رئيس مدى الحياة ..!!

قبل ايام انتشرت صورة في الاسافير تجمع رؤساء امريكا الأحياء ..كانوا خمسة من العظام.. منهم من غادر السلطة ومضي الى بيت ريفي بعد ان اهدى للشعب الامريكي مكتبة عامة..ومنهم من يستعد للمغادرة في الثلث الاخير من شهر يناير القادم..ترامب الرئيس المنتخب سيجلس على مقعد الرئاسة وفي خاطره امتحان عام ٢٠٢٠م..في ذاك الامتحان لديه فرصة واحدة للتجديد او مغادرة نهائية للحكم ليلحق بالذين سبقوا.
الذي جعلني استحضر هذه الصورة إفادات ادلى بها الامام احمد المهدي للزميلة العزيزة اخر لحظة ..اقترح الامام احمد ان يتاهب حزب الامة لاختيار رئيس من خارج البيت الملوكي..دعوة الامام المراكبية جاءت مصحوبة بتأكيد انه امام الانصار الشرعي ..وان كل ما يحوز عليه ابن اخيه الصادق المهدي لا يتجاوز رئاسة حزب الامة..بمعنى ان الامام يتبرع بما لإيملك ..وهذا يعني ان امامة الانصار ستظل امر متوارث بين ابناء واحفاد المهدي .
الغريب ان توريث الإمامة لم يعمل به صاحب العلامة التجارية واعني به الامام الثائر محمد احمد المهدي..حينما غادر محرر السودان الفانية جعل الامر لخليفته عبدالله التعايشي الذي لم تكن تربطه به اصرة دم..لكن الخليفة كان اول من ابتدر التوريث حينما عين شقيقه الامير يعقوب في مقام ولي العهد ثم لاحقا اتي بابنه شيخ الدين في ذات المقام بعد ان استوى عوده .. الامام عبدالرحمن المهدي استعان في عهده الاول بالمثقفين من أمثال الاميرلاي عبدالله خليل والأستاذ محمد احمد المحجوب ..كان ذلك الى حين تهيئة أنجاله لدخول الملعب السياسي وقد كان ذلك عبر تقديم الامام الصديق ومن بعده الامام الهادي .
فكرة زعيم مدى الحياة لم تكن حكرا على طائفة الانصار..على الضفة الاخرى كان الختمية يمارسون ذات التقليد..السيد علي ومن بعده السيدين محمد عثمان الميرغني والرئيس احمد الميرغني..التوريث أقصى ابناء عمومتهم من مراهنة كسلا الذين كتبوا عليهم ان يعيشوا في الظل..بعدها انداحت فكرة الزعيم الدائم الذي لا يخلعه الا ملك الموت لصفوف الحركات اليسارية فنال عبدالخالق زعامة الحزب الشيوعي وهو شاب صغير السن ..في الحركة الاسلامية تجاوز الشيخ الترابي قيادات تاريخية ولكنه بقي في الإمارة لنصف قرن من الزمان.
في تقديري ان تلك الممارسة السالبة داخل البيوت الحزبية وطنت فكرة الزعيم الخالد في السودان..كل الحكام العسكريين باستثناء سوار الذهب استمسكوا بالحكم حتى هبت في وجوههم الجماهير واقتلعتهم من الملك عبر ثورات شعبية مشهودة ..الاصلاح الان يبدأ مساره من داخل الأحزاب والطوائف الدينية ..ان لم يتم تجاوز مفهوم التوريث او الزعامة الدائمة لن ينصلح حالنا.
بصراحة..بإمكان الامام الصادق المهدي ان يسجل اسمه في التاريخ ان تجاوز التوريث في اختيار خليفته في حزب الامة..لكن ذلك ليس أمر يسير ان كان الامام يرى ان واولاده وبناته العشر اكثر كفاءة من ابن عمه مبارك المهدي المرشح الأوفر حظا لخلافته.