العقاب بالصيام ..!!

الطاهر ساتي

** كان الحدث المآساوي بالقضارف قبل أسابيع، إنهيار جدار المدرسة من أثر تزاحم الناس في صفوف التقديم لحج هذا العام، وإنتقال بعض النساء والشيوخ إلى رحمة مولاهم..الموت تكدساً، كان الحدث .. وكالعادة، غضبت الصحف ومجالس الناس وطالبت من يهمهم أمر الرعية وضحاياها بالتحقيق والمحاسبة.. وبالتأكيد، سادة الجهازين – التنفيذي والتشريعي – هم من يهمهم الأمر، أو هكذا يجب أن يكونوا بحكم مناصبهم وسلطاتهم..عفواً، ما لم تكن تلك السلطات والمناصب ( للسلطة والجاه)، وليست ( هي لله)، أو كما يهتفون ..!!

** المهم..من يهمهم الأمر، إستجابوا لغضب الناس والصحف، وشكلوا لجان التحقيق والمحاسبة..فالوالي – شخصياً – شكل لجنة تحقيق ومحاسبة، وكذلك فعل المجلس التشريعي، ثم المكتب القيادي للحزب الحاكم بالولاية أيضاً شكل لجنة تحقيق ومحاسبة ثالثة .. (ما شاء الله)، حماس ورغبة في المحاسبة، بدليل تشكيل ثلاث لجان تحقيق بأمر ثلاث جهات مهمة، إحداها تنفيذية والاخرى تشريعية والثالثة تنظيمية .. إجتمعت اللجان وإستدعت الأطراف ذات الصلة بالحدث وتقصت الحقائق، ثم وصت بالآتي نصاً : إقالة وزير الرعاية والإرشاد، دفع ديات لذوي ضحايا التكدس، ثم تنزيل خدمات الحج إلى مستوى المحليات..!!

** تلك هي توصيات لجان التحقيق والمحاسبة، وإستلمها الوالي (شخصياً).. ولكن عند التنفيذ – وهنا ننسب الحديث لنائب رئيس المجلس التشريعي بالقضارف مصطفى جرقو، ولحواره مع زميلنا ماهر أبو الجوخ بعدد البارحة – تحفظ الوالي على تنفيذ تلك التوصيات، واقترح توصية مفادها ( أنا بصوم ليكم كم يوم كده انابة عن حكومة الولاية، وخلاص)..تأملوا خاتمة لجان التحقيق والمحاسبة وتوصياتها ? و حوافزها ونثرياتها – في قضية ذات ضحايا تحطمت رؤوسهم وضلوعهم لسوء التنظيم وبؤس الإدارة .. أن يصوم الوالي و( خلاص)، أي يقفل (بلف القضية)..لا ديات لأسر الضحايا ولا إقالة الوزير ولا يحزنون..لقد تم إختزال محاسبة كل الأطراف المسؤولة عن المآساة في ( صيام الوالي) ..!!

** تلك تجربة القضارف في محاسبة المسؤولين على أخطائهم القاتلة..(العقاب بالصيام)، يصلح اسما لهذه التجربة الفريدة التي يجب تسجيلها في موسوعة غينيس كأغرب عقاب في تاريخ المسؤولية والمسؤولين..والمدهش في تجربة ( العقاب بالصيام) أن من يجب عليه الصيام ليس هو الوزير المخطئ حسب توصية لجان التحقيق، بل ( الوالي)..يُخطئ أحدهم، فيصوم الآخر، أوهكذا المحاسبة..تجربة مدهشة، ونطالب بتعميمها على ولايات السودان الاخرى..على سبيل المثال، القرى التي تم تخطيطها وتوزيعها على مجاري السيول وجرفتها سيول هذا العام بالخرطوم ونهر النيل والشمالية وغيرها، هذه الكارثة تستدعي صيام بعض بطانة السوء ( شهراً)، وهذا يكفي عقاباً للولاة..!!

** ثم الطرق القومية التي تمزقت لتجاهل العقول الهندسية أمر تشييدها فوق تصاريف مياه السيول والأمطار، هذه الفضيحة الهندسية تستدعي صيام بعض المنافقين ( 15 يوماً)، وهذا يكفي عقاباً لوزراء الطرق والجسور..أما رؤوساء المحليات الغارقة كثافتها السكانية في البرك الآسنة وبحيرات الطحالب والضفادع، فعلى الأفندية التنفيذية (صيام سنة)، ليكون عقاباً لرؤوساء المحليات..وهكذا ..المهم، ( العقاب بالصيام)، يجب أن يصاغ في وزارة العدل ويعدل في مجلس الوزراء ويجاز في البرلمان، ثم يصبح قانوناً يُلزم حامي الخطأ أو الفساد بالصوم عندما يخطئ أو يفسد (أخوه في السلطة) .. !!