مقالات وآراء

الشيخ أبو جلحة (3) : “الجلابة”, بروف بدر الدين حامد الهاشمي وظاهرة الترجمات المبتورة

مازن سخاروف

 

وقفنا عند تساؤلنا المطروح ” إذن : لماذا يكذب البروف في الترجمة؟” (1)

 

هناك أكثر من سبب محتمل لكذب البروف حين يترجم محرفا الكلم عن مواضعه . لكن المشترك فيما يبدو هو سوء النية . فالترجمة التي جاء بها في الموضع المذكور آنفا تحتمل عددا من تآويل السوء . أحدها مباشر , أي تأويل الجزء المحرف في ذاته . ثم غير المباشر : أي أثر الجزء المحرف على بقية النص .
فأما زعمه (كاذبا) بإطلاق الرجل ست رصاصات على المهدي وهو نائم فأخطأته كلها (كما أراد لنا أن نفهم) , فيدل على “كرامة” من كرامات المهدي .  لكن كرامة من اختراع أعدائه ؛ للإيحاء بأن المهدي ومن معه أنباؤهم أنباء أساطير الأولين . هذا مِثلُ كتاب يُدَس على مؤلف ليس له في الكتاب ناقة ولا جمل .  والفعل ليس تشريفا للكاتب بل لحاجة في نفس الدساس . بعبارة مختصرة , ما حاك في نفس الهاشمي في تحريفه للترجمة وكره أن يطلع عليه الناس .

أما في أثر التحريف على بقية النص , ففي ذلك يمكن القول , إن الرجل الذي أراد قتل المهدي وإتضح له (بزعم الهاشمي) “كرامته” فقد جُعل من بعد ذلك أميرا من أمراء المهدية.

ما يبدو أن قصد الهاشمي مما أحدث في النص هو “تسخيف” المهدية . فالقصة كلها , بجانب اللا معقول (رجل نائم تطلق عليه ست رصاصات لم تصبه أي منهن) أقرب إلى الهزل والسخرية من المهدي .  وليست جديرة بالرجل الذي عمل ثورة إجتماعية (بالمعنى الأكاديمي للثورات) ضربت سلطان “وليد الإنجليز” والإنجليز معا.

وثالثة الأثافي في تآويل السوء هي النيل من أتباع المهدي : فهذا الذي كان يمكن أن يكون قاتل المهدي ما كان له أن يتبع المهدي دون معجزة الرصاصات الست .  فالذين يلتحقون بالمهدية ليس من اسباب التحاقهم بها “حرية من حكم الأجنبي” ولا “عدالة اجتماعية” ,  بل الكرامات والدروشة .  كما هم أيضا مفتقدون للكفاءة والعقلانية وفقا لهذا الزعم : إما يأتون على ما لا يصدقه العقل , أو ما يصدمه بالتجاوزات والشطط قولا وفعلا .

من نافلة القول أن الهاشمي “الكضاب” لم يعترض على تلك الرواية “الماسورة” التي في رأينا من فبركة دورية “مدونات ورسائل السودان (2) Sudan Notes and Records , فهو لم يعترض على ما هو أكثر سخفا مما ترجمه بكثير (وسنأتي على ذلك في مقبل الحلقات) .

فهو يشترك مع الرواية الرسمية الإستعمارية في المزج بين التقليل من قدر كما تبشيع وتحقير من يثور على حكم وثوابت الإستعمار, والأدهى من ذلك هو ما نراه من صنع الإنجليز في تاريخنا : أي الفتنة بين أهل السودان : ترسيخ القبلية ويأتي معها الوقيعة بين القبائل :

دناقلة دُمّرت بساتينهم في عهد الثورة المهدية .. جعلي يريد قتل المهدي , جامعي يحمل رسالة من أعداء المهدي , الخ.

ما يبدو على ضوء ما تقدم أن أن الهاشمي في تحريفه للنص ليس سوى “وليد إنجليز” مخلص للأهداف والثوابت الإستعمارية (3) للإنجليز في السودان .

جولة لغوية على هامش مقالة الشيخ “أبي جلحة”: “إذن” أم “إذاً”؟ .

أحد المشاغبين من فئة العارفين بالنحو من مظانه (جماعة “المجتهدة”) أنكر عليّ كتابتي “إذن” عوضا عن “إذاً” في سالف المقالات عن أبي جلحة .  لفائدة القراء أقدم عرضا مختصرا للمسألة بتصرف مني (4) , إقتباس بتصرف :

“إذن” فيها عدة أمور , مثل نصبها لمضارع الفعل , وإن كانت حرفا أو إسما , ومعناها أو دلالتها . لكن ما يهم المسألة هنا هو الوقف عليها (نحوا) بالألف أو بالنون , وما هو أهم وهو رسمها , أي كيف تُكتب . أما في الأولى فقد وقف الجمهور عليها بالألف , وهناك من اختلف فوقف عليها بالنون مثل المازني والمبرّد .

أما في رسمها :

الرأي الأول : فالأكثرون يذهبون إلى كتابتها بالألف , ومنهم المبرّد الذي روي عنه : أشتهي أن أكوي يد من يكتب “إذن” بالألف لأنها مثل “أن” و”لن”, ولا يدخل في التنوين الحروف.

الرأي الثاني : ومنهم من فصّل كتابتها بالألف أو النون وفقا لإلغائها أو إعمالها على الترتيب.  ومنهم من رأي كتابتها بالألف على الوقف عليها , أو بالنون عند وصلها وهذا رأي الإمام المالقي .

الرأي الثالث : أنها تكتب بالألف , وفي رواية ذلك القول أنه “الأكثر وكذلك رسمت في المصحف”.  لكن هذا الرأي “فيه نظر” لأن القول منسوب إلى المازني وهو ممن أشاروا بـ “الوقف عليها بالنون , كما نـُـقل عنه , فلا ينبغي أن يكتبها بالألف” (إضافتي كملاحظة نحوية عامة , أن الرسم القرءاني وقف على المصحف – مثل كلمة قرءان التي أكتبها برسم المصحف إستثناء لأنها أولا إسم كتاب الله وما اشتق كذلك من اسم كتابه. وثانيا في الرسم الإملائي اللغوي , الذي يسمى القياسي يصح  تابتها أيضا قرءان) .

الملخص أن هناك من أشار بكتابتها “إذاً” على المطلق , ومن أجاز كتابتها “إذاً” أو “إذن” بشروط ؛ وفريق ثالث وهو الجمهور من النحاة من أشار بكتابتها “إذن” على المطلق.

المصدر , المرادي (4)

 ———-
(1) تفصيل مسألة كتابة “إذن” التي احتج عليها أحد “المجتهدة” أعلاه في ذيل المقال.

(2) تحيز دورية مدونات ورسائل السودان أمر يستحق الخوض فيه . وسأفرد له حلقة بعد الحلقة الرابعة بإذن الله.
(3)  إدامة الشرق دائرا في فلك الغرب ؛ إستبعاد العدالة الإجتماعية من الصراع الأيديولوجي , تخريب محاولات الأمم للرقي والإستقلال (يشمل تخريب التنمية الصناعية)؛ وإدامة الرأسمالية في الكون . ربما الأخطر من كل ذلك هو تزوير تاريخ الأمم . فالشعوب التي لا تعرف تاريخها ترى الفشل متكررا لأنها لا تدرك أسبابه الحقيقية.

(4) المصدر الحسين بن قاسم المرادي , “الجنى الداني في حروف المعاني”, تحقيق د. فخر الدين قباوة والأستاذ محمد نديم فاضل, بيروت , 1992 , ص.366 .  لاحظ أن “إذن” تكتب في المرجع السابق هكذا بالنون في تبوبيها العام قبل البت في مسألة رسمها كذلك بالنون على جمهور النحويين كما تقدّم . أما في مسألة رسمها في مراجع أخرى , فقد ورد أيضا “أن الأكثر كتابتها بالنون”؛ المصدر أمالي إبن الشجري”, تحقيق ودراسة د. مصطفى الطناحي , 1992 , القاهرة , ج.3 , ص.3.  وورد أيضا أن معظم اللغويين القدامى قد كتبوا إذن بالنون .  راجع موسوعة النحو والصرف والإعراب , د. أميل بديع يعقوب , 2005.  كل المصادر السابقة مصادر أساسية اطلعت عليها وذهبَت إلى أن “إذن” تكتب بالنون كما كتبتُها في مقالة أبي جلحة .  ولا عزاء للخرخارين .

**

رابط الحلقة الثانية , الشيخ أبو جلحة (2) : “الجلابة”, بروف بدر الدين حامد الهاشمي وظاهرة الترجمات المبتورة هنا:

https://www.alrakoba.net/31649409/

 

رابط الحلقة الأولى, من الشيخ أبو جلحة (1): “الجلابة”, بروف بدر الدين حامد الهاشمي وظاهرة الترجمات المبتورة هنا:

https://www.alrakoba.net/31648555

 

[email protected]

‫4 تعليقات

  1. تصويب بشأن كتابة إذن:

    أما في رسمها, الرأي الأول :
    فالأكثرون يذهبون إلى كتابتها بالنوووون , ومنهم المبرّد الذي روي عنه : أشتهي أن أكوي يد من يكتب “إذن” بالألف لأنها مثل “أن” و”لن”, ولا يدخل في التنوين الحروف.

    هذا ما قصدته, والإقتباس بتصرف طفيف مني من ص. 366, طبعة عام 1992 من كتاب الحسين بن قاسم المرادي , “الجنى الداني في حروف المعاني” كما تقدم في تفصيل الهامش الرابع من المقالة. إضافة لرأي النحاة في بيان رسمها في اللغة, فأيضا في كتابة إذن تفريق لها عن إذا الظرفية (بدون تنوين). وهذا رأي د. إميل يعقوب.

  2. مازن سخروف يحتاج إلى كثيزٍ من اتلهذيب ،
    وإلى كثيرٍ من المعرفه ،
    قبل أن يمارس دور الناقد المتحذلق على الناس .

  3. مازن سخروف يحتاج إلى كثيزٍ من التهذيب ،
    وإلى كثيرٍ من المعرفه ،
    قبل أن يمارس دور الناقد المتحذلق على الناس .

    1. صدقت. يفتقد العلم والتادب مع أهل العلم للاسف فهو متعالم بامتياز. ليته نشر اعماله في الترجمة أن كانت له إنجازات اصلا.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..