جمارك سواكن ..الأزمة تبدأ من هنا !

مضى حتى الآن أكثر من شهر وأزمة أصحاب طرود التمور التي اشتروها من حر مالهم مع سلطات جمارك سواكن لازالت تراوح مكانها رغم إن المتضررين الذين حفيت أقدامهم وراء استردادها لم يتركوا بابا إلا وطرقوه ولا حجرا إلا وقلبوه بحثا عن خيط لإجابة أو معلومة تفسر أسباب حجز ممتلكاتهم التي دفعوا فيها الغالي والنفيس . المؤلم في القضية إن الضحايا ليسوا تجارا بالمعنى الحرفي للكلمة بل شريحة في المجتمع تعتبر الأكثر هشاشة وضعفا حكمت عليهم إمكانياتهم المحدودة بالعمل كمجموعات على طريقة المشاركة sharing حيث تساهم كل أسرة بنصيبها لشراء هذه التمور وتقاسم الناتج .
(2 )
منهم أيضا مغتربون تقطعت بهم السبل مع القوانين الجديدة في الاغتراب .. يعيشون رزق اليوم باليوم ويعيلون أسرهم بالسلع التي يرسلونها الى أسرهم ومنها هذه التمور والتي بطبيعة الحال لا تتجاوز قيمتها حد الكفاف لبيعها لتدبر الزوجة المصاريف اليومية لإعاشة الأبناء .
(3 )

مشاهد معاناة أهل الهامش الذين يكابدون شظف العيش بعد أن لفظهم الريف تجدها في الكساد الذي انسحب على قطاعات عريضة من قاطني الأحياء الطرفية في سواكن وبورتسودان والذي ضرب في مقتل المقاهي والمطاعم والفنادق وكل الأنشطة الهامشية ليؤكد حقيقة كارثية وهي إن مدينة مثل سواكن بكل تأريخها وآثارها وحضارتها الضاربة في الجذور من عصور نبي الله سليمان الى أساطير البطل عثمان دقنة هي بمقاييس زماننا الأغبر ركام من الحجارة ينعق فوقها البوم إذا تم تقييمها بمعزل عن النشاط التجاري في الميناء .
(4)
بالمختصر المفيد لا قيمة لحضارة ولا مغزى لتاريخ إذا جاء على حساب مغلوبين على أمرهم امتحنهم الله بأن وضع أكل عيشهم في حوش قوانين ولوائح لا ترحم فكيف يكون الحال في غياب منطق يبرر تمادى مسئولي الجمارك في وضع اليد على ممتلكات الناس وقطع أكل عيشهم دون سبب .
(5)
نحن نفهم أن تصدر الجمارك القرارات والسياسات الخاصة بها وتعلنها نهارا جهارا على الناس في وسائل الأعلام ثم تتخذ بما تراه مناسبا من إجراءات ضد من يخالف قوانينها أما أن يستيقظ خلق الله على قوانين عشوائية مجحفة تغوص كالسكاكين في اللحم الحي لأرزاقهم دون مقدمات فهذا أمر يفوق كل تصور ولا تفسير له سوى الإهانة والإذلال والتجويع .

(6 )
حتى الآن فإن قرار جمارك سواكن بالحجز على ممتلكات الناس يبدو كاللقيط الذي يتبرأ منه الجميع فجمارك سواكن رمته الى جمارك بورتسودان وهذه بدورها علقته في رقبة الخرطوم .وبين الكرة التائهة وسط المدن الثلاثة مواطنون منسيون يكتوون بنيران الغلاء الذي تتصاعد ألسنة لهبه على مدار الساعة ويكابدون وحدهم حياة محفوفة بمهانة العطالة .إذا رأيتهم داخل صالة جمارك ميناء عثمان دقنة يركضون يمنة ويسرة بثيابهم الرثة والعرق يتصبب من الأجساد المنهكة وهي تحاول تخليص حاجياتها وسط الغبار والرطوبة الخانقة تمسخ عليك الدنيا بما فيها .
(7 )
وافقوا عن كره تسديد ما طلبوه من رسوم الصحة رغم إن هذه التمور صالحة بتأريخ إنتاجها وانتهائها المكتوب على الصندوق لاستهلاك الآدمي ولذلك لا مجال لمقارنتها بالفواكه المصرية التي يعترف المصريون أنفسهم إن ريها يتم من مياه المجاري الملوثة .ورغم قبول أصحاب الطرود مجبرين ومضحين قبول رسوم الصحة إلا إن مسئولي الجمارك لم يكتفوا بسد الآذان بالطين والعجين بل دفعوا بالحلول الى حافة التعجيز بطلب تسديد رسوم إضافية للجودة وهي رسوم خارج نطاق إمكانيات هؤلاء المساكين .
(8)
ولأن لا أحد يذكرهم خيرا أم شرا ..لا إعلام ولا كلام ولا سلام .ولأنهم ليسوا جزءا من الخطط المستقبلية فإن الأمر يبدو وكأن هناك خطة مدبرة للتخلص منهم .

(9)

حتى الآن فلأن الأفق مسدود والإجراءات العشوائية الظالمة لازالت سارية فإن الأمور تتجه نحو الحريق ومطلوب قليلا من الرحمة وكثيرا من العقلانية مراعاة لظروف هذه الشرائح فظلمهم واستغلال السلطة بصورة بشعة للتضييق عليهم ليس انجازا وليس شطارة . ولذلك فهناك حاجة ماسة لتحكيم العقل وتهدئة الموقف قبل أن تنفلت الأمور من عقالها وتتجه نحو حافة الانفجار لأن المتضررين لن يسكتوا والذين يوجهونهم الى حافة الانفجار سيدفعون الثمن غاليا ووقتها “سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ” .
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..