أخبار السياسة الدولية

اشتباكات ليبيا.. عودة الاحتكام للميلشيات ولا انتخابات في الأفق

عاد شبح الحرب الأهلية من جديد إلى ليبيا في أعقاب اشتباكات دامية في العاصمة طرابلس وصفتها وكالة رويترز بأنها الأسوأ منذ نحو عامين.

وجاءت تلك المواجهات بين الفصائل المسلحة على خلفية الأزمة السياسية الطاحنة التي تشهدها البلاد، حيث تتصارع حكومتان على السلطة في البلد الممزق منذ ثورة الربيع العربي عام 2011 التي أطاحت بالزعيم معمر القذافي.

ويرى المحلل السياسي، أحمد المهداوي، أن ليبيا “عادت للمربع الأول” بعد الاشتباكات الأخيرة التي أوقعت 32 قتيلا وأكثر من 159 جريح، بحسب آخر إحصائية لوزارة الصحة.

وقال لموقع قناة “الحرة” إن الأطراف المتنازعة “استعانت بالمليشيات المسلحة ونحن نعود لنقطة الصفر والمربع الأول”.

ويتفاقم الانقسام في ليبيا مع وجود حكومتين متنافستين، الأولى في طرابلس انبثقت من اتفاق سياسي قبل عام ونصف يرأسها، عبدالحميد الدبيبة، الرافض تسليم السلطة إلا إلى حكومة منتخبة، والثانية برئاسة، فتحي باشاغا، عينها البرلمان في فبراير الماضي ومنحها ثقته في مارس وتتخذ من سرت (وسط البلاد) مقرا مؤقتا لها بعدما مُنعت من دخول طرابلس على الرغم من محاولتها ذلك.

تشارك عدة فصائل وميليشيات في الاشتباكات الجارية في طرابلس منذ ليل الجمعة السبت، وأسفرت لغاية الآن عن مقتل 12 شخصا واصابة العشرات وفقت لإحصاءات رسمية.
وقال شهود عيان لوكالة رويترز إن القوات المتحالفة مع باشاغا حاولت الاستيلاء على أراضي في طرابلس من عدة اتجاهات، السبت، لكن قافلته العسكرية الرئيسية عادت باتجاه مصراتة قبل أن تصل إلى العاصمة.

وساد الهدوء النسبي، الأحد، بعد أن كانت الطرق في المدينة مزدحمة، وفتحت المتاجر أبوابها، فيما عكف الناس على إزالة الزجاج المحطم وأنقاض أخرى وسط سيارات محترقة في بعض الشوارع.

في حديثه لموقع “الحرة”، يأمل المحلل السياسي، محمود الرملي، أن يكون “هدوءً لا يسبق العاصفة ونهاية لهذا النزاع”. ومع ذلك، يرى الرملي أن “الخلافات (الليبية) غير قابلة للانصهار” على الرغم من استبعاده إمكانية حدوث حرب أهلية.

وقال إنه لا يرجح اتساع رقعة الاشتباكات إلى خارج طرابلس.

من جهتها، حملت حكومة الوحدة الليبية برئاسة الدبيبة ومقرها طرابلس، مسؤولية الاشتباكات إلى معسكر الحكومة المنافسة “بعد أن كانت تخوض مفاوضات لتجنيب العاصمة الدماء”، وفق ما جاء في بيان.

وقال البيان إن الاشتباكات الأخيرة في طرابلس اندلعت بسبب إطلاق مقاتلين متحالفين مع باشاغا النار على قافلة في العاصمة بينما احتشدت وحدات أخرى موالية لرئيس الحكومة المعين من قبل البرلمان خارج المدينة. واتهمت حكومة الدبيبة، باشاغا بالتراجع عن المفاوضات لحل الأزمة.

في المقابل، ردّ المكتب الإعلامي لباشاغا متّهمًا حكومة طرابلس بـ” التشبث…بالسلطة”، معتبرًا أنها “مغتصبة للشرعية”.

ونفى ما جاء في بيان حكومة الوحدة بخصوص رفض حكومة باشاغا أي مفاوضات معها. ولم تؤكد حكومة باشاغا بشكل مباشر على ارتباطها بالاشتباكات الأخيرة.

وقال المهداوي إن “الاشتباكات في طرابلس يتحمل مسؤوليتها الدبيبة وباشاغا معا … لا أحد يستطيع التنصل من المسؤولية تجاه الأرواح الي أزهقت والممتلكات” التي تضررت.

وتابع: “ما حدث يعطي المواطن الليبي انطباعا بعد الإحساس بالأمان”، لافتا إلى أن الأمن بات ضروريا في ليبيا حاله حال الغذاء والأسلع الأساسية الأخرى.

الشعب الليبي هو الضحية
يحظى باشاغا بدعم المشير خليفة حفتر الرجل القوي في شرق ليبيا الذي حاولت قواته احتلال العاصمة في 2019 لكنه فشل في ذلك.

وانتهى هجوم عام 2019 بدعم من البرلمان في شرق البلاد عام 2020 مما أدى إلى وقف إطلاق النار وعملية سلام تدعمها الأمم المتحدة.

وتضمنت الهدنة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة لحكم ليبيا بالكامل والإشراف على الانتخابات الوطنية التي كان من المقرر إجراؤها في ديسمبر الماضي لكنها أرجأ لأجل غير مسمى عنها وسط خلافات بشأن آليات التصويت.

وقالت المحللة الأمنية الليبية، آية بورويلة، لموقع “فويس أوف أميركا” إن “الوضع السياسي والأمني الكئيب هو النتيجة المنطقية لعشر سنوات من السياسات الخارجية والداخلية المفترسة في ليبيا والتي شهدت تحويل الأموال العامة إلى الجماعات الإسلامية المدعومة من الخارج من قبل حكومات متعاقبة … غير منتخبة في البلاد”.

وأضافت: “منذ عام 2012، احتلت العاصمة من قبل ميليشيات ترفض نزع سلاحها … أرعبت المواطنين وتورطت في الاتجار بالبشر وخربت مؤسسات الدولة …”.

تصاعدت حدة اللهجة السياسية بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبد الحميد الدبيبة، ورئيس الحكومة الليبية المكلف من مجلس النواب، فتحي باشاغا، بعد إصدار الأخير بيانا، الأربعاء، تحدث فيه عن “الجنح للسلم” والدعوة إلى الابتعاد عن الاقتتال، وقال إنه بمثابة “إبراء ذمة” من قبله، في إشارة إلى أنه حذر وبلغ مما يمكن أن يحصل في حال لم تتم عملية تداول السلطة بشكل سلمي.
إلى ذلك، يستبعد المهداوي الحلول السياسية قائلا: “لا أمل لليبيين بالذهاب لانتخابات وهذا الحل بعيد حاليا … لا يمكننا الحديث عن ذلك في ظل وجود سلاح منفلت”.

وأثارت الاشتباكات الأخير قلق المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والولايات المتحدة التي أدانت العنف ودعت لوقف إطلاق النار فورا وإلى محادثات تقودها الأمم المتحدة بين الأطراف المتصارعة للخروج من الأزمة.

وبينما يرى الرملي أن الضرورة باتت ملحة للتوجه لحل عبر المسار الدستوري، يعتقد المهداوي أن “ليبيا ليست بحاجة إلى قاعدة دستورية لتنظيم الانتخابات”.

ومع ذلك، اتفق المحللان على أن المجتمع الدولي ليس لديه إرادة بحل الأزمة الليبية على اعتبار أن هناك أولويات مثل الحرب الروسية في أوكرانيا.

وقال الرملي إن الأزمات الدولية الأخيرة أثرت على الملف الليبي، لا سيما الحرب الروسية على أوكرانيا خاصة وأن الروس لاعب مهم في ليبيا ولديهم أثر مباشر وغير مباشر، وفق تعبيره.

وفي غضون ذلك، كان الصمت يخيم على رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، الذي ينأى بنفسه إلى حد كبير عن صراع الحكومتين، لكنه عاد إلى البلاد من تونس على وقع الاشتباكات.

وقال المهداوي إن “النخب السياسية أصبحت مستفيدة من الفوضى وعدم التوافق … الأمر واضح بأن البعض يغلب مصالحه الخاصة على المصلحة العامة”، مشيرا إلى أن الضحية في نهاية المطاف هو الشعب الليبي.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..