الأستاذ عيسى الحلو :..أنا متخصص ثقافة

التقته: معزة حمد النيل ٭ الأستاذ عيسى الحلو الصحافى والروائى والكاتب القصصى، شكل وجوده علامة فارقة فى الساحة الثقافية والادبية فى السودان وفي الصحافة السودانية من قبل واحد وأربعين عاماً، وعمره لم يتجاوز الثامنة بعد.. وهو من قرية قلي بالنيل الأبيض، وتلقى مراحله التعليمية بمدارس الأحفاد الأولية والمتوسطة ومن ثم مدارس الأحفاد بأم درمان، ومدرسة حلوان الثانوية بمصر، وقضى عامين بكلية الحقوق بجامعة القاهرة الأم ليعود بعدها للدراسة بمعهد المعلمين ببخت الرضا.. ولديه ثلاث روايات وخمس مجموعات قصصية وست روايات أخرى لم تر النور بعد، بجانب إسهامه الكبير في نشر الثقافة السودانية عبر العديد من الإصدارات والنشرات الصحفية والثقافية فى البلاد، بدءاً من صحيفة النيل التي عمل بها فى خمسينيات القرن الماضى، ومن ثم صحف الصحافة، الأيام والسودان الحديث، ورئيس لتحرير مجلة الخرطوم عام 1992م، ومن ثم صحيفة الرأى العام لمدة اثني عشر عاماً وحتى الاًن، فإلى مضابط الحوار:

٭ من الملاحظ تركيز الحلو على الصحافة الثقافية وثباته فيها دون غيرها… لماذا وما هي مشكلات الصحافة الثقافية؟
ــ فى الحقيقة إننى أركز على الصحافة الثقافية لأن قدراتى تماثل هذا المجال، وأمضيت فيها أكثر من نصف قرن، وكونى لم أتطور لبلوغ رئاسة التحرير لأن ذلك يتطلب قدرات متنوعة فى كافة مجالات العمل الصحفى خاصة السياسى، فأنا متخصص فى الثقافة. أما اهم المشكلات التى تعترض الصحافة الثقافية فإن المؤسسات ليست لديها إستراتيجيات واضحة لماهية العمل الصحافى الثقافى وماذا تريد منه؟ والفكرة بالنسبة لهم غير واضحة، وتاريخياً نجد ان الصفحات الثقافية فى الصحافة السودانية منذ زمن بعيد تستند فى الغالب إلى الأدباء وبالتالى تأخذ الصيغة الادبية أكثر من الثقافة، وتترك لمزاج المحرر الثقافى ليفعل فيها ما يشاء دون متابعة من المؤسسة المعنية بشكل دقيق، وبالتالى لم يتأسس هذا من ضروب العمل الصحفى بشكل واضح.
٭ ترى ما الحل من وجهة نظرك؟!
ــ الحل يكمن فى وضع استراتيجيات واضحة للملفات الثقافية فى الصحافة السودانية وفهمها للثقافة، وما هى؟ وهل هى مجرد تحليل وتهويم فى فضاءات مجهولة، أم نصفها بأنها ثقافة سودانية قومية تشمل حواراً متكاملاً بكل المكونات الإثنية والاجتماعية بما يمكن أن نسميها تنوعاً ثقافياً وحدودياً، وهذا ما يجب ان يرتكز عليه مفهوم الصحافة للثقافة، مع اهمية الاتصال بالآخر وقومية الطرح الثقافى الشامل دون إهمال الثقافة الإقليمية والمحلية او الدوران فى وسط محلى، ويجب بالتالى خلق حوار ثقافى متنوع مع الثقافات المعاصرة مثل: الثقافة العربية، الإفريقية، العالمية، وتتناغم مع الثقافة القومية السودانية والتى تمثل ثقافة عربية إفريقية إسلامية..
٭ الكتابة والقراءة مصطلحان مهمان.. ما رؤية الحلو فيهما؟!
ــ هما شائعان فى النقد الحديث، وهناك حماسة كبيرة جداً فى النظر إليهما على أساس أهميتهما الكبرى فى البحث والدرس الأدبى والاجتماعى، وما اعرفه أن النقد يعلم الكتابة، وكيف يمكن أن نكتب نصاً جيداً، فأما القراءة فهى فعل ذاتى، وكل هذا فى النقد المعاصر يدور في ما يسمى علم اجتماع القراءة، وفى العهود السابقة كان ينظرالى الكاتب على أنه دكتاتور، أو هو الشيء المهم فى الكتابة ويهمل القارئ، لكن الآن أصبح علم اجتماع القراءة يعطى القارئ أهمية أكبر، لأن النص يتأسس وفق عمليتي القراءة والكتابة، بدليل أننا عندما ننظر للنصوص على أنها سلعة استهلاكية ننظر مباشرة للقارئ الذى هو من يختار النصوص، والصحف والمجلات وفق رؤيته واهتماماته ووضعه داخل الفعل الثقافى، وبالتالى فالمجتمع يقسم إلى فئات، حيث نجد أن هناك فئة تنظر الى مسألة القراءة ككل، وفئة تنظر لتكويناتها الثقافية والعوامل المؤثرة فى تحديد ذوقها الثقافى والجمالى، وبالتالى فإن عدم الرواج الذى يحدث للمنتوج الثقافى مرهون باختيارات القارئ، وبالتالى فإن انتشار الصحيفة والمنتوج الثقافى يرد لإقبال القراء عليها.
٭ قارن لنا بين الأمس واليوم للصحافة السودانية؟
ــ نجد ان اليوم يتفوق على الأمس بحكم إضافة العديد من المعارف والتطورات الماثلة فى المجال الثقافى، ومن ضمن عيوب معرفتنا الماضية العمومية والتبسيط، وبالتالى يطلق على المتعلمين لفظ «مثقفون»، والثقافة فى العصر الحالى فيها تخصص ــ دقة حيث نجد أن المثقفين الذين تخرجوا في كلية غردون كانوا مثقفين عمومياً وفى كل شيء ويتحدثون فى كل شيء لكن بدون عمق لأنهم غير متخصصين، والآن نجد العكس.
٭ العولمة ــ الثقافة الإلكترونية ــ الإنترنت وغيره، أخذت القراء من المجلات والكتب والصحف المطبوعة؟
ــ الكتب فى ذات نفسها ليست لها قيمة، وإنما هى مواعين لتوصيل الأفكار للمتلقى، والآن حدث تطور كبير، وفى السابق كنا نكتب علي الورق لكننا الآن نكتب عبر الكيبورت والكمبيوتر، وهنا نجد أن الإمكانات الإلكترونية اكبر واوسع واكثر كفاءة: وهنا يمكننا المقارنة بين الكتاب والمنتوج الإلكتروني المتمثل في الأفلام والمسلسلات والكاسيت والفيديو، ونجد الآن الفيلم السينمائي صار أكثر رواجاً من الكتاب، لأن الكتاب يمكن الرجوع إليه بين وقت وآخر وهذا هو فضل الكتاب علينا، ويعتبر وثيقة مرجعية، ولكن الفكرة ليست في تقديس الكتاب ككتاب، وهذا يقودنا إلى الفرق بين الصحافة كادأة توصيل وبين الأدب، ونجد ان الأدب يوصل المعلومات بشكل دقيق لكن الصحافة توصل معلومات فقط وليست معنية بجمال النص.
٭ ما هي صلة الإبداع بالواقع؟
ــ في السابق كان الإبداع قريباً من الصحافة وينقل الواقع ويوجد حلولاً للواقع، وهذا ما كان سائداً في المدارس الواقعية سابقاً، ولكن الآن الأدب والفنون صارا يتحدثان عن الواقع وعن الممكن والمحتمل والمتوقع وكلها درجات من الواقع، وفي السابق كان النظر فتوغرافيا حسب الصورة، ومع ذلك هناك واقع مفترض وممكن، لذلك نجد في السياسة المقالة التحليلية التي تتوقع ما سيحدث في المستقبل، ولكن نجد أن هنالك بعض الكتاب الذين يقولون إنهم لا يكتبون إلا في ما يعرفون، في حين أن الكتابة يفترض أن تكون في ما لا تعرف، والكتابة في ذات نفسها فضيلة، وأكرر أنني كثيراً ما اود الكتابة عن شيء لا أعرفه لأنني أريد أن أعرف.
٭ الرواية السودانية بين الأمس واليوم؟
ــ هو نفس الفرق ما بين الصحافة والغناء والرياضة السودانية بين الأمس واليوم، حيث نجد اليوم المعلومات تتوافر بشكل كبير، وحتى العلوم التي ظهرت ساعدت الإنسان على أن يطلع على المعرفة بشكل أفضل، وهذا ما لم يكن متوفراً في السابق.
٭ مع كل ما سبق ذكره لا بد من وجود إشراقات في فضاء الثقافة السودانية؟
ــ لا يمكن أن أتصور أن شخصاً لم يدرس صحافة ولا يمتلك موهبة كبيرة يمكن أن يعمل صحافياً، ولا يمكن لمن لا يمتلك مفاتيح الإبداع الثقافي في كل مجالاته أن يكون مبدعاً، ولكن ربما يكون في وسط هذا الركام هنالك من هو متميز ولكنني لم أتمكن من الإطلاع على إنتاجه الأدبي والثقافي الذي يمكن الحكم علية سلباً وإيجاباً
٭ ما هي أهم الأسماء الأدبية التي أضافت للثقافة السودانية؟
ــ هي كثيرة جداً، ففي السابق مثلاً نجد التيجاني يوسف بشير ــ محمد عبد الحي ــ علي المك ــ صلاح أحمد إبراهيم ــ الفيتوري، وأسماء كثيرة غيرهم لا يسعني ذكرها.
٭ ترى لم لم يأتي من بعدهم من هو في قامتهم أو يماثلهم؟
ــ في الحقيقة «حقو ما يجي زيهم» بل من المفترض أن يأتي أناس مختلفون وبأصوات مختلفة ويطرح فهم جديد لفترة مختلفة عن فترتهم.. يعني مثلاً لا نريد أن نكرر الطيب صالح، ولكننا نريد قدرات تجاري مشكلات العصر الحديث وتضع لها حلولاً.. لأننا لا نحتاج للطيب ولا للتيجاني ولا للمجذوب.

الانتباهة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..