مقالات وآراء

طريق التجارة الي مصر عبر الصحراء

ياسر عباس علي حمد

طريق التجارة الي مصر عبر الصحراء وعلي ظهور الإبل يعتبر من أصعب وأشد الطرق في رحلة تستغرق ثلاثة عشر يوماً لا يمكن أن يسلكه إلا اصحاب الشدة عابرين بإبلهم إلي مصر ليقوموا ببيعها ويعودون يحملون معهم البضائع التي لم تكون موجودة في السودان وكانت الغافلة تسير من السودان إلي مصر ومعها مئة من الإبل تسمى مجتمعة بإسم (الدبوكة) ، يسير معها خبير ليدلهم علي الطريق ومن أشهر الخبراء في ذلك الزمن سكوتي وحسن حبيب وعمر محيميد ،تحكى عنهم القصص في خبرتهم وإختصارهم الطريق مستخدمين علامات بالنجوم ومعالم يحفظونها ، توفي حسن حبيب في نفس الطريق وتم دفنه في الصحراء لإرتباطه بها وعشقه لها، بعد أن عاد وحيداً من مصر وأصابه المرض وسقط عن الجمل وتم دفنة في نفس مكان وفاته.
كان جدي الحسن حمد كداس من اولئك التجار الذين يسلوكن هذا الطريق الصعب علي ظهور الإبل مستخدماً الفروة الصوف ، السرج السناري والقِرب التي يحمل بداخلها الماء وجميعها ما زالت موجودة ومحفوظة للذكرى والتاريخ ويحكي في ذات مره أنه اشتري ناقة من الحسين علي طه كما يصفها بأنها (ناقة بحر ) لم تتعود علي الصحراء وصعوبة تحمل العطش والسفر وتربت وسط الجناين والخضرة وبالقرب من النيل ، وفي طريق رحلتهم إلي مصر لم تتحمل الناقة تعب الرحلة وجلست مستلقيه علي اقدامها لا تتحرك ، فنزل جدي الحسن ومعه صديقة أحمد البلول و حاولوا معها وفي اثناء محاواتهم تركتهم الغافلة مبتعدة عنهم ولم ينتبهوا لها وهم لا يعرفون الطريق وهبت رياح اخفت كل معالم أثر الغافلة ، ونفد الماء الذي كان معهم فقال جدي الحسن عليه رحمة الله (اماني يا ناقة الحسين الليلة ما ضيعتي ليك رجال ، في الصي والهويد لا رفيق لا ناس
نحنا ودرنا يا ناقة الحسين والياس،،)، فانفجر صديقة أحمد البلول بالبكاء قائلا ( يا الحسن انا ويلداتي صغار) وفي أثناء حوارهم هذا جاءهم رجل يسير في عكس طريق رحلتهم اسمه (بحر) كأنه سقط من السماء يحمل القليل من الماء وعرفوا انه خبير لأنه يسير وحيداً فخاطبهم قائلاً (راجلين دايرين تضيعوا نفسكم عشان ناقة انا مويتي شوية لكن اشربوا أروا عطشكم وامشوا فوق درب جملي دا بي تقعوا في وادي العلاقي وتلقوا دبكوتكم هناك والناقة خلوها انا بخلي الدبوكة الجاي توصله ليكم معاها ) كان عرف متبع بين الذين يسلكون هذا الطريق بأن الدبوكة التي تأتي خلف سابقتها يقومون بتوصيل الإبل المتخلفة من الرحلة السابقة ويقومون ببيعها ومن خلال الوشم او الوسم يتعرفوا علي صاحبها ويسلموه ثمن بيعها .
ولذكاء جدي الحسن وخبرته في تتبع الأثر سار متبعاً أثر الخبير حتي وصل الى وادي العلاقي ووجد بقية الغافلة وواصلوا طريهم حتي وصلوا الي مصر سالمين وظلت هذه الحادثه تلقي بظلالها وخلقت علاقة صداقة قويّة بين جدي الحسن واحمد البلول الي ان غيب الموت جدي عليه رحمة الله .
وبعدها تطورت طرق النقل بين مصر والسودان بدخول الشحانات والكيواي واللواري وغيرها إلي أن تم ربطها بالطرق المعبدة ومعبر اشكيت وغيرها طاوية صفحة من المعاناة ومخلفة تاريخ رجال اشداء تحملوا الطريق رغم صعوبته وتعبه ليطعموا ابناءهم من الرزق الحلال مهما كان طريقه صعباً.
ياسر عباس علي حمد
[email protected]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..