كيف نخاطب الرئيس‮..‬؟‮!!‬

يعتقد الكثيرون من العاملين في‮ ‬دنيا الصحافة السودانية،‮ ‬أن مخاطبة الرئيس أمر دونه خرط القتاد،‮ ‬لذلك وضعوا حدوداً‮ ‬تفوق في‮ ‬صرامتها حتى حدود الله التي‮ ‬وضعها للأنام‮..!‬
وأذكر في‮ ‬سبيل ذلك طرفة قديمة حين جلس جنديان أحدهما سوفيتي‮ ‬والآخر أمريكي‮ ‬على جدار برلين الذي‮ ‬تمت إزالته وكانا‮ ‬يتحدثان عن مدى الحرية التي‮ ‬يتمتع بها المواطن في‮ ‬كل من الاتحاد السوفيتي‮ ‬والولايات المتحدة‮.‬
قال الجندي‮ ‬الأمريكي‮ ‬إنني‮ ‬أستطيع الذهاب إلى‭ ‬البيت الأبيض ودخول مكتب الرئيس الأمريكي‮ ‬وألوح في‮ ‬وجهه بسبابتي‮ ‬وأقول له رأيي‮ ‬فيه‮..!‬
وهنا أجاب الجندي‮ ‬السوفيتي‮ ‬وماذا في‮ ‬هذا أنا أيضاً‮ ‬أملك الحق في‮ ‬دخول الكرملين ومقابلة الرئيس السوفيتي‮ ‬وألوح إليه بسبابتي‮ ‬وأقول له رأيي‮ ‬في‮ ‬الرئيس الأمريكي‮..‬
وقد جاء في‮ ‬الأثر رحم الله امرء أهدى‮ ‬إليّ‮ ‬عيوبي‮. ‬انظروا إلى هذه السماحة،‮ ‬إظهار عيب إنسان له‮ ‬يعتبر هدية،‮ ‬وهي‮ ‬فعلاً‮ ‬كذلك‮..!‬
‮ ‬لقد وضع الكثير من الطغاة خطوطاً‮ ‬حمراء وهذه الخطوط تتمثل في‮ ‬شخصية الطاغية نفسه ولك أن تهدي‭ ‬لمن تحته عيوبهم ولكن حذار أن تقدم هكذا هدية للرئيس،‮ ‬فالوطن ليس خطاً‮ ‬أحمر فالخط الأحمر انفرد به الرئيس‮..!!‬
الطغاة عادة من‮ ‬تتم صناعتهم وأخطر صانع للطغاة هو الإعلام الذي‮ ‬أسهل ما‮ ‬يمكن أن‮ ‬يجيده هو تأليه الحاكم و عدم المساس به واضفاء القدسية عليه،‮ ‬قدسية فاقت الرهبانية التي‮ ‬ما كتبها الله لا لرجل دين ولا لحاكم‮..!‬
قديماً‮ ‬كان الحاكم‮ ‬يبحث عن رعاياه وفي‮ ‬سيرة عمر بن الخطاب عليه رضوان الله ما‮ ‬يكفي‮ ‬أن‮ ‬يكون قدوة لكل حاكم،‮ ‬فعمر كان‮ ‬يسير في‮ ‬الطرقات‮ ‬يقدم المساعدة للعاجزين وهم لا‮ ‬يعرفونه وقد قالت له إحدى النساء وهي‮ ‬لا‮ ‬تعرفه‮.. »‬جزاك الله خيراً‮ ‬يا ابني‮ ‬فوالله أنك لأحق بالخلافة من عمر‮«..!!‬
وحرية الكلمة كفلها المولى عز وجل لملائكته الذين‮ ‬يفعلون ما‮ ‬يؤمرون وقد كان الحوار القرآني‮ ‬بين المولى عز وجل وملائكته مثالاً‮ ‬حياً‮ ‬لحرية إبداء الرأي‮ ‬حتى‭ ‬لخالق الكون وسيده،‮ »‬إني‮ ‬جاعل في‮ ‬الأرض خليفة‮« ‬كان مبتدئ الحوار الرباني‮ ‬مع الملائكة،‮ ‬رب الكون الذي‮ ‬لا‮ ‬يسأل عما‮ ‬يفعل‮ ‬يعرض على‭ ‬ملائكته ما‮ ‬يريد أن‮ ‬يفعل،‮ ‬وماذا كان رد الملائكة‮.. ‬يا للهول اعترضوا‮ »‬أتجعل فيها من‮ ‬يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك‮« ‬حجة‮ ‬احتج بها الملائكة على خالقهم،‮ ‬ولكن الحجة التي‮ ‬ظنوها قاطعة تلاشت أمام الحجة الإلهية الدامغة‮ »‬وعلّم آدم الأسماء كلها‮« ‬وطلب منهم أن‮ »‬انبئوني‮ ‬بأسماء‭ ‬هؤلاء إن كنتم صادقين‮« ‬وهنا تلاشت حجة الملائكة فاستسلموا للأمر الواقع‮ »‬سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا‮«..!‬
لم‮ ‬يبرز المولى عز وجل هذه القصة القرآنية إلا لنعتبر‮ ‬ونطبق ذلك الحوار مع من‮ ‬يقود البلاد فهو إنسان مثلنا ندلي‭ ‬برأينا له ولا‮ ‬يجوز أن نقول له‮ »‬لا علم لنا إلا ما علمتنا‮« ‬ونضعه في‮ ‬تلك المرتبة التي‮ ‬يريد البعض أن‮ ‬يجعلوه في‮ ‬مرتبة لا‮ ‬يسأل عما‮ ‬يفعل‮..!‬
فالطغاة‮ ‬يصنعون وتصنعهم في‮ ‬المقام الأول وسائل الإعلام،‮ ‬التي‮ ‬لو سمحت بإبداء الرأي‮ ‬الخالص والجاد للرئيس لما حدثت وتطورت القضايا السياسية إلى أمنية وفوضى تهدد أول ما‮ ‬تهدد الوطن الذي‮ ‬في‮ ‬ظل الطغيان‮ ‬يتفتت ويتجزأ‮..!‬
ليس باستطاعة الرئيس السير في‮ ‬الطرقات ليلاً‮ ‬كما كان‮ ‬يفعل الفاروق عليه رضوان الله،‮ ‬وتقوم بهذا الدور في‮ ‬المقام الأول الصحافة وهي‮ ‬المنبر الوحيد الذي‮ ‬يخاطب من خلاله المواطن رئيس البلاد والصحافة تقف حجر عثرة أمام المواطن ليبدي‮ ‬مجرد رأي‮..!‬
وبعض الصحفيين الكبار اسماً‮ ‬لا فعلاً‮ ‬يخشون الحاكم با كثر مما‮ ‬يخشون الله،‮ ‬ويعتقدون أن رضا الحاكم عليهم أقصى ما‮ ‬يتمنونه لذلك‮.. ‬يحجبون كل مخاطبة للرئيس‮..! ‬والمولى عز وجل كفل لملائكته الحوار في‮ ‬شأن حكم الأرض فلماذا‮ ‬يمنعنا البعض حوار الرئيس من خلال مقال مهما كانت كلماته ساخنة فهي‮ ‬لا تحرق ولا تقتل‮!‬
إنهم بهذه السياسة‮ ‬يمهدون للعصيان والتمرد والفوضى،‮ ‬وعندما تُحجب الكلمة تتحدث البندقية وتسود الفوضى ولنا فيما‮ ‬يدور في‮ ‬ليبيا ومصر وسوريا والعراق وأفغانستان ما‮ ‬يكفي‮ ‬من دليل على‭ ‬خطورة حجب الكلمة‮.!‬
ليس في‮ ‬مقدور المواطن مقابلة الرئيس ولا رؤيته وهو‮ ‬يسير في‮ ‬سيارته في‮ ‬الشارع فالسيارة معتمة لا‮ ‬يرى ما بداخلها حيث‮ ‬يتم إخلاء الطريق له ولسيارته المسرعة‮…!‬
فالمسرح الوحيد الذي‮ ‬يمكن من خلاله مخاطبة الرئيس هو الصحافة التي‮ ‬بدورها وضعت للرئيس قداسة ورهبانية ما كتبها الله له،‮ ‬وهي‮ ‬بهذا التصرف تبدأ أسوأ صناعة عرفها التاريخ‮ ‬وهي‮ ‬صناعة الطغاة‮.‬
وفوق هذا وذاك‮ ‬يعتقد‮ ‬البعض في‮ ‬الصحافة أنفسهم‮ ‬يفكرون للطغاة فيحورون أي‮ ‬حديث حتى‭ ‬وإن كان قصة قرآنية وثقها المولى عز و جل في‮ ‬كتابه الكريم‮ ‬يحورون ما‮ ‬يستند عليه الكاتب من القصة إلى‭ ‬أمر آخر وكأنما القصة القرآنية التي‮ ‬ذكرت إنما المقصود بها الرئيس فيحجبوا حتى ما هو معروف وموثق قرآنياً‮…!!‬
إن الذي‮ ‬يقوم به البعض في‮ ‬الصحافة أمر‮ ‬يضر بالبلاد ويضر أيضاً‮ ‬بالحاكم الذي‮ ‬يقدسه هؤلاء‭ ‬وينافقونه على‭ ‬حساب الأمة‮.‬
وحجب الحاكم عن‭ ‬الأمة‮ ‬يجعله آخر من‮ ‬يعلم بآلامها ومعاناتها فيصبح كماري‮ ‬انطوانيت التي‮ ‬اقترحت على‭ ‬الشعب الجائع أن‮ ‬يستعيض عن الخبز بالجاتوه‮..!!‬
فالذي‮ ‬يكتب في‮ ‬الصحافة السودانية‮ »‬بعض صحفها‮« ‬يجد محاذير عديدة‮ ‬يُحذّر من الكتابة عن فلان وعلان وكثير من الأمور الحيوية فلا‮ ‬يجد أمامه سوى أن‮ ‬يكتب عن الهلال والمريخ والفنان فلان،‮ ‬و حتى‭ ‬الهلال والمريخ فإن تدخل الدولة في‮ ‬أمورهما لا تخطئه العين المجردة‮…‬
وأية مهنة كان النفاق تاجها فهي‮ ‬إلى زوال،‮ ‬أما مصير المنافقين في‮ ‬الآخرة فعليهم أن‮ ‬يفتحوا كتاب الله لمعرفة أي‮ ‬منزلق‮ ‬ينزلقون‮.!!!‬

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. منذ مدة طويلة لم أقرأ موضوعا بمثل هذا الوضوح و بمثل هذه القوة. أحسنت جزاءك الله خيرا. أرجو أن أن يعوا و يرعوا من يهمهم الأمر و المقصودين بالموضوع.

  2. ولماذا أساسا يسمح الحاكم لنفسه أن يصنه الإعلام أو يحط من قدره أو يحجبه عن الامة أو يظهره لها وخاصة حكام المسلمين اللذين لديهم قدوة واضحة في رسول الله وأصحابه والصالحين .
    من الذي قال لعمر بن الخطاب (عدلت فنمت ياعمر)؟ وأين وجده حينما قال له هذا الكلام؟.ومن الذي قال لوعثرت بغلة بالشام لظننت نفسي مسئولا عنها؟ ولماذا قالها؟ . ولماذا قال سيدنا محمد (والله لوسرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها)؟ تذكر الموقف الذي فال فيه سيدنا هذا الحديث ؟
    ياأخ نحن حكامنا الواحد في بلد يصرخ الناس فيه من الجوع بيمن علي الأغنياء والحرامية إنه أكلهم هوت دوق (جملة لا يعلم الفقير حتي معناها)!!! وبلد ترزح تحت نيران الحرب والنزوح ويوصف الفاعلون بأنهم جماعات متفلتة ليس إلا!!! . بلدويرزح شيوخ أمنها في النعم التي تغدقهم لأنهم يحمون عصيتها الحاكمة ولا يجرؤ فيها أحد الذهاب لحضور صلاة لعشاء في المسجد تحت ظل بعض الاوضاع الامنية كما حدث قبل أشهر في مدينة نيالا بجنوب دارفور بلد تشابكت فيه الطرقات فكل ضال طريقه إلي غير الوجهة التي يقصدها. وتشابكت فيه الأيادي الظالمة وتشابهت فيه أوجه الظلم . بلد يقتل فيها طالب داخل حرم الجامعة طالب لا يحمل إلا القلم الذي اراد أن يرسم به طريقا لمستقبل لايدري أنه سوف يقطع برصاصة في وضح النهار ولا يعرف الذي أطلقها!!! . إعلام شنو البتقول عليه بيحجب الحاكم عن الأمة . علي فكرة الحاكم ده أمره في يده وله الخيار في المعرفة أو عدم المعرفة.(و كل الحكام العدلوا زمان وصوا (بإصلاح الحاشية) قولوا ليكم كلمة حق تلاقوا بيها الله عليكم الله
    (دي بلد بيتأكل فيها مال اليتيم ومحاولة تصفيات الأسرة بأكملها عشان مافي زول فيهم يعيش ويطالب بحقه)

  3. صدقت وصدقت لكن اين هي الصحافة يا دكتور ومن هم هؤلاء الصحفيين ؟ جلهم منتفعون ويهمهم الربح اولا ثم اولا ورحم الله المعلم يتعب ويدرس ولكن لا حياة لمن تنادي نحن لا نملك اي نوع من الصحافة ونشكرك دكتورهاشم فانت تكتب بكل صدق وفهم عميق وتحليل جميل نسال الله لك الصحة والعافية وننتظر منك الكثير

  4. عايز تقول شنو للرئيس؟ و هل تعترف برئيس حكومة الأمر الواقع؟ وهل سيستمع إليك حتي لو كتبت أو تحدثت؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..