كمال بدري المحارب في سوريا ، الى جوار ربه

كمال بدري المحارب في سوريا ، الى جوار ربه

شوقي بدري
[email][email protected][/email]

وانا خارج من السوبرماركت هذا الصباح اتصل بي شقيقي الأصغر بابكر ابراهيم بدري ( العميد ) يبلغني أن كمال ابنه المسمى على عمه ، قد انتقل الى جوار ربه محاربا في سوريا ، وانه اغمي عليه بعد اصابته و لم يفق إلا لينطق بالشهادة ثم يسلم الروح ، و عرفت من العميد بأن زوجته متماسكة .
وبما أن العميد يسكن في مدينة ( يوتيبوري ) في الشاطئ الغربي للسويد و على بعد 300 كلم ، وعندما اقترحت حضوري لمواساته ومواساة شقيقه الأكبر و شقيقته و أمه سمية بدري رفض فنحن عادة لا نقيم مأتما . ووالدته الأوروبية مؤمنة بالله ايمان لا يداخله أي شك . زوجتي السودانية تحكي عن زوجة العميد التي كانت تتألم و تحكي لها عن معاناة الشعب السوري من نظام حافظ الأسد وترسل لها بإستمرار صور ضحايا القصف العشوائي و الأطفال الذين ذبحوا و قطعوا . زوجتي لم تكن تتحمل و صارت تحذف هذه الصور قبل أن تشاهدها .
الأوروبيون عادة يجودون عملهم أو شغلهم . فعندما يعتنقون الإسلام ، يأخذون شعائره بدون تساهل . و السيدة سمية عندما أرسلت إبنها لكي يجاهد في سوريا ، كانت على إقتناع . والسيدة عندما ذهبت إلى السودان وهذا بعد ميلاد ابنها شهاب الدين وقبل ميلاد كمال . سكنت مع زوجها في منزل الأسرة في أمدرمان وسط كمية كبيرة من البشر الدائمين و المتجددين . و أعجبت بالحياة في أمدرمان و العشائرية و صارت أمدرمانية أكثر من الأمدرمانيات . و بالرغم من صغر سنها التي كانت في العشرينات ، إلا إنها كانت بعيدة عن الأشياء المادية . والحياة في أمدرمان جعلتها مسلمة عن إقتناع . و لم تكن تشتكي أبدا أو تتذمر ، تلك كانت أيام لم يكن يحتملها حتي أصلب أهل السودان . فلقد انعدم كل شئ ومرت بأيام السيول و الأمطار و الحر و الذباب و الباعوض ، كانت و لاتزال مؤمنة بحق و حقيقة . و لقد علمت أبنائها حب السودان و الإنتماء له.
كمال بابكر بدري و بقية الأسرة لم يكن يفوتون فرضا و يصلون جماعة فوالدهم ووالدتهم كعادتنا في أمدرمان يعطون أطفالهم فرصة لكي يصبحوا شخصيات قوية بعد أن يسلحونهم بالأخلاق و القيم . فوالد كمال كان يعرف أمدرمان و بواطنها . و كان له معارف في كل قطاعات المجتمع . وكان يقوم ببيع الأكياس و هو صغير في سوق أمدرمان كمساعدة لأصدقائه الذين يقومون بهذه المهمة كمساعدة لأسرهم. و والدتي كانت لا تعترض على قيامنا بأي نوع من العمل . و كانت رحمة الله عليها تعطينا فرصة لكي نذهب لأي مكان و أن نتعرف بكل الناس . وعندما كنا نذهب الى النيل و أنا في السادسة مع إخوتي ، كانت الخالة (فاطمة الطيب) ابنة أخ الشيخ/ البشير الريح وزوجة الدكتور محمود حمد ، تلوم والدتي من تركها لنا الذهاب الى النيل ووالدتي تقول ( الله في . و تضيف مازحة ، هم كتار كان غرق واحد الباقين برجعوا . أخير من يقعدوا في البيت مكسرين ، وما عارفين الحاصل شنو في الدنيا ) ، و هذا ما آمنت به السيدة سمية بدري و زوجها العميد .
قبل ثلاث سنوات كنت في طريقي إلى أوسلو لأقدم محاضرة للجالية السودانية عن ( الهوية السودانية) كنت أداعب العميد قائلا( الناس من كل العالم تجي تدرس في السويد ، انتو ترسلوا ولدكم شهاب الي مصر ليدرس في الأزهر ثم الى المدينة في السعودية ). وعندما كان كمال الدين و شهاب الدين يقفان على خدمتنا و كأنهم أولاد أمدرمان قديما الذين يحضرون الإبريق و الصحن للضيوف .كنت أداعبهم قائلا ( أنني إذا لم أكن عمهم و شاهدتهم في أحد المطارات ل(تخارجت) مسرعا )، فبلحاهم المسترسلة والطواقي واللبس الأفغاني الذي يرتدونه دائما يبدون كمجاهدي طالبان .
أسرة العميد و خاصة زوجته ليس عندهم ( هظار) في الإسلام . ولهذا السبب تركوا السودان عندما أتت الإنقاذ وبالرغم من هذا لا يضيعون فرصة في الذهاب الى السودان في الإجازات ، وهم الآن يشيدون منزلا في أمدرمان . بل إن شهاب قد ذهب بزوجته السويدية و أطفاله الى السودان لكي يعيشوا هناك واستصلح جزء من منزل جده ابراهيم بدري ، ولم يكونوا يخشون العقارب الأمدرمانية بل كانوا يقبضوا عليها و يضعونها في برطمانيات . فشهاب قد ترعرع في أمدرمان ودرس في مدرسة المجلس الإفريقي في بانت غرب و زامل فيها ابن عمته الذي يكبره قليلا محمد صلاح الذي كان يشاركه السكن .
السيدة سمية و أبنائها مرتبطون ارتباطا قويا بالسودان و أمدرمان ، و هي طباخة ماهرة و عندما يشيد العميد بأكلها قائلا ( الليلة الأكل زي أكل أمدرمان ) فترد نافية و تقول ( لا لا لا ، أكل أمدرمان مافي زيو ) شهاب إن لم يكن متزوجا و عنده أطفال صغار و هو لا يزال في العشرينات لقام بما قام به شقيقه رحمه الله . كمال الدين إن لم يكن صغيرا أيام الحرب الأفغانية لذهب و هذا خياره و نحترمه. كمال لم يكمل العشرين و عندما كان في الثامنة عشرة أتى و معه بعض أصدقائه وهم في طريقهم الى تشيكوسلوفاكيا عن طريق كوبنهاجن التي يفصلنا منها كبري . تشيكوسلوفاكيا كانت تغري الشباب السويدي بالدراسة فيها لأن الحياة فيها رخيصة و الحكومة السويدية تدفع ، و قضينا أيام جميلة ، وتعرف بأبنائي عن قرب و تأثروا به جدا خاصة ابني ( كمال ) . فقد كان مسلما ملتزما ، مهذبا جدا ، قليل الكلام ، ووسيما بدرجة ملفتة ، وجسمه رياضي بعضلات بارزة عندما يذهب الى السودان يسأل عن أقرب جامع و أقرب صالة تمارين (جيم). كان بارا بوالده و والدته و مطيعا جدا ، يؤدي كل ما يطلب و ما لايطلب منه . شقيقه شهاب الدين ملتصق بجامع ( يوتبوري ) و يتواجد فيه أغلب الوقت و لكنه لم يتخلص من ( طمسة أمدرمان) ولسان الرباطاب ، يحب التشنيعات و التنكيت على نفسه و الآخرين ، كلامه مزيج من اللغة العربية الفصحى و الدارجية .
الأوروبيون يتفوقون علينا بأنهم يحسنون عملهم ، ويعملون كل شئ عن إقتناع . عندما حضر كمال الدين في المرة الأخيرة زائرا مع أصدقائه المتواجدون الآن في سوريا ، أعطيناهم بعض الأكل في حاويات بلاستيكية كزوادة في الطريق و أعطيناهم شوك معدنية لا قيمة لها . و هذا الصيف عندما أتى شهاب أحضر معه الشوك و بعض الهدايا من والدته . فهؤلاء يؤمنون برد الأمانة فالشوك بالرغم من عدم قيمتها فهي أمانة ، و المؤمن يرد الأمانة . في الثمانينات تعرفت بسويدي اسمه ( سفين ) في جامعة لند . أسلم و غير إسمه الي ( سيف الدين ) كان عنده غبينة مع آل سعود ، لأن ليس هناك ملكية في الأسلام كما كان يرفض أن يصلي خلف الإمام المغربي لأنه ( ماخد مرضية ) و يتحصل على مرتب من التأمين الصحي و لا يعمل بسبب ظهره ، ولكن ( سيف الدين ) شاهده يركض في السلالم و ينقل عفشا ثقيلا في مسكنه الجديد . ( سيف الدين ) قطع علاقته بي لأنه سلفني ، كتابا عن ملوك الجزيرة العربية و أنا لم أبحث عنه لأرد له الأمانة كمسلم جيد . فأرسل مظروف داخل مظروف به طوابع بريد لكي أقوم بإرسال كتابه . فنحن نأخذ الأمور حتى التدين بطريقة عفوية فأمثال كمال رحمة الله عليه كان الجهاد بالنسبة له جزء لا يتجزأ من الإسلام و يجب تأديته مثل الصلاة و الصوم . فأهل الإنقاذ يبنون لأبنائهم القصور و يأكلون مال اليتيم . رحم الله كمال فلقد كان يؤمن بالإستشهاد في سبيل معتقداته و هو الآن عند عزيز كريم و لن نجزع . كمال دفن في حلب ، و يقولون أن ( الشهداء ) يدفنون في مكان إستشهادهم .
صورة كمال بملابس الميدان في سوريا . و الثانية صورة شهاب الدين جالسا بجواري و محاطا بثلاثة من أبنائي .
التحية
ع.س شوقي بدري

[url]http://www14.0zz0.com/2013/01/26/13/672130049.jpg[/url] كمال بملابس الميدان في سوريا

[url]http://www8.0zz0.com/2013/01/26/14/583830855.jpg[/url] شهاب الدين جالسا بجواري و محاطا بثلاثة من أبنائي .

تعليق واحد

  1. هذه الأوجه بهضها من بعض.
    تقبّله الله قبولا حسنا مع الشهداء والصديقين. وأفرغ عليكم صبر جميلا.
    هذا الشاب لم يُرِد متاع الجياةِ الدنيا وفضَلَ الآخرة. ضرب لأبنائنا مثلا.

  2. اللهم ارحمة وتقبله عندك شهيداً، بالله ياشوقي بدري داء مادليل قوي على ان السودانيين بيرسلوا ابناؤهم للجهاد في سوريا ضد الطاغية الاسد، هسع اكان سكت كان بيقولوا ولدكم داء سوري او فلسطيني .

  3. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اللهم ارحمه رحمة واسعة. نخجل من أنفسنا عندما نت
    امل في شجاعة هؤلاء الشباب في وقوفهم أمام الطغيان.

  4. يا ود البدري إذا كان ابن اخيك سوداني او سويدي ماهي علاقته بالقتال في سوريا واين العقل والعاقل طبيب نفسه ؟

    هل تصرف بغير علمكم وعلم اهله ام كنتم على علم بمايفعل وتركتوه وختياره ؟؟؟؟؟

  5. الله يرحمك ياكمال ويتقبلك مع الشهداء والصديقين لقد قابلته 3 مرات في تيبوري في السويد رجل زو خلق عالي

  6. نسال الله له الرحمة و كذلك الرحمة لمن قتلهم. النظام فى سوريا رغم ديكتاتوريتة لكن يمكن التفاوض معه. الحرب ليست حلا هنالك.

  7. تقبل الله شهادته , جزاك الله خيرا عمنا شوقي على هذا المقال الجميل
    ما غريب من عمنا العميد و زوجتة الرائعة ان يرسلو فلذة كبدهم الى سوريا ليقاتل في سبيل الله و هم في علم تام انهم ربما لا يرونه مرة اخرى, بارك الله في العميد و اسرته و هنئاً لهم

  8. سلام يا أستاذ شوقي
    رحم الله كمال وأحسن في فقده عزاء والديه وأسرته وعزاءكم.

    ـــ

    المشاركة في حروب سوريا والعراق وأفغانستان وغيرها من الدول بهذه الطريقة لا يمت للجهاد بصلة. للأسف وجدت أن شقيقكم بابكر إبراهيم بدري قد وقع في دائرة الهوس الديني. ولكن الأغرب هو تمجيدك أنت لهذا الهوس. ما هذا؟؟؟ لقد حزنت أشد الحزن.

  9. شكرا ” لكل المتداخلين . لقد قدمت موضوع انتقال كمال بدري الى جوار ربه كحدث يجب أن يعرفه الناس و ذهاب شاب سوداني من أوروبا للقتال في سوريا ، و هذه الظاهرة غير معهودة . أنا لا أدين كمال رحمة الله عليه و لا أدعو أن يسير الشباب في طريقه . في العنوان ذكرت كمال كمقاتل و لم أقل مجاهدا” ، ولم أقل أستشهد . أنا لا أستطيع أن أقرر شهادته فهذا بينه و بين ربه . نحن لم نعرف أن كمال كان في سوريا إلا بعد أن أخبرني والده بخبر موته . أنا لا أدين ذهابه إلى سوريا فهذا خياره و قناعته . أنا عمه قد قررت في بداية التسعينات أن أنضم إلى القوات المقاتلة ضد نظام الإنقاذ مع قوات العميد عبد العزيز. ومن إتصلت بهم سألوا عن عمري و لم يرحبوا بالفكرة لأنني في العقد الخامس من عمري و حتى إذا كنت أتمتع بحالة جسدية جيدة فالعسكرية علم و يصعب تعلمه في سن متقدمة . و قد أكون عبئا” على الآخرين . و أقتنعت في تلك الفترة ان هنالك أوجه كثيرة للنضال ضد الظلم بكل السبل المتاحة فتلك كانت قناعتي و إلى الآن أؤمن بمحاربة هذا النظام..
    المشكلة أن الحالة السورية و جدت إعلاما” مكثفا” و دخلت عن طريق الإعلام حتى في غرف نوم البشر.أنا كسوداني تهمني مشكلة دارفور و النيل الأزرق و جنوب كردفان. عندما أوردت كلمة الشهداء و ضعتها بين قوسين لأنني لا أملك الحق في الحكم بشهادة أحد . أنا أورد قصة كمال رحمة الله عليه كما حدثت و أذكر الخلفية . والدته على إقتناع بأنه قد قام بالعمل المطلوب منه ، كمال كان رجلا واعيا و كان راشدا”لا يمكن إقناعه أو فرض الوصاية عليه . ووقوف الصين الشيوعية مع البشير بسبب مصالحها الإقتصادية جريمة. و أنا مع من يحاربون ضد نظام الإنقاذ .
    بالنسبة لي مايقوم به نظام الأسد هو ظلم بائن. و وقوف روسيا مع نظام الأسد هو تصرف سئ و الروس مدفوعون بمشكلهم مع الشيشان و بقية المسلمين . و المجال هنا مجال حزن و ليس مجال إدانة .
    التحية
    ع.س شوقي بدري

  10. جريدة آخر لحظة نقلت الخبر عن مقالك يا أستاذ شوقي وقد نقلته عنها حريات:

    ـــ
    مقتل شاب سوداني فى الصراع الدائر بسوريا
    January 30, 2013
    (اخرلحظة ? حريات)
    اوردت صحيفة (اخرلحظة) مقتل الشاب السوداني كمال بابكر إبراهيم بدري فى سوريا.
    واضافت انه ينتمي لأسرة آل بدري ،وكان يقيم فى السويد مع والده ووالدته السويدية الأصل .
    وإشترك ? كمال ? في القتال الدائر فى سوريا وأصيب في أحدى المعارك وأغمى عليه بعد إصابته و(لم يفق إلا لينطق بالشهادة ثم يسلم الروح) وتم دفنه في مدينة حلب .

    آخر لحظة

    ـــــ
    ومعه هذه الصورة
    http://www.hurriyatsudan.com/wp-content/uploads/2013/01/6677.jpg
    ــــ
    مؤكد أن النظام السوري ظالم وفاسد ومتجبر ولكن تغييره تظل مسئولية الشعب السوري. ولكن ما نراه من تدخل من يسمون نفسهم بجبهة النصرة هو الذي سيجر سوريا إلى نفق مظلم.

    مع تحياتي يا أستاذ شوقي مع تأكيد أن قلبي مع الراحل كمال بابكر بدري، ربنا يرحمه ويتقبله ويحسن في فقده عزاءكم وعزاءنا.

    ياسر

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..