
كلنا يتابع ازمة سد النهضة الأثيوبي وتعثر المفاوضات المنظمة لتشغيله.
المقولة الأثيوبية والحجة التي تتذرع بها ، بان هذه المياه نابعة من أرضنا ولنا مطلق الحرية للتحكم فيها ، هذا إفتراض باطل فنهر النيل ومنابعه والحياة والحضارات التي قامت حوله فهذه صنع الطبيعة. لم يتدخل في خلقها الأثيوبيون، او السودانيون ، او المصريون. تماما كما هو الحال في البحار والمحيطات والجبال.
فلو ان الحكومة الأثيوبية التي تتعنت في هذه المفاوضات الآن، هي من قامت بحفر البحيرة وفتح المجرى لإنسياب مياه النهر حتى حدود السودان ، ومن ثم قام السودانيون بتكملة المجرى حتى حدود مصر وهكذا .. كان يمكن لنا ان نطلق على هذه المياه ملك لهم . او انها خرجت للوجود نتيجة لمجهودهم الذاتي !!
ولو ان منطق الأثيوبيين صحيحا فمعنى ذلك، للدول الحق في حجب الرياح التي تهب في فضائها من العبور الى الدول المجاورة ، او يقاف السحب الملبدة اعلاها من المرور بحجة أنها تكثفت داخل دولتها كنتيجة لفعل ما هم قاموا به !!
إعتداء الأثيوبيين على المياه والتحكم فيها هو في الأساس تعدي على الطبيعة وعلى خلق الله وما رزق به عباده . فهذا الخلق تشكل قبل وجود الأنسان وقبل نشأة الدول بمسمياتها وحدودها الحالية، فهذا المنطق من اثيوبيا مرفوضً تماما دينيا واخلاقيا وقانونيا ولا أساس له البتة ، و نخشى ان لا يكون سببا في غضب الله ولعنته عليهم.
الأثيوبيون يتلاعبون بين مفهومين الاول ، الذي ذكرته اعلاه وهو مرفوض وغير مقبول على الإطلاق ، وعليهم ان لا تختمر في أذهانهم فكرة تملك الطبيعة والإدعاء بإنشاءها ، وبذلك يعطوا لانفسهم حقا لا يمتلكوه ، ومبررا لأفعال قد تسبب في هلاك الكثير من المخلوقات من بشر وطير وحيوان ونبات.
والمفهوم الآخر الذي يرددونه ، هو انه من حقنا تطوير بلدنا وإستثمار مواردها . فإذا كان هذا هو الحال ، فنحن نقول نعم ، ولكن ليس بما ترسموه او بما تتمنوه انتم بمعزل عن حق الآخرين فيه ، ولكن يتم بإقرار ما اوجدته الطبيعة وحق بقية المخلوقات فيها ، بما لا يهدد حياتهم وقوتهم اولا ، والإلتزام به وضمانه بكل الصور واللوائح القانونية ، وليس شفهيا فقط ، او وفقا للأهواء ولنزعات السيطرة والتعالي ومحاولة إذلال الآخرين.
لذلك ووفقا لسنن الله في الارض ، والخضوع لإرادته ، فهم مجبرين للإتفاق مع الآخرين المشتركون ( .. وجعلنا من الماء كل شئ حي) والتنسيق والموافقة على ما يمكن لهم فعله . واما الأدعاء بإمتلاك مطلق الحرية في التحكم في هبات الله سبحانه وتعالى ، فهذا كفر وإجحاد لنعمته وتغرر بها ، لسبب بسيط وهو ان الله تعالى لم يختصكم بها دون سواكم ، وأنتم تعلمون ذلك جيدا.
قال تعالي : (وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِى ٱلْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلْفَسَادَ) البقرة 205 .
المعنى: (وإذا أعرض عنك هذا النوع من الناس وولاك دبره أسرع في الإفساد بين الناس، وتفريق كلمتهم ، وإتلاف كل ما يقع تحت يده من الزروع والثمار والحيوان ، وما به قوام الحياة والأحياء.
فإهلاك الحرث والنسل كناية عن إتلافه لما به قوام أحوال الناس ومعيشتهم ، وعن إيذائه الشديد لهم.. والمقصود بيان نفاق هذا النوع من الناس ، وهو أنه عند الحضور يقول الكلام الحسن ويظهر المحبة ، وعند الغيبة يسعى في إيقاع الفتنة والفساد .
وقوله تعالي وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ أى لا يرضى عن الذي منه الإفساد في الأرض ، ويظهر للناس الكلام الحسن وهو يبطن لهم الفعل السيئ ، لأنه- سبحانه- أوجد الناس ليصلحوا في الأرض لا ليفسدوا فيها. فالجملة في الآية الكريمة تحذير منه- سبحانه- للمفسدين، ووعيد لهم على خروجهم عن طاعته) . نهاية التفسير
الناس في العالم تعتبر ان النزاع في مياه النيل إشكال بين ثلاث دول . فيما ارى انه نزاع دولي وكوني ، قائم على محاولة التحكم والسيطرة على الطبيعة وعلى مصير الخلق.
لذلك وجب على جميع الناس التصدي لمن يريد تبديل سنن الله عز وجل ، وعرقلة الطبيعة ، وظلم الآخرين في هبات الكون . لانها ظواهر خطيرة وكارثية ، تبدا على هذه الشاكلة وستتخذ أشكالا أخرى . وذات الأمر تسبب في نضوب نهر دجلة والفرات وإنقطاع المياه عن دول المصب سوريا والعراق وذلك بسبب السدود الكثيرة التي قامت بتشييدها تركيا على هذه الأنهار .
لا نقبل من منظمة الأمم المتحدة التملص من دورها في هذا الشان ، وإدعاء أنها لا تتدخل في العلاقات بين الدول . بل نقول انه من صميم دورها في حماية البيئة والطبيعة ، واصدار إتفاقيات منظمة لها ، والاشراف علي تنفيذها . تماما كما حدث في مؤتمر فيينا عام 1985 لحماية طبقة الاوزون.
إن ما قامت به تركيا في نهري دجلة والفرات ، وما تقوم به أثيوبيا الآن ، يحتاج لمؤتمر دولي عاجل ، لأيقاف هذا الإستهتار ، والتجني على صنع الله ، والتحكم في هباته للمخلوقات . وهذه دعوة للأحرار في العالم للتظاهر المليوني وحث المجتمع الدولي ومنظماته ، على أصدار التشريعات اللازمة لأيقاف هذا النوع من الأفعال الشنيعة . فالهلاك لا يحدث فقط بالحروب ، وإنما ايضا بالتعدي على حقوق الغير فيما اوجدته الطبيهة لهم.
هذه الأمور وتلك الثوابت ، لابد وأن تظل بعيدة عن السياسة ومكائدها واهواء المسؤولين ، في اي بلد كان ، وفي اي وقت من الزمان.
خالد حسن
[email protected]