مقالات سياسية

الى المفاوضين في جدة: سماحة الروح في المفاوضات طريقكم للنجاح وهذا تصور عام للاتفاق المرتقب

مازن محمد عباس

لا لـ(لا للحرب) ونعم لـ (نعم للسلام)! لا للحرب خطوة تقل عن طموح أي سوداني يرنو الى المفاوضات الجارية في جدة حاليا وينشد السلام والاستقرار، بل قد تكون في حد ذاتها وصفة للحرب في المستقبل القريب أو البعيد! أما من خلال نعم للسلام فلا نكتفي بإيقاف الحرب كيف اتفق، بل نبحث عن القاعدة المستدامة للسلام. وفي الحقيقة وقف الحرب في كل الأحوال هو الهدف ولكن لا بد ان يكون ذلك على أساس راسخ حيث ان مجرد المطالبة بوقف الحرب دون أي رؤية او تصور أو مبادرة تمثل خارطة طريق يتناقش الناس حولها لا تمثل أكثر من امنيات.

ما أورده الان هو محاولة لرسم صورة عما يجب ان يكون عليه الاتفاق حتى نضمن سلاما مستداما، وهي على كل رؤية قابلة للأخذ والعطاء والحذف والاضافة حتى نصل الى حل يرضي الجميع

في تقديري أن للطرفين في جدة قاعدة مشتركة يمكنهما الانطلاق منها، فالجيش والدعم السريع كلاهما يتحدثان عن تحقيق أهداف الثورة وعن الحكم المدني الديمقراطي، وبالتالي فإن أهداف الثورة تعطي قاعدة الانطلاق، ومن شعارات الثورة التي يمكن أن يبنى عليها حل عادل شعار العسكر للثكنات والجنجويد ينحل، ويجب أن يكون هذا جوهر الحل وغايته الأساسية فهو رغبة الملايين ولا يحق لطرف من الطرفين ان يرفضه ما دام الكل يؤمن ان الشعب هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة.

حقائق جديدة

انا لست حزبيا أو منتميا سياسيا وبالتالي فأجد لنفسي الحرية الكاملة في رسم ما اراه منطقيا وقائما على الحقائق العلمية والمنطقية دون ادنى سعي لإرضاء أحد أو اغضاب أحد من المتصارعين على الساحة السياسية. ولنبدأ بتقرير ان هناك كثير من الحقائق المهمة التي أفرزتها الحرب الدائرة أو أكدت على أهميتها ولا بد من اخذها في الاعتبار لصياغة حل منطقي مقبول، ومن هذه الحقائق المهمة:

1-      الجيش يجب أن يبتعد عن السياسة ويركز على تغطية الثغرات التي كشفتها الحرب من الناحية الاستراتيجية حيث يبدو للناظر المتأمل خلل في التعامل الاستراتيجي مع الدعم السريع والحركات المسلحة ولا يكفي هنا الحديث عن جيش مهني بمعنى التركيز على البعد العسكري فقط بل مهني بما يعني الاسنتشراف الاستراتيجي لمواجهة مخاطر وتحديات المستقبل ولو وجد هذا لما قامت هذه الحرب أساسا.

2-       الدعم السريع كان يحظى بقبول كبير قبل الثورة لاسهاماته في تحقيق الاستقرار في الولايات الملتهبة وبعد الثورة لانحيازه لها، ولكنه للأسف فقد هذا الرصيد كليا بل للحد الذي جعل المواطن ينظر اليه نظرة سالبة ان لم تكن عدائية لما تم من تجاوزات خطيرة في العاصمة ودارفور.

3-      قحت بجناحيها ظلت تمثل المنطقة الوسطية في بحر السياسة المضطرب، وقد ظل الجميع ينظر اليها باعتبارها معبرا نحو التحول الديمقراطي. للأسف الحرب غيرت هذه النظرة بطريقة دراماتيكية وأصبح الكثير من الناس ينظرون الى قحت المركزي باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الدعم السريع وهناك من يرى أنها كانت جزء من المؤامرة الخاصة بالحرب بينما يرى البعض أنها مؤيدة للمؤامرة بدليل أنها لم تتجرأ على ادانة عمليات النهب الواسع والاغتصاب والقتل الذي مارسه الدعم السريع او فلنقل هذه هي النظرة الشعبية العامة، أما قحت الكتلة الديموقراطية فقد بدت ضعيفة وتائهة إزاء الحرب ولم يكن لها موقف واحد صلب يمكن الإشارة اليه.

4-      وبالعكس من قحت، الكيزان ظلوا في عزلة سياسية واجتماعية منذ قيام الثورة غير ان وقوفهم وانضمام الكثير منهم للجيش ضد الدعم السريع اعطاهم قبلة الحياة السياسية كما تشير لذلك متابعات واتجاهات الرأي وهناك ارتياح شعبي لمشاركتهم في الحرب الى جانب الجيش وخاصة الأجهزة الأمنية التي سبق حلها كهيئة العمليات ذات التدريب العالي والتي لها دور فعال في جهود الجيش حاليا ويرى كثيرون ان ذلك يمثل تذكيرا بالخطأ الذي وقعنا فيه من قبل بحل أجهزة أمن النميري، وحل هيئة العمليات حدث بضغط من الدعم السريع وقحت مما مكن الدعم السريع من الوجود في مناطق ومعسكرات استراتيجية والحصول على ملفات حساسة قد تكون تسربت للخارج بسبب علاقات الدعم السريع واتصالاته الخارجية، ولكننا نعود لنقول إن السبب الأساسي الذي أدى لحل الهيئة هو الشكوك حول انتماءات منسوبيها السياسية ويقدم ذلك دليلا قويا على أهمية ابعاد الأجهزة العسكرية والأمنية بل والخدمة المدنية من الاختراق السياسي كالذي حدث في عهد الاسلاميين.

5-      الدمار الشامل الذي أصاب البنى التحتية دمار لم يسبق له مثيل وأخطر الدمار ما أصاب البنية التحتية للإنتاج ونهب المصانع ثم حرقها عمدا مما يترتب عليه ضرر بالغ على المستثمر سيؤدي الى ضوائق اقتصادية وانهيارات متوقعة لسعر الصرف تؤثر على حياة الناس.
6-      دمار الخدمات الصحية والتعليمية والخدمات البلدية تم بنسب كبيرة ومؤثرة ومعوقة لعودة الحياة لطبيعتها الا بعد فترة قد تطول من الزمن.

تصور لمخرجات اجتماع جدة

بناء على ما اوردنا أعلاه فإن رؤيتنا لحل معضلة الحرب السودانية يجب ان تتم كما يلي:

1-      النقطة الأولى والأهم هي أن نستلهم ارثنا السوداني الراقي المتسامح في المفاوضات وكم أدهش الخصوم السياسيون السودانيون العالم في تعاملهم المتسامح في جولات التفاوض في مختلف المنعطفات السياسية، وبالتالي ابداء حسن النية والتعامل المباشر بين الفريقين والسعي لابراز التقدير للطرف الاخر سيؤدي حتما الى نتائج تختلف عما إذا كان الطرفان في غضب وتوتر، فمثل هذا الهدوء والتعامل الراقي سيقود الى نتائج إيجابية ما دام الطرفان يسعيان لحل ينهي الحرب بويلاتها. لا بد لكل طرف أن يقدر وضعية الطرف الاخر ويبني استراتيجية تفاوضه على ذلك، ويجب ان تكون هناك توعية إعلامية بأن لا ينظر الناس لما يتحقق لأي طرف في المفاوضات بأنه نصر لطرف أو خسارة للاخر فالطرفان سودانيان واي انتصار هو للسودان وأي خسارة فهي عليه.
إن تهيئة الأجواء الإيجابية ستقود لنتائج إيجابية ويستطيع وفدا الجانبين تحقيق ذلك بينهما أولا ثم عن طريق لقاءات صحفية يشتركان فيها ليخاطبا المجتمع ويشيد كل منهما بتفهم الاخر ويبديا حرصهما على امن وسلامة البلاد وسينعكس ذلك حتما على الجمهور ويؤدي للوصول لنتائج إيجابية.

2-      المرحلة الأولى في الاتفاق لا بد ان تقود الى وقف اطلاق النار والخروج من المنازل والمستشفيات وكل المؤسسات الحكومية، وأن تكون هناك مراكز امنة يتجمع فيها مقاتلو الدعم السريع وتسهيل حركة الإغاثة والامداد للمواطنين وفتح الطرق وإزالة الحواجز لتسهيل تحركاتهم، وتشمل المرحلة الأولى أيضا اطلاق سراح دفعات من الاسرى والمختطفين، الأمر الذي سيقلل من شدة الاحتقان ويعزز المناخ الإيجابي الذي يجب أن يحرص الجانبان اشد الحرص عليه لأنه أهم عوامل بناء الثقة لانجاح التفاوض.

3-      المرحلة الثانية وتمتد لمدة شهر يتم خلالها ترسيخ وقف العدائيات والسعي نحو اعلام إيجابي يحقق السلام، ويتم في هذه المرحة اطلاق بقية الاسرى والمحتجزين وهذا أيضا يقلل من موجة العداء ويهيئ المناخ أكثر للخطوات اللاحقة.

4-      خلال فترة الشهر يقوم مجلس السيادة بتشكيل حكومة تكنوقراط بعدد محدود من الوزراء
لإدارة البلاد والاعداد للانتخابات العامة في اقل من عام. ويتم تسمية ومباشرة مفوضية الانتخابات لعملها بشكل فوري ويمكن طلب المساعدة الفنية من الأجهزة والمنظمات الدولية.
ويتم خلال هذه المرحلة وبالتزامن حصر خسائر الحرب، ويفتح الباب للمواطنين للابلاغ عن الاضرار التي لحقت بهم، ويصدر قرار بالعفو عن الحق العام، بينما يظل الحق الخاص محميا، فمثلا كل من تدمر منزله بواسطة الطيران يكون مسؤولية الجيش تعويض المتضرر، ومن تضرر من الدعم السريع فيلزم بجبر الضرر، وكل من سرقت عرباتهم وممتلكاتهم من حقهم يطالبوا بها ومن تضرروا من الانتهاكات أيا كان نوعها في العاصمة أو دارفور او غيرهما من حقهم اللجوء للعدالة المحلية والدولية وهذه من الثوابت الحقوقية التي لا يملك أي طرف أن يعفيها فهي حقوق خاصة.

5-      يجب ان تقوم الانتخابات باعتبارها المخرج الوحيد للأزمة، والحديث القديم عن صعوبة الانتخابات والاحصاء السكاني ووجود مناطق خارج سيطرة الدولة ومناطق مضطرة وغير ذلك كلام لا يخدم غرضا، فاذا افترضنا ان من يحق لهم التصويت من مجموع الشعب 20 مليون مثلا فإن مشاركة أي عدد منهم حتى ولو كان 2 مليون سيعطي مشروعية نسبية للانتخابات بدلا من سيطرة تيارات سياسية على المشهد دون أي تفويض خاصة في مثل هذه الظروف، وبالتالي التحجج بالأعذار حتى لا تقوم الانتخابات غير مقبول، فنحن في بداية طريقنا الديموقراطي ولا بد ان نواجه التحديات ونتجاوزها بكل السبل والوسائل. كما يجب أن تتاح الفرصة لجميع السودانيين للمشاركة دون اقصاء وقد ظل الاقصاء والتطرف ولغة الكراهية يمثلون السبب الأول والأخير للتدهور المستمر والتردي الذي ظلت تعيشه البلاد بعد حدوث الثورة.

6-      المرحلة الثالثة أن يتم الاتفاق بين الجيش والدعم السريع على تشكيل لجان هدفها هيكلة الدعم السريع واستلام أسلحته ويتم استيعاب الأكثر تاهيلا منهم ضمن حرس الحدود ويكون ذلك في الاطار الكلي لعدد افراد القوات المسلحة الذي تحكمه العديد من الاعتبارات الوطنية، وأن تتم مراعاة القومية في هذ الشأن، ويتم تسريح البقية مراعاة لقدرات الدولة الاقتصادية، ويجب حين العمل في وضع هذه المعادلة لتفاكر مع الحركات المسلحة الموقعة على سلام جوبا، فكلما كان الحل شاملا في اطار جيش موحد كان ذلك افضل، ونعلم أنها مهمة شاقة ولكن نحن في قضية وطنية وجودية يجب أن تسخر لها كل الإمكانات والقدرات والكفاءات بما في ذلك الاستعانة بالخبرات والتجارب الأجنبية.

7-      من المخاوف التي تشغل بال الكثير من الأحزاب والسياسيين حيادية الجيش ووقوفه على مسافة واحدة من الجميع وابتعاده عن السياسة، خاصة ان المؤتمر الوطني الذي حكم البلاد 30 عاما عمل على تجيير الجيش والخدمة المدنية لصالح الحزب، ومن هنا جاءت الدعوة لاصلاح الجيش وضمان حياديته وعدم انتماء افراده لأي جهة سياسية. هذا الامر يحتاج لتشكيل هيئة داخل الجيش من قدامى العسكريين ورجال المخابرات تكون ذات كفاءة عالية تتمتع بالحياد التام وتعمل بسرية وبالاستعانة بالتجارب الخارجية من اجل التعرف على العسكريين ذوي الانتماء الحزبي واستبعادهم وتظل هذه الهيئة موجودة بشكل دائم داخل هيكل القوات المسلحة وتتبع للقائد العام مباشرة لضمان حيادية الجيش.

8-       يلتزم الجيش بعدم مباشرة أي عمل اقتصادي ويترك للجيش العمل في الصناعات العسكرية وتوجيه أي نشاطات اقتصادية لتدار بواسطة الدولة وكل العمل في التعدين يكون حكرا للدولة .

هذا في الواقع تصور هيكلي وترتبط به العديد من التفاصيل التي تحتاج من الطرفين الى وقت وجهد من اجل الوصول الى حل نهائي مرض للجميع ولا يجب بأي حال من الأحوال ان يتم ذلك في اطار المنتصر والمهزوم فهذه النقطة يمكن ان تقف عقبة أمام أي اتفاق.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..