د. النور حمد: استمرار الاحتجاجات وتصاعدها سيحدث شروخاً في بنية السلطة الحاكمة

- خرج الشارع بنفسه من غير قائد، وهذا وضع وجب التعاطي معه بأفق جديد
- استراتيجية حافة الهاوية، لها يدٌ حقيقيةٌ في الوضع الراهن. لكنها من هندسة الإسلاميين وليست من المجتمع الدولي
- إذا فشلت هذه الهبة في إزاحة النظام، فإن ثورة الجياع قادمة
- الثورة بوصفها آلية لإحداث تغييرات جذريةٍ، سلميةٍ، مستدامةٍ، تحتاج إلى ما هو أكثر من الغضب، ومن مجرد حراك الشارع.
- دعوتي للانتخابات كانت محاولة للخروج من حالة الانغلاق التي طالت لكن يبدو أن الأحزاب الكبيرة قد شاخت، ولم يعد هناك أمل في إعادتها لحالة الشباب.
- فشل الانقاذ خاص بها ولا يمكن أن تلوم عليه أحد … الإسلام السياسي مجرد شعار ولا يوجد مشروع ذو ملامح محددة.
لاشك أن د. النور حمد من الباحثين والمحللين القلائل الذين لديهم قدرة في تحليل الأحداث وتفسيرها ومحاولة قراءتها بأفق أوسع خاضع للمنطق وقائم على المعطيات ومستند بالبراهين ، (الجريدة) التقت به وادارت معه حوار حول الاحتجاجات الأخيرة التي ظلت تشهدها البلاد طيلة الأيام الماضية وخرجنا منه بإفادات جرئية حيث قال أن موجة الاحداث التي نعيشها جاءت نتاج لحالة إختناق سياسي ومعيشي كان متصاعد منذ امد ، مشيراً الى ان استمرار الاحتجاجات وتصاعدها سيحدث شروخاً في بنية السلطة الحاكم ، وأوضح د. النور حمد ان استراتيجية حافة الهاوية لها يد حقيقية في الوضع الراهن لكنها من صنع الإسلاميين أنفسهم وليس المجتمع الدولي ، عموماً هو حوار ناقش الواقع بشكل جيد والسيناريوهات المتوقع مستقبلاً ـ ولا يفسده شئ سوى عدم الإطلاع عليه .
الخرطوم : محمد الاقرع
ما هو تعليقك على الاحتجاجات الدائرة هذه الأيام في السودان؟ وبرأيك أين تكمن نقاط الضعف والقوة؟
لم يكن هناك بد من أن تشتعل هذه الاحتجاجات الشعبية، على هذا النحو العفوي التلقائي الذي اشتعلت به. فحالة الاختناق السياسي والمعيشي كانت تتصاعد، منذ وقت طويل. وقد سكب الحادبون على مصلحة البلاد واستقرارها مدادًا كثيرًا في التنبيه إلى ضرورة إحداث انفراج سياسي حقيقي، والخروج من دائرة الحلول الصورية، الشكلية، الإعلامية، التي ظلت تزاولها السلطة. لكن السلطة كانت لا تسمع، أبدًا. ولذلك برز هذا الصوت الشعبي العالي، الذي أخذ يقض مضاجعها، ويضع أمام الإعلام العالمي، والمجتمع الدولي، معاناة شعب السودان الطويلة، مع هذا الحكم الديكتاتوري، الذي فشل في توفير الضروريات، وحوَّل البلاد إلى ترسانةٍ عسكريةٍ، بغرض القمع، وفرض الهيمنة، وكتم الأصوات، بلا انجاز، أو حتى أملٍ في الانجاز.
أما، أين تكمن نقاط القوة والضعف؟ فيمكن القول إن للشعب نقاط قوة وضعف، وللحكومة كذلك. نقاط قوة الشعب تكمن في أن الهبة جاءت تلقائية، وجاءت من الأقاليم، وجاءت شاملة. ولو استمرت وتصاعدت، واستطاعت أن تحافظ على سلميتها، وأن تعبئ الشوارع، حتى تضيق بالمتظاهرين، في مراكز المدن، وفي الأحياء، وفي القرى، فإن النظام سيهتز من داخله، وسوف تنحاز كثيرٌ من ركائزه إلى جانب الشعب. أما نقط ضعف الحراك فهي انعدام الرؤية المعقلنة السليمة للمخرج، بعيدًا عن حماس الثورة واندفاعها. ولكن ربما تتبلور هذه الرؤية مع تصاعد الأحداث.
أما السلطة فهي ملفوفة في الضعف. فلقد استنفدت كل فرصها التي مُنحت لها، ولم يعد أحد يثق في أي وعد تقدمه. ثم إنها تعيش حالةً من الإفلاس المالي التام. كما تعيش حالة من المهانة والضعة وسوء السمعة في الأوساط الإقليمية والدولية. فهي لا مخرج لها سوى أن ترحل. ولا أرى أنها عادت تملك نقاط قوة. في تقديري، أن جيوشها، كلها، الممثلة في القوات المسلحة، وقوات الشرطة، وقوات الأمن، وقوات الدعم السريع، تنتظر وصول الأزمة حدًا معيّنًا، والمد الشعبي مداه الأقصى، لتنحاز إلى جانب الشعب. ولن تبقى إلى جانب السلطة، سوى قوات الدفاع الشعبي وحدها. لكنها ستكون معزولة، وقليلة العدد والعدة، وسوف تتبخر، حين ينبلج فجر الخلاص، من تلقاء نفسها.
ما هي السيناريوهات المتوقعة؟ وهل تستطيع الحكومة كبح جماح الجموع الثائرة من الشباب؟ وما تقييمك للخطاب الحكومي الذي يتحدث عن خلايا تخريبية ومؤامرة إسرائيلية؟
بصورةٍ عامة، يمكن القول إن السيناريوهات المتوقعة، تتخلص في الآتي:
أن تستمر الاحتجاجات وتتصاعد، فتحدث استمراريتها شروخا في بنية السلطة الحاكمة، كما أشرت أعلاه.
أن تضعف وتيرة الاحتجاجات، وتنتهي هذه الهبة إلى ذات المصير الذي انتهت إليه هبة سبتمبر 2013.
هناك شرطان لنجاح أي ثورة، وهما: ديمومة التظاهرات وتصاعدها. فاذا استمرت الهبة الشعبية، ولم تنقطع، وحافظت على الاستمرارية، ثم تصاعد مدها، واتسع أفقيًا، وتزايد رأسيًا، فإن إخمادها يصبح بالغ الصعوبة. تنجح الثورة حين تحقق إجماعًا شعبيًا ساحقًا، تنزل به أغلبية الجماهير إلى الشوارع. فالإجماع الشعبي الساحق، وتعبئة الشوارع كلها، حتى تضيق بالناس، يلغيان العنف. حدث هذا النوع من الإجماع وتعبئة كل الشوارع والساحات، في الثورة الإيرانية، فهرب الشاه، وتبخر جهاز السافاك. لكن، حدوث هذا ليس بالأمر السهل.
أما المؤتمر الصحفي الذي عقد قبيل منتصف الليل قبل أيام لإلقاء مسؤولية قتل المتظاهرين على أبناء دارفور، فهو مسرحية، عنصرية، سمجة، لم يتعد صداها مسرح وكالة سونا للأنباء، ومنتسبيها. وهي مسرحيةٌ سخر منها المواطنون في الداخل، وسخر منها، أيضًا، الإعلام العربي، والعالمي.
إذا استمرت موجة الاحتجاجات، هل نتوقع حدوث انقلاب في “كابينة” النظام؟ وكيف تقرأ مستقبل السودان في حال حدوث ذلك؟
أعتقد أن هناك تململٌ وسط قطاع كبيرٌ من القوات النظامية، يسير في وجهة الانحياز للجماهير والدفع بالبلاد للخروج من هذا المأزق الشائك. لقد قام البشير بخلق عدة جيوش، وإسكانها، كلها، في العاصمة القومية، ظنا منه أن بذلك سيُحيِّد هذه الجيوش من الحراك ضده. لكن أصبح توازن القوى بين هذه الجيوش في مصلحة الشعب، وليس في مصلحته هو. لم يعد البشير منذ صدور أمر القبض عليه، من المحكمة الجنائية، يثق في أحد، لذا قام بخلق قوى عسكرية موازية للقوتين النظاميتين التقليديتين المتمثلتين في الجيش والشرطة. لكن، رأينا كيف أن قوات الدعم السريع، وهي قوة بالغة الضخامة، نفضت يدها عن قمع المظاهرات. والجيش، كما هو ظاهر، منذ اندلاع التظاهرات، لا يزال يقف بمعزل عما يجري. حالة التوازن هذه، سوف تقود القوى العسكرية، للتوحد فيما بينها، بما فيها جهاز الأمن. فكلها تتجنب المواجهة العسكرية مع بعضها والانزلاق إلى جحيم حرب المدن والفلتان الأمني الشامل. لذلك فإن مخرج هذه الجيوش الوحيد هو التوحد، والوقوف إلى جانب الشعب. لكن، لن يحدث هذا إلا إذا استمرت الاحتجاجات، وتصاعدت إلى الذروة المطلوبة. وأحب أن أوكد هنا، أن الثورة لن تنجح قط، بغير ذراع عسكري، ساند.
ما هو تقييمك للزيارة الأخيرة لوزير الخارجية المصري؟ وموقف قطر الداعم لحكومة البشير؟
مصر منزعجة جدًا مما يحدث في السودان. ويشاطرها في الانزعاج الجوار الإقليمي كله. فإذا لم تحقق الثورة هدفها بتغيير نظام الحكم، لا قدر الله، وقادت، من ثم، إلى صراع عسكري، مفتوح، بين مختلف القوى، وجر ذلك الصراع المحاور العربية، فإن السودان سيصبح هدفًا رخوًا للجماعات الدينية المتطرفة. مصر لا تزال تصارع المتطرفين في سيناء، ولا يبدو أنها تحقق النجاح الذي تصبو إليه. فإذا انفتحت عليها جبهة أخرى، مع المتطرفين، الإسلاميين، على حدودها الطويلة مع السودان، فإن أسوأ كوابيسها يكون قد تحقق. لكن، في عموم الأمر، ظلت مصر، منذ خمسينات القرن الماضي لا تريد نظامًا ديمقراطيًا في السودان. مصر تريد نظاما سودانيًا ضعيفًا قابلا للاستتباع وللإملاءات. لقد آن الأوان لأن تستثمر مصر في الشعب السوداني، وليس في الأنظمة الدكتاتورية الفاشلة.
أما موقف قطر، فلا أعتقد أنه داعم للبشير. ويدل على ذلك موقف قناة الجزيرة، وقناة العربي الفضائية، وصحيفة العربي الجديد. وأعتقد أن إعلان الشيخ تميم بن حمد تقديم إعانة، جاء قبل تصاعد الأحداث، وقبل إجراء تقييم لها.
برأيك، هل الاحتجاجات التي انطلقت محصنة من أي تدخل أجنبي، خاصة في وقت يرى فيه بعض المحللين أنها جزء من إستراتيجية “حافة الهاوية” التي تطبق على الحكومة من قبل المجتمع الدولي بهدف جرها نحو إحداث تسوية سياسية شاملة؟
لا، ليست محصنة أبدًا. وليس في يد أي فصيل الآن قدرة على تحصينها. لكن أرجو من كل قلبي أن تسلم هذه الثورة من التدخلات الأجنبية. لا أعتقد أن المجتمع الدولي له دور فيما يجري. وأوافق د. التجاني عبد القادر، أن الأزمة الحادة، الراهنة، التي أمسكت بحلق النظام، وأدت إلى شح المواد الغذائية، وشح الوقود، وشحت العملة الورقية، هي من صنع الإسلاميين، أنفسهم. فاستراتيجية حافة الهاوية، لها يدٌ حقيقيةٌ في الوضع الراهن. لكنها من هندسة الإسلاميين، وليست من المجتمع الدولي. والمجتمع الدولي ليس له واجهة واحدة. وقد رأينا كيف سعت المجموعة الأوروبية إلى تقديم الأموال إلى النظام ليصبح كلب حراسة لها من المهاجرين من منطقة القرن الإفريقي.
لكن، لو قادت هذه الأزمة، التي أوصلت النظام إلى حافة الهاوية، سواء كانت بسبب ما يسمى “المجتمع الدولي، أو قطاعٍ من الإسلاميين، إلى تسوية سياسية شاملة، عبر فترة انتقالية طويلة، تعقبها انتخابات حرة نزيهة، فهذا هو المطلوب. لأن هذا هو ما يحفظ استقرار الدولة وتماسكها. أما الأمريكيون، ممثلين في سياسات الرئيس دونالد ترمب، فقد أصبحوا يعادون ويصالحون، في المنطقة العربية، وفقًا للترمومتر السعودي. وعمومًا، فإن الدور الأمريكي، في المنطقة، قد يتراجع بصورة غير مسبوقة.
المعارضة السودانية الآن بدأت في استثمار حراك الشارع ومحاولة خلق اصطفاف جماهيري جديد ضد النظام. هل سيؤتي ذلك أكله، ويساعد في نجاح الثورة؟
طبعًا، كلما كبر الكوم المواجه للنظام، كلما كان أفضل. لكن الملاحظ، أن موقف الحزبين الكبيرين، تاريخيًا، ملتبس، إلى حد كبير، وعلى تفاوتٍ بينهما. فالاتحادي الديمقراطي الأصل مشارك في الحكومة، وفي البرلمان، ولم نسمع له صوت. وموقف السيد الصادق المهدي يتسم بالكثير من الغموض والجنوح إلى المهادنة، بصورة تجعله كمن يلعب على الحبلين. لكن، إذا نجحت الثورة، فإنها سوف تفضي حتمًا إلى إجراء انتخابات عامة، وهنا يأتي دور الأحزاب الذي لا مناص منه. ومن يكسب السند الجماهيري يحكم في نهاية المطاف. فوجود الأحزاب في كل مراحل السير نحو التحول الديمقراطي، مطلوبٌ ولا يمكن القفز عليه. لكنني أتوقع أن نصيب الحزبين الكبيرين في البرلمان، في أي ديمقراطية سودانية مقبلة سوف يكون ضعيفا، وسوف تحل محلها قوى أخرى، أكثر حداثة، وديناميكية منها، في السيطرة على البرلمان.
يرى النور حمد أن الثورة لا تهبط من السماء بسبب الضغوط المعيشية، ولا يخلقها الهياج العاطفي اللحظي والشحن الخطابي، هل يعني ذلك أن ما يحدث لا يعدو كونه احتجاجات عابرة؟
هذه الهبة الواسعة ذات السمات المتميزة من حيث سعة الانتشار وتلقائية الحدوث، لم تتحول، بعد، إلى ثورةٍ، شاملةٍ، كاسحة. وأرجو لها أن تتحول إلى ثورةٍ، شاملةٍ كاسحة، محافظةً على سلميتها التي بدأت بها. طبعًا، يمكن للضغوط المعيشية والهياج العاطفي اللحظي، والشحن الخطابي، أن تحدث حراكًا قويًا يهز الأنظمة. لكن الثورة بوصفها آلية لإحداث تغييرات جذريةٍ، سلميةٍ، مستدامةٍ، تحتاج إلى ما هو أكثر من الغضب، ومن مجرد حراك الشارع.
تشظي الواقع السوداني، ضعف وانقسام الاحزاب الكبيرة، تفتيت القوى النقابية، وتغيير ديموغرافيا العاصمة القومية، وتآكل الطبقة الوسطى، وحزام الفقر، جميعها أسباب ساقها النور حمد في الرهان على عدم توقع هبة شعبية، فهل ما حدث شيء مختلف؟ وما هي الأسباب يا ترى؟
لو سارت أمور معاش الناس على الوتيرة التي كانت عليها، رغم سوئها، لربما لم تحدث هذه الهبة. لكن، تضافرت عوامل جديدة، لم تكن منظورة. وعلى رأس هذه العوامل شح العملة الورقية، وانهيار النظام المصرفي، وتفاقم حدة الضوائق في المحروقات، والخبز، وتصاعد الأسعار، وانعدام الدواء، وتصاعد أسعاره، مع انعدام القدرة على الحصول على المرتبات، على ضآلتها. لقد أهان النظام الشعب على مدى شهور كثيرة، فأصبحوا يعسكرون في صالات البنوك ويقفون ساعات طويلة أمام ماكينات الصرف الآلي. وقد صحب كل ذلك تخبط في القرارات وافلاس تام في القدرة على الاتيان بحلول. وعموما، علاوة على امتهان كرامة المواطن، أوصل نظام الحكم الناس إلى حافة المجاعة. لذلك خرج الناس بلا توجيه من القوى السياسية. فهذه الهبة أشبه ما تكون بثورة الجوع، التي حذرت من اندلاعها. لكنها، بحمد الله، أصبحت موجهة ضد السلطة، وليست حربًا بين طبقات المجتمع. وواضح جدًا الآن ضعف دور القوى السياسية في هذه الهبة. فهذه الهبة جديدة تمامًا، يقودها شباب خارجين، فيما يبدو، عن الأطر التقليدية، التي ظللنا نفكر بها نحن الكبار. لكن، لا يزال هناك تحدي، وهو أن تصبح ثورة شارع شاملة. فهي حتى الآن ثورة شباب متعلمين وطلاب، ولم تصل درجة الهبة الشعبية الشاملة، التي تنخرط فيها الطبقات الدنيا بكل ثقلها. هذا الانخراط الشامل هو ما سيضمن لها النجاح، وهو ما سيحرسها من الانزلاق إلى صورة من صور إعادة إنتاج النظام القديم.
هل يمكن أن نسمي ما يحدث هذه الأيام بداية لانطلاق ثورة الجياع التي قلت إن على المعارضة ألا تتمناها وعلى الحكومة أن تعمل جاهدة، لكيلا تحدث، فهي تستعصي على القمع وتنتهي بالقضاء على الأخضر واليابس انطلاقاً من معادلة صفرية؟
ثورة الجياع، كما أشرت عاليه، لم تحدث بعد، وإنما حدثت ارهاصاتها. وأرجو أن تقفل عليها هذه الهبة المباركة الباب، بتغيير هذا النظام الفاشل. فإذا فشلت هذه الهبة في إزاحة النظام، فإن ثورة الجياع قادمة، لأن النظام لم يعد يملك حلولا، ولن ينفتح أي أفق للحلول إلا بزواله.
إذا مرت هذه الاحتجاجات كما حدث في “سبتمبر 2013م”، هل سيظل النور حمد في نفس الموقف الذي يرى أن المسار الانتخابي بكل علله المتوقعة، هو الأنسب للخروج من الأزمة وإحداث تجديد في الدماء السودانية؟
دعوتي للانتخابات كانت محاولة للخروج من حالة الانغلاق التي طالت. كما كانت دعوة للأحزاب والحركات المسلحة، لتعود من الخارج وتعمل داخل البلاد. إضافة إلى دعوة الأحزاب للخروج من مجرد العمل على مستوى النخب، والعودة للقواعد، وتنشيطها وتلمس نبضها، ومن ثم تجديد البرامج، وما إلى ذلك. أيضأ استندت الدعوة إلى تجارب بعض الدول في تحقيق التحول الديمقراطي عن طريق الانتخابات. لكن يبدو أن الأحزاب الكبيرة قد شاخت، ولم يعد هناك أمل في إعادتها لحالة الشباب. كما أن الحركات المسلحة أصبحت مستندة إلى المجتمع الدولي. لكن، تحولت دعوتي إلى منازلة المؤتمر الوطني انتخابيًا، إلى مجرد صرخة في وادي الصمت، حين خرج قانون أعرج للانتخابات، وحين أعلن المؤتمر الوطني نيته تعديل الدستور ليكون في وسع الرئيس البشير الترشح إلى ما لا نهاية. باختصار، دعوتي للانتخابات تخطتها الأحداث، وتخطتها أوضاع نظام الحكم القائم الذي أفلس وانهار تماما.
فيما يتعلق بالانتخابات، كنت قد أجريت حوارا معك في شهر فبراير الماضي، وسألت عن الانتخابات والخروج من الأزمة وكان ردك بالنص: “لن تكون الانتخابات مخرجًا أبدا. وهي لم تكن مخرجًا، في أي مرة سابقة جرت فيه، منذ مجيء الإنقاذ.
لقد قادت متسلسلة الانتخابات الصورية الزائفة إلى تأزيم الأوضاع، بصورة مستمرة، حتى وصلنا إلى هذه الدرجة المفرطة من التأزم، ومن انغلاق سبل الخروج”. لكن، كما شهدنا، تبدل موقفك، وظهرت أطروحتك الداعمة لمبدأ المنازلة الانتخابية، ليطل السؤال الطبيعي عن أسباب ذلك التحول؟
سبب التحول هو يأسي من القوى الحزبية، وتشرذمها، وعدم قدرتها على قيادة الشارع. أما الآن فقد خرج الشارع بنفسه من غير قائد، وهذا وضع جديد وجب التعاطي معه بأفق جديد.
بالرجوع للأحداث الجارية اليوم يلحظ المتابع ظهور قوى سياسية جديدة على الساحة. هل تعتقد أنها يمكن أن تكون بديلاً للأحزاب التقليدية، يمكن أن تعيد توزيع موازين القوى؟
كما سلفت الإشارة، شاخت الأحزاب، وأوضحت هذه الهبة الأخيرة شيخوختها بأكثر مما أظهرته هذه الأحزاب من عجز في الرؤية وفي التصميم وفي الفعالية، في السنوات الماضية. وعموما الفرصة متاحة لها أن تشارك في أي انتخابات قادمة. لكن كما سبق أن أشرت أن نصيبها في أي برلمان قادم سيتضاءل بصورة ملفتة. فالخريطة السياسية تأخذ الآن في التبدل وستعطيها هذه الهبة، في حالة نجاحها، دفعة أكبر في وجهة التبدل.
على ما يبدو أن حكومة الإنقاذ والحركة الاسلامية في السودان دخلوا في نفق مظلم جداً، هل كان ذلك بسبب فشلهم وحدهم، أم أن هنالك مؤامرة تدار لإفشال مثل هذه المشاريع والأنظمة؟ وفي ذات السياق كيف تقرأ مستقبل الاسلام السياسي في حالة سقوط النظام أو زواله؟
فشل الانقاذ خاص بها ولا يمكن أن تلوم عليه أحد. هذا أفشل نظام حكم السودان في حقبة ما بعد الاستقلال. الكلام عن مؤامرات أجنبية مجرد مشجب لتعليق الفشل عليه. أما الإسلام السياسي فهو مجرد شعار. لا يوجد مشروع سياسي ذو ملامح محددة يمكن أن تطلق عليه “مشروع الإسلام السياسي”. لقد فصل راشد الغنوشي في تونس بين الدعوي والسياسي. فدق مسمارا في نعش الشعار الإسلامي الزائف الذي تتاجر به حركات الإسلام السياسي. أما تركيا، فهي دولة علمانية كاملة الأركان، ولا يمثل الإسلام ركنا في سياساتها كدولة، وإن كان له تأثيره الاجتماعي وهذا طبيعي في أي مجتمع إسلامي. ولو افترضنا، أن هناك حركة إسلام سياسي إقليمية مترابطة، فإن سقوط نظام الإنقاذ من صالحها. فهذا النظام وصمة في جبين حركة الإسلام السياسي، وخصم على صورتها، لا يماثله خصم. لقد منح نظام الانقاذ السوداني، الاستبداد، والفساد، والفشل المطلق، في إدارة الدولة، اسمًا إسلاميا.
الجريدة
بالله شوفوا عينة دا! الناس بتتكلم عن إسقاط النظام وتغييره من جذوره ودا يبخس في خروج الشباب قال الانتفاضة ستحدث شروخ مجرد شروخ بس في بنية النظام! ياخي في زول سالك من تقييمك الخاص؟ لا تشاركوا ولا تساهموا في زيادة الزخم ولا تصموا خشومكم عن تثبيط الشباب الذين قدموا حتى اليوم ما يناهز الأربعين شهيدا! نقطونا بسكاتكم بس والنظام يسقط بس اتشرخ ولا ما اتشرخ! أخخخ من عديمي الدم والفهم حتى لظرف المرحلة.
النور حمد من الداعين للهبوط الناعم، الان يجد نفسه فغي ورطة.
يقول أن الاحزاب شاخت، ولكنه لن يقول ان المؤتمر الوطني لن يسمح بانتخابات حرة ونزيهة
يقول الحركات المسلحة تعتمد على الدعم الدولي ولكنه لا يقول شيءا عن السمسرة الدولية التي يقوم بها البشير وجيش المرتزقة في اليمن
ولن يتحدث عن بطش البشير وقتله لأهل درافور.
وعادي جدا يدعو الناس لانتخابات قبل سنةوالان يقول دعوته تخطاها الزمن
يسأله الصحفي عن سر تحوله، ولكن الصحفي لا يعلم أن هذا جزء أساسي من مكونات شخصية النور حمد التقلب وعدم المبدئية والثات على رأي واحد أو فكرة واحدة.
أقول على هذا الصحفي أن يتوقف من تلميع نجوم الطاهر التوم وغيره
تسقط بس#