خطوط نظام البشير المتوازية المتقاطعة..!

· خطوط النظام المتوازية على المستوى التاكتيكي، والمتقاطعة على المستوى الإستراتيجي، لا تفصح عن عبقرية سياسية، بقدر ما تفصح عن خلل في التفكير

د. الشفيع خضر سعيد

يمارس النظام الحاكم، ببراعة معتبرة، سياسة فتح الخطوط المتوازية والمتقاطعة في نفس الوقت. ورغم أن أي خط يفتحه النظام يحمل في طياته ما يحمل، ويعبر عن لعبة تاكتيكية معينة، فإن الخطوط جميعها يتم فتحها وفق إستراتيجية واحدة، هي الوصول إلى تهدئة سياسية، وشراء مزيد من الوقت، وذلك في إتجاه حلحلة أزمة النظام في الحكم بما يضمن له البقاء واللإستمرارية. بقاءه. أما التاكتيكات التي تستند إليها هذه الاستراتيجية، فتقوم على فكفكة المعارضة، المسلحة في الجبهة الثورية، والسلمية في تحالف قوى الإجماع، بدلا عن فكفكة نظام الحزب الواحد كما تطالب المعارضة. والمأساة، أن جميع هذه الخطوط لا تقود إلى نهايات أو محطات تحقق طموحات الشعب السوداني. وحتى يكون حديثنا مفهوما، سنتناول بعضا من هذه الخطوط:

الخط الأول، هو خط إستئناف التفاوض مع حكومة الجنوب وتتويجه بإتفاق. وهو ملف حيوي دخله النظام مكرها لا بطل، من جراء الضغط الدولي والواقع الإقتصادي المأزوم. بعد أن إنفتح الخط، أعلن النظام إلتزامه بالمصفوفة، وتظهر تباشير إقتراب ضخ النفط كخبر رئيسي، ويظهر فك الارتباط بين دولة الجنوب والحركة الشعبية قطاع الشمال كهدف رئيسي تمهيدا لبدء التفاوض مع الحركة، والعين على نيفاشا (2) وشراكة (2).! ويتم إطلاق سراح مساجين جنوبيين في قضايا جنائية غير سياسية وترحيلهم إلى جوبا. ولكن ملف الحدود يظهر كخط أحمر، مما يعني أن أزمة أبيي ستظل عالقة، وأن المحطة الأخيرة في نهاية هذا الخط لا زالت بعيدة جدا.

الخط الثاني، هو خط دعوة الحركات الدارفورية، غير الموقعة، للإنضمام إلى إتفاقية الدوحة. ومن الواضح أن هذا الخط تصدر عنه إشارة واضحة بأنه لن يكون هنالك أي تفاوض مع الجبهة الثورية كوحدة، وإنما مع مكوناتها مجزءة، الحركة الشعبية قطاع الشمال على حدة، وحركات دارفور على حدة. وهكذا، يتم فرز غير معلن. إستفادت الحكومة من مناخ التحضير لمؤتمر المانحين، لتعميم الدعوة على حركات دارفور للتوقيع على إتفاق الدوحة، فأستجاب الفصيل المنشق عن حركة العدل والمساواة، والمدعوم من القيادة التشادية، وكأنه يتبع الحكمة القائلة ?إذا لم تستطع هزيمة عدوك، فأنضم إليه?. لكن، هذا الخط لا يخلو من المفارقات الفادحة: نظم أهل المعسكرات مظاهرات ضخمة ضد مؤتمر المانحين، وتساءلوا أين ستذهب الأموال وليس على الأرض سلام؟.

وإحتدمت المعارك بين الجيش وقوات حركة تحرير السودان/مناوي التي أعلنت عن إحتلالها عددا من المناطق، مقتربة من نيالا، وأعلن الجيش إعادة سيطرته على بعض منها?، وهكذا، على الأهالي أن يدفعوا ثمن الحرب المؤلم مرتين: مرة ممن يدعي الدفاع، ومرة ممن يدعي الحماية. لكن، المفارقة الأكثر فداحة هي إن مؤتمر المانحين لم يمنح الدعم المطلوب، بل إن عددا من الدول المشاركة إستفادت من المؤتمر كمنبر مسموع ومؤثر لتطالب حكومة المؤتمر الوطني بتحقيق متطلبات تهيئة مناخ الحوار إذا كانت جادة في دعوتها، كما طالبتها بتحمل مسؤولياتها، كسلطة حاكمة، في إنهاء التناحرات القبلية، حتى يمكن المضي قدما لتحقيق هدف المانحين المعلن: من العون الإنساني إلى التنمية في دارفور. أعتقد أن هذا الخط يمكن وسمه بسياسة ?الكلاب تنبح والقافلة تسير?، وهي سياسة، على الحكومة أن تكتشف بنفسها إنها غير مفيدة وغير مقبولة أصلا.

الخط الثالث، هو خط دعوة المعارضة إلى الحوار، و الذي تبعته بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين من أعضاء تحالف المعارضة، وإعتقال آخرين وتوقيف صحف وصحفيين..!! لكن، لم تتم أي محادثة بعد رنة الجرس العالية، إلا إذا إفترضنا إن دعوة الإمام الصادق لعدد من الناشطين والمثقفين، ومبادرته ذات النقاط العشر، هي دخول على الخط، وتأتي في ذات الإطار الحكومي.

الخط الرابع، هو خط موازنة الصراع الداخلي في الحزب الحاكم. أعلن البشير عدم رغبته الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة، وأعلن عن وجوب محاكمة المتورطين في بيع خط هيثرو، وأوضح للمراجع العام بإنه لا كبير على القانون?، ولكن، أقيل غازي صلاح الدين..، وعين كاشا..، وأعلن نافع ناطقا رسميا وحيدا..

خطوط النظام المتوازية على المستوى التاكتيكي، والمتقاطعة على المستوى الإستراتيجي، لا تفصح عن عبقرية سياسية، بقدر ما تفصح عن خلل في التفكير، إذ ما فائدة الحنكة السياسية والقدرة على ممارسة التاكتيك السياسي، إذا ما كانتا ستقودان الوطن بثبات إلى حالة اللادولة، إو إلى تغيير الجغرافيا السياسية، بظهور دول جديدة في القارة من رحم دولة كانت موحدة، مثلما هو الحال بميلاد دولة جنوب السودان؟ . إن الطابع العرقي للحرب في جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور، يسبح عكس تيار بناء الدولة الوطنية، ومن الممكن جدا أن يقود إلى مزيد من التفتت والتشظي. أما محاولة تصوير الصراع السياسي في البلاد وكأنه صراع آيديولوجي تقليدي بين دعاة الدولة الدينية ودعاة الدولة العلمانية، فهي محاولة لتغبيش الوعي السياسي للجماهير، وومحاولة للعب بتاكتيكات سياسية على بعض قيادات الأحزاب المعارضة. وفي ذات الوقت، هي سياسة تهدف لأن يفرض على الشعب السوداني قبول الأحلاف الآيديولوجية، العابرة للقارات والأوطان بين النظام وأنظمة أخرى، ولكل ذلك تداعياته التي عاشها وعاناها الشعب السوداني تطرفا وعنفا، هزما مفهوم التسامح والتعايش الإنساني غير المشروط بين المكونات القومية والإثنية والدينية لتلك البقعة المعروفة بالسودان. لكنا، لا نزال نستطيع الرؤية، بالبصر والبصيرة. الصراع السياسي في البلاد، هو صراع بين دعاة دولة القانون والمؤسسات والمواطنة والحريات المدنية والسياسية وإحترام حقوق الإنسان، في مواجهة دولة الحزب الواحد، أو الشلة الواحدة، التي تعمل على تأجيج الصراعات القبلية والعرقية، متدثرة بغطاء الدين، منغمسة في فساد عجيب، مدعية إمتلاكها لمشروع حضاري، عجزت بجدارة، وبعد ربع قرن من الزمان، عن الحفاظ على دولة ما بعد الاستقلال موحدة، ناهيك عن بناء الدولة الوطنية الحديثة. أما، كيف يمكن للمعارضة أن تتعامل مع سياسة، أو تاكتيك، الخطوط المتوازية المتقاطعة هذه، فهو ما سنتناوله في مقال قادم.

الميدان

تعليق واحد

  1. ولله المركب دى كان غرقت …كان ريحتنا من خلقكم دى…بس لازم تركبو معاكم نافع وعلى عثمان والطيب مصطفى عشان يكون مولد عديل كدة…

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..