كهف الحقيقة

إن فى قصة أصحاب الكهف دروسا قيمة وعبر كثيرة واضحة تتجلى معانيها لنا فى كل يوم , فى تجسيد متناهى يبين لنا عن قوة التمسك بمبدأ الإيمان وبالفكر والعقيدة, تجاه قضية الإنسان فى الأرض حينما يريد إثبات ذاته وكينونته فكراً ومبدأ , مهما كانت التحديات والضغوطات المفروضة عليه , نعم إنهم فتية آمنوا بالله رغم مواجهتهم لأشد صنوف البلاء والظلم والعذاب, على يد فئة ظالمة وغاشمة. في عهد اضطهاد المسيحيين آبان حكم ديقيانوس , وذلك حينما قرر الفتية السبع , مكرهين اعتزالهم قومهم وديارهم وأهليهم والهروب طواعية إلى كهف ، يأوون إليه يجتمعون فيه ويعبدون ربهم دون أن يراهم أحد حتى يفرج الله أمرهم أو يتوفاهم من غير افتتان. شأنهم فى ذلك التضرع إلى الله سائلين أنْ ينشر عليهم رحمته, وأن يهيئ لهم أسبابَ رشدٍ تعصمهم من الزلل. فكان اللجوء إلى الكهف هو المأوى والبحث عن الأمان هو الهدف , خوفا من فساد عقيدتهم وإكراههم على الكفر بالله , هرباً من وحوش كاسرة، وأعداءيختبئون فى كل شبر فى أرضهم , حدث هذا قبل الإسلام بالآف السنين, لم يتم يتسنى لهم أن يتم نقل خبر هؤلاء الفتية عن طريق قناة العربية أو الجزيرة أو سكانيوز أو غيرها من القنوات الناطقة بلغة الضاد , لا لم يكن ذلك , بل عن طريق هذا القرآن الكريم الذى تجلت فيه كل معانى العدل والحكمة والرشد , ولم تعرف آياته يوماً مخاطبة قوم دون الآخرين أو تبخيس قوم دون الآخرين , أو تخصيص قوم دون الآخرين , لا لا ولأن صاحب الرسالة هو رحمة للعالمين أجمعين , أقول هذا والجميع يتابع فى هذة الأيام , الخبر الذى ظلت تتناقله القنوات العالمية والعربية خاصة وبأستمرار , والخاص بمحاولة إنقاذ عدد من الأطفال فى دولة تايلاند حاصرتهم المياه فلجأوا إلى الإحتماء داخل كهف وظلوا حبيسي ذاك الكهف لمدة أسبوع, ومنذ الإعلان عن الخبر هرعت كل قنواتنا العربية وتسابقت فى ميدان تنافس واسع , بل سخرت كل إمكانياتها الأدبية والمادية لتغطية هذا الخبر ومتابعته يوميا والترويج له من أجل إنقاذ هؤلاء الفتية فشتان مابين الترويج لفتية كهف تايلاند, بل والتذكير فقط ولو فى مرة بما فعله وسطره أصحاب الكهق “أهل الرقيم ” ,هذا لربما نجد من خلاله تلخيص مبسط للإعلام العربي وما آل إليه هذا الإعلام الضعيف , والذى ظل يعمل ومنذ زمن بعيد , تحت عباءة الإعلام الغربي والتمسك بمهنية المحاكاة والتقليد دون التفكر يوماً فى تناول قضايا ذات ايدلوجية وطنية أو عربية يعكس لنا من خلالها عن قوة قضيتنا وإيماننا وفكرنا وعقيدتنا كما فعل أهل الكهف ,فإذا كان الإعلام العربي حريصاً على قضية أطفال كهف تايلند لهذا الحد , فكان من الأحرى به بأن يقوم بتحقيق المعنى الصحيح للإعلام واستغلال هكذا حدث فى نفس هذة الدولة البوذية , وإعلام وتثقيف المشاهد عن المسكوت عنه , وعن التحدي الأخطر الذي ظل يواجه مسلمي تايلاند طوال السنوات السابقة وعن محاولاتهم المستميتة فى التمسك بدينهم وبذاتيتهم فى حربهم الغير عادلة ضد الحكومة البوذية , التى تبذل كل قوتها وجبروتها من أجل طمس ومحو هوية المسلمين هناك , وسعي الجكومة البوذية المستمر فى تغيير أسماء القرى والبلدات ذات الجذور والأصول الإسلامية إلى أسماء بوذية , وإلى خلخلة وإحداث تغيير ديمغرافي كامل في الجنوب الإسلامي , والعمل على توطين الكثير من البوذيين في “قطاني” للتقليل من الغالبية المسلمة هناك , ناهيك عن محاربة التعليم الإسلامي عموما , وتشجيع البعثات التنصيرية للعمل في المناطق ذات الغالبية الإسلامية ألم يكن من الأجدر للإعلام العربي بأن يستغل هذة الحدث ويعمل من خلاله على إعلام المشاهد العربي وتعريفه بواقع حال المسلمون فى ذاك البلد؟ .أم هل فعلاً أصبح الإعلام العربي هو حرباء تزحف على شاشات الإعلام الغربي فى كل حركاته وسكناته ؟ أم ينتظر هذا الإعلام المتراخي إلى أن يجد مسلموا تايلاند كهف آخر يلجأون إليه ؟ وليس بعيداً عن ذلك , فإن ما حدث فى تاريخ مساء الخميس 29/12/2005..الأغبر بميدان المهندسين يالقاهرة , سيظل وعلى مدى التاريخ وسمة عار كبيرة على جبين هذا الإعلام العربي المتحيز والذى يبرهن لنا فى كل مرة بإفتقاره لأبسط أبجديات الإعلام وعدم مصداقيته الواضحة والفاشلة فى أن يبرهن لنا يوماً بأحقيته فى أن يكون شلطة سابعة أو ثامنه ناهيك عن أن يكون رابعة, وذلك حينما تجسدت قمة التجاهل والإزدراء فى تجاهله الواضح والصريح أمام قضية أصحاب كهف آخرين , أصحاب كهف من نوع آخر , لم تحاصرهم السيول أو مياه الأمطار , بل نفر فروا وهربوا بأرواحهم وأجسادهم من أجل التمسك بحقهم فى طلب العيش الكريم والبقاء على الحياة حتي النهاية , نفر أجبرتهم يد الطاغوت والجبروت للهروب من اتون سلطة ظالمة تدهس بأقدامها الأخضر ةالجاف لتبقى فى سدة الحكم , نفر فروا من جلاد لايعرف للشبع طريق إلا من هذه الأجساد البالية , فمات منهم من مات وهرب منهم هرب متوجهين ناحية قاهرة المعز , ظناً منهم بأن يجدوا فيها مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها , آملين فى إيجاد باب الخروج من المتاهة , فأعتصموا جميعاً بميدان المهندسين يالقاهرة فى ليلة من ابرد ليالي الشتاء امام السلطات المصرية نساء ورجال وأطفال يفترشون الأرض ويلتحفون السماء, فما كان من السلطات المصرية إلى أن تختار أسواء الخيارات لإكرامهم ومخاطبتهم, فصبت عليهم جام غضبها وعلى أجساد هؤلاء الغلابة مستعملة فى ذلك خراطيم المياة البارده فأتت علي رؤوس و ظهور الاطفال و النساء و الكهول من اللاجئين السودانيين الجوعي, وقد استشهد منهم مايقارب 56 وجرح من جرح وغاب من غاب , لم يحدث هذا فى تايلاند ولا في عهد اضطهاد المسيحيين آبان حكم ديقيانوس ياسادة , لا بل حدث أمام مرأى وأعين الجميع وفى قلب القاهرة حيث مبنى جامعة الدول العربية , وحيث دار الدين والأزهر , أو فى أم الدنيا كما يحلو للإعلام العربي تسميتها , فأين كان وقتها الإعلام العربي , هل كان أعمى أم كان به صمم , أم أن من ماتوا حينها كانوا هم مجرد أشباه بشر ؟ ألم يكونوا هم من ذات عنصر الأطفال أنفسهم الذين تتهافت عليهم اليوم وتتسابق نحوهم كل قنواتنا العربية بكل جد وأهتمام وتعمل جاهدة للنجاخ فى إستمالة العطف العالمى ودعوته للوقوف معهم فى هذة الكارثة , ألم يكن الأطفال الذين بقرت بطونهم بسياط خراطيم مياه الأمن المصرى امام كل الأعين وماتوا هدراً قى ليلة مساء الخميس 29 /12 /2005 بميدان المهندسين بالقاهرة , هم أنفسهم من ذات عنصر الطفولة البريئة التى سعت بكل ما تقدر للجؤ والإحتماء بكهف النجاة كما فعل أطفال تايلاند ؟ أم ما الذى ينقصنا نحن السودانين حتى نتمكن من الدخول عبر بوابة المعطوف عليهم ونصبح جملة كاملة , حتى ترتضى عنا قنوات الفضاء العربية وندخل فى قائمة المرضى عنهم لفرد ونشر قضايانا وهمومنا على شاشات الإعلام العربي ؟ هل من مجيب؟ , ولكم الرأى.
[email][email protected][/email]