
الانتقال إلى نفق أم حلول؟
الشيوعي: بدء عملية للاتفاق حول وثيقة دستورية جديدة
محلل سياسي: لا بد من تصفير عدَّاد الحكومة وبدء فترة انتقالية جديدة
لا بد من حلول توافقية بأشكال أساسية تنطلق من أهمية تشكيل مؤسسات الدولة
الخرطوم: محجوب عيسى
وضع خبراء (7) حلول للخروج من الأزمة السياسية الراهنة، أبرزها الوحدة الوطنية وخروج المكون العسكري من المشهد السياسي، ورأوا أن المبادرة الأممية المشتركة فرصة ذهبية أخيرة لقطع الطريق أمام المكون العسكري وإعادة المشروع الديمقراط، سيما وأنهم المتهم الأول في تعكير المسرح السياسي من خلال أساليب متعددة بينها الإفراط في العنف أمام المواكب السلمية والسيولة الأمنية، علاوة على الانفلات، فيما كشف الحزب الشيوعي عن بدء القوى السياسية لخطوات عملية للاتفاق على وثيقة دستورية جديدة بغرض الخروج من الأزمة، في وقت أعلنت البعثة الأممية في السودان “يونتيامس” والاتحاد الأفريقي تأسيس آلية تنسيق مشتركة تقود الحوار السوداني الهادف لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد.
فلاش باك
وفي وقت سابق حذرت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي من انزلاق السودان نحو مصير مجهول حال لم تتمكن الأطراف من التوصل لحل ينهي الأزمة السياسية المتطاولة في أسرع وقت.
وقد أعلنت البعثة الأممية المتكاملة في السودان “يونتيامس” والاتحاد الأفريقي تأسيس آلية تنسيق مشتركة تقود الحوار السوداني الهادف لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد.
وقال مبعوث الاتحاد الأفريقي محمد الحسن ولد لباد كل المؤشرات تشير إلى أن البلاد في خطر كبير إذا لم يسارع أبناؤها بتحرك سياسي مسؤول بأسرع وقت ممكن، ويجب على الفاعلين السياسيين ضرورة التحرك وإبراز تراضٍ وطني يعيد السودان إلى الشرعية الدستورية ويوقف الانقلاب العسكري الذي نفذه الجيش في (25) أكتوبر الماضي.
وأكد على أنهم يشجعون مختلف الأطراف السودانية للوصول إلى وفاق وطني يعيد البلاد إلى المسار الديمقراطي، وطالب بتهيئة الظروف المواتية للحوار بإطلاق سراح المعتقلين والسماح للتظاهر السلمي ورفع حالة الطوارئ، ودعا المتظاهرين لتجنب التصرفات التي تسيئ للأجهزة الأمنية، وحث على العودة للنظام الدستوري عبر ترتيبات دستورية وتعيين رئيس وزراء مدني وإكمال بقية مؤسسات الحكم المدني.
وأشار إلى أن تحديد أطراف الأزمة هي أصعب مشكلة تواجههم الآن، لكنه عاد وقال إذا اتفق المدنيون بأطيافهم السياسية فإنهم يضيقون هامش المؤسسة العسكرية للبقاء في السلطة وإذا تفرقوا فإنهم يلقون بمستقبل البلاد بين أيدي المؤسسة العسكرية، فلذلك الأمر أمرهم فعليهم أن يسرعوا في الاتفاق فيما بينهم، ونبه لدور المؤسسة العسكرية لحماية السودان من المخاطر التي تواجهه وحفظ أمنه لكنه أكد أن تحديد وضعية الجيش في الفترة المقبلة هو أمر متروك للسودانيين وحده.
وثيقة جديدة
في الأثناء أكد الحزب الشيوعي رفض الشارع لأي محاولة لخلق تسوية سياسية وشراكة مع المكون العسكري، سيما وأن المؤسسة العسكرية هي المتهم الأول ولا زالت في كل الأخطاء التي وقعت في البلاد، وذلك لتمسكها بمفاصل الدولة ابتداءً من مذبحة فض الاعتصام، انتهاءً بمقتل شهداء موكب 7 مارس.
وكشف الناطق الرسمي للحزب الشيوعي فتحي الفضل في إفاداته لـ(اليوم التالي) عن بدء القوى السياسية في خطوات عملية للاتفاق حول وثيقة دستورية جديدة لإنقاذ البلاد وإعادة الثورة إلى مسارها الطبيعي، وأكد الفضل أن الوثيقة الجديدة لا تضم وجوداً للمكون العسكري وبقايا النظام السابق والذين ساهموا معه في ضياع ثلاث سنوات من عمر الثورة، وقال لا يمكن العودة إلى ما قبل 25 أكتوبر خاصة مبادرة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة سيما وأنهما يرتكزان على الوثيقة التي أصبحت ليست الوثيقة التي تم التوقيع عليها في العام 2019.
فرصة أخيرة
يرى المحلل السياسي خالد الفكي أن المبادرة الأممية الأفريقية فرصة أخيرة والسانحة الذهبية لقطع الطريق أمام تمدد المكون العسكري وإعادة مشروع التحول الديمقراطي والدولة المدنية السودانية، وأنها تتطلب وحدة الصف والقوى السياسية المدنية لمنع انزلاق البلاد نحو الهاوية، داعياً الأطراف السياسية لتقديم تنازل جوهري لتأسيس الجمهورية المدنية والسلطة الشعبية للسودانيين.
وقال لـ(اليوم التالي) إن الخروج من الأزمة الراهنة يتم عبر حلول توافقية بأشكال أساسية تنطلق من أهمية تشكيل مؤسسات الدولة القومية والاستفادة من الموارد الوطنية بعيداً عن المحاصصات السياسية والأثنية والمناطقية والتنظيمية الضيقة، سيما وأن السودان أمام مفترق طرق والتمترس أمام المواقف سيطيح بالجميع ويفتح الباب أمام كافة الاحتمالات وعلى رأسها نشوب الحرب الأهلية.
وأشار إلى أن كافة المؤشرات تشير إلى مساهمة العسكريين في تعكير المسرح السياسي من خلال أساليب متعددة بينها الإفراط في العنف أمام المواكب السلمية والرخوة الأمنية تجاه حالة الانفلات والسيولة التي يشتكي منها السودانيون داخل أحياء العاصمة والولايات خاصة دارفور، الأمر الذي يجعلهم مسؤولين من حماية وتوفير الأمن للجميع بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الأيديولوجية، فضلاً عن أن كافة الظروف والوقائع الراهنة ليست في مصلحة العسكريين وعليهم القبول بالمبادرات الراهنة والسعي لتخفيف المسؤولية من عنقهم.
الخروج من الأزمة
وفي السياق ذاته يقول أستاذ العلاقات الدولية والدراسات الإستراتيجية بالجامعات السودانية، د.محمد خليل الصائم إن الخروج من الأزمة الراهنة بالتسلح بالإرادة الوطنية والاتفاق على مشروع سياسي لحكم البلاد، وبغير ذلك لا يمكن أن يكون الحال وفق تعبيره، وأضاف أن المشهد السياسي في البلاد سيئ ومعقد ولا يلامس حتى أبجديات الحكم، الأمر الذي “يعود بالبلاد إلى مليون عام للوراء”.
ووضع الصائم في حديثه لـ(اليوم التالي) خمسة حلول للخروج من الأزمة الراهنة تتمثل في تصفير عداد الحكومة وبدء فترة انتقالية جديدة ليست لها علاقة بمحورة السودان و اسرائيل و تحديد علاقات البلاد الخارجية بطريقة متوازنه والوصول إلى اعداد تعداد سكاني وقانون للانتخابات هدفه الوصول إلى الديموقراطية المنشوده، مشيراً إلى أن ذلك يتطلب إزاحة اللجنة الأمنية والمكون العسكر والمدني من داخل مجلس السيادة لأنهم غير مرغوب فيهم، فضلاً عن مراجعة اتفاق جوبا للسلام، مع إلغاء مسار الشرق والوسط والشمال وتشكيل مفوضية من كفاءات وطنية للتفاوض مع الحركات غير الموقعة وأن تكون محايدة من أشخاص ليست لهم انتماءات جهوية، هدفهم الوصول لحكومة ديمقراطية، علاوة على التوافق الوطني لنجاح عودة حمدوك، بالإضافة إلى ضرورة الإصلاح الاقتصادي والسياسي والأمني والعسكري عبر دمج كافة المليشيات في القوات المسلحة، باعادة بنائه وليس هيكلته اضافة إلى اصلاح المنظومة الامنية والخدمة المدنية بما يليق بها.
عودة للمسار الانتقالي
وقد دعا رئيس البعثة الأممية في السودان فولكر بيرتس لضرورة التعاون في إيجاد مخرج من الأزمة الحالية التي نتجت بسبب الانقلاب العسكري، ونوه لعقدهم لقاءات مع أصحاب المصلحة بغرض العودة للوضع الدستوري وللمسار الانتقالي والحكم المدني وتحقيق السلام، وقال إنهم مستعدون لتسهيل العملية السياسية والحل يجب أن يكون سودانياً، وإن الوقت غير كافٍ في ظل التدهور الاقتصادي والأمني والسياسي والمكاسب التي حققها السودان في وقت سابق من بينها إعفاء ديونه الخارجية وغيرها ستضيع إذا لم يصل السودانيون لحل قبل يونيو المقبل.
وشدد فولكر على ضرورة التوافق على القضايا القومية والإسراع في تكوين المجالس التشريعية والتوافق على تشكيل حكومة كفاءات مستقلة خلال الفترة المقبلة، ونادى بإعادة الثقة بين الشعب والسلطة وخلق مناخ جيد للحوار بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ووقف الاعتقال التعسفي والعنف.
وأجمع مراقبون على أن الوضع المتدهور في البلاد والتباعد في المواقف بين الفرقاء، قد يجعل الجيش أمام ثلاثة سيناريوهات، فإما أن يتنازل عن كل إجراءاته الأحادية أو يتخذ مزيداً من القرارات للهيمنة أكثر على السلطة.
أن يفتح الباب أمام حوار ربما يتجاوز مطالب العسكر السابقة، فيما يبقى الخيار الأخير في أن يتخذ قائد الجيش قرارات تخفف من حدة التوتر وترضي المجتمع الإقليمي والدولي، بالعودة إلى الوثيقة الدستورية والمسار الانتقالي، وهذا قد ما لا يقبل به الشارع والذي ينادي بشعار اللاءات الثلاثة “لا تفاوض .. لا شرعية .. لا مساومة”، علاوة على موقف قوى الحرية والتغيير الداعم لشعارات الشارع.
ليبقى التساؤل مطروحاً: كيف سيوقد السياسيون والثوار وقادة الجيش الضوء في آخر النفق.
اليوم التالي