جائزة الطيب صالح العالمية تفتح أبواب السودان للعرب

لنتجه جنوباً

د. شيرين أبو النجا:

« إنني لست ريشة في مهب الريح ولكني مثل تلك النخلة، مخلوق له أصل، له جذور وله هدف » هكذا يقول الطيب صالح ( الذي رحل في 18 فبراير 2009 ) في رائعته « موسم الهجرة إلي الشمال ». تحولت هذه المقولة إلي شعار يتصدر الحدث الثقافي الذي أقيم في الخرطوم عاصمة السودان في منتصف شهر فبراير وهو جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي في دورتها الثانية . » وعلي غرار التوجه العالمي مؤخرا من حيث قيام الكيانات الاقتصادية الكبري بدعم الأنشطة الثقافية قامت شركة « زين « للاتصالات بدعم هذا الحدث بشكل كامل . اللافت للنظر أن المشاكل المعتادة في هذا الشكل من الدعم والتمويل اختفت من ساحة فعاليات الجائزة، فمجلس أمناء الجائزة الذي يرأسه الدكتور علي محمد شمو يتمتع باستقلالية كاملة سواء في التنظيم أو الرؤية أو تشكيل لجان التحكيم في ثلاثة أفرع : الرواية والقصة القصيرة والترجمة ( التي حلت محل النقد الأدبي ). تتمتع هذه الجائزة بالطبع بالعديد من نقاط القوة، تكمن بداية في مسألة اسم الطيب صالح ومكانته في الأدب العربي، وثانيا في موقعها الجغرافي وهو السودان التي تجعلنا ندرك مدي ثراء الاتجاه جنوبا، وأيضا يعد إرساء فرع الترجمة من العربية إلي الانجليزية ( في الرواية ) من أهم نقاط القوة حيث اعتدنا الترجمة العكسية وانتظرنا دائما أن يقوم الآخر بترجمتنا . أما قيمة الجائزة الأولي فهي من أكثر ما يضفي أناقة علي هذه الجائزة ويبتعد بها عن الإسراف والفجاجة والمبالغة، فيكتسب اسم الطيب صالح قيمة ويصبح الهدف هو الحصول علي جائزة باسمه .
يبدو الطيب صالح الحاضر الغائب في هذا الحدث، فالجوائز قد أعلنت في الجلسة الختامية من اليوم الثاني في حين تكدس اليومان بجلسات بحثية وشهادات لمجموعة من كتاب العالم العربي . لم يتمكن متحدث واحد من الإفلات من أسر وطغيان الطيب صالح، فكانت الأبحاث تستلهمه أو تقرأ أعماله أو تموضع أعمالا أخري في منظمته الفكرية . بالإضافة لذلك كان من المتحدثين الكثيرون الذين عرفوا الطيب صالح عن قرب وتعرفوا علي أفكاره وأعادوا صياغتها للحضور . ظهرت أهم الأفكار الإشكالية في المناقشات التي دارت في المؤتمر عقب الكلمات فكان النقاش يقود من فكرة لفكرة وتبقي جميعها أفكارا غير محسومة مما يؤكد اشكاليتها . فواحدة من هذه الإشكاليات علي سبيل المثال كانت الكتابة باللغة العامية في العالم العربي والتي طرحها دكتور بشير عباس، والصعوبات التي يمكن أن تخلفها في مسألة الفهم الجلي للدلالات الثقافية، إلا أنه في الوقت ذاته تشكل اللغة العامية جزءا من الخصوصية المحلية وتضفي خصوصية وتمايزا علي الشخصيات الروائية . أما الإشكالية الثانية فكانت مسألة الكتابة بلغات أخري، وقد طرحت هذه الإشكالية في معرض الحديث عن الأدب الأفريقي . ازدادت الإشكالية صعوبة، علي سبيل المثال، عندما أعلن الدكتور خالد المبارك أن أي أدب ( عربي ) غير مكتوب باللغة العربية لا يصح اعتباره جزءا من الأدب العربي . لكن تبدو هذه الإشكالية وهي تصل إلي طريق مسدود عندما يطرح دكتور عبد الحميد بورايو مسألة الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية . كانت مشاهدة فرقة الفنون الشعبية السودانية التي قدمت لوحات راقصة بديعة من كافة أنحاء السودان دليلا علي الثراء والتنوع في أرض السودان الذي يحتمل بالتأكيد لغات أخري بالإضافة للعربية . أما أكثر الإشكاليات جدلا التي طرحت في كافة النقاشات بشكل مباشر أو غير مباشر فكانت مسألة القبلية . وبالرغم من أن نبذ الطيب صالح لمفهوم القبلية وإعلاءه من شأن كونه سودانيا يبقي مصدرا ملهما للتشكل الفكري تواصل فكرة القبلية الظهور بين الآن والآخر كأحد معوقات الإبداع في العالم العربي وكمدخل أحيانا لحكم القيمة .
يتيح الاتجاه جنوبا نحو السودان اكتشاف مناطق جديدة في الفكر الإنساني والتعرف علي مشهد ثقافي لا يصلنا منه الكثير في ظل الأوضاع السياسية المضطربة حاليا وفي ظل نظام سابق حاصر الصورة السودانية ونجح في تنميطها بل ومارس عليها أشد أنواع العنف ( المذبحة التي وقعت في 30 ديسمبر2005 ) ، وفي ظل تضليل إعلامي عالمي بالغ السوء . كان الاحتكاك بالمثقف السوداني في موطنه وجها لوجه له كبير الأثر في فهم ما يعنيه مصطلح « امتداد وادي النيل ». كما تساهم أيضا الفنون بأشكالها المختلفة في توصيل الثقافة بشكل أعمق فقد أقيم معرض للفنون التشكيلية علي هامش المؤتمر كما قام كورال الأحفاد ( كورال نسائي ) بغناء قصيدة في الافتتاح وأخري في الختام والقصيدتان من تأليف خالد فتح الرحمن، بالإضافة لفرقة الفنون الشعبية التي ترقي لمصاف الفرق العالمية وتذكرنا بفرقة رضا في عصرها الذهبي . أما الطبيعة الجغرافية فهي مكمن الدهشة في هذه الرحلة، فالنيل لا تحجبه المباني والأسوار كما هو في القاهرة بل يعلن لك عن نفسه بكل هدوء وبراءة وبساطة فكانت نقطة اللقاء بين النيل الأزرق والنيل الأبيض وكأنها جزء آخر من أسوان .
أما الأهم في الاتجاه جنوبا فهو التعرف علي المشهد الثقافي والأدبي . فقد كان للطيب صالح الذي توفي في لندن ودفن في أم درمان نصيب في إلقاء الضوء علي أعماله لأسباب كثيرة لا تتسع المساحة لتفصيلها . الاتجاه جنوبا يكشف عن بيئة تموج بالكتابة الأدبية بكل أجناسها، ويكشف عن حركة نشر نشطة لا يصلنا منها شيء إلا بالصدفة، ويكشف أيضا عن قارئ سوداني نهم يتابع بدقة وبحرص وبذهن متقد . تبرز هنا مسألة توزيع الكتب، لندرك أننا نتابع النشر اللبناني علي سبيل المثال بشكل جيد مقارنة لمتابعتنا النشر السوداني . يحتاج الأمر إلي مزيد من قنوات التواصل الثقافي والأدبي سواء كان ذلك عبر مؤسسات رسمية أو مستقلة، مع ضرورة الاهتمام الإعلامي الثقافي بما يحدث علي الساحة الثقافية السودانية، لنولي وجوهنا شطر الجنوب قليلا، فهو الامتداد الفعلي لمصر . كما أن هذا التوجه جنوبا يلغي فكرة المركز والهامش والتي ضفرها الناقد مجذوب عيدروس – الأمين العام للجائزة – ببراعة في كلمته الختامية .
السودان … دعوة مرفوضة مسبقا من قبل العديد وهم لا يدركون مقدار ما يتسرب من بين أصابعهم، ولا يعلمون إلي أي مدي لديهم الكثير من القراء هناك . لنتوجه جنوبا لتتوازن البوصلة الثقافية قليلا ولنعدل الرؤية المائلة نحو مراكز صنعت من الوهم … السودان بنيت علي أصالة لها جذور ولها تاريخ ولها هدف . وليس هناك أفضل من الطيب صالح اسما يجمع حوله القادمين من مشرق العالم العربي ومن مغربه
نقلا عن أخبار الأدب / الصحافة

تعليق واحد

  1. انتوا ياناس الانقاذ دايرين تجيبوا لنا العرب ديل باي شكل

    لكن عمركم قريب ونحن فينا عرب صح لكن لكل خصوصيته وحدوده

    يا عملاء يا واطين

  2. ناس شمال الوادي ؟ من شفنا النور لقيناكم رواد الفن بكل مسمياته ، بس مشكلتكم تكمن في ( حقدكم ) لأي موهبة عربية أو أفريقية اذا كانت خارج ملتكم ؟ عشان كده أصبحتوا ( ورا ورا ) وينكم من أكاديمية ( هوليوود و بوليوود ) اذا كانت هذه الأكاديميات بنفس نهجكم ؟ مااكانت أصابت هذا النجاح العالمي ؟ ممكن سؤال هل بين نجومكم نجم ( ذو بشرة سوداء ) ؟ حتى الأدوار التي تحتاج لنوعية هذه البشرة تصنعوها عبر الميك اب ؟ أصلحوا حالكم وأرتقوا بالفن العربي والأفريقي بمصاف العالمية ،، كرهتونا بي أفلامكم دي ؟؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..