة في حق المواطن السوداني لصالح الطبقات الرأسمالية والطفيلية” (راجع مصدر د. محمد محمود الطيب). أن ما اقتبسه صديق الزيلعي من خطاب نقد كان يشير في ظنّي الي قضايا أكثر أولوية ولا تؤكد أنه يتفق مع التعامل مع الصندوق والبنك.
٣. عبّر سياق المؤتمر الاقتصادي سبتمبر ٢٠٢٠ عن فضاء صراع فكري طبقي:
قفز صديق من خطاب نقد الذي تجاهل تلك المؤسسات كونه راهن علي أولويات أهم، قفز الي عام ٢٠١٩ بعد ثلاثة عقود من تدمير الدولة وفسادها والخصخصة والنهب ليقول اننا في حاجة لمثل طرح نقد الذي لم يذكر البنك والصندوق على كل حال. وكانت قفزة مجانية يخلص منها الي أن اللجنة الاقتصادية “التي سيطر عليها اليسار، كانت تعتقد انها في معركة ضد حمدوك وضد ما يقوم به”. مرة أخرى يذكر صديق جزافاً مصطلح ” اليسار” الغامض ودونه إسم الحزب الشيوعي. لاحظت أيضاً أن عبارة اليسار ومشتقاتها وردت في مقالات صديق ١١ مرة !. لا يصلح الهتاف إطلاقاً مع الكتابة الجادة!! مهما كان القصد الأكاديمي أو غيره من مصطلح اليسار فإن اللجنة الاقتصادية كانت تضم كل ألوان الطيف السياسي، وهم معروفين باسمهم ورسمهم:
عادل خلف الله (البعث) ، صدیق الصادق امه ، عادل (مؤتمر سودانی) ، التجانی حسین (بعث)، شیخون (بعث) ، الهادی ابراهیم (قوی الاجماع الامه سابقا) ، شوقی عزمی (اتحادی) ، خطّاب (المجتمع المدنی) ،
کرکساوی (حزب الوسط) ، عبد الحلیم تیمان (حزب امه) ، کمبال (مستقل) ، صدقی وکمال (الشیوعی). خاف الله في القراء يا صديقي.
عبّرت نقاشات ومخرجات المؤتمر الاقتصادي (سبتمبر ٢٠٢٠) عن تيارين، تيار يعبّر عن القوى التي فجرت الثورة وهو اللجنة الاقتصادية من جهة، وتيار يمثل تكنوقراط حكومة حمدوك ومن والاها لاحقاً من قحت. أقيمت الجلسات الرئيسية للمؤتمر الاقتصادي بحضور من الوزراء واللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير، واتحاد أصحاب العمل، ورجال الاعمال ومنظمات المجتمع المدني وباحثين من مختلف الجامعات وممثلي قحت والبنوك والإعلام، وممثلي لجان المقاومة. وشملت توصيات المؤتمر الثروة الحيوانية والتعدين والتعليم والصحة والتضخم وغيره. كما شملت التوصيات ترشيد الدعم السلعي، ودمج البنوك، واتباع سياسات جديدة لاستقرار سعر الصرف، وتأكيد ولاية وزارة المالية على المال العام، ومراجعة عمل الشركات الحكومية الخ.
دوننا شواهد توضح ما تضمره الحكومة من أجندة لا علاقة لها بتوصيات المؤتمر:
أولا: إتضح من مجري الأحداث والسياسات اللاحقة أن لحمدوك وحكومته أجندة خاصة لا تتعلق بتوصيات المؤتمر، وضمن تلك الأجندة إشارته إلى وجود “قضايا آنية تحتاج الإسراع في وضع الحلول منها المشاكل الآنية التي تخص معاش المواطن”. رغم أن المؤتمر الاقتصادي القومي أوصى “بترشيد دعم المحروقات، وهو جزء من برنامج إصلاح يدعمه صندوق النقد الدولي” (راجع مقال “هذه أبرز توصيات مؤتمر السودان الاقتصادي.. والمعارضة تتحفظ”).
ثانياً: قبل شهر من المؤتمر “أجازت الحكومة الانتقالية موازنة معدلة للعام الجاري تشمل رفع الدعم عن المحروقات وتحرير جزئي لسعر الصرف وزيادة الدولار الجمركي” (نفس المرجع أعلاه).
ثالثاً: في ١٠ أغسطس ٢٠٢٠ “رفضت اللجنة الاقتصادية لقحت التعديلات التي أدخلت على موازنة ٢٠٢٠ كونها حمّلت المزيد من الأعباء على المواطنين وذلك بزيادة سعر المحروقات زيادة كبيرة وغير محتملة للشعب تحت مسمى رفع الدعم عن المحروقات والوقود الحر، بالإضافة إلى تعويم سعر صرف الجنيه السوداني وزيادة الدولار الأمريكي مما يعني زيادات كبيرة فى الأسعار، وانفلات في التضخم. ورفضت اللجنة هذه التعديلات لأنها تسيرعلي خطي نفس سياسات النظام المباد التي رفضها الشعب وأدت الي الثورة.
رابعاً: ذكرت اللجنة الاقتصادية للحرية والتغيير أن الموازنة المعدّلة لم تعرض عليها ولا على المجلس المركزي للحاضنة السياسية لمناقشتها وإبداء الرأي. ودعت اللجنة الي تطبيق البدائل في “البرنامج الإسعافي والسياسات البديلة – الإطار العام” المقدم في أكتوبر ٢٠١٩ ” (راجع: تصريح من اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير برفض التعديلات التي أدخلت على موازنة ٢٠٢٠).
خامساً: طلبت اللجنة الاقتصادية في “اجتماع مشترك مع وزيرة المالية المكلفة، طلبت بتمديد مهلة لمدة أسبوع قبل إجازة الميزانية والاطلاع عليها، ولكن الوزيرة (اعتذرت) وتحجّجت باجتماع المانحين بالرياض، بأهمية اجازة الموازنة وربطها بالاصلاحات الاقتصادية، بطلب من الدول المانحة لتقديم الدعم” (راجع “الحرية والتغيير: الموازنة المعدلة “كارثية” وتمت بسرية، الراكوبة، ٣ سبتمبر ٢٠٢٠).
اذن شهدت جلسات المؤتمر خلافات بين الحكومة الانتقالية وقحت حول الإصلاحات الاقتصادية التي تعتزم الحكومة إجرائها، حيث رفضت قوى الحرية والتغيير توصية للحكومة الانتقالية برفع الدعم عن المحروقات وأعلنتها ضمن فعاليات اليوم الثاني للمؤتمر.
من الإفادات والوثائق أعلاه يصبح زعم صديق أن الحديث كثر “عن المؤتمر الاقتصادي، وتنكر حكومة حمدوك لقراراته”، وأنه يؤمن “أن هذا طرح مضلل”، زعم مجاني لاعلاقة له بالواقع وبتاريخ موثق عشناه جميعا. كما أن إشارة صديق الي توصيات المؤتمر في الجلسات والأوراق التي قدمت والورش القطاعية، لا تعدو أن تكون إشارة إلى توصيات لم تر النور كما هو معروف. وسرعان ما ناقض صديق عبارته أعلاه بقوله “كما نري فهذه توصيات وليست قرارات لنطالب الحكومة بإلزامية تنفيذها”!. وهذا ما ظللنا نردده أن حكومة حمدوك سادرة في غي المجتمع الدولي، وأن قحت كانت حينئذ صامدة تعبّر عن مطالب ثورة ديسمبر، لكنها تراجعت عن كل ذلك وانقسم التجمع المهني وخرج منها ما خرج من الأحزاب.
وكان من ضمن سجالات المؤتمر رفع الدعم الذي عبّر عن فضاء صراع فكري طبقي بين نخب تعبّر عن الثوار حينئذ من جهة، ونخب تعبّر عن برنامج جنرالات قادة الرسمالية الطفيلية وروشتة صندوق النقد من جهة أخري ورسل الراسمالية التجارية الجدد الذين انبروا لدعم الشراكة ودعوتهم لإجتماعات سرية في منازلهم حول مبادرات تجمع رموز الدولة العميقة ونشطاء قحت ، نذكر منهم هنا حجّار، النفيدي، أسامة داؤود، إبراهيم الشيخ الخ) . وكانت حكومة حمدوك تصر علي استراتيجية رفع الدعم، وقد تم وضع خطة لرفع الدعم (عن البنزين) تبدأ في مارس ٢٠٢٠ وتشمل الجازولين والكهرباء أيضا (الموازنة ص ٨).
وفي سیاق تبریر رفع الدعم طُرحت الموضوعات التالیة: أن سعر البنزین في السودان أرخص من سعره في بعض دول العالم، مثل فنزویلا. وجاء في الموازنة أن السعر المدعوم في صالح الأغنیاء ذوي العربات الفارھة وأن المطلوب بدیلا عنه الدعم النقدي المباشر للمواطنین (الموازنة ص ٥).
الحقيقة التي عبّر عنها الاقتصاديون هي أن الغالبیة من السكان یمتلكون سیارات وذلك لضرورات الحیاة ، وضرب البعض أمثلة نذكر منها: أن معظم سیارات الموظفین وھم فئة كبیرة في ولایة الخرطوم تعمل سیاراتھم في الترحیل الجماعي (ترحال) وذلك لزیادة الدخل بل والبعض منھم یملك اكثر من سیارة بغرض جعلھا تعمل في مجال التاكسي ، وھذا النوع من السیارات یستھلك اكثر من غیره في الوقود لأنه یعمل علي مدار الساعة ، مع العلم ان سیارات الأغنیاء لا تعمل علي مدار الیوم والبكاسي ھي تمثل عدد لا یستھان به. وكان يمكن تحدید حصص أسبوعیة للملاكي والنقل الذي له علاقة بالزراعة والصناعة. ذات الدفوعات ذكرت أن علي الجمارك أن تعمل تصنیفات واضحة لھا وفقا للمودیل والماركة والسعر وھذا سوف یعطي فكره واضحة عن الاستھلاك التفصیلي للسیارات وأیضا الطبقات الاجتماعیة التي تملكھا مما یتیح فرصة لاتخاذ القرارات السليمة من قبل الحكومة حول عن من ترفع الدعم.
وهل يذهب الدعم المباشر الي مستحقیه نسبة للفساد؟، كما أن قيمته ستتضاءل بفعل التضخم كما شاهدنا فعلاً من أن الدعم المباشر أصبح أضحوكة. وتوصل كثيرون إنه لا یوجد أي دعم للبنزین او الجازولین بالحساب القائم على تكالیف الانتاج الحقیقیة لبرمیل النفط المنتج محلیا.
لماذا نطعن في ظل الفيل ضمن التفاصيل الفنية؟ لقد تم التغاضي عن سؤال التريليون دولار وهو لماذا لا تؤول الشركات الأمنیة ذات النشاطات المدنیة لوزارة المالیة وبقرار سياسي وشرعية ثورية؟ وهل يمكن أن يمد الواحد رجليه و يقول أن حكومة حمدوك وقحت صرفتا النظر في أهم مطلب ، لكن لم تكن أيديهما مملوءة بقوي الثورة ومطالبها ؛ ذلك لأن أعضاء في اللجنة الاقتصادية كانوا أدري:
أولاً : وزارة المالیة ، في جمیع دول العالم ، ھي الجھة المعنیة الوحیدة في ولایتھا علي المال العام حتي مرتبات الجیوش والشرطة وجمیع الجھات الأمنیة.
ثانياً: هذه الشركات تمثل منافسا ذو دعم غیر محدود في مواجھة القطاع الخاص ، وبالتالي السماح لھذه الشركات بالعمل في السوق یؤدي الي تدمیر القطاع الخاص والذي یمثل قطاع من المواطنین یجب ان تسعي الحكومة لمساعدتھم عبر زیادة المیزات النسبیة ، خاصة لشركات المنافسة الخارجیة التي تجلب عملات صعبة للبلاد.
ثالثاً: ھذه الشركات العسكرية والأمنية والمليشيا تعمل بمبالغ قد تصل مجتمعة الي ملیارات الدولارات وھي خارج الخزینة العامة.
رابعاً: لا تدفع هذه الشركات ضرائب ورسوم جمركیة كما تدفع شركات القطاع الخاص. وبالطبع لا تخضع للرقابة والمراجعة وأنها بعیدة كل البعد عن المساءلة بحجة انھا تتبع لجھات أمنیة.
والسؤال الفكري المفهومي الاقتصادي ضمن سياق المنطق الراسمالي الذي لا يمسه أنبياء الراسمالية محلياً واقليمياً ودولياً هو: كیف لحكومة تنوي تطبيق روشتة تنادى بالخصخصة واقتصاد رأسمالي وهي تقوم بمنافسة وتقزيم القطاع الخاص؟!!. هذا تناقض يعكس بؤس الفلسفة وفلسفة البؤس و قلة الحيلة وطفيليتها بإمتياز.
كثير من الدراسات أوضحت آثار زیادة اسعار المحروقات علي قطاع النقل وعلي اسعار السلع والخدمات ، ونضطر الي إعادة إكتشاف العجلة ونردد الواضح ما فاضح كون “الفقراء وذوي الدخل المحدود، والمنتجین ھم اكثر الشرائح تضررا وھم الغالبیة الساحقة من الشعب والذي یقتضي ان تستمر الدولة في وظیفتھا الاجتماعیة والاقتصادیة بتوفیر ودعم السلع الاساسیة والخدمات الضروریة، واتخاذ التدابیر التي تكافح التھریب وترشید الاستھلاك والبحث عن تقلیل الانفاق في أوجه اخري، والاسراع في استرداد الاموال المنھوبة والمجنّبة، وسیطرة الدولة علي الذھب والمعادن بشركة مساھمة عامة وبورصة للذھب والمعادن والمحاصیل وترشید الواردات”. هذا أو طوفان الإضراب السياسي والعصيان المدني ثم الثورة والرجوع للدائرة الشريرة الجديدة.
٤. تطفيف وتقزيم صديق الزيلعي لما طرحه الحزب الشيوعي من برنامج إسعافي
نزعم أن هناك “برنامجاً تفصيلا وضع امام الحكومة وتجاهلته”، من الحزب، أما اللجنة الاقتصادية فقد دفعت ب “160 توصية من المؤتمر الاقتصادي السوداني… ووعد حمدوك تنفيذها” حسب تصريح حمدوك شخصياً للصحف حينئذ. البرنامج الاسعافي الذي عرضه الحزب الشيوعي كان تحت عنوان ” البرنامج الإسعافي للمرحلة الانتقالية” وليس “ملامح البرنامج الاسعافي للمرحلة الانتقالية” كما ذكرصديق ؛ وجاء في أكثر من خمس صفحات وليس جند واحد وصفحة واحدة؛ وحدد أهداف أساسية كمطالب للثورة وهي (وقف التدهور الاقتصادي ومحاصرته، وتحقيق التوازن الداخلي والخارجي، ومحاصرة الضائقة المعيشية وتخفيف وطأتها وتحسين الأحوال المعيشية للمواطنين” ولو أنجزت المرحلة الإنتقالية ذلك سيكفيها فخراً. وتحدث برنامج الحزب الإسعافي عن الآتي: تبويب أولويات الصرف، وتقليل الانفاق العسكري والأمني والشرطي الي ٢٪ من الناتج المحلي، وتقليص جهاز الأمن وإيقاف صرفه البذخي من مباني وأبراج ومخصصات للقيادات العليا، وتقليص مشتريات الأسلحة وإيقاف الحرب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وتخفيض الإنفاق على القطاع السيادي ومؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء الي ٢٠ وزير، إلغاء الصرف من الخزينة العامة على منظمات حزبية تابعة للمؤتمر الوطني وذكرها بالاسم كمنظمك الذكر والذاكرين ومنظمة الشهيد وجامعة أفريقيا العالمية. وحسب برنامج الحزب سيحرر ذلك التخفيض موارد ضخمة تشكل مصدرا لزيادة الإنفاق علي القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية والصحية والتعليمية. وتحدث في ص ٢ عن التوازن الداخلي بخلق مصادر للإيرادات دون الاعتماد على الضرائب غير المباشرة التي تثقل كاهل المواطن وتفاقم الضائقة المعيشية واقترح برنامج الحزب بالتحديد ١٥ مصدراً لتلك الايرادات التي لايقع عبئها على كاهل المواطن. مالكم كيف تحكمون ومالكم تطففون؟!. وحول تحسين الظروف المعيشية تحدث عن استرداد الأموال المنهوبة فى الداخل والخارج والوصول إلى اتفاق مع الدول الدائنة لإعفاء السودان كليا او جزئياً من ديونه… ولتحسين الظروف المعيشية ذكر البرنامج الإسعافي ١١ اقتراح حول الضرائب وتوحيد سعر الكهرباء وتخفيضها على القطاع الصناعي، والغاء الرسوم في قطاعي الصحة والتعليم الخ. وفي ص ٤ تحدث عن التوازن الخارجي ومحاصرة العجز في الميزان التجاري (صادر وارد) وميزان المدفوعات. واقترح سياسات اقتصادية بعينها. في صفحة ٥ تحدث بتفصيل عن النظام المصرفي بإعادة الثقة في النظام المصرفي من خلال ٦ إجراءآت. وفي الختام وضّح البرنامج الإسعافي للتنمية فى الفترة الانتقالية ضرورة أن يركّز البرنامج التنموي على إعادة تأهيل المشاريع التنموية ومشاريع البني التحتية التي قوضتها حكومة الإسلام السياسي.
لا أدري من أين تصدر يا صديقي حتي تغمط الحزب الشيوعي أشياءه وتشنأه وتطففه هكذا!؟.
٥. مغبّات تدخّل المجتمع الدولي المُهجمِن من تفكّك إقتصادي واجتماعي وسياسي.
أود هنا إبانة ضبابية أطروحة صديق حول البنك الدولي والصندوق والمجتمع الدولي وإصراره في التعامل مع البنك الدولي والصندوق حيث يزعم أن “الواقع المرير يفرض التعامل مع البنك الدولي وصندوق النقد، وبعد تصفية ديوننا وتأهيل بنياتنا الأساسية يمكننا ان نعتمد على أنفسنا في تنمية موادنا”. وكأنما يمكن الحديث عن أفق ما ل “تأهيل بنيات أساسية”! في روشتة الصندوق. يزعم صديق أن صندوق النقد عدّل في سياساته و”أهمها سياسة التصدي للفقر، التي أصبحت ملزمة لكل من يتقدم بطلب للتمويل”. دعني التقط مشهد الغابة والأشجار في سوءآت التدخل الدولي وضرورة التعامل بندية قصوي من حكومة متمسّكة بعروة شعوبها حول ورطات التدخل الأجنبي بنيوياً.
إستعنت هنا من دراسة مهمة بعنوان “التدخل الدولي: الصراع والتفكك الاقتصادي و الدور المتسيّد للجهات الفاعلة المهجمِنة ، إيرل كونتيه مورغان ، ترجمة عصام على عبد الحليم” حيث إستعان الكاتب بتحليلات استخدمت “الغرامشية الجديدة ، الماركسية الجديدة ومدرسة تحليل النظم الدولية ( وولرشتين)، للتأكيد على حقيقة أن سيادة الدولة النامية تتعرض للهجوم من خلال عمليات العولمة المختلفة. وسأقتطف هنا فقرات من المقال لأهميتها في التحذير من مغبّة زج السودان في ذلك الجب عبر محادثات ثنائية بين ممثلي حكومة إنتقالية وتلك المؤسسات بعيداً عن الرأي الشعبي الكامل.
من أهم سمات العولمة “السيولة الجيوسياسية والحراك المائر في البنى الاجتماعية -الاقتصادية، والتى تميل إلى تحدي سيادة الدولة النامية في مستوى الجذور وفى آفاقها. فالنزاعات الاثنية العنيفة، والحركات الانفصالية، ورغائب الحكم الذاتي أو السلطة السياسية المحلية، أو السيطرة على الأراضي، ووقائع التفكك الاقتصادي، من بين تحركات متعددة، تهاجم سلامة الدولة النامية، مما يحفز القوى الفاعلة المهجمنة (الدول الكبرى، والمنظمات الحكومية الدولية، والمؤسسات المالية الدولية) إلى التدخل بدواع” منها دعم تماسك الدولة و تعزيز وفرض ممارسات لحفظ حقوق الإنسان. محصلة هذ التدخل هو “هجمنة القوة اللبرالية الجديدة كوجهة نظر أخلاقية عالمية حديثة للعلاقات الدولية، والتي تفرض عقوبات متزايدة من التدخلات العسكرية وغير العسكرية، للحفاظ على التركيب السائد للدول والمجتمع الدولي ككل. والنتيجة هي أن الدول، ولا سيما الدول النامية، تفقد تدريجيا هوياتها الفردية وحقوقها والتزاماتها تجاه مجتمعها المدني، على اثر إملاءات تفرض عليها من الخارج. وبعبارة أخرى، فإن الآثار التفككية للعولمة، فضلا عن جوانب التفكك الذاتية للاقتصادات النامية الضعيفة، تقوّض بشكل متزايد المبدأين الأساسيين: مبدأ عدم التدخل ومبدأ سيادة الدولة. تشكل الآن تدخلات حل النزاعات، حفظ السلام والتفكك الاقتصادي وفرض السياسة الاقتصادية الخارجية، أكبر مصادر الاعتداء على استقلال صنع القرار، السلامة الإقليمية والسيادة الوطنية للدول النامية”.
بإتساع عمليات العولمة الاجتماعية-الاقتصادية “أصبحت الأشكال غير العسكرية للتدخل من جانب القوى العظمى والمؤسسات المالية الدولية في شأن سيادة الدول النامية، أيضا مشكلة أخلاقية على نحو متزايد ، ويتجلى ذلك في رد فعل قطاعات كبيرة من المجتمع المدني في الدول النامية على القيود الاقتصادية الخارجية ، مثل الخضوع/القبول لشروط (روشتة) صندوق النقد الدولي”.
تهدد عمليات العولمة “الاستقلال السياسي/الإداري للدولة النامية. مثلاً الآثار الاقتصادية لعمليات العولمة المتسارعة، وتعميق قوى السوق التي تفتح الأبواب مشرعة لتدخل المؤسسات المالية الدولية في اقتصادات الدول النامية، فتوقعها في الخلخلة المزلزلة وبحر الاضطراب، وبالتالي تزعزع استقرار “العقد الاجتماعي” بين الدولة والمواطنين. بعبارات أخرى، تنطرح الاسئلة في خضم المعالجة: إلى أي مدى تؤدي النزاعات العنيفة داخل الدول النامية، وتدخلات الجهات الخارجية إلى تقويض السيادة الوطنية للدولة؟ أو إلى أي مدى يؤثر فرض سياسة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في قدرة الدولة على توفير الضمان الاجتماعي والاقتصادي لمواطنيها؟”. ما يخصنا هنا هو الإملاءات الاقتصادية- السياسية التي تفرض علي الدول.
توفّر “المؤسسات الدولية شرعية علاقات القوة، وتعبر عن هجمنة الأقوياء ، وتفرض تعاون الضعفاء. فمثلا، تم تصوير العلاقات الاقتصادية العالمية باعتبارها علاقات صحيحة مؤسسية وشرعية، وتم قبول عموميتها المناسبة من قبل مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي، والاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (ألجات) ، ومنظمة التجارة العالمية ، والبنك الدولي ، من بين آخرين”.
أزعم هنا، مثل الكثيرين، أن القانون الدولي، مطلق قانون دولي، لأن يرسّخ المساواة والإنصاف والعدالة في الجنوب الكوني لابد أن يكون علي حساب المصالح الاقتصادية الخاصة للدول الغربية القوية. تبعاً لذلك فان سياسات وقوانين المؤسسات الدولية الرئيسية (صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي أو منظمة التجارة العالمية)، هي انعكاس للقانون الدولي ينتصب لحماية البنية السياسية والاقتصادية العولمية، ويعمل بشكل رئيسي على ضمان استمرار هجمنة الدول الصناعية المتقدمة.
كلنا يعرف أن القانون الدولي عزّز “التقسيم الدولي للعمل. ففي عملية التراكم الرأسمالي العالمي التي رافقت النظام العولمي الحديث، تراكمت الفوائد بشكل غير متساو بين الدول، مما خلق فجوة بين الشمال والجنوب في السلطة والثروة والهيبة…. وقد ثبت أن عملية التنمية غير المتكافئة التي تلت ذلك، تشكل عائقا أمام القدرة الحرة على اتخاذ القرار في الدولة النامية. فقد اكتملت عملية فرض وضعية الأطراف أو الدول المتخلفة لتحتل الهوامش، وتم اختراقها والتأثير المباشر وغير المباشر على حركتها الوجودية، وتم فرض موقعها في العملية الرأسمالية الشاملة لاستخلاص الفائض من الجنوب، وترحيله إلى الشمال داخل بنية اقتصاد عولمي واحدة. وبالتالي، فإن صراعات الاستيلاء على الثروة تحدث داخل بنية النظام، كما تحدث بين الدول، وداخل الدول النامية في موقعها كطرف متلقٍ لعلاقة غير متكافئة وكطرف حاضن للفقر. تؤدي التغييرات في العلاقات بين الشمال والجنوب تلقائيا، إلى تغييرات في الاقتصاد السياسي الوطني للجنوب. وعلى وجه الخصوص، فإن عمليات العولمة، بوصفها جوانب من مرحلة جديدة من الرأسمالية، تحدث تحولات عميقة فى جميع المكونات السياسية المحددة للعلاقات الرأسمالية بين الشمال والجنوب. والنتيجة هي مقايضة واضحة او استبدال بين “المساواة / الرفاهية” و “الكفاءة / الخصخصة”. أدت إلى إضفاء الطابع العولمي على جهاز الدولة (الدولة كجهاز عابر او فوق وطني) وإلى تدويل مكثف وواسع النطاق، متأصل في عمليات العولمة والشبكات والخطابات التي تهدد الدولة ذات السيادة، من خلال خلق فضاء يستحيل فيه – تقريبا-على الدولة أداء وظائفها الاجتماعية والاقتصادية، ووظائفها المتعلقة بنظام الرعاية الاجتماعية تجاه المجتمع المدني. إن زيادة تعميق وتكثيف عمليات العولمة يمكن أن تجعل من جهاز الدولة في الدول النامية، كيانا بلا معنى أو سيرة قديمة عفا عليها الزمن”.
بعض الثورات والإنتفاضات الوطنية التي تحدث في الجنوب الكوني لها علاقة بصراعات تشنها المليشيا ضد الدولة “بسبب الرغبة في ضمان أمن المجموعة المحددة أومطالب تحقيق الذات”، وفي حالة السودان تسببت فيها الحكومات المركزية الدكتاتورية بسبب التنمية غير المتساوية و/أو إختراعها للمليشيات. ولعل التحدي الواضح للدولة الذي تكشف عنه هذه الصراعات، “هو الدليل النهائي والأكثر إقناعا على أن قوة العولمة، عامل مهم في صعود فكرة عدم مقبولية جهاز الدولة، أوتصويرها كعقبة أمام تطلعات العديد من المجموعات”. اذا كان ذلك كذلك فلماذا نتمسّك دينياً بالنظام العالمي المعاصر؟.
التدخلات الاقتصادية الخارجية وأزمة الدولة
في حين “أن التدخلات التي يرعاها مجلس الأمن الدولي تميل إلى حماية حقوق الإنسان للسكان في الدول الهشة والحاضنة للصراعات المتفجرة ، الا إن فَرضْ السياسات الاقتصادية الخارجية (التدخلات) من قبل المؤسسات المالية الدولية، تُنقص إلى حد كبير من الممارسة السيادية لبعض الحقوق والواجبات من قبل الدولة النامية تجاه مواطنيها. ويُقوّضُ التدخل كشكل من ضرورات العولمة (وخاصة سياسات برامج التكيف الهيكلي) قدرة الدولة النامية على إدارة وتجميع وإعادة توزيع الموارد الاقتصادية داخل أراضيها. و قد يُحد هذا – بالنتيجة – من قدرة الدولة النامية على تحقيق التكامل السياسي الوطني بين مجموعاتها الإثنية والطائفية المتنوعة ، فضلا عن النقص فى شرعيتها تجاه المجتمع المدني بشكل عام”.
لقد شكّل تدخل القوة العظمى و المؤسسات المالية الدولية في الدولة النامية هجمة شرسة أثّرت سلبيا على استدامة “العقد الاجتماعي” في الجنوب الكوني وعلي “مختلف التحالفات المستندة على الموروث الشعبي ، التي تسعى لتحقيق الاستقرار المجتمعي السياسي”. خلق التحول من مبادئ دولة الرفاه “القائم على المدرسة الكينزية المتمثل في تحقيق العمالة الكاملة ودور الدولة في الاقتصاد ، إلى مبادئ الليبرالية الجديدة التي ركزت بشكل أساسي على قوى السوق والصراع ضد التضخم”.
حتي في الدول القوية أدي تحرير الأسواق المالية فيها الي أن “حكوماتها بدأت تفقد السيطرة على سياساتها الاقتصادية داخل حدودها الوطنية” ، كما نلاحظ في إنهيار الأسواق المالية منذ ١٩٢٩ لغاية ٢٠٠٨. في الإنهيار الأخير إضطرت الدول في الشمال الكوني (أمريكا) الي دعم وإنقاذ الشركات الكبرى من الإنهيار من أموال دافعي الضرائب. قد عبّر أوباما حينها أن تلك الشركات أكبر من نتركها تفشل، مع أن قانون الراسمالية التنافسية المعروف يعاقب الشركة الفاشلة بمغادرة السوق.
كان الدافع وراء فرض صندوق النقد الدولي للأفكار الليبرالية الجديدة في الدولة النامية، هو أزمة الديون في ١٩٨٠ ، حيث أصبح توفير موارد إضافية ( قروض ، منح) لمكافحة المشاكل الحادة في نظم المدفوعات ، وأعباء الميزانية ، التضخم ، وخدمة الديون، مشروطة تماما بقبول برامج التكيف الهيكلي. وقد فرضت -هذه البرامج- تطبيقا صارما للتخفيضات الهائلة والمتكررة لقيمة العملة ، وتحرير أسعار الصرف والفائدة ، وخصخصة المؤسسات العامة ، وسحب جميع الإعانات، وإلغاء مجالس التسويق الحكومية ، من بين حزمة إجراءات أخرى. وفي نهاية المطاف المتعسف، أدّت برامج التكيف الهيكلي إلى نسب بطالة هائلة، نتجت من تسريح أعداد ضخمة من موظفي القطاع العام.
المعضلات التي تطرحها التدخلات الاقتصادية
فرض برامج التكيف الهيكلي يتجاوز انتهاك حقوق الإنسان ليشكل أيضا نوعا من الأبوية: فهي التي تقرر للدولة النامية ما تراه الطريقة الأكثر فعالية لإدارة اقتصادها وحكم مجتمعها. في النهاية ، بما أن الأبوية الغربية تنتهي بفرض إرادتها على قيادة مترددة في كثير من الأحيان ، فإن النتيجة في العلاقة هي الهيمنة التوافقية.
جاءت الدولة في البلدان النامية إلى حيز الوجود ، عندما كان مفهوم دولة الرعاية الاجتماعية (الرفاه الاجتماعي) “مفهوما إجرائيا معتادا في حالة العديد من الدول في النظام الدولي. وتسعى دول كثيرة -في هذا الصدد- إلى تحقيق حد أدنى مضمون من العيش من خلال الدور المهيمن الذي يلعبه القطاع العام، يتجلى في الدعم الحكومي لقطاعات التعليم والصحة والغذاء والإسكان وغيرها. وبعبارة أخرى ، تهدف العديد من الدول النامية إلى وفرة عالية للسلع الضرورية الاجتماعية والخدمات، من خلال سياسات توزيعية و سياسات موجهة نحو تحقيق قدر أكبر من المساواة الاجتماعية والاقتصادية”.
“كانت ردود الفعل الفورية على تدابير التقشف الاقتصادي المتأصلة في سياسات التحرير الاقتصادي متباينة، ولكنها كانت كلها مزعزعة للاستقرار. اتخذ العديد من ردود الأفعال شكل انتفاضة عفوية ضد الحكومة ردا على التجربة المفاجئة، أو بسبب الخوف من فقدان الامتيازات الاقتصادية. وفي البلدان التي مرت بتلك التجربة ، غالبا ما يكون الجيش هو الذي يستخدم لإجبار الناس على العودة إلى السلوك السلمي القويم . ويأتي استخدام الجيش لإخماد المظاهرات والاحتجاجات بنتائج عكسية لتلك التجارب الجديدة للعمليات النيوليبرالية للتحرير السياسي”.
يؤدي التحرير الاقتصادي في أفريقيا المفروض عبر تدابير برنامج التكيف الهيكلي، إلى تقليص دور الدولة في الاقتصاد ، مما يتسبب في آثار سلبية على الطبقات الفقيرة. يصبح التحرير السياسي في الغالب بمثابة كبح للتحرير الاقتصادي ، ويؤدي هذا الأخير بدوره إلى تقويض الديمقراطية. جدير بالذكر أن ما سمى “بالمعجزات الاقتصادية لدول شرق آسيا في الثمانينات ، كان نتيجة لتدخل الدولة الفعال في تحفيز القطاعات المشتغلة بالتصدير”.
في السودان أصبحت فئات إجتماعية معينة تتمتع بالامتيازات التي يمنحها التحرير الاقتصادي ، لذلك تصبح “شرائح المجتمع المهيمنة سياسيا (ضباط الجيش والأمن ، والصناعيين ، وكبار موظفي الخدمة المدنية ، والطبقة الوسطى) هي المستفيدة من النمو الاقتصادي والتحرير”. لذلك تتخلّق مقاومة من المجموعات المحرومة اقتصاديا والمستبعدة سياسيا في المجتمع، والتي لا يحمي الاقتصاد السياسي الجديد مصالحها. أدت أيضاً سياسات التحرير الاقتصادي الي تغيير “استراتيجيات التنمية الاقتصادية في العديد من البلدان النامية. فعلى سبيل المثال ، تحول العديد من الحكومات الأفريقية من التصنيع البديل للواردات إلى ما يشار إليه الآن باستراتيجية تنمية حرية السوق”.
وهكذا “بدلا من التحرير والنمو الاقتصادي المحتمل الذي يقلل من التفاوتات العلنية والنخبوية المثيرة للانقسام في مثل هذه البلدان ، تترسخ- بدلا من ذلك- الأوضاع والقوة الطبقية للمجموعات المهيمنة، وتحافظ على تقاليدها النخبوية ومواضع الامتياز. والنتيجة الأخرى هي زيادة انتشار الفساد والتشويه الاقتصادي والميول الاستبدادية. يؤدى مثل هذا الوضع إلى مزيد من الاغتراب والتهميش للطبقات الكادحة ، ويقود للفشل الذريع لبرامج التحرير الاقتصادي والسياسي”. نؤكّد مع الكاتب “إن الحرمان الواسع النطاق الناجم عن برامج التكيف الهيكلى ، وحالة الأسواق الضعيفة ، والبنية التحتية غير المتطورة في العديد من البلدان الأفريقية ، على سبيل المثال ، تشير إلى أن هناك حاجة إلى دولة “قوية” لضمان الاحتياجات الإنسانية الأساسية ، وإنشاء الهياكل اللازمة لاقتصاد السوق الفعال”.
لا بد أن يمر تدخّل البنك الدولي والصندوق – وهذه المنح – “من قبل دولة قوية وغيرها ، بعملية موافقة شعبية؟ هل يجب أن تستسلم الدولة للإملاءات الخارجية التي تقوض التزاماتها التعاقدية تجاه مواطنيها” ، وضمان قدر من الضمان الاجتماعي علي مقاس تضحيات الشهداء.
فلنخرج من جحر ضب سياسات ضيقة الأفق مسجونة في الرغبة ” في تعزيز الوضع التنافسي العالمي للاقتصاد الوطني ، بدلا من بذل الجهود ، مثلا ، لزيادة مستويات العمالة المحلية. وبعبارة أخرى ، أصبحت الشواغل المحلية خاضعة لمتطلبات العولمة التي تفرضها مصالح الجهات الفاعلة المهيمنة”.
في العديد من الدول النامية ، تراجعت “الدولة الشعبية الوطنية” (أو دولة الرفاهية) نتيجة خضوعها لبرامج التكيف الهيكلي. ومع نموذج الليبرالية الجديدة ، ونجد أن الدولة اضطرت إلى التخلي عن دورها كعامل للتنمية الاجتماعية وكأداة للتكامل. واذا أضفنا موضوعة تقويض السيادة الوطنية ، يصبح التدخل في العلاقات بين الدول غير مقبول قانونيا وأخلاقيا ومنطقياً.
٦. نماذج خيبات الإنفتاح الاقتصادي في الفترة الإنتقالية:
تعجّل التدخل الأجنبي مع الصندوق طيش إقتصادي سياسي آيدولوجي بائس.
لقد راهن خطاب قحت وطبيقته الحكومة الإنتقالية، كما ذكرت في كتابة سابقة في ٢٠٢١ علي مزدوجتين آيديولوجيتين بإمتياز هما الإنفتاح الإقتصادي والشراكة النموذجية مع العسكر/المليشيا، وهي أطروحةً كارثيةً مدمّرةً فاسدةً زهوقا؛ وكمن يريد أن ينجز قفزة فوق حفرة بإجراء قفزتين معاً وهو في الهواء. إن الرهان علي الإنفتاح الإقتصادي فى ظل العولمة اللئيمة دون ترتيب البيت السوداني الداخلي والإصغاء الي مطالب الثوار الحقيقية التي ثاروا من أجلها مضرة للغاية بالعملية الديموقراطية القادمة وبقيم العدالة الإجتماعية التي هي عمود النُص وعماده أو قل “الأمينة والشِعْبة” التي تسند العملية الديموقراطية” (راجع تفكيك خطاب حمدوك).
علي المستوي العالمي سعت برامج التحرير الاقتصادي اللبرالي الجديد الي فرض روشتات اقتصادية ينفذها الصندوق والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية منذ نهاية الثمانينات حتى الآن، بداية من برنامج الإصلاح الهيكلي ، ومرورا ببرامج واستراتيجية الحد من الفقر، وإنتهاءً بما بات يُعرف بمشاورات المادة الرابعة. في كل هذه البرامج والسياسات نصّ الصندوق والبنك الدوليان على أن الشرط الأساسي لنجاح البرنامج هو أن تتم عمليات الخصخصة