كيف يكون إلغاء المدارس النموذجية ضمن توصيات الحوار؟

بسم الله الرحمن الرحيم
نقلاً عن صحيفة الجريدة نشرت صحيفة الراكوبة الغراء ..بعض التوصيات التفصيلية عن لجنة الهوية.. وبدا مثيراً للاستغراب أن تكون مثل هذه التوصيات..هي من أعمال مؤتمر حوار وطني..وسأتوقف عند توصية في مجال واحد هو المتصل بالتعليم ومن ثم تسجيل الملاحظات الممكنة في السياق العام لما ورد.
الملاحظة الملفتة ..هي التوصية بإلغاء المدارس النموذجية.. في البداية يجب على الإقرار بأن القسم الأكبر من التربويين كان مع الجانب المنتقد بشدة لإنشائها أصلاً ..وتأتي المفارقة فيه على أن إنشاء هذه المدارس في الأساس..كان قراراً ولائياً قامت به ولاية الخرطوم وليس قراراً وزارياً مركزيا ..بدليل أن أمر انتقال الفكرة إلى الولايات كان تدريجياً تبنته الولايات..وقد قاومت إدارة التعليم في كسلا مثلاً الفكرة بشدة حتى فرضتها حكومة الولاية.. هذا من الناحية الإجرائية ..أما من ناحية عوامل انشائها..فكانت محاولة لتلافي فضيحة الانهيار الذي أصاب التعليم نتيجة لما سمي بثورة التعليم ..دون الاستعداد الكافي بأعداد المعلمين والكتاب المدرسي وخلافه إضافة إلى حذف عام من سنوات التعليم العام بإلغاء المرحلة المتوسطة..
قابل هذا إطلاق يد الرأسمالية في الاستثمار في التعليم الذي جاء نتاجاً طبيعياً لسياسة التحرير والذي سحب الموجود من المعلمين..وصار من لم يترك العمل الحكومي يبدو كمعلم متعاون مع المدرسة الحكومية رغم أن تعيينه حكومي!! ذلك لارتباطه مع المدرسة بجدول الحصص فقط..في ظل هذا الواقع ..أصبح إعلان النتائج مناسبة للترويج للمدارس الخاصة بصورة تجارية فجة..هنا ظهرت الحاجة في الخرطوم تحديداً كمركز يهتم به النظام ..إلى انتخاب مدارس يقبل فيها المتفوقون ومدها بكل المعينات التي تفقدها المدارس الأخرى..وللمفارقة دفع رسوم إضافية..لتتمكن من المنافسة..وستر فضيحة الانهيار..فما الوجه الذي يجعل لجنة للهوية توصي به كقضية مركزية ؟لكن السؤال المهم تأسيساً على أسباب إنشائها..وماذا عن المدارس الخاصة التي ستغري أوائل الشهادات بالقبول المجاني وتعوض في الآخرين؟ الواقع أن لجنة الهوية لن تتمكن من التوصية بشأنها لسبب بسيط..وهو أن تنامي التعليم الخاص..وتضخمه منذ قدوم النظام على عكس ما كانت عليه الأوضاع..هو نتاج سياسات التحرير الذي جعل كل مجال صالحاً للاستثمار..عليه ففي ظل بقاء سياسة التحرير ..لن يكون ممكناً تقليص حجم التعليم الخاص لخضوعه لآليات السوق وأساليبه..فعن أي عدالة مرجوة تتحدث لجنة الهوية بالتوصية بإلغائها..إن إلغائها قضية مرتبطة ببساطة بتغيير نمط الاقتصاد الطفيلي الذي لن يتأتى إلا بتغيير النظام .
أما الأكثر إثارة للاستغراب ..فهو التوصية بشأن كيفية وضع المناهج.. لأن هذا جانب فني بحت له مختصوه ..فأي توصية بدون وضع أهداف عامة للمنهج بمؤتمر يخص التعليم ..تشارك في كل التيارات الفكرية..والسياسية ومرتبط بالمطلوبات الكلية في المجال الاقتصادي وسوق العمل وجملة القيم المراد تنشئة الأجيال عليها..فكيف تكون توصية للجنة هوية فقط؟
بقية التوصيات عن المفوضيات القومية والإقليمية ..تفسر لم يقول دعاة الحوار من قوى نداء السودان أنها تلبي معظم ما يقولون به..ببساطة لانها اعتمدت لغة العموميات التي تمس أراء الجميع مساساً..لكن في وجود دولة عميقة كونت على مدي أكبر من عمر النظام ..بتغول التيار الاخوانوي واختراقه لكل أجهزة الدولة منذ نهاية الفترة المايوية ..تحديداً بعد المصالحة الوطنية..سيقف أمام التنفيذ الفعلي بوابون وحجاب وحراس ..مستندين على وجود ما يرونه ضمن التوصيات..فلا حل إلا بزوال النظام