أهم الأخبار والمقالات

نظام سعر الصرف الجديد: مآزق التصميم والتوقيت

معتصم أقرع

ملخص:

لا شك ان تعدد أسعار الصرف مشكلة حقيقية أساسية واجبة المعالجة ولكن الشيطان في تفاصيل المعالجة وفي مداها الزمني وترتيب وتعاقبية خطوات الإصلاح. أتي قرار الانتقال إلى سعر صرف أكثر مرونة في توقيت غير مواتي وفي غياب كامل لشروط الانتقال الناجح. وغالبا سيدخل السودان تاريخ أدبيات التنمية كحالة فريدة يتم فيها الانتقال في أوضاع ضعف اقتصادي وسياسي شامل. النظام الجديد لا يستوفي شروط التعويم الحر ولا المرن المدار فهو أقرب إلى نظام ربط ضمن نطاق تقلب زاحف حظه ضعيف في توحيد أسعار الصرف وأوهن في القضاء على السوق الأسود المتمرس.

لا يهدف الفحص النقدي للسياسة الاقتصادية إلى تثبيط عزيمة الحكومة أو اكتشاف عيوبها وانما التأكيد على أنه لإدارة الاقتصاد بفعالية، يحتاج صانع القرار أولا إلى امتلاك إدراك واقعي وواضح بـآلياته وطرق عملها وطرق عمل أسواقه المختلفة.

مدخل:

في 21 فبراير 2021 أعلنت الحكومة الانتقال إلى نظام سعر صرف جديد – 375 جنيه للدولار بدلا عن 55 جنيه، السعر الرسمي السابق. تضاربت الآراء حول طبيعة النظام الجديد وهل هو تعويم ام مرن مدار.

حسب النظام الجديد المعلن يبدو ان البنك المركزي سيحدد سعراً تأشيرياً يومياً في ظل نظام سماه   “تعويم مرن مُدار”. ويتعين على البنوك ومكاتب الصرافة التداول في حدود 5٪ أعلى أو أقل من هذا السعر. كما حدد البنك المركزي هامش ربح بين أسعار الشراء والبيع لا يزيد عن 0.5٪.   وهذا يشير إلى ان النظام الجديد هو أقرب لنظام صرف مربوط ضمن نطاق تقلب زاحف. وفي ضربة البذية من بنك السودان كان الربط عند 375 جنيها للدولار والنطاق هو +/- 5٪ والزحف يأتي من مقدرة البنك المركزي على تغيير الربط أو مدى النطاق.

رغم ارتباك الخطاب الحكومي فيما يتعلق باسم النظام الجديد الا ان هذا المقال يهدف لنقاش التحول من سعر صرف ثابت إلى نظام أكثر مرونة وتظل القضايا التحليلية التي يثيرها المقال مناسبة غض النظر عن طبيعة النظام الجديد الأكثر مرونة وعما إذا كان تعويماً أم مرناً مداراً أم ربطاً ضمن نطاق تقلب. لذلك تقرأ أي إشارة إلى النظام الجديد كحركة نحو نظام أكثر مرونة وليس بالضرورة إلى نظام محدد.

من الواضح الذي لا جدال فيه ان السياسة الجديدة لم تنبع من إرادة وطنية ولا في سياق خطة اقتصادية متكاملة ومدروسة ومتسقة، بل أتى تحت ضغوط من صندوق النقد والمانحين ثم استجابت الحكومة لإرضائهم للحصول على دعمهم المشروط الذي رهن تقديم أي دعم بتغيير نظام الصرف ورفع الدعم. وتأتي هذه المشروطية في مسلسل تغول على السيادة الوطنية – بموافقة الحكومة – في أهم ملفات الاقتصاد والسياسة الخارجية. ولهذه الأسباب فإن في القرار عيباً تكوينياً بما أن سعر الصرف في أي اقتصاد هو أحد أهم ثلاثة أسعار، أما في السودان فهو السعر الأهم وادارته يجب ان تكون عن دراسة متعمقة وان يأتي أي تحول هام في إطار حزمة كاملة من السياسات المالية والنقدية الداعمة بدلا عن أن يأتي حصريا من أجل جذب دعم خارجي غير مستدام مهما ارتفعت وتائره في المدي القريب.

شروط الانتقال الناجح إلى نظام سعر صرف مرن في أدبيات الصندوق:

نبدأ بعرض أدبيات الصندوق الرسمية فيما يختص بأفضل السبل للتحول من سعر صرف ثابت لنظام أكثر مرونة لإبراز انه حتى في فقه الصندوق فان التحديثات السودانية الأخيرة لا تستوفى الشروط الأساسية لتحول ناجح ومستدام وهي أقرب إلى قفزة في ظلام.

أكد المجلس التنفيذي للصندوق عدم افضلية أحد أنظمة سعر الصرف على الأنظمة الأخرى وشدد على أهمية سياسات اقتصاد كلى سليمة ومتسقة لحماية أي نوع من الأنظمة تختاره الدولة المعنية، ثابتًا كان أو معوماً أو ما بينهما وتشمل هذه السياسات الانضباط المالي، ومصداقية السياسة النقدية، والقطاع المالي المعافى.

وتشير أدبيات الصندوق إلى أن العبور الناجح يحتاج بشكل عام إلى استيفاء شروط مهمة منها:

– سوق صرف أجنبي عميق وسائل (من السيولة). وهذا الشرط لا يتوفر في السودان فسوق الصرف الذي يهيمن عليه السوق الأسود غير متماسك ويتمتع بدرجة من الفوضى والتشظي داخل السودان وبين مدن الخليج ومدن الغرب والمهاجر المختلفة حيثما تواجد سودانيون.

– أيضا يتطلب نجاح الانتقال امتلاك البنك المركزي لأدوات تدخل فعالة ومتماسكة في سوق الصرف تتيح له التدخل للتأثير في الاتجاه المطلوب مثلا بضخ عملات اجنبية لتهدئته عند اللزوم وتوجيه التوقعات بغرض تخفيف الضغوط.  وتشمل أدوات التدخل التقليدية أيضا أسعار الفائدة التي يمكن تحريكها للتأثير على سعر الصرف. من الواضح ان هذه الأدوات لا تتوفر للبنك المركزي بما يتيح له إدارة نظام بأدوات اقتصادية وليست ادارية. وغياب هذه الأدوات يعني ان النظام الذي اختارته الحكومة عمليا سيكون أقرب إلى التعويم الحر في حال سيادة المرونة التي تعني أن يطارد السعر/النطاق الرسمي سعر السوق الأسود بصورة أسبوعية إن لم تكن يومية وان عجز عن ذلك تنتفي خاصية المرونة ونعود إلى نفس نظام الصرف القديم الذي يتسم بوجود سعر رسمي تم تخفيضه عن 55 جنيها ولكن تخطاه السعر الحر ليفرض السوق الأسود هيمنته مرة أخرى بأسعار اعلى.

– يحتاج الانتقال الناجح أيضا إلى أنظمة مناسبة لإدارة مخاطر تقلبات سعر الصرف في القطاعين العام والخاص اذ يؤدي الانتقال إلى سعر أكثر مرونة إلى ضغوط على مؤسسات القطاع العام والخاص التي لديها التزامات بالعملات الأجنبية.  لدعم الانتقال لنظام أكثر مرونة من المهم تطوير أنظمة لإدارة مخاطر الصرف الأجنبي مبكراً وبناء القدرات والسلطات الإشرافية لتنظيم المخاطر ومراقبتها. وتشمل القدرات المطلوبة    أنظمة المعلومات لرصد المخاطر والأساليب التحليلية لقياس مخاطر تقلبات سعر الصرف ومراقبة وتقييد القروض والالتزامات بالعملات الأجنبية.

ومن الواضح أنه لا يوجد حالياً نظام لرصد المخاطر وإدارتها بفعالية. كما تشير تقارير الصندوق إلى أن التعويم يهدد تسعة بنوك بالانهيار. فقد ورد في أحد تقاريره في عام 2020 إلى أن نتائج الاختبارات تشير إلى أن تسعة بنوك (اثنان منهما بأهمية حاسمة لكامل النظام) قابلة للعطب (الإفلاس/ التعسر) في حال تخفيض سعر الصرف.

– تذكر أدبيات الصندوق أيضا أن من اهم متطلبات الخروج من سعر الصرف الثابت إلى نظام أكثر مرونة اعتماد ركيزة   اسمية بديلة وذات مصداقية في سياق إطار جديد للسياسة النقدية. قليل من الدول يمكنها تطبيق أنظمة مرنة دون وجود ركيزة اسمية رسمية – مثل منطقة اليورو، وسويسرا، والولايات المتحدة وسنغافورة فتلك الدول راكمت رصيداً عالياً من المصداقية اللازمة للحفاظ على استقرار الأسعار بدون ركيزة رسمية. ولكن   في البلدان التي عانت من تاريخ من التضخم المرتفع يكتسب وجود ركيزة اسمية بديلة أهمية خاصة.

وقد نشأ توافق آراء واسع   على ان استهداف التضخم هو أفضل ركيزة اسمية موثوقة وفعالة. في هذه الحالة تعلن السطات في بداية العام معدل تضخم مستهدف (قل 3 في المئة أو أي نسبة أخري) وتنجح في تحقيقيه سنة بعد اخري بما يدعم من مصداقيتها والتزامها بحماية نظام الصرف المرن بسياسات اقتصاد كلي متسقة وداعمة.

الركيزة الاسمية للسياسة النقدية هي متغير أو أداة يستخدمها البنك المركزي لحصر وتحديد التوقعات التي يكونها القطاع الخاص عن مستوى الأسعار أو مسارها أو حول ما قد يفعله البنك فيما يتعلق بتحقيق هذا المسار. تنبع أهمية التوقعات من قدرتها على تحقيق نفسها حتى في غياب أسباب اخري لحدوث التضخم بالمستوي المعين – بمعني حدوث التضخم فقط لان السوق توقع حدوثه أو وقوعه بنسبة أعلى مما تستدعيه العوامل الاقتصادية الحقيقية الأخرى بإضافة مساهمة التوقعات.

وكما هو معلوم فإن التضخم يلتهم الدخل الحقيقي للمواطن، وبالذات الطبقات الدنيا، وأيضا يثبط الاستثمار لان المستثمر المحتمل يعجز عن التنبؤ بـتكاليفه ومبيعاته وارباحه المحتملة. وفي غياب درجة من اليقين عن مسار الأسعار تصبح الأنشطة التجارية والمضاربات أكثر ربحية من الإنتاج الصناعي والزراعي وبالتالي يحدث إضعاف مطلق أو نسبي لهذه القطاعات الإنتاجية ذات الأهمية الحاسمة لأي تحول تنموي حقيقي.

تساعد الركيزة الاسمية على تعزيز استقرار الأسعار من خلال ربط توقعات التضخم ورفع مصداقية السياسة واجبار الحكومة على الانضباط المالي وتقييد سلطتها التقديرية في تنفيذ سياسات لتحقيق أهداف قصيرة المدى ولكنها تكون عواقبها السلبية على الاقتصاد أكثر كلفة وضررا في المدى الطويل (مثل رب رب).

لا يمكن إنشاء ركيزة اسمية بدلا عن سعر الصرف الثابت بين عشية وضحاها، ولكنه يتطلب إعدادًا مثابرا في إطار سياسة نقدية موثوق بها تتماشى مع نظام سعر الصرف الجديد بما في ذلك منح الأولوية لاستقرار الأسعار وسيادة ذلك الهدف على الأهداف المنافسة مثل تمويل عجز الموازنة أو زيادة الصرف الحكومي.

ومن المهم أيضا استقلالية البنك المركزي وتفويضه لمتابعة نسبة التضخم المستهدف والمعلن عنه باعتباره الهدف الأعلى للسياسة النقدية وبناء قدراته على التنبؤ بالتضخم واتخاذ إجراءات كفيلة ب بالحفاظ على استقرار الأسعار.

كما يستدعي نجاح البديل ضمان الشفافية والمساءلة في إدارة وإجراء وتقييم السياسة النقدية.  ويتطلب العبور أيضا سياسة مالية داعمة لا تغذي التضخم وأيضا قطاع مالي منظم مراقب ومُدار جيدًا من قبل البنك المركزي حتى تتسق سياساته الائتمانية مع المحافظة على استقرار الأسعار وسوق الصرف.

– تشير أدبيات الصندوق الرسمية أيضا إلى الأهمية الحاسمة لإدارة توقعات سوق الصرف الأجنبي وضرورة ضمان وجود مخاطر في اتجاهين صعودا وهبوطا للأسعار.  عدم اليقين بشأن مستوى وتقلبات سعر الصرف والسياسات الاقتصادية عموما في ظل النظام المرن من طبيعته ان يزعزع التوقعات ومن الممكن أن يؤدي ارتفاع التضخم وعدم اليقين بشأن الإيرادات المالية ونمو الناتج المحلي الإجمالي إلى إثارة الشكوك حول مصداقية سياسات الاقتصاد الكلي وحول السياسة النقدية وسعر الصرف الجديد.

لنجاح سعر الصرف المرن من الضروري وجود مخاطر في الاتجاهين؛ أي ان تشمل التوقعات ارتفاع أو انخفاض سعر الصرف   لتجنب ايمان السوق بـأن سعر الصرف يتحرك في اتجاه واحد فقط الشيء الذي يخلق حوافز للمضاربة ويشجع ويضخم توقعات عن المستقبل تفاقم الضغوط على سعر الصرف في الحاضر وما بعده.

– يقول الصندوق أيضا إلى أن أفضل الاوقات للانتقال إلى مزيد من المرونة في أسعار الصرف هو أثناء فترة هدوء نسبي في أسواق الصرف أو عندما تكون هناك ضغوط ترفع قيمة العملة الوطنية كما يعتبر درجة التطور المؤسسي والسوقي محددًا رئيسيًا للوتيرة المناسبة للخروج إلى النظام المرن. كما أن مرونة سعر الصرف مرغوبة أكثر في البلدان المندمجة لحد كبير في أسواق المال العالمية، وأن فوائد المرونة تزداد مع مستوي التنمية الاقتصادية والمؤسسية. وهذا يعني ان مخاطر التعويم تزداد (وفوائده المحتملة تتناقص) في الدول التي تفتقد القدرات المؤسسية وتفتقد الانضباط المالي الذي يتمظهر في عجوزات مزمنة وكبيرة في الموازنة يتم تمويلها بالعجز (طبع الكاش كما هو الحال في السودان).

يتضح مما ذكر أعلاه ان توقيت الانتقال إلى سعر صرف مرن في السودان هو الأسوأ. على العكس من مستحقات الانتقال الناجح، يعاني السودان من معدل تضخم فاق على أساس شهري 300 في المئة وعجز هائل في الموازنة يتم تمويله بطباعة العملة وأيضا توجد شبهات حول طباعة واسعة للعملة غير المسجلة وخارج دفاتر الحكومة. كما يعاني البنك المركزي من احتياطٍ يقارب الصفر من العملات الأجنبية. أضف إلى ذلك جموح وانفلات سوق الصرف، وأن كل الضغوط.  أضف إلى ذلك جموح وانفلات سوق الصرف وان كل الضغوط التي تعرض لها سعر الصرف في السنين الأخيرة كانت في اتجاه تخفيض قيمة العملة السودانية لا رفعها وهذا نقيض لملاحظة الصندوق أن أفضل الأوقات للانتقال لنظام مرن هي حالات هدوء سوق العملة و/أو اتجاه قيمة العملة الوطنية نحو الارتفاع.

يمكن أن نستنتج بسهولة أنه بناءً على أدبيات الصندوق الرسمية والمنشورة فان السودان قرر أو تم دفعه  للانتقال  في أسوأ ظرف اقتصادي-سياسي  ممكن ساد فيه التضخم وهزال  المؤسسات وضعف أوضاع الاقتصاد الكلي وسيادة التوقعات أحادية الاتجاه وغياب الركيزة الاسمية وضعف الاندماج في الاقتصاد العالمي وبدائية نظم إدارة مخاطر سوق الصرف وضعف المقدرات على التنبؤ بالتضخم  ما يمكن تقييمه من تنبؤ موازنة 2020 بمعدل تضخم في حدود 30 في المئة  ولكن بنهاية العام كان معدل التضخم  الرسمي 148 في المئة  وهذا يعني ان المعدل المتحقق للتضخم بلغ خمسة اضعاف ما توقعه صانع القرار رغم رفع الدعم الذي تم تطبيقه  في نفس العام.

ويؤكد الصندوق أنه يمكن لسوء ظروف الاقتصاد الكلي والافتقار إلى المؤسسات أن تساهم في إفشال محاولات التعويم كما حدث في دول كثيرة منها فنزويلا في بداية الالفية اذ ساهمت الهيمنة المالية وعدم الاستقرار السياسي وتنامي الضغوط التضخمية في فشل التعويم وأيضا في روسيا في بداية تسعينات القرن الماضي حين فشل التعويم لأسباب شبيهة.

وغالبا سيدخل السودان تاريخ أدبيات التنمية كحالة فريدة تم فيها الانتقال إلى نظام صرف أكثر مرونة في ظروف ضعف اقتصادي وسياسي شامل ولا اشك ان الصندوق وخبراء التنمية يتشوقون لرؤية ما ستنتهي عليه هذه التجربة الفريدة التي يتمدد فيها السودان كفأر تجارب (خنزير غينيا) لاختبار وصفة الانتقال في وضع متصدع ومترنح.

كان الهدف من عرض فقه الصندوق عن شروط الانتقال الناجح إلى سعر صرف أكثر مرونة هو تسليط الضوء على انه حتى لو تبنينا منطق الصندوق (وهو معقول ومناسب) في كيفية إدارة العملة الوطنية يظل الانتقال هو القرار الخطأ، في التوقيت الخطأ، للأسباب الخطأ، بالتسلسل المقلوب وفي ظل أوضاع اقتصاد كلي معاكسة تماما وهو ما وصفناه سابقا بوضع العربة أمام الحصان وإدخال راسه في عادمها.

بعد عرض فقه الصندوق النظري في شروط الانتقال الناجح نتناول في الفقرات أدناه بصورة تحليلية جوانب من السياسة الجديدة ومالاتها في سياق المتعين السوداني.

في طبيعة نظام الصرف الجديد:

في 21 فبراير 2021 أعلنت الحكومة الانتقال إلى نظام سعر صرف جديد – 375 جنيه للدولار – بدلا عن 55 جنيه، السعر الرسمي السابق. تضاربت الآراء وما زالت حول طبيعة النظام الجديد وهل هو تعويم حر، أم مرن مدار، أم شيء آخر، ولم تنحصر الحيرة على المعلقين، إذ إن الخطاب الرسمي أيضاً ظل مرتبكاً ومربكاً فيما يختص بالتصنيف الصحيح للنظام الجديد إما عن ضبابية تفكير صاحب القرار أو عن شيء في نفس يعقوب. ولا جديد في هذا الارتباك متعمدا كان أم غيره، فقد عهدناه في خطاب النظام السابق كلما أتى بسياسة جديدة، مثل ما حدث في نوفمبر 2016، وبعده وقبله من التواريخ.

تعريف التعويم الحر هو تحرير سعر الصرف وتركه لقوي العرض والطلب في السوق لتحدد مستواه من غير تدخل من قبل الحكومة في تحديد هذا السعر. ولا يتدخل البنك المركزي بـأي شكل من الاشكال في سوق النقد إلا نادرا وبأدوات سوق تستهدف تأثيرا محدودا في سعر الصرف لا تحديد مستواه أو مساره وانما فقط للحد من إفراط تقلباته العابرة.

وفي نظام التعويم (المرن) المدار/الموجه يراقب ويتدخل البنك المركزي للتأثير على سعر الصرف بأدوات مختلفة مثل ضخ عملة اجنبية أو رفع سعر الفائدة لاحتواء أي علو أو هبوط غير مرغوب فيه في أسعار العملات الاجنبية. ولكن لا يأتي هذا التدخل لتحقيق مسار أو هدف محدد سلفا لسعر الصرف. نسارع هنا لملاحظة ان الحكومة السودانية لا تملك رصيد من احتياطي عملات اجنبية، أو أي أدوات اخري ذات مصداقية، للدفاع عن السعر أو تحقيق تأثير مستهدف، كما لا تملك أي حيز لاستعمال سياسة سعر الفائدة إضافة إلى انفصال السودان عن اسواق المال العالمية.

اذن يتضح ان النظام الجديد لا يمكن وسمه بالتعويم (الحر) ويصعب تصنيفه كتعويم (مرن) مدار لغياب كل أدوات الإدارة المطلوبة. فما هو اذن هذا النظام الجديد؟

حسب النظام الجديد المعلن يحدد البنك المركزي سعر تأشيري يوميًا ويتعين على البنوك ومكاتب الصرافة التداول في حدود أعلى أو أدني من هذا السعر بنسبة 5٪. كما حدد البنك المركزي هامش ربح بين أسعار الشراء والبيع لا يزيد عن 0.5٪. وبما أن السعر التأشيري الجديد 375 جنيهاً (تم رفعه إلى 378 بعد أسبوع)، يتراوح نطاق التداول القانوني بين 394 و356 جنيها للدولار، ويمكن للبنك لاحقاً أن يغير السعر التأشيري أو حدود النطاق.

هذا النظام المختار أقرب إلى سعر الصرف المربوط ضمن نطاق تقلب زاحف.  يتحدد سعر العملة في هذا النظام ضمن هوامش (نطاق) للتقلب حول السعر المركزي. ومن الواضح ان البنك المركزي يحتفظ بحق تعديل السعر المركزي و/أو هوامش التقلب استجابة للتغيرات في المؤشرات الكمية للاقتصاد الكلي أو حسب طلب المانحين ومؤسساتهم.

وفي غياب أدوات فعالة للتدخل في السوق للتأثير على العرض والطلب للحفاظ على السعر في حدود النطاق المعلن (375 جنيه +/- 5%) بدلا عن الفرمانات الإدارية يكون النظام عمليا أقرب إلى التعويم إذا ما قرر البنك المركزي أولوية مطاردة السوق الأسود بـتعديل السعر التأشيري باستمرار لمجاراة ذلك السوق المتمرس.

اما إذا عادت الحكومة إلى تثبيت سعرها التأشيري في مستوي دون سعر السوق الأسود المتغير دائما فان النظام الجديد يكون هو نفس نظام معتز موسي القديم ويكون كل ما حدث هو تخفيض السعر الرسمي من 55 جنيها إلى 375 جنيها وما بعدهما من الأسعار في إطار يهيمن فيه سعر السوق الأسود على السعر التأشيري. وفي هذه الحالة لا يتم توحيد أسعار الصرف ولا يحدث أي تغيير في هيمنة السوق الأسود ولا في طبيعة وديناميات سوق الصرف وتكون الأوضاع قد عادت إلى سياسة السعر التأشيري التي اتي بها النظام السابق وهزمها السوق الأسود في لمحة عين.

ولا جديد في نظام الصرف الجديد فهو إعادة اخراج لسياسات النظام السابق. ففي 18 يناير 2018 أصدر بنك السودان المركزي منشور إدارة السياسات رقم (5/2018) الذي جاء فيه ” اعتبارا من يوم الأحد الموافق 21/يناير/2018 م، وفي إطار سياسة سعر الصرف المرن المدار، سيقوم بنك السودان المركزي باحتساب السعر التأشيري وذلك باستيعاب حافز استقطاب تحويلات السودانيين العاملين بالخارج وتشجيع الصادرات في السعر التأشيري والأسعار المعلنة للبيع والشراء بواسطة بنك السودان المركزي والمصارف وشركات الصرافة.  ثالثاً: سيقوم بنك السودان المركزي بإعلان السعر التأشيري المحتسب والنطاقات حوله يومياً على موقع بنك السودان المركزي.”

إذا كان هذا هو الحال فلماذا سوق الخطاب الحكومي النظام الجديد كتحرير في شكل تعويم أو تعويم مدار رغم انه أقرب إلى الربط ضمن نطاق تقلب؟  على كل حال نجح الصخب في التغطية على أعظم تخفيض سعر صرف في تاريخ السودان بنسبة 582 في المئة كما نجح الإخراج في ان لا ينتبه الرأي العام إلى ان النظام الجديد نفسه قد جربه النظام السابق في 2018 وتبني ملامح منه قبل ذلك في 2016 على سبيل المثال. وأيضا أتاح الاخراج للحكومة التظاهر بأحداث قطيعة مع فكر وممارسات النظام السابق وكأنها تبنت نهجا جديدا أكثر واقعية للإدارة الاقتصادية.

مرونة النظام الجديد والسوق الأسود للعملة:

يشدد الخطاب الحكومي ومؤيديه على ضرورة “تعويم” الجنيه بهدف القضاء على السوق الأسود للصرف وتوجيه تحويلات المغتربين عبر القنوات الرسمية.  ولكن في الحقيقة يتضح لأي متابع لمشهد التحويلات ان منافسة البنوك والصرافات لتجار السوق الأسود لن تكون نزهة في حديقة نسبة إلى التنافسية العالية التي يتمتع بها السوق الأسود والتي لا تقتصر فقط على استعداده لمنح سعر أعلى من سعر البنوك. إضافة إلى تدني تكلفة تشغيل شبكات السوق الأسود مقارنة بالبنوك، نلاحظ سهولة التحويل عبرها مقابل رسوم وتكاليف معاملة متدنية وسهولة في الأرسال والاستلام وكل هذه الميزات تشكل عوامل جذب من الصعب على البنوك مجاراتها.

تتجلى عقبات منافسة البنوك للسوق الأسود في ارتفاع تكلفة المعاملة عبر الأخيرة.  تشير تقارير دولية إلى ارتفاع تكلفة ارسال التحويلات بالذات عبر البنوك. يعضض من هذا ما كشفت عنه تقارير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية عن ارتفاع تكاليف إرسال التحويلات إلى الدول الفقيرة التي تصل إلى 12 في المئة من المبلغ المحول، وهو ما يزيد بمقدار الثلث عن المتوسط العالمي.  وعلى سبيل المثال في عام 2010 كان من الممكن أن تولد التحويلات المالية المرسلة إلى إفريقيا جنوب الصحراء 6 مليارات دولار إضافية للمستفيدين إذا كانت تكاليف تحويل الأموال مطابقة للمتوسط العالمي. ويؤكد البنك الدولي أيضا ان فوائد التحويلات في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط تقل بسبب التكلفة العالية عمومًا لإرسال الأموال، والتي تبلغ في المتوسط 7٪ عند تحويل مبلغ في حدود 200 دولار. والبنوك هي القناة الأكثر تكلفة لتحويل التحويلات، بنسبة 10.9٪.  وفي أفريقيا جنوب الصحراء ترتفع تكلفة إرسال الأموال عن متوسط الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط. وهذه الحقائق لا تعني ان تكاليف التحويل عبر البنوك السودانية بالضرورة ستقارب النسب أعلاه ولكنها تشير إلى تكلفة ليست زهيدة بالذات إذا ما قارنا البنوك بشبكات السوق الأسود الي لا تحتاج إلى أكثر من شبكات ثقة بين أصدقاء أو أقارب أو شركاء يملكون هواتف ذكية، عكس البنوك التي تدفع مرتبات لجيوش من الموظفين وتستأجر مباني مكلفة وتدفع فواتير كهرباء وتشغيل ومعدات عمل وتدفع ضرائب.

أضف إلى ذلك ان التحويل عن طريق البنوك يستدعي ذهاب المرسل إلى بنك أو مؤسسة مالية في بلد الإقامة وإبراز أوراق هوية وغيرها من مستندات وكذلك على المستلم الذهاب الي البنك في السودان لاستلام التحويل وكلا المرسل والمستلم يهدر ساعات ومشقة وتكاليف ترحيل من والي البنك. وعلى المستلم  التعامل مع موظفي بنوك محبطين وبعضهم يفتقد الذوق السليم  في حين ان التحويل عن طريق السود الأسود لا يستدعي مثل ذلك المجهود اذ ان الترتيب للمعاملة يتم من خلال اتصالات تلفونية أو رسائل بعدها يستلم المرسل اليه التحويل في عقر داره  وهذه ميزة هامة لكبار السن والاميين وسكان القري التي لا توجد بها بنوك ويترتب على ذلك ان التعامل عن طريق البنك يستدعي ان يسافر المستلم إلى أقرب مدينة ليعاني من تكاليف الترحيل وفي الصفوف واحتمال عدم الاستلام في نفس اليوم نظرا لمحدودية أوقات عمل البنك وغير ذلك من  مشاكل البنوك التي عجزت في أمس قريب حتى عن توفير سيولة تتيح للمواطن سحب حر ماله من العملة المحلية.  وتمتد المشكلة لتشمل حتى سكان المدن الصغيرة التي تتصف بنوكها بالهزال وضعف الموارد البشرية والمالية والاتصالية.

وفوق ذلك فان شبكات السوق الأسود توفر حماية من عيون حكومات مكان إقامة المرسل وعيون حكومة السودان وعيون رجال الضرائب وتعقيدات شبهات وبارانويا تمويل الإرهاب.  كما ان شبكات السوق الأسود توفر خدمات طوارئ فعالة بما في ذلك قروض قصيرة الاجل في حال نمو علاقة تعامل وثقة اذ يتم تحويل المبلغ المطلوب في ساعات ويسدد المرسل لاحقا وربما في فترة سماح قد تمتد.

وكل ما ذكر أعلاه يشير إلى أنه رغم أن جزءاً من التحويلات سيتم إرساله عبر البنوك، إلا أن شبكات تجارة العملة خارج البنوك ستظل موجودة وقوية، لأنها توفر خدمات لن يوفرها البنك، ولأنها سهلة ومريحة، وتكاليفها أقل من كل جوانب المعاملة للمرسل والمستقبل.

وقبل الانتقال إلى نظام الصرف أعاد خطاب الحكومة أن من أهم فوائد إزالة السودان من قائمة الإرهاب الأمريكية أن المغتربين السودانيين سيتمكنون من ارسال تحويلاتهم من العملات الصعبة عبر النظام المصرفي الرسمي، وهذا من شأنه أن يحل مشكلة ندرة النقد الأجنبي بما سيضمن توفير موارد كافية لاستيراد للسلع الأساسية التي نحتاجها سواءً ان كانت قمحا أو محروقات أو دواءً أو مدخلات انتاج.

لا شك أبداً أن حذف السودان من قائمة الإرهاب يعد تطوراً إيجابياً بالغ الأهمية، لكن حجة التحويلات خاطئة لعدة أسباب منها ان المغتربين السودانيين عبر السنين لم يواجهوا أي مشاكل تذكر في تحويل عملاتهم الصعبة إلى السودان. لطالما كان من السهل جدًا على أي شخص إرسال أي مبلغ من المال إلى السودان لأسباب اسرية أو لشراء شيء ما أو الاستثمار أو أي غرض آخر. ودائما كانت هناك وسائل فعالة وموثوقة للغاية لتحويل الأموال من خلال قنوات عائلية أو مع الأصدقاء أو عبر تجار العملة الذين حازوا على ثقة المرسلين الموجودين حول العالم. ولم يكن للعقوبات الأمريكية أي تأثير على قدرة السودانيين على إرسال الأموال إلى وطنهم.

لاحقا ركز الخطاب الحكومي على ان أحد اهم مشاكل الاقتصاد السوداني هو عدم مقدرة البنوك على جذب تحويلات المغتربين لذا وجب تعديل سعر الصرف حتى تستطيع البنوك اجتذاب التحويلات عبر لخدمة القطاع الرسمي. وقد صارت تميمة جذب التحويلات كهدف سامي – لا يقوم اصلاح اقتصادي بدونه – علكة في كل فم معلق عن احوال الاقتصاد ولكن كما ذكرنا أعلاه فإن السوق الأسود بعد التعديل سيظل دائماً حاضراً، ونضيف إلى ذلك أنه من وجهة نظر الاقتصاد الكلي لا يوجد فرق جوهري بين دخول تحويلات المغتربين عن طريق البنوك، أو عن طريق تجار السوق الأسود.

لإيضاح هذه النقطة بداية يجب ملاحظة أن جل تأثير تحويلات المغتربين على الاقتصاد ينسرب عبر ثلاث قنوات: حجم التحويلات وسعر صرفها وحزمة الواردات التي تمولها.

فيما يختص بالسعر فقد تم حسم الامر، فـالتحويلات ستعامل في البنوك بسعر أقرب لسعر العرض والطلب أو ما يقارب سعر السوق الأسود/ السوق الموازي (أما إن أصرت الحكومة على فرض سعر صرف ينحرف عن سعر السوق بفرمان اداري فهذا يعني ان نظام الصرف القديم لم يتغير).

وكذلك في ظل النظام الجديد لن يتغير حجم التحويلات والسبب في ذلك بسيط جدا وهو ان أي مغترب في الماضي أراد أن يحول عملة اجنبية للسودان لم تقابله عقبة إطلاقاً، ولم يعانِ من غياب البنوك عن المشهد. أسهل الأمور كان وما زال هو تحويل أي مبلغ   إلى داخل لسودان من أي مكان في العالم عبر شبكات السوق الأسود وهذا يعني ان دخول البنوك في المنافسة على التحويلات لن يزيد حجمها لأنه لا يوجد مغترب عجز عن التحويل سابقا ليغريه دخول البنوك في الملعب.

كل الذي يترتب على السماح للبنوك بالتعامل بسعر السوق الأسود هو دخول بعض التحويلات عن طريق البنوك بدلا عن السوق الأسود القديم ولكن يظل مجموع التحويلات على مستواه ومساره القديم، فما دخل عن طريق البنوك خرج من قنوات السوق الأسود ولو حدث أي تغير هام في حجم التحويلات فسيكون نتيجة لأسباب اخري لا علاقة لها بدخول البنوك في المنافسة عليها. في الماضي كان السوق الأسود يشتري تحويلات المغتربين ليبيعها للمستوردين بما في ذلك الحكومة. وبعد النظام الجديد ستقوم البنوك بنفس التوسط الذي كان يقوم به السوق الأسود بين المغتربين والمستوردين ولكن لن يترتب على ذلك تغيير ملموس في مسار الاقتصاد فيما يتعلق بـالأسعار والإنتاج والعمالة.

لاحظ أنه إضافة إلى أن سعر الصرف التأشيري   سيحدده ويراجعه بنك السودان فان الحكومة ستواصل السيطرة على كيفية تخصيص واستخدام كل المتوفر من العملات الأجنبية فيما يتعلق بمن يحصل عليها ولأي غرض وماهي السلع المسموح باستيرادها بها. وهذا يعني استمرار وجود طلب اخر على العملات الأجنبية لن تتم تلبيته عبر القنوات الرسمية سيظل السوق الأسود حاضرا لتلبية هذا الطلب. وتشير التجربة التاريخية الي أن الحكومة لن تستطيع القضاء على هذا السوق الاسود من خلال الإجراءات القانونية والأمنية لا سيما انه يتصف بالرشاقة وسرعة الحركة وحسن المتوقع كما ان جزءًا كبيرا منه يتواجد خارج السودان، في مدن الخليج والمهاجر المختلفة.

وكذلك لن تتغير كثيرا حزمة السلع التي تمولها التحويلات لان السوق الأسود سيظل موجودا وجاهزا لجذب نسبة منها لتمويل الواردات التي تمنع الحكومة البنوك من تمويلها- مثلا لأغراض استعمال العملة الأجنبية كمخزن للقيمة، وتهريب الاموال وتحويل الارباح والسفر والسياحة والعلاج بالخارج وتجارة الشنطة واستيراد سلع كمالية. وهذا يعني أيضا ان الحصة المتبقية لاستيراد السلع الأساسية لن تتغير عن مسارها بما ان مجموع التحويلات لم يتغير ولم يتغير نصيب الأنشطة الأخرى التي تمولها التحويلات عبر السوق الأسود.

وبما ان دخول البنوك إلى الملعب لن يغير حجم التحويلات ولن يخفض سعر العملات الأجنبية ولن يغير حزمة السلع والأغراض التي تمولها التحويلات بـأي صورة معتبرة فان تأثير السياسة الجديدة على الاقتصاد الكلي سيكون محدودا في أكثر السيناريوهات تفاؤلا – ونعني بذلك محدودية تأثيرها على مستوى الأسعار، والإنتاج، والمداخيل، وخلق فرص العمل.

ولو كانت هذه النقطة عصية فلنضرب مثلا للإيضاح.  تخيل الاقتصاد الوطني كأسرة كبيرة – وهو كذلك لدرجة ما. هذه الأسرة تستلم تحويلا شهريا بمبلغ 500 دولار من بنتها المقيمة في عرعر تبعثه عن طريق فدوني تاجر العملة. من ذلك المبلغ تدفع الأسرة 200 دولار إيجاراً وماءاً وكهرباءً، و200 دولار طعاماً ومواصلات، و100 دولار ترفيهاً وطوارئ. تخيل أنه بعد قرار بنك السودان إياه قررت البنت الاستغناء عن خدمات فدوني، وبدأت في إرسال مبلغ الـ 500 دولار عن طريق بنك العبور.

لاحظ أن البنت ما زالت ترسل 500 دولار لأنها اختارت ذلك المبلغ سابقا لأسباب لا علاقة لها بطريقة إرساله إلى الخرطوم سواء عن طريق بنك أو مع مسافر أو تاجر عملة – فقد اختارت المبلغ بناء على عوامل مثل مستوي دخلها وعدد أطفالها وأهدافها الخاصة ودرجة كرمها وتقديرها لاحتياجات اهلها في السودان. وهكذا صارت الأسرة تستلم المبلغ من البنك بدلا عن فدوني تاجر العملة ولكنها ظلت توزعه على قنوات صرفها بنفس النسب أعلاه (200 دولار ايجار وماء وكهرباء و200 طعام ومواصلات و100 دولار ترفيه وطوارئ) لان بنية صرفها قامت على خيارات تعبر عن احتياجاتها وتفضيلاتها وذائقتها التي لا علاقة لها بطريقة وصول التحويل فالأسرة يهمها مبلغ التحويل لا من أتى به.

بعد أن تغيرت قناة توصيل التحويلات للأسرة لتاتي عبر البنوك هل تغير شيئا في اقتصاد الأسرة؟ بالطبع لا، فهي تستلم نفس المبلغ من البنك، بسعر السوق الأسود وتنفقه على احتياجاتها المختلفة بنفس النسبـ القديمة. والاقتصاد الوطني كذلك تقريبا.

من الواضح أن انتقال جزء من مال التحويلات للبنوك سيتيح لها فرص إضافية للاسترباح على حساب تاجر العملة التقليدي الذي قل نصيبه من كيكة التحويلات. ولكن انتقال بعضا من الربح من التاجر إلى البنك لا يعني الكثير من وجهة نظر الاقتصاد الكلي ولا للمواطن فيما يخص حياته التي تتأثر فقط بمستوى الأسعار وتوفر الواردات من سلع استهلاكية أو مدخلات إنتاج أو سلع رأسمالية.

أما القول بان “التعويم” سيحفز المغتربين على فتح حسابات بالعملة الصعبة في البنوك السودانية فذلك قد لا يحدث في نطاق واسع ومؤثر وبحسابات كبيرة بما الثقة في البنوك السودانية ضعيفة، ولم ينس الناس بعد ازمة السيولة، وكذلك الثقة في السياسة الحكومية ضعيفة مضافا اليها هشاشة الوضع السياسي والامني. ولا أدرى ما الذي يدفع انسان مقيم في السويد أو الامارات أو مصر – تتاح له بنوك اجنبية راسخة وموثوقة – لأن يحفظ مدخراته بالعملة الاجنبية في بنك سوداني. حتى لو فعل ذلك البعض القوم فإن أموال حساباتهم ستكون ضعيفة كقطرة في بحر الاقتصاد الكلي ولن تغير الكثير. وللتأكد من هذه النقطة وفحصها يمكن أن نسأل الوزراء وأعضاء مجلس السيادة وكبار موظفي الدولة القادمين من الخارج متى سيحولون مدخراتهم في الخارج إلى بنوك سودانية؟

يمكن القول بأن التحويل عبر البنوك يفيد بما أنها تدفع ضريبة، عكس تجار العملة، ولكن تحقيق هذا الأثر يستدعي مرور نسبة عالية من التحويلات عبر البنوك، ولكن نفس الضرائب تضعف من تنافسية البنوك النسبية تجاه السوق الأسود، وتفترض أن البنوك تدفع ضرائباً معتبرة، أضف إلى ذلك، أن حصة عالية من الجهاز المصرفي مملوكة لراس مال أجنبي نهم، يحول أرباحه إلى الخارج.

تراخي الأمل في تأثير إيجابي على مستوي الاقتصاد الكلي لا يعني نهاية سردية نظام الصرف الجديد. فمن ناحية اخري ربما برزت واشتعلت منافسة جديدة بين البنوك والسوق الأسود يترتب عليها ازدياد الطلب على التحويلات ينجم عنه تواصل ارتفاع سعر العملة الأجنبية مقابل الجنيه في سباق مسافات طويلة بين البنوك والسوق الأسود الذي تمرس وقوي عوده في عقود طويلة.  وهذا السباق قد يصب بحارا من الزيت اليومي على نيران التضخم الشيء الذي يربك الحركة التجارية ويضعف النشاط الإنتاجي والاستثماري والتجاري في القطاعات التي تعجز عن التكيف اليومي السريع مع مستجدات سوق العملة وسعر الصرف المتغير دوما.

جراحة عميقة بلا تخدير:

عندما بشر وزير المالية السابق الدكتور البدوي بتعويم الجنيه في حزمة تشمل رفع الدعم وتحرير جميع الأسعار كمقدمة يتبعها المزيد من التحرير الاقتصادي كان يعرف كخبير محترف ومتمرس كم الألم الذي يمكن ان يحيق بالمجتمع جراء هذا التوجه لهذا السبب فقد سمي وصفته بالجراحة المؤلمة وبدأ الدعوة لها باشتراط تزامن تدفق مساعدات خارجية ضخمة لتحلية الدواء المر.

وكرر السيد الوزير قصة منسوبة إلى عالم اقتصاد معروف هو روديغر دورنبوش تقول بـأنه في سياق مناقشة مصير البلدان التي طبقت برامج التكيف الهيكلي – التي وصفها السيد الوزير بأنها سيئة السمعة – تحت أشراف البنك الدولي وصندوق النقد، صنف روديغر البلدان إلى ثلاث مجموعات: تتكون المجموعة الأولى من البلدان التي حصلت على المساعدات الخارجية ولكنها لم تطبق برنامج التكييف بإخلاص، ووصفها بالبلدان التي بلعت المخدر ولكنها لم تجر الجراحة. أما المجموعة الثانية فتتكون من البلدان التي أجرت الجراحة الموجعة دون تخدير المساعدات الخارجية فعانت من صدمة وآلام. وأفضل الدول هي تلك التي حصلت على المساعدات الخارجية كمخدر وأجرت العملية الجراحية بنجاح.

الافتراض بأن الجراحة الاقتصادية النيو ليبرالية سوف تنقذ الاقتصاد إذا ما توفر لها الدعم الخارجي مشكوك في وجاهته ولكن ذلك موضوع نناقشه في سياق آخر. ما يهمنا في هذا المنعطف يتعلق بـما توفر من بنج لازم لإجراء الجراحة.

ويتفق صندوق النقد مع رؤية السيد الوزير على أن أحد العناصر الأساسية لنجاح البرنامج المراقب من قبل الصندوق والمنفذ حاليا في السودان هو وصول التمويل الكافي من المانحين. ولكن حتى الان المساعدات التي استلمتها هذه الحكومة من المانحين لا تذكر ولا توجد ضمانات لتدفقها بالحجوم المليارية المطلوبة بالذات لأن كل الدول المانحة تعاني ظروفا مالية صعبة نجمت عن صدمة الكورونا لاقتصاداتها والتي فاقمت من ديونها ما يعني انها تحتاج لسنين طويلة للتخلص من الديون التي راكمتها لدعم مواطنيها وشركاتها بغرض مقاومة آثار الكورونا، في ظل تردٍ مفزع في إيراداتها. أضف إلى ذلك أن أعدقاء السودان اكتشفوا مقدرتهم على أن ينالوا من هذه الحكومة أعز ما تملك، وما شاءوا، بلا مقابل، وفي عالم الريال-بوليتك لا يدفع أحد الكثير للحصول على ما يمكن الحصول عليه مجاناً – حتى لو دفع فتات لزوم الدعاية والحفاظ على مظاهر من إنسانية.

ما يهمنا هنا هو أن الخطاب الحكومي قد دعا علناً إلى حقن الاقتصاد بالمخدر الأجنبي أولاً، ثم إجراء جراحته الموعودة بعد ذلك. لكن الأمور لم تسر كما اشتهى الجراحون فيما يتعلق بتأمين التخدير.

عندما بدأ السيد رئيس الوزراء عهده في أغسطس 2019، كانت أول خطواته كشف كعب أخيله لعالم الأعدقاء، عندما أعلن للمجتمع الدولي عن الحاجة إلى عشرة مليارات دولار من المساعدات الخارجية لإنقاذ الاقتصاد السوداني، تستخدم منها 8 مليارات لتغطية فاتورة الواردات، إضافة إلى ملياري دولار تضاف إلى ودائع الاحتياطيات الأجنبية، بهدف إيقاف نزيف الجنيه تجاه العملات الأجنبية.

وعقب ذلك في نوفمبر 2019، أعلن السيد وزير المالية أن السودان بحاجة إلى خمس مليارات دولار لدعم الموازنة، وتجنب الانهيار الاقتصادي، ولبدء الإصلاحات على أرضية ثابتة. وفي كلا الحالين، كان تغليف بيع الرسالة للمجتمع الدولي، التهديد الضمني بأنه إذا لم يدفع فستنهار الدولة، وسيسيطر الإرهابيون على أرض السودان، ويشنون منها هجمات بربرية على العالم المتحضر، وعلى مصالحه في الإقليم وحول العالم. وكان افتراض الرسالة هو أن من أرسلها قادر على بيع المية في حارة السقايين، وأن فزاعة الإرهابي الإسلامي يمكن استخدامها لتخويف الغرب، بنفس نجاعة استخدامها في خطاب الاستهلاك المحلي.

وعندما ذهب السيد الوزير إلى واشنطن على أمل تأسيس صندوق مساعدات بقيمة ملياري دولار لإجراء الجراحة عاد خالي الوفاض. وحين جاء دور رئيس الوزراء لزيارة واشنطن لإحضار البورك الأمريكي، إذا جاز التعبير، عاد أيضا خالي الوفاض ومثقلا بقبوله بدفع مئات الملايين من الدولارات كتعويضات عن تهم مسيسة منسوبة إلى النظام السابق تلعب فيها أمريكا دور الخصم والحكم.

إضافة إلى مأساة شح المانحين التي حذر وتنبأ بها الكثير منا وخطر وضع كل بيض الثورة في سلة الأجنبي، التقى منتدى شركاء/أصدقاء/مانحي السودان عدة مرات في الخرطوم والرياض وبرلين ولم تنساب منهم قطرة مساعدات.

وعقب ذلك ظل المانحون على موقفهم رغم انصياع الحكومة للخارج بدفع التعويضات والتطبيع ورفع الدعم والمشاركة في حروب خارجية. وفي أيام مفاوضات التطبيع ساومت الحكومة أولا على ست مليارات دولار كثمن مقابل التطبيع ثم خفضته لاحقا إلى مليارين ولكنها في آخر المطاف طَبًعَت بلا مقابل وبعد التطبيع تقلص طموحها إلى الحصول 750 مليون دولار من الدول التي دفعتها دفعا للتطبيع ولكن لم تحصل على فلس منهم حتى يوم إعلان نظام الصرف الجديد في الأسبوع الأخير من فبراير 2021.

عودة إلى تصنيفات رودي دورنبوش . قد يميل البعض إلى الاعتقاد بـأن الفشل في توفير التخدير من شأنه أن يقنع الحكومة بإلغاء فكرة الجراحة، أو على الأقل تأجيلها، أو تغيير بعض تفاصيلها أو توسيع المدى الزمني لإنزالها بما أنه بدون تخدير قد ينتهي الجراح بقتل المريض. لكن لم يحدث شيئا مثل ذلك فقد تمت جراحة سعر الصرف من غير بنج وسبقه تحرير أسعار سلع أساسية ورفع الدعم عن البنزين والمحروقات الأخرى.

وكل هذا السرد لا يعني أن قرار “التعويم” كان سيكون سليماً في حالة حصول الحكومة على عشر مليارات دولار من المانحين الفسلين. فكما بينا فإن وجود احتياطٍ كافٍ ومستدام هو شرط واحد فقط من ضمن حزمة شروط أكبر للانتقال الناجح لنظام صرف أكثر مرونة. أضف إلى ذلك أن أدبيات الصندوق تقول بأنه لا فضل لنظام سعر صرف على آخر، وأنه من الممكن اختيار نظم تختلف من بلد لآخر، حسب ظروفها الخاصة، ولكن في كل الأحوال، تكتسب طبيعة سياسات الاقتصاد الكلي الداعمة أهمية خاصة وحرجة.

التعويم على إيقاع مصري:

كثيرا ما يتم استدعاء التجربة المصرية لتسويق التعويم في السودان رغم ما في ذلك من فساد منطق وتخليط يقفز فوق الاختلافات الجوهرية بين الاقتصادين. فمصر تتمتع بمؤسسات راسخة ودولة قوية ومتجذرة مقارنة بالسودان ولم تعاني المحروسة ولا من كسر من معدلات التضخم التي شهدها السودان في العقود الثلاثة الأخيرة ففي الفترة الزمنية التي ارتفع فيها سعر الصرف في مصر إلى حوالي ستة عشر جنيها للدولار قفز سعر الدولار في السودان من نحو ثلث الجنيه (أربعين قرشا تقريبا) في أواخر السبعينات إلى حوالي 400 ألف جنيه في الوقت الراهن.

نجحت تجربة التعويم نسبيا في مصر لأن اقتصادها المتنوع نسبيا يتمتع بإيرادات موازنة ضخمة ومعدلات تضخم أدنى ومصادر كبيرة ومتنوعة للعملات الاجنبية مثل الصادرات الزراعية والصناعية والغاز والبترول ومداخيل قناة السويس والسياحة وتحويلات مغتربين عملاقة وسوق مال ناجح نسبيا وأهمية جيواستراتيجية تجيد الدولة في ترجمتها إلى مكاسب اقتصادية.

إضافة إلى ذلك حصلت مصر على أكثر من 25 مليار دولار هدية من السعودية والإمارات، وأكثر من 12 مليار دولار من صندوق النقد عند التعويم، وحصلت على دعم إضافي بعد ذلك. ورغم نجاح التعويم فنياً، واستقرار سعر الصرف لاحقاً، إلا أنه بعد تطبيقه مع الحزمة إياها، تفاقمت تكاليف المعيشة مع ارتفاع الأسعار، وازدادت الضرائب، وتنامي الدين الحكومي الخارجي وارتفع معدل الفقر.

ولك أن تقارن جراحة الانتقال المجاني الذي نفذته حكومة السودان بدون تخدير بحصول مصر في عام 2016 على 37 مليار دولار من السعودية والأمارات والصندوق وحصول الارجنتين في سبتمبر 2018 على قرض من الصندوق بـلغ 57 مليار دولار مقابل التزامها بوصفته التي تركبت من تحرير سعر الصرف والالتزام بـعجز صفري في الموازنة يتم تحقيقه عن طريق تقليل الصرف الحكومي على الخدمات والدعم والتوظيف إضافة إلى زيادة الضرائب.

أخطار “تعويم” المعوم:

يمكن القول إن الجنيه السوداني كان معوماً إلى حد كبير قبل قرار 21 فبراير 2021 فقد اتخذت الحكومة نهجًا تدريجيًا بـالتعويم على مراحل لتجنب رد فعل شعبي قد يأتي عنيفا.  تم “تعويم” الجنيه عمليا مع برنامج محفظة السلع الاستراتيجية بالإضافة إلى السماح للبنوك التجارية بشراء تحويلات المغتربين بسعر يقارب سعر السوق الأسود.

ذكر نعوم تشومسكي التدرج ضمن استراتيجيات التحكم في الشعوب كوسيلة لتمرير سياسات تفتقد السند الشعبي على دفعات. طبقت الحكومة السودانية إستراتيجية التدريج حرفيا لتنفيذ عدد من السياسات التي تفتقد القبول الشعبي مثل التطبيع ورفع الدعم السلعي وأخيرا نظام الصرف الجديد.

كما تبدو الأمور، فإن السعر الرسمي القديم غير الواقعي ليس أكثر من مجرد رقم محاسبي يستخدم في دفاتر الحكومة لتحويل المساعدات الأجنبية إلى ما يعادلها بالعملة المحلية وهذا من ضمن ما زاد من إصرار الجهات المانحة على تغيير نظام الصرف حتى تنتفخ القيمة المحلية لمساعداتهم المستقبلية.

ولكن رغم ذلك يظل قرار “تعويم” المعوم على أهمية وازنة تلقي بظلالها عبر قناتين رئيسيتين، من بين أمور أخرى.

أولا الدخول المقنن للبنوك التجارية، الأجنبية والوطنية، في سوق الصرف الأجنبي المحرر قد يخلق طلبًا إضافيًا لتمويل العديد من الأنشطة، بما في ذلك الاستيراد وتـهريب رأس المال الوطني وتحويل الأرباح المتراكمة للشركات والبنوك الأجنبية.

القضية الرئيسية الأخرى لتحرير سوق الصرف الذي يترتب عليه السماح قانونا بالاحتفاظ بالعملة الأجنبية والتعامل فيها تتعلق بتكوين التوقعات أحادية الاتجاه. نظرًا لاستمرار الهيمنة المالية ونقدنة العجوز المتسعة، سوف يتوقع جميع المشاركين في السوق أن يتحرك سعر الصرف في اتجاه واحد فقط. أي كائن راشد عقلاني يتوقع انخفاض قيمة الجنيه سيبيع ما لديه من عملة أجنبية فقط في حدود صارمة لتمويل الاحتياجات الانية أو ما يكفي لمصاريف بضعة أيام. بمعنى آخر، سوف يخزن الزول دولاراته (أو أي عملة أخرى).

من ناحية أخرى، نظرًا لأنه من المتوقع أن يتحرك سعر الصرف في اتجاه واحد فقط، فإن كل مواطن لديه مبلغ ما سوف يندفع لشراء دولارات أو ريالات كمخزن للقيمة يحمي مدخراته من تغول ضريبة التضخم رب رب. كل هذا يعني أن المعروض من العملات الأجنبية في السوق قد ينكمش نسبيا (مقارنة بالعرض المحتمل في سيناريو اخر) بينما سيزداد الطلب. وقد يرتب على ذلك ضغطًا إضافيا على سعر الصرف يؤدي إلى انخفاض متواصل في قيمة الجنيه.

وفي حال تفاقم التضخم الناجم عن التمويل العجزي وسقوط سعر الصرف قد يتلاشى ما تبقي من ثقة في العملة الوطنية مع فقدانها الأهلية اللازمة لتخدم كمخزن للقيمة ووسيط للتبادل ووحدة للمحاسبة.  وقد يترتب على ذلك بروز اقتصادين أحدهما مدولر تلعب فيه الشركات وشريحة ضيقة من البرجوازية التي تتمتع بمداخيل بعملات أجنبية من العمل أو التحويلات أو الحسابات الشحيمة في الخارج في مقابل غالبية الشعب المجبر على عملة وطنية لا تساوي شيئا. وهذه الاوضاع سوف تفاقم الاحتقان الاجتماعي وستدفع بأعداد متزايدة من الطبقة الوسطي، بما في ذلك شرائحها العليا، إلى التحالف مرة أخري مع الطبقات الدنيا لمواجهة السقوط الطبقي والحرمان المهين. وانضمام الطبقة الوسطي في تحالف مع المسحوقين هو أحد أهم علامات ثورة قادمة قد تكون مستنيرة وقد تكون عمياء الغضب تحرق بلا بصيرة. من نافلة القول ان ه?

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..