سلة الغذاء السودانية.. حلم بعيد المنال

واد مدني: أ ف ب
وسط حقل اخضر قرب ضفاف النيل وقف الحاج مأمون متحدثا عما يجابهه من صعاب في تحقيق ربح من محصوله الزراعي، رغم ما يملكه السودان من اراض خصبة هائلة ورغم الامال العريضة للحكومة السودانية.
لقد اصبحت الوفرة الزراعية حلما يراود حكومات الخرطوم المتعاقبة المفتقرة الى المال مع سعي السلطات السودانية لتنويع نشاطها الاقتصادي، فالقطاع النفطي الذي يشكل اكثر من 90 بالمائة من مدخولات الخرطوم الحالية من العملة الصعبة سيتضاءل مع استقلال الجنوب في 9 تموز اذ يقع نحو 75 بالمائة من احتياطات النفط في البلد الجديد. وقبل تصدير النفط بدءا من اواخر التسعينات كانت الزراعة عصب الاقتصاد السوداني، ومازال كبار المسؤولين السودانيين يؤكدون على قدرة القطاع الزراعي على تخفيف الوقع الاقتصادي لانفصال الجنوب.
ولكن المزارعين في ولاية الجزيرة — التي تشمل احد اكبر مشروعات الري في العالم والواقعة بين النيلين الازرق والابيض — يشتكون من ان تلك الثورة الزراعية مازالت حلما بعيد المنال، فالسلطات السودانية على سبيل المثال رفعت اسعار السكر 15 بالمائة في يناير تفاديا للكلفة الضخمة لدعم الوارد منه وهي السلعة التي كان احرى بالخرطوم ان تصدرها. ويقول مأمون "الزراعة اسوأ الان عنها قبل عشر سنوات حيث تضاعفت التكاليف مع اهمال تحسين المنتج وتسويقه". وخلال الشتاء باع المزارع البالغ الخمسين من عمره 12 شحنة طماطم محققا ربحا زهيدا بلغ صافيه 200 جنيه سوداني (62 دولارا) بسبب انخفاض الاسعار الموسمية والتكاليف الباهظة للانتاج وعدم تقديم الحكومة الدعم الكافي.
ويسعى السودان لاجتذاب استثمارات خارجية لضخ دماء جديدة في القطاع الزراعي وزيادة الناتج، خاصة من البلدان العربية المجاورة مثل مصر والسعودية التي يهمها تأمين حاجاتها الغذائية الماسة في المستقبل. ويعد "مشروع الجزيرة" درة تاج الزراعة التي ازدهرت يوما في البلاد، وهو مشروع ضخم مهمل تقطع ترعه وقنوات ريه مليوني فدان من الاراضي الخصبة بين النيلين. ويقول عثمان سمساع المدير العام للمشروع لفرانس برس "القطن والذرة الرفيعة والقمح والفول السوداني هي المحاصيل الاربعة الرئيسية لمشروع الجزيرة، ونحن نأمل في زيادة انتاج السكر والفواكه فضلا عن انتاج اللحوم".
ويتابع قائلا "نخطط الان لزراعة 200 الف فدان من قصب السكر — اي نسبة 10 بالمائة من اجمالي مشروع الجزيرة — ونبحث عن تمويل خارجي لدعم تلك الخطة، فمنظومة الري متوافرة والاراضي متوافرة والمياه متوافرة، ولم يبق سوى رأس المال". ويجري السودان محادثات مع مصر حول الاستثمار المقترح في الجزيرة وولاية النيل الابيض، وهي المشاورات التي تم الاعلان عنها خلال زيارة وفد رفيع المستوى الى الخرطوم في اذار/مارس ضم ممثلين عن وزارة الزراعة والري.
وقال سمساع "تحتاج مصر للحوم المواشي ولبنجر السكر .. وسوف يستثمرون مستقبلا، ولكن لم يتم الاتفاق على التفاصيل بعد". واقر مسؤول مشروع الجزيرة بان الناتج الزراعي السوداني "يعاني انخفاضا حادا" ملقيا باللوم في ذلك على غلاء صادرات المواد الزراعية مثل الاسمدة والمخصبات والمبيدات. ولكن البعض يشير الى ان ركود المشروع يعود الى الفساد وسوء الادارة ويشككون في قدرة الحكومة السودانية على انقاذ المشروع ملمحين للشكاوى المستمرة من جانب 130 الف مزارع يعملون في اطار المشروع.
فخلال الشهور الاخيرة نظم المزارعون احتجاجات متفرقة ضد ما يعتبرونه عرضا غير مقبول من الحكومة لشراء اراضيهم وتحول بعضها الى العنف خلال اشتباكات مع الشرطة. ويقول المحامي والناشط السياسي مجدي سليم متحدثا من مكتبه في واد مدني "المزارعون يشتكون لان الثمن المعروض عليهم لشراء اراضيهم غير عادل".
ويحمل شيخ صوفي معروف في الجزيرة الحكومة اكثر من ذلك فيقول انها مسؤولة عن افلاس القطاع الزراعي السوداني باكمله ويقول ان الشرطة اساءت معاملة المزارعين. ويقول الشيخ عبد الله لفرانس برس "السودان بلد زراعي ولكن اغلب الناس اليوم جوعى لانهم غير قادرين على الزراعة، ولا مياه في الترع، فالحكومة باعت الجرارات التي تفلح الارض والناس ليس لديهم المال!". ويضيف "المفروض ان الناس في الاسلام سواسية كاسنان المشط لا فضل لاحد على احد، ولكن اين هذا كله؟!".
كذب الافندية وسرقه الحراميه في عهد الاسطابول