العودة الأخيرة !

(كلام عابر)
العـودة الأخــيرة
(عبدالله علقم)
[email][email protected][/email]
“امتلا قلبي بحبه” كما يقول الكاتب الموريتاني عبدالله حرمة الله في معرض حديثه عن الراحل الطيب صالح . امتلأ قلبي بحب الأستاذ فتحي جريس الذي كان قد أكمل كل استعداداته للعودة النهائية لأرض الوطن بعد أكثر من أربعة عقود من الاغتراب في المملكة العربية السعودية وعلى وجه التحديد في مدينة الدمام، فقد عمل الأستاذ فتحي لأِشهر قليلة في السودان في منتصف سنوات الستين من القرن الميلادي الماضي بعد تخرجه في كلية دار العلوم في القاهرة ، تزامن تخرجه مع علو كعب ثورة 21 اكتوبر 1964م ولكن لم يجدوا مكانا لاستيعابهم في وزارة المعارف السودانية فلم يشأ أن يضيع الوقت في الانتظار وتقدم بطلب للعمل معلما في وزارة المعارف السعودية وسرعان ما وجد نفسه وهو في عنفوان الشباب يخوض تجربة الاغتراب التي لم تكن شائعة كثيرا آنذاك وكان الانسان يتردد مرات ومرات قبل أن يتخذ قرار الاغتراب. كان هذا هو الحال حتى متصف سنوات السبعين حينما أخذت البلاد تضيق رويدا رويدا بأهلها وصارت الفجوة بين الواقع والضروريات أو الطموح تتسع يوما بعد يوم.
عمل الأستاذ فتحي جريس معلما في مدارس منطقة الدمام وتعلمت علي يديه أجيال عديدة ، بعض أبناء هذه الأجيال أصبحوا زملاء له في نفس المهنة. أنهت وزارة المعارف خدمته لما بلغ سن التقاعد فانتقل لممارسة مهنة التصحيح في مجلة الشرق التي كانت تصدر أسبوعية وأحيانا نصف شهرية وظلت متعثرة حتى توقفت عن الصدور بعد أن قرر ناشروها تحويلها إلى صحيفة يومية، ولكن مع بدايات صدور الصحيفة اليومية كان الأستاذ فتحي قد اتخذ قرار العودة النهائية ، التي يطلق عليها مسمى الخروج النهائي، والتفكير في الاستقرار في بلد الآباء والأجداد ..أرض المحس، فقد أكمل دوره نحو أبنائه وأعطاهم بسخاء كل سنوات عمره ليشقوا طريقهم في الحياة بعد أن تخرجوا في أفضل الجامعات داخل وخارج السودان وتزودوا بقيم رفيعة غرسها فيهم طوال سنوات عمره، وهي نفس القيم العظيمة التي جعلت منه ناشطا يهتم بقضايا الوطن منذ أن كان مشاركا فاعلا في الاتحادات الطلابية طالبا في مدارس السودان وفي كلية دار العلوم، ثم مشاركا في قيادة التجمع الوطني الديمقراطي والعمل العام وسط الأسرة السودانية في المنطقة الشرقية.كان كاتبا ومتحدثا لبقا غزير المعارف واسع الاطلاع، دائما ما يجمع السودانيون في المنطقة الشرقية على تقديمه لإدارة الندوات والحوارات والمناسبات الثقافية والسياسية المختلفة.
أسقطه المرض المفاجيء بطريقة مأساوية تثير الحزن الشديد وهو على بعد أيام قليلة من تحقيق حلم العودة والصعود إلى الطائرة المغادرة للخرطوم، وظل في غيبوبة طوال الأسابيع التي قضاها في مستشفى مدينة الدمام المركزي قبل أن يرحل ويتأجل تحقيق حلمه الأخير. كان بسيطا جدا ومتواضعا حتى في موته، لا يريد أن يشغل إلا حيزا صغيرا من الفراغ ولا يريد أن يسبب إلا أقل عناء للآخرين. ودعناه الوداع الذي ما بعده وداع و”تركناه مؤتنسا بربه في تلك الوحشة إن شاء الله” كما يقول ولد حرمة الله.
قبل مرضه بأسابيع قليلة أعطاني مقالا للنشر في صحيفة الأخبار اليومية التي كنت أتطوع بتمثيلها وكنت أيضا أشارك بالكتابة الراتبة فيها، وكان الأستاذ فتحي يناشد في مقاله والي الخرطوم لإطلاق اسم الفنان محمد وردي على شارع أو معلم من معالم الخرطوم تخليدا لذكراه . كانت تربطه بالأستاذ وردي علاقة قديمة قوامها الود المتبادل، وكان حريصا على نشر المقال، وللأسف لم يتيسر ذلك لأن “الأخبار” ، رد الله غربتها، أصيبت بالسكتة القلبية وتوقفت فجأة عن الصدور بعد أن آلت أمورها لمالك جديد.
في أمسية الأربعاء 4يوليو 2012م أقام تجمع الكيانات والروابط السودانية، وهو تجمع خير نشط يقوم على أمره أخيار شرفاء من أبناء السودان،ويسد الفراغ الكبير الذي يعيشه السودانيون في المنطقة الشرقية بسبب غياب التنظيم الفاعل الذي يعنى بشأن السودانيين وهو شأن لا يقتصر على عادة الاحتفاء بأطقم السفارة السودانية واستضافة موجات صغار المتنفذين القادمين من الخرطوم ، أقام هذا التجمع حفلا في مدينة الدمام لتكريم المتفوقين في امتحان الشهادة السودانية من الطلاب والطالبات السودانيين المقيمين في المنطقة الشرقية. وكان للمعلمين السودانيين الرواد في المنطقة الشرقية من كرم الأخيار القائمين على الحفل نصيب مستحق، فقدمت لهم شهادات التقدير والهدايا الرمزية عرفانا بفضلهم. سقط اسم الأستاذ فتحي جريس، العميد ورائد الرواد، من الذاكرة رغم أنه كان ملء السمع والبصر قبل واقعة رحيله التي حدثت قبل أسابيع قليلة من الاحتفائية. لربما لم تخطر على بالهم، مع طيب نيتهم وجهدهم المقدر، فكرة تكريم راحل وتخليد ذكراه واقتصروا الأمر على الأحياء فقط . حزنت مرة أخرى على رحيل الأستاذ فتحي جريس.
يرحمه ويرحمنا الله.
تحيـات وتقديــرى ..الاخ عبد الله اضم صوتى لصوتكم ..المرحوم الاستاذ فتـحــى تظل ذكراه فى دواخلنــا ..والشكر والتقديــر وعرفان جميــله يجول فـى المعرفة التى غرسها فـى الاجيال تنعم بها علما ومعرفه ..وزغم ذلك انضم اليك كمثلى من جحافل الناس التى سوف تاتى تباعا يتحسسزن هذا التجمع وليركوا قاطرته .التى نحسبها قادرة على حلم احلامنـــــــــا ..نحن قوم تفرحنــا الكلمة الطيبة .وايضا تقتلنا نظرة عين اصابهاالعمــــــــــــــــى ..