الصراع على تركة مبارك بين العسكر والاخوان!

فجأة عقب ترك مبارك السلطة تصور اعضاء المجلس العسكري بقيادة المشير طنطاوي انهم اصبحوا بلا منافس او شريك لوراثة التركة التي كان مخطط لها ان تكون من نصيب الابن المدلل جمال مبارك، ولكن عندما كشر الاخوان والسلفيون في وجوه العسكر وهددوا بعواقب وخيمة اذا لم يحصلوا على نصيب الاسد من هذه التركة بدأ اعضاء المجلس العسكري الموقرون يعيدون حساباتهم ويخططون في السر من اجل الاحتفاظ باكبر قدر ممكن من السلطة والنفوذ في مصر لضمان عدم محاسبتهم بصفتهم كانوا شركاء في حكم الرئيس السابق وعدم التنازل عن الامتيازات المادية والاجتماعية الضخمة التي كانوا – ولايزالوا – يحصلون عليها، فرأيناهم خلال الشهور الماضية التي اعقبت ثورة 25 يناير يسعون للاجتماع مع الاخوان والسلفيين وعقد الاجتماعات معهم لتبادل المشورة والرأي وعقد الصفقات السرية بينهم ويستميتون في نفس الوقت على تلبية رغباتهم وتحقيق كل مطالبهم حتى لو كانت تخالف اجماع المصريين.
وقد رأينا المجلس العسكري يخرج جميع السلفيين والجهاديين والاخوان واخوتهم الذين كانوا مساجين لارتكابهم جرائم ضد الدولة والمجتمع ولم يكتف باطلاق سراحهم دون غيرهم وانما تم تعويضهم بملايين الجنيهات من اموال الغلابة المصريين عن السنوات التي امضوها في السجون المصرية !!
ولم نر مرة واحدة صبر اعضاء المجلس ينفد من مظاهرات او احتجاجات او مطالب الاخوان والسلفيين التي تزداد يوما بعد يوم او عند مخالفتهم للقوانين المصرية التي تمنع الاعتداء على دور العبادة وتحرم التمييز الديني بكل اشكاله وانواعه. ولم نر المجلس يضيق ذرعا عندما اعتدى المتطرفون على كنائس الاقباط والاضرحة الاسلامية او عندما رفضوا تعيين محافظ مسيحي مصري في محافظتهم بل رأينا اعضاء المجلس يخضعون ويذعنون لمطلبهم العنصري الذي يخالف القوانين الدولية والمصرية ايضا .
وعلى عكس الاسلوب الناعم الذي يتعامل به العسكر مع الاخوان واخوتهم رأينا صبر المجلس ينفد سريعا مع مظاهرات الاقباط السلمية وقام بذبح العشرات منهم على مشهد من العالم كله لكي يرسل رسالة الى السلفيين والاخوان بأنهم – اي اعضاء المجلس – معا على نفس الخط ضد الكفرة من اجل استمالتهم وكسب تأيدهم وتعاطفهم وتجنب شرهم ومؤامراتهم مثلما كان يفعل رئيسهم السابق مبارك وتلميذه المخلص السفاح العادلي!
على أي حال رغم كل ما فعله مجلس العسكر لارضاء الاخوان والسلفيين وجميع المتطرفين وتجار الاسلام من اجل احتوائهم وعدم التصادم معهم. ورغم كل الجرائم والمذابح البشعة التي ارتكبها المجلس العسكري بقصد او بدونه ضد الوف الابرياء المصريين والتي كانت اخرها يومي 19 و 20 من هذا الشهر الا ان كل هذا لم يرض الطرف الاخر الذي وصل مؤخرا الى قناعة بانهم احق وحدهم ولا احد غيرهم بتركة مبارك كلها أي السلطة وحكم مصر وكتابة دستور ديني بمعرفتهم يتناسب مع تفكيرهم الظلامي المتخلف .
ومرة اخرى وجدنا المجلس العسكري الحاكم يتحلى بالوداعة والحنية ولا يظهر اي غضب تجاه مظاهرات الاخوان والسلفيين عندما خرجوا الى ميدان التحرير منذ يومين للمطالبة بالحكم وعودة العسكر الى معسكراتهم وثكناتهم، ولكن عندما خرج المواطنون الشرفاء والشباب في اليوم التالي للمطالبة بدولة مدنية ورحيل المشير والمجلس العسكري ظهر الوجه الاخر الصارم الحازم العنيف الذي لا يتردد في سفك الدماء.. وكانت النتيجة للاسف استشهاد عشرات من الابرياء ونزيف للدماء في ميدان التحرير وشوارع القاهرة وبعض المحافظات الاخرى .
الذي يحدث في مصر الان لا علاقة له بالفلول وام الخلول والايادي الخفية والاجنبية وانما هو صراع من اجل البقاء.. صراع دموي رهيب على السلطة بين اعضاء مجلس العسكر برئاسة طنطاوي والمتشددين بقيادة الاخوان رغم كل التفاهمات والاتفاقيات والصفقات التي عقدت بينهم في العلن والسر لتجنب الصدام والقتال في ما بينهم. وواضح ان اعضاء مجلس العسكر مصممون على البقاء وعدم ترك السلطة لغيرهم خوفا على مصيرهم وانفسهم من ملاحقات قانونية مستقبلا ومطاردات ومحاكمات وفقد كل الامتـــيازات الهائلة الممنــــوحة لـــهم والتي جعلت منهم طبقة ارستقراطية مميزة مرفهة للغاية لا يستطيع احدا مسها او الاقتراب منها او محاسبتها او مساءلتها.
وكل ما اخشاه ان يسعى العسكر واخوان خلال الايام والاسابيع القادمة لتفجير الاوضاع في مصر وافتعال مزيدا من الاحداث الطائفية والصدامات الدموية بين افراد وفئات المجتمع المصري لكي يجد الطرف الاول المبرر للبقاء في السلطة بقوة السلاح وقوانين الطوارىء والمحاكمات العسكرية الظالمة، اما الطرف الثاني في معادلة الصراع على حكم المحروسة فهو لكي يطالب بتخلي العسكر عن ادارة البلد وترك هذه المهمة لهم بحجة وحدهم لانهم حسب زعمهم الاكثر احقية وتنظيما وانتشارا في الشارع المصري.
على اي حال انني اتوقع ان يتنازل العسكر عن نصف التركة للاخوان السلفيين بمعنى سوف يتم السماح لـــــهم بالســــيطرة على مجلس الشعب في الانتخابات القادمة مقابل التمسك بمنصب الرئيـــــس لواحد منهم وبذلك يكونوا قد اجلوا لحظة الحسم والنهاية لصراعهم مع الاخوان لموعد اخر يحدده قدر مصر والظروف العالمية المتغيرة والاوضاع الداخلية في البلد.
صبحي فؤاد – استراليا
[email protected]
القدس العربي