الربيع العربي- كما تخيله حيدر حيدر في وليمة لأعشاب البحر

عودة للقراءة في كتاب حيدر حيدر الموسوم “وليمة لأعشاب البحر- نشيد الموت” لندرك كم نخسر من كبت الحريات ? حرية الأديب و الشاعر و كل المبدعين الذين يرون بالخيال ما لا يراه الناس بالعين ؟ أحياناً يسبق الأُدباء و الشعراء غيرهم في إستقراء المستقبل، ولنقرأ معاً ما خطه حيدر حيدر قبل أكثر من عقدين من الزمان ” …سيعود الجنود الناجون مُشتتين و محطمين و معفرين بالغبار و الدم و العار، لقد قاتلو وحيدين بلا طائرات و لا صواريخ و لا دعم و لا إسناد مدفعي، في العراء و علي الطرقات و قرب صخور الأودية تعفنت الجثث تحت الشمس…”
” في أكثر من حربٍ خاسره سيزِج ضباطه و جنوده الذين حولهم بالرعب و التصفيات و الرشاوي و أكاذيب النصر و التعالي فوق الشعب حُماة و سياجاً له، إلي أدوات مِطواعة مُستلبه تتحرك طوع بنانه…
كان يُطلق لأولئك الجنود اليد الطُولي في طول البلاد و عرضها في النهب و هتك الأعراض و إستباحة كل ما هو مقدس و أخلاقي و موروث من التاريخ الوطني لكفاح الأسلاف…
هكذا سيسقط ذاك الكوكب العربي المنبوذ و الأرض، تحت أمواج إجتياحات و أعاصير لا صلة لها البتة بالعصور الحديثة. إجتياحات و أعاصير تعود في أساس إنبثاقها ألي التسوس القديم للجذر الأول و كسوف الشمس فوق الصحراء اللعينة، و سطوة الزمن البدائي الذي صرخ طغاته قبل ألفي عام، إلي الجحيم العقلاء و الشعراء…
و ما كان هناك من قوة مادية أو عقلية قادرة علي إيقاف إنهيار هذا الكوكب المتهاوي في تجليه الكارثي…
لقد بدأ ذلك الشئ المرعب و المنبئ بما سيأتي من ربيع دموي قادم.وهو يتلألأ في تقاويم العصور تحت الهزات و تشققات الأرض و خراب الوضع البشري،…
لم تكن سنوات المقتلة للمدن و المقابر الجماعية قد أتت بعد.” صفحة 231 .إنتهي…
إن الحرية في شمولها لا تعدلها قيمة أُخري، وكذلك الديمقراطية الحديثة كما يعرفها الغرب بأحزابها و تنافسها و بكل عيوبها الإنسانية لا بد منها إذا أردنا حياةً كريمة و تقدماً في مسيرة الأمم نحو العدالة و الرفاه.
ولنترك التمسح بالدين لإخفاء أطماعنا و نوايانا،و بإسم الدين تُرتكب كثير من الجرائم، و من عجب دونما إحساس بجرم أو ذنب! و هنا تكمن سوأة إدخال الدين في أُمور لا علاقة لها بالدين أو بالإله العظيم و تدبيره.ولنسعي جميعاً لرفع راية الحرية و التعهد بألا تقع مرةً أُخري!