معبر اشكيت.. ماذا بعد شهر

تقرير: علي ميرغني

مر أكثر من شهر على تدشين العمل التجريبي لمعبر اشكيت قسطل، وهي فترة كافية لإعطاء مؤشرات عامة عن مدى نجاح التجربة، وهل تدفع لإزالة صفة (العمل التجريبي) من المعبر وتحويله إلى معبر دائم، أم تسير إلى مستقبل آخر؟.
بشريات جيدة
اتصلت بمدير معبر اشكيت، اللواء (م) سيف الدين.. الذي بشر بنجاح التجربة، وقال إن المعدل اليومي لانسياب الحركة الخارجة من المعبر إلى الجانب المصري تصل إلى ستة بصات وأربع إلى خمس سيارات خاصة وكثير من الشاحنات، بينما تبلغ الحركة المعاكسة حوالي الخمس بصات عدا السيارات الخاصة والشاحنات التجارية. ونشكر للواء (م) سيف الدين دعوته لنا لزيارة اشكيت والوقوف ميدانياً على سير العمل.

ووجهة نظر مغايرة
لكن هناك من لهم وجهة نظر أخرى، “التيار” اتصلت بصاحب وكالة تفويج سياح في مدينة وادي حلفا واستطلعته عن سير العمل في المعبر، مزار ماهر، الذي أوضح أن الرسوم العالية والمتعددة تهدد نجاح التجربة، وأكد أن دخول السيارات إلى الجانب المصري تصل رسومه إلى أكثر من اربعة آلاف جنيه سوداني (أربعة ملايين بالقديم) يضاف لها الرسوم على الجانب السوداني التي تبلغ رسوم تذكرة (الترب تيكت) وحدها (1400) إذا استخرجت من الخرطوم، و(1600) اذا استخرجت من المعبر في اشكيت. ويرى أن هذه الرسوم وارتفاع التكلفة قد يؤدي لقتل التجربة ويدفع الناس إلى الخيارات الأخرى. وقطع مزار بحسب تجربته أن السفر بالطائرات اقل تكلفة من السفر بالسيارات الخاصة، الذي يعتبر مفيداً فقط لمن يريد إجراء إصلاحات كاملة لسيارته في مصر ليستفيد من فرق أسعار الاسبيرات بين الخرطوم والقاهرة.
لكن اللواء (م) سيف الدين نفى تماما أن تكون تكلفة عبور السيارات الخاصة على الجانب المصري تبلغ أربعة ملايين وقال إن ذلك تقدير مبالغ فيه كثيراً.

إسرائيل على الخط
سألت مزار عن معدل تدفق سيارات السياح الغربيين الذين يصلون إلى اشكيت في رحلة سفاري عبر السودان ثم إثيوبيا. قال إن المعدل في احسن حالاته سيارة واحدة أسبوعياً. وارجع ذلك إلى أن السياح الأوربيين يستغلون عبارات تمر عبر إسرائيل قبل الوصول إلى الموانئ المصرية، بينما تمنع السلطات السودانية دخول القادمين عبر إسرائيل. لكن مزار عاد وقال إن الحل سيكون في افتتاح قريب لخط مباشر بين تركيا والموانئ المصرية.

للزمن ثمن
وحتى تكتمل الصورة، لجأت إلى شهادة طرف محايد له علاقة بهذا الملف، طلب حجب اسمه، الذي قال إن المعبر يواجه عراقيل قد تقود في النهاية إلى فشل التجربة وهروب الناس منها. أول هذه العراقيل الزمن الكثير المهدر بلا مبرر في إجراءات السفر. وأضاف إن معظم الإجراءات الورقية كانت تتم أثناء سير البص بين وادي حلفا إلى اشكيت بما في ذلك تحصيل رسوم المغادرة والرسوم المحلية الأخرى، لكن تلاعب بعض الجهات في هذه الرسوم ادى لتوقف هذه الإجراءات وأصبحت كل الرسوم تحصل داخل معبر اشكيت وبالتالي يضيع زمن كبير في هذه الإجراءات. وقطع هنا أن الخطأ يعود إلى أصحاب البصات وليس الجانب الحكومي.

تعنت مصري
ويضيف أن الإجراءات في الجانب المصري تتم يدوياً وليس بأجهزة الحاسوب، كما على الجانب السوداني، وهذا يهدر زمنا طويلا على الركاب، وضرب مثلا لذلك رحلة تمت في نهاية الأسبوع المنصرم، حيث تحرك البص من أسوان الساعة الخامسة صباحاً، لكنه وصل معبر اشكيت على الجانب السوداني عند الخامسة مساءً، والسبب بطء الإجراءات على الجانب المصري، التي استغرقت ساعتين على حد قوله.
وكشف عن أن الجانب المصري يتحصل رسوم عبور في الاتجاهين، في رحلتي الذهاب والإياب على عكس الجانب السوداني الذي يتحصل رسوم مغادرة فقط. وذهب إلى أن الرسوم على الجانب المصري عالية بصورة كبيرة، مثال لذلك أن التأمين فقط يبلغ (350) جنيها مصريا، ما يعادل (472) جنيها سودانيا، وهو تأمين للسيارة فقط ولا يغطي الركاب، يضاف له 100 جنيه رسوم مغادرة للسيارة زائد 50 جنيها أخرى رسوم مغادرة لكل راكب، و300 جنيه رسوم المعدية بين قسطل وأبو سمبل.
يبقى أن نقول إن أي تجربة تحمل احتمال النجاح، أو النجاح بعد الاستفادة من عثرات التجريب، وما ذكره هؤلاء عن بعض الأخطاء المصاحبة لتجربة معبر اشكيت، يمكن النظر إليها على أنها العترة التي تصلح المسير.
التيار

تعليق واحد

  1. السؤال المحير هل المعبر عبارة عن بوابة فقط؟ وماذا يوجد فى باقى الحدود هل هناك شبك او دوريات … الخ؟

  2. المصرين عاملين لينا معبر داخل اﻻراضي السودانية ويحصلوا عليها رسوم .حقو يعملوا معبر اخر في عطبرة وﻻ شندي ويحصلوا عليها رسوم .اتمني فشل هذة التجربة وجميع مشاريع التكامل بين مصر والسودان .وانا ماعارف السودانين عاوزين شنو في مصر .انا شخصيا زرت مصر مرة واحدة هي اﻻولي واﻻخيرة ووصيت المدام لو مت ما يرحلوا جثماني ترانست عبر القاهرة وحتي لو اطرت لترحيل الجثمان عبر اسرائيل .اكيد اليهود سوف يكونوا اكثر احتراما للسودانين احياء كانوا او اموات

  3. تجربة السفر بالبر بين السودان ومصر عن طريق اشكيت قسطل سوف لا تستمر اذا سارت الامور كما الآن فالسفر مضيعة للوقت ومصاريف وارهاق فمثلا يظل الباص واقفا في جمرك اشكيت من 9 صباحا حتى 2 ظهرا لاستمال اجراءات الخروج ثم يظل في الجانب المصري حتى 5 عصرا ثم يتم ترحيل الباص بالعبارة الى أبي سمبل في الضفة الاخرى ومن هناك يتحرك الباص الى اسوان ليصلها في الساعة 11 ليلا ثم يتم تحويل الركاب لباص آخر للقاهرة والذي يتحرك من اسوان في الساعة 12 ليلا بالطريق الصحراوي ليصل ميدان رمسيس في القاهرة في الساعة 4 عصرا في اليوم التالي
    فمثلا الباص الذي يقوم يوم الآربعاء من أبي آدم بالخرطوم الساعة 4 صباحا يصل القاهرة يوم الجمعة الساعة 4 عصرا وقيمة التذكرة للفرد 600 جنيه سوداني ويتم تحصيل رسوم عبور بمبلغ 160 جنيه للفرد ومبالغ اخرى تحت مسميات متعددة في حين تذكرة الطائرة بمبلغ 1800 جنيه وبزمن 2 ساعة ومن المؤكد لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ويكون الأفضل السفر بالطائرة وبدون معاناة هذا ما لخصته من تجربتي الشخصية قبل اسبوعين …

  4. قليل مستمر خير من كثير منقطع انا بقول احسن تخفف الرسوم من الجانبين حتى تستمر الشغلة وتستمر النقاطة وإلا الهروب من المعبر وتنقطع النقاطة نهائى ايهما احسن قليل مستمر ام ….

  5. ماذا تريدون من بلد البلطجية اولاد الام المثالية فيفى عبدة ؟ مصر كانت زمان امشوا اديس واسمرا احسن ليكم بلاش مرض ، قال قسطل واشكيت والله الحلفاويين ديل فى حلفا تعاملهم زى الزفت انا سنة 81 و82 سافرت بالباخرة وشفت كيف الاستغلال والعزاب .

  6. ي شباب الحرامية ديل دايرين يرضو الحلب باي ثمن مص دم اي شيء …بطلو السفر الي بلد العاهرات…واتجهوا الي الاحباش…اربعة الف تلف بيها اثوبيا واريتريا.

  7. معبر إشكيت والتنازل السوداني!!(12)
    ****************************
    على مدى أربع حلقات مدعومة بعدد كبير من الخرائط كتبنا تحت عنوان “مصر تحتل أرضي” وها نحن نعود والأزمة قد تعمقت أكثر من ذي قبل بعد أن اعترف السودان بهذا الاحتلال وتنازل عن هذه الأرض المحتلة بقبوله قيام معبر إشكيد في مكانه الحالي!!
    في تلك الحلقات شرحنا الأبعاد التاريخية لأزمة الحدود السودانية شمالي وادي حلفا. اتفاقية بطرس غالي المصري وكرومر الانجليزي؛ أبرمت في يناير 1899م ثم أجريت تعديلات متتالية استمرت حتى 1902م وشرحنا تلك الاتفاقية بما يكفى!
    طبقا لتلك الاتفاقيات بقي شريط من الأرض سودانية شمال خط عرض 22 شمال. طول هذه القطعة أربعين كيلومتراً شمال المكان القديم لحلفا الحالية وعرضها حوالي أربعة عشر كيلومتراً مساحتها 4094 فدانا.
    ***
    بقيت تلك الأرض على حالها تلك لأكثر من ست وخمسين سنة, في عام 1958م أشعل المصريون مطالبات كادت أن تؤدي إلى صراعات مسلحة. انسحب المصريون وتركوا الملف كما كان. أي تركت هذه الأرض سودانية كما كانت حتى تجددت المطالبات المصرية عقب محاولة اغتيال الرئيس المصري وفي تلك الفترة احتل المصريون كل المناطق المتنازع عليها في حلايب أقصى الشرق وقرى حلفا على الشريط النيلي.
    منذ عام 1958م ظلت القضية معلقة في مجلس الأمن تجدد كل ستة أشهر والجيش المصري جثم على المكان منذ 1995م والسودان يقاوم في المحافل مرة ويغض الطرف أحيانا..
    الجديد في المسألة أن الموقف السوداني التاريخي الصلب بدأ في السنة الأخيرة في التراجع. كلما ضاق الحال على (الإنقاذ) باعت أغلى ما في البلد .. في يوم 27 أغسطس تم افتتاح معبر بري في مكان قرية ( إشكيد) القديمة ويبدو أن هذه الخطوة تمت تنفيذا لاتفاقيات أمنية سرية لا نعلم حتى الآن بنودها.
    ولكن الواضح الآن أن المكان الذي شيد فيه معبر إشكيد هو تنفيذ حرفي للمطالب المصرية القديمة. أما السودان بقبوله هذا المعبر الدائم يكون قد أقر بخريطة ناضلت ضدها حكومات وطنية منذ الاستقلال ويكون قد تنازل عن 4094 فداناً وشارع مسفلت طوله يقارب الأربعين كيلو مترا حتى قرية قسطل الجديدة في مصر.
    طبقا لمطالب الحكومات الوطنية السابقة كان يحب بناء هذا المعبر الحالي أربعين كيلومترا تجاه الشمال وكان يجب أن تكون التسمية (معبر فرص ) الحدودية . اسم آخر قرية سودانية متاخمة للحدود الأصلية.
    أهمية هذا المعبر بالنسبة إلى مصر ليست تجارية بقدر ما أنها أمنية. وهذا الهاجس يطارد مصر مع كل دول الجوار، فهي ليست في وفاق مع أحد من جيرانها. في معبر رفح لديها مشكلة أمنية مع حماس الفلسطينية وكذلك في سلوم مع ليبيا وإشكيد مع السودان. لهذا يتحسبون جيدا ويديرون الملف مع السودان بذكاء ، بعد النجاح في الحسم العسكري .الآن بعد تسجيل أربعين كيلومترا باسمهم من الأراضي السودانية ،احكموا وضعهم القانوني بتسميات لها مدلولها الرمزي ، مثل تسمية القاعة المصرية في معبر إشكيد بصالة (قسطل). وقسطل اسم ثاني قرية مصرية كانت شمال الحدود السودانية القديمة بمسافة تقدر بخمسة عشر كيلومترا بالتقريب .ولو أنهم لم يبيتوا النية لمعركة قادمة لكان الأولى اختيار اسم أدندان لصالتهم ،باعتبار أنها أقرب قرية للسودان !!
    هذا التلاعب بالأسماء سيربك قارئ الخريطة الذي لا يعرف الكثير عن الوقائع الحقيقية يوما ما ؛ وقد فعلوا مثل هذا في بداية القرن السابق بوضع اسمين مربكين أمثال (فرص وصرص).هذه الخطة في عملية التشويش شرحها السيد حسن دفع الله في كتابه (هجرة النوبيين).
    ***
    سألت معتمد وادي حلفا عن حقيقة الاتفاقية: هل معبر إشكيد مؤقت أم دائم؟ صمت برهة وقال في نبرة من كان لا يتوقع مثل هذا السؤال: الاتفاقية مؤقتة..ّ!! لم اقتنع بكلام السيد المعتمد.. فالاتفاقيات الأمنية أو التنازلات التي يقدمها الرئيس ونائبه أو من يرسلونهم أمثال: مصطفى عثمان ؛ علي السيد المعتمد أن ينفذها ولا يحق له أن يسأل عن التفاصيل طبقاً للقاعدة الأمنية(الحاجة على قدر المعرفة)!!
    إذن المعتمد ليس في يده شيء والشعب النوبي الذي يعرف المكان ؛غائب مغيب ، غير مكترث لمصلحة خاصة أو وطنية ومنهم من يقول صراحة أنه لا يهمه إلا مصالحه الآنية ولا يهمه سيادة ولا أرض ، تماما كالنساء والأطفال الذين كانوا يهتفون للوزير المصري الذي كان يخاطبهم.
    وأنا أتفرس في الوجوه وهم يهتفون ، تذكرت الشاعر المصري أحمد شوقي الذي وصف فقراء مصر الذين كانوا يهتفون للباشوات في الانتخابات العامة.. “كالبهم تأنس أن ترى التدليلا” .. في هتافاتهم انساقوا مع غيبوبة التخدير (عاشت وحدة وادي النيل .. عاش كفاح الشعب النوبي) محتوى الهتافات كان مضحكا: أين هذه الوحدة التي يحكون عنها ..وهل هذا العمل كان كفاحاً نوبياً وهل أصلا في مصلحته على المدى البعيد؟؟!ّ
    ***
    أما الحكومة التي يمثلها السيد المعتمد فقد تنازلت بالفعل عن هذه القرى الثمان والشريط من الأرض مستغلة جهل الشعب السوداني بتفاصيل الأزمة وتهاون النوبيين وغياب الوعي القانوني للمسئولين في دنقلا وغياب المسئولية الوطنية للجميع!
    هذا الحضور المصري الكثيف بوزيرين ومحافظ أسوان كان دليلا صارخا على الصيد السوداني وقد كان ثمينا بل وثمينا جدا. بهذا المعبر انتهوا من الشق النيلي لملف حلايب ولولا يقظة الهدندوة في الشرق لتنازلوا أيضا عن حلايب. لهذا كان طبيعيا أن يشكر الوزير المصري الجيش المصري. لأن الأمر في نظرهم كان نصرا عسكريا وليس اتفاقية تجارية. عندما قاد السيد مصطفى عثمان إسماعيل وفدا لإبرام اتفاقية أمنية إلى القاهرة لم نسأل عن علاقة وزير الاستثمار بالاتفاقية الأمنية ولا أحد يسأل الطبع عن (التخصص) في عهد (الإنقاذ) ولكن عبرنا عن تخوفنا أن هذا الوزير هو “عراب التنازل” للمصريين وعندما يكون التنازل للمصريين يكون دائما على حساب النوبيين وفوق هذا وذاك مصطفى عثمان الرجل المناسب في هذا الأمر.. معلوم أنه “عروبي متعصب” لديه ما لديه من صراع مع النوبيين في مجتمع دنقلا!! وعندما استعان بالملحق العسكري للسفارة في المفاوضات أدركنا أنه في الأصل سافر إلى مصر دون أي خطة ؛الخطة الوحيدة كانت لإرضاء السيسي ويا ليتهم كانوا قد تنازلوا لحليفهم محمد مرسي.. كنا سنحترم “الانبطاح” السوداني باعتبار أنهم أكرموا حليفهم !
    قبل أيام معدودة كان هذا الوزير يبكي عندما هرب المستثمرون من السودان ولكن هل التنازل عن السيادة يجلب الاستثمار؟ هكذا عالج السودان هذه القضية بطريقة رديئة كرداءة السرداب الذي انهار على رأس الحضور في الاحتفال. قدم أراضينا وقرانا قرابينا لإرضاء السيسي الذي أرهب كل الجوار : ضرب ليبيا بالطائرات في الغرب، وخنق غزة بمعبر رفح في الشرق وها هو السودان يقدم ما لديه خائفاً على حساب الأجيال..
    الأزمة الكبرى باعت (الإنقاذ) كل شيء والأخطر على الإطلاق هي الأرض.. ولا نقصد ميادين الكورة التي باعوها في أحياء الخرطوم بل أراضي سودانية لا تقدر بثمن في الحدود الدولية من أبيي في الجنوب إلى حلفا في الشمال.
    .. نواصل..

  8. معبر إشكيد والتنازل السوداني !!(22) فكري ابو القاسم
    ***************************
    هذا المعبر هو الذي تم افتتاحه في الأسابيع الفائتة شمال حلفا كبوابة مرور للطريق البري الواصل إلى مصر. هذا الافتتاح كان على حساب السيادة السودانية ومكان المعبر داخل الأراضي السودانية بما يقارب الأربعين كيلو مترا.
    في الحلقة السابقة شرحنا الخلفية التاريخية للنزاع الحدودي بين السودان ومصر؛ وقد بلغ هذا النزاع مجلس الأمن عام 1958م وظلت القضية معلقة حتى الآن وهناك رأينا أن أهمية هذا المعبر بالنسبة للمصريين كانت أمنية وليست تجارية. أمام الوعي
    السوداني المغيب بالجهل وعدم المسئولية كان المصريون يتحسبون لكل شيء حتى إطلاق اسم قسطل على قاعة المرور في إشكيد كان له مدلوله السياسي والقانون الأمني. الاتفاقيات الأمنية والتجارية مخفية وغير معروفة ولكن الاهتمام المصري بحضوره الكثيف كان دليلا صارخا على أن الصيد السوداني كان ثمينا جدا.
    لم تكن الاتفاقية الأمنية التي بموجبها تم التنازل عن إشكيد وحدها أكثر الصور سوادا في هذا البانوراما الحزين ، بل كانت صورة الصحافة السودانية أشد سوادا. الأمور في نسقها الطبيعي إذا ظلت الصحافة السودانية (صحافة خايبة) فالبيئات العشوائية لن تنتج صحافة بمستوى سلطة (رابعة) ولكن رغم ذلك كانت تستطيع أن تستغل هامش الحرية لتقول شيئا.. ويمكن القول رغم كل شيء إن الصحافة هي آخر أبواق الحق حين يشتد الظلام. نقول “أبواق” ولا نقول قوى تغيير لأنها في مثل هذه الأحوال لا تصلح للعب هذا الدور حتى ولو سمح لها!!
    كنا ننتظر أن يقولوا شيئا أو حتى أن يطرحوا أسئلة.. لأننا ما تخيلنا مجرد التخيل أن يكون المراسل الصحفي خالي الوفاض من أية معلومة عن أزمة الحدود السودانية المصرية في مكان الاحتفال لهذه الدرجة. ولم يكن المطلوب الإلمام بالتفاصيل الفنية للقضية ، بل مجرد معرفة أطراف القضية.هذا كل ما كنا نتمناه ولم نجده لدى الصحفيين السودانيين !!
    المؤسف أن من قرأت لهم كانوا في تقاريرهم قد ذهبوا في تلميع الحدث ويبدو السبب هو الجهل التام بالقضية ولا أعتقد أن فيها عدم المسئولية!
    اقرأوا معنى يا أولي الألباب .. يجتاز أحد الصحفيين معبر إشكيد ببضعة أمتار ثم يقول:” أكملت قرابة الساعة داخل الأراضي المصرية..”!! يقدم صكا على شكل اعتراف رسمي بمنتهى الوضوح بأن الأرض التي عليها معبر إشكيد داخل الأراضي المصرية ويواصل في وصف ذهوله بالصالة المصرية المسماة قسطل ولم يشرح لنا لماذا دخلت مصر بقوة إلى هذه الخطوة كما يقول ! يعلى من شأن الإعلام المصري الذي اعتبر افتتاح المعبر( نجاح لا يضاهيه نجاح).. نعم هذا الكلام صحيح بالنسبة إلى مصر لأنها انتصرت. وبدلا من أن يكون منصفا ويقول بعض الحق في الموقف الحكومي الكئيب، يهرب إلى جلد الذات. يعتبر المعارضة السودانية -المغلوبة على أمرها – أنها تهتم بصغائر الأمور وعاجزة عن إدراك مصالح السودان!!
    هكذا يذهب بعيدا في توريط نفسه بعلم أو بجهل ويصفق لحكومة سودانية تنازلت عن أربعين كيلومترا وعن ثمان قرية على شريط من الأرض فيها 4094 فداناً.
    ***
    كل هذا التنازل تم دون فوائد ذات قيمة تضاهي التنازل عن مشروع خور سره على الضفة الغربية ومزارع برمائيات في الخور نفسه وخسائر قيمة الأرض وفوق هذا وذاك شرف السيادة. تصفحت الصحافة السودانية أثناء أزمة الحدود السودانية المصرية عام 1958م لأقرأ الفرق بين موقف الصحافة السودانية هذه الأيام وبين الصحافة في تلك الأيام.. الصحافة السودانية وكل المنظمات المدنية في أزمة 1958م وقفت مع حكومة عبد الله خليل في صراعها مع مصر وقالوا لها لا فرق بين شرف سيادة الدولة وبين شرف العائلة!!
    ***
    وصحفي آخر كان أمره أشد عجبا من الأول ؛ انفعل بالاحتفال وغنى للتلاحم (التاريخي ) بين شعبي وادي النيل ويا ليته توقف عند هذا الحد !! زاد من انفعاله بالقول : (.. تدافع المواطنون من السودان ودخلوا الحدود المصرية التي فتحت لأول مرة على مصراعيها أمام الجهات الرسمية والشعبية منذ استقلال السودان عن مصر عام 1956م).
    قدم لمصر هدية اعتراف كصاحبه الأول وثبت في وعي المواطن والأجيال أن الحدود المصرية على بعد أمتار معدودة من معبر إشكيد الحالية!! ولم يكتف بذلك بل قال كلاما عجيبا يشيب له ولدان (مواليد) شمال وادي حلفا في الخمسينيات والستينيات.. قال كلاما لم يسبقه عليه أحد ولا ندري من أين استقى هذه المعلومة (.. فتحت مصر حدودها لأول مرة منذ عام 1956م ).. هل حدود مصر كانت في هذا المكان عام 1956م؟.. ماذا أقول أنا من مواليد قرية مكانها على بعد عشرين كيلومترا شمال هذا المكان الذي وقف فيه هذا الصحفي؟ ما تركنا هذا المكان إلا في يناير 1964م. لم تكن هناك حدودا مصرية في هذا المكان إلا بعد أن فرضت مصر الأمر الواقع بالقوة في عام 1995م.
    من حق السفير المصري أن يقول ما يشاء ولكن مهزلة سودانية أخرى خرجت من وزارة الخارجية السودانية عندما طلب مسئول الحدود من أجهزة الإعلام أن تتوخى الحذر؟ .. يطالبنا أن ندفن الفضيحة وندع الذئب يستمتع بالضحية في هدوء! وهكذا ظلت المهازل تمرح في معر إشكيد ولمن أراد فله ما يريد ومن أراد أن يخفف على نفسه فعليه أن يتذكر أن (كلو حاجة عند العرب صابون).. لا فرق عند هؤلاء بين ميدان كورة يبيعونه في المعمورة والسجانة وبين أراضي يتركونها للأجانب في حلفا وأبيي !!
    *******
    الخلاصة:
    كل شيء كان في هذه المناسبة بلون الفضيحة:
    1/ الاتفاقية الأمنية التي بموجبها تم التنازل عن هذه الأرض الحدودية، لن يرحمها التاريخ !
    2/ الانفعال الجماهيري الأبله. لم يفوت المصريون هذه الفرصة دون ان يستمتعوا بشيء من (التريقة ) . عندما اندفعت الجماهير السودانية في المعبر المصري قبل الافتتاح قالوا لهم:” هنجيكم هناك.. مين اللي حيرحب بينا في السودان وكلوكو هنا..”.
    3/ التغطية الصحيفة السودانية الكئيبة بل الساذجة للحدث.لم تعتمد على ثقافة ولا تنوير حكومي .
    4/ سكوت المسئولين الحكوميين الذين سمعنا آراء بعضهم في المجالس الخاصة بل والإعلان المنافق في الإعلام عن الفوائد الآنية التي يمكن أن يجنيها الشعبان.
    5/ غياب الوعي والمسئولية بين صفوف النوبيين وقد لمست ذاك حتى من أبناء القرى المحتلة الذين يروجون الآن لقرى شمال حلفا ويقومون بتوزيع شهادات تمليك!ّ!
    ***
    هكذا عالج السودان قضية الحدود شمال حلفا بطريقة رديئة وباعت أراضينا وقرانا قرابينا لإرضاء السيسي. وهكذا يمكن أن يقوم الرئيس بزيارة ناجحة لمصر في أجواء مصالحه مواتية قد تخفف من الحصار !
    في الانتظار:
    ********
    نتمنى من الله أن لا يكون هذا التنازل قد أضعف من موقفنا القانوني كثيراًً !؛ وأن يهييء لنا حكومة وطنية تنزع لنا حقوقنا؛ وأن لا يتمكن هؤلاء من بيع كل شيء قبل أن يذهبوا ! وحتى يأتي الفرج سنبقى في مجلس نزار قباني نتفرج على بنايات التاريخ تنهار جداراً بعد جدار،ونتأمل ما تعرضه الشاشة من أخبار العار:
    ومذيع الدولة يعلن دون حياء:
    أنا قد حققنا النصر
    بفضل نضال الحزب
    وفضل الضباط الأحرار !!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..