سيناريو للبيع

لست بيرانديللو، الكاتب الإيطالي الشهير، لأكتب عن “شخصيات تبحث عن مؤلف”، رغم أن في حيواتنا كثير من الشخصيات التي تبحث عن مؤلف نجيض ليعيد تصويرها على الورق. وفي قاهرة التسعينات ، المليئة بالشخوص الغرائبية والروائية، كنت أرشح عددا من الكتاب لينجزوا عملا روائيا فريدا من هذا الطراز، لكنهم لم يفعلوا، ومن بينهم صديقنا محمد محمد خير، خاصة بعد أن تحول وتبدل لينافس إسحق أحمد فضل الله، ولن يستطيع. هنا سأكتب عن سيناريوهات تبحث عن مخرج شاطر، إن صدقت النوايا في فتح الباب للحوار الوطني الواسع، وتخيلوا معي السيناريو الأول.
تجلس لجنة ممثلة لكل من له صلة بملف الإعتقال السياسي والحوار الوطني، داخل الحكومة وحزبها التابع، تضع عددا من التصورات والاقتراحات المناسبة ليتم اعتمادها كاملة، أو تعديلها، قبل خطاب رئيس الجمهورية أمام البرلمان. وبالتأكيد فإن من مهام هذه اللجنة وضع تصور لجدوى وفائدة كل قرار، وانعكاساته وردود الفعل المتوقعة والنتائج المترتبة عليه، ليتم ترتيبها حسب أولويتها وأهميتها.
في اللحظة التي يكون فيها رئيس الجمهورية واقفا أمام البرلمان، يتصل شخص مسؤول من الدولة، على أي مستوى، بأسر المعتقلين السياسيين، ولديهم كل معلوماتهم وهواتفهم، ليبلغهم بقرار إطلاق سراحهم، ويخطرهم أن الرئيس سيعلن ذلك في خطابه أمام البرلمان. في غضون ساعات يسمح للمعتقلين بالتحدث لأفراد أسرهم وطمأنتهم أنهم في طريقهم للخروج، وأن أمامهم بعض الإجراءات.
بالتاكيد لا يتصور السيناريو أن الامر يتعلق بستة أو سبعة اشخاص، وإنما يفترض أن القرار والاتصالات يشمل معتقلين ومعتقلات في كادقلي والأبيض والدمازين وسنار وسنجة والقضارف والفاشر ونيالا، وبقية مدن السودان.
في مساء نفس اليوم تطوف وفود حكومية وحزبية على الأحزاب والقوى السياسية ليتم ابلاغ قادتها برغبة الرئاسة في الترتيب لحوار وطني واسع، لا يستثني أحدا أو قضية، وإنهم مكلفون بالتشاور معهم على الأجندة.
في اللحظة نفسها تكون الاتصالات قد نشطت بالوسطاء الإقليميين والدوليين لإبلاغهم بسعي وجدية الحكومة للتفاوض مع الحركة الشعبية-قطاع الشمال، في أديس ابابا، وأن الحكومة ستقدم عربونها بوقف الأعمال العسكرية والعدائية في جنوب وكردفان والنيل الأزرق ودارفور، وأنها تخطط لحوار تمهيدي مع الحركات المسلحة في دارفور، تمهيدا لضم كل فصائل دارفور والجبهة الثورية للحوار الوطني الموسع.
نشرة العاشرة في تليفزيون السودان تستطلع الكاتب والأكاديمي الواثق كمير عن نتائج هذه الخطوات مقرونة بمقاله الرائج “الكرة في ملعب الرئيس” وتستطلع الطيب زين العابدين والطيب حاج عطية عن خطوات الخروج. برنامج حواري تليفزيوني يستضيف التجاني السيسي وأحمد حسين آدم ويوسف تكنة ومحمد محجوب هارون عنوانه “الخروج من مستنقع الحرب في دارفور”.
أما مفاجأة برامج الغد فهي مواجهة ساخنة بين الدكتور حسن الترابي، والدكتور غازي صلاح الدين والدكتور التجاني عبد القادر حول (الإسلام والسياسة، الحدود والمشتركات).
أخبار الصحف تتحدث عن ندوات ولقاءات الأحزاب بالنازحين في معسكر كلمة، وتغطية لأمسية ساخنة في نادي البجا ببورتسودان، ومواجهة بين لجنة مناهضة سد كجبار وأسامة عبد الله في قاعة الشهيد الزبير.
هذا سيناريو مفتوح، مبذول صدقة جارية لكل من يريد التعديل والحذف والإضافة، وهو يسقط عن نفسه كل حقوق الملكية الفكرية لكل مخرج يريد تبنيه وتحويله لعرض حي.

[email][email protected][/email]