المتغطي بالأمريكان عريان..والمستظل بالبشير قاعد في الهجيرة

لا أود أن أعيد استهلاك مفهوم الدائرة الخبيثة أو الجهنمية حسب ما تواضع عليه الساسة والمفكرون السودانيون.فقدر ما استهلك منها ولوك في الأفواه وجرى على الألسن ، كاف لمج كل ما يزيد عن ذلك. لكني سأتناول مفارقات من لجأوا إلى العبارة وكيف أنهم ينتقدونها ولا يفتئون يقعون في أتونها.
كانت الجبهة الإسلامية كحزب سياسي ، أول من بنى على تفادي الدائرة فعلاً سياسياً ذا بال .حيث باسمها سطت على السلطة بليل.وتلاقح عسكرها بمدنييها في أجواء الفكر الديني وأنجبوا هذا النظام الذي نعيشه بتفاصيله المريرة في يوم الناس هذا. فقد توهمت أن مستوى تنظيم كوادرها وتأهيلهم . ومستوى تخطيطهم الاستراتيجي ونجاحه بسهولة في الوصول إلى السلطة في سنوات ليست بالطويلة . أنها أغلقت هذه الدائرة تماماَ بالضبة والمفتاح.خاصة إذ مازجت المدني بالعسكري حتى لا يكون للعسكر قول لا يسمع دبيبه الملكية.وقصقصت أجنحة المدنيين بنقابات مصنوعة تسبح بحمدها. وزادت من الصرف على التأهيل والتمكين لكوادرها. لسحب البساط من الدوائر المتعلمة في الأحزاب العقائدية ذات الأيديولوجيا المنافسة على الحكم في التيارات الاشتراكية والعروبية بتأهيل كوادرها. وتأتي بنفس الشئ بالتمكين ولقم ثدي الدولة لرأس مالييها ،فتطعت رؤوس الأموال الطائفية الداعمة لأكبر حزبين . وهكذا ببساطة ، تكون قد تحكرت على السلطة والشوكة والمال. ما أغراها ليس بقمع المعارضين في الداخل. بل الظن في مقارعة الدول العظمى والإنشاد بدنو عذابها. وربما هذا ما يفسر سيرها عكس مسار التاريخ ، بتبني الشمولية في وقت كفر بها بقية العالم وتهاوت أنظمتها بمختلف توجهاتها.
ما سبق يؤكد ما ابتدرنا به المقال من أن الجبهة الإسلامية هي أكثر حزب أتي بفعل ذي بال في الإجابة على كيفية الخروج من الدائرة الجهنمية الخبيثة.وكان الرد العملي من القوى المعارضة ، بشقيها العسكري والمدني ، ما أتت به مقررات مؤتمر أسمرا أيام التجمع الوطني الديمقراطي . ولا أود أن أخوض في تفاصيلها. لكن ضاع التجمع وبقى النظام.وينهض السؤال البديهي . لماذا حدث ذلك ؟بالقطع ليست الإجابة على هذا السؤال ببسيطة. فهو سؤال المليون دولار.لكن بكل جزم. لم يستمر النظام لأنه يسير بهدي الإله أو مسنود بحبل من الله لتوجهه كما يلغو أهل النظام في كل مناسبة.لكن أكثر الأسباب طراً ، هو أننا للخروج من الدائرة الجهنمية المعروفة بتوالي الانقلابات والنظم الديمقراطية وتتاليها ، وقعنا في دائرة جهنمية أخرى أكثر خبثاً.عنوانها تبادل التغطي بالأمريكان ما بين الحكومة والمعارضة!!وقد تقود تصاريف السياسة بأن يتغطى الفريقان سوياً بنفس الغطاء ويتجاذبانه إن انحسر عن جزء من جسد أي فريق.فالأمريكان يمدون غطاءهم على قدر مصالحهم والكل مجبورون وليس غافلون لانسداد آفاق التفكير الوطني والعجز الذي يتعاور الطرفين حسب مجريات الرياح الدولية والإقليمية.
فبواسطة الجنائية التي ظنت المعارضة أنها الغطاء الأمريكي الدافئ في شتائها ،ابتُز رأس النظام ليطلب غطاء الأمريكان . فكان الثمن انفصال الجنوب والبشير يتباهى في حملته الانتخابية على المعارضة بحمد الله على أن الأمريكان صاروا معه. ليصوره كأنه نصر إلهي وليس مسبباً لخزي وطني. وحفيت أقدام النظام لنيل رضا أمريكا والخروج من قوائم العقوبات والإرهاب وما فتئت .بل وشهدنا مهرجانات التفاخر لمن ظن أن سهمه هو من أصاب ورفع العقوبات.
أما المعارضة فلم تكن بأحسن حال في هذا الشأن من النظام..فقد عولت على أمريكا والغرب عموماً لتساعدها في إسقاط النظام. وعاشت مد الغطاء الأمريكي وجذره منذ التجمع وبعد تشتته.بل ولم تنج التكوينات المعارضة التي تلت التجمع بمختلف مسمياتها من هذا الداء. إلى درجة الظن الكامل بأن أمريكا هي طوع بنانها. وليذكر التاريخ أبطالاً لها ، إذ كانوا يؤكدون أن أمريكا لن ترفع العقوبات عن النظام حتى استيقظوا من غفلتهم بصدور القرار الأمريكي..ولعقوا جراحهم ليتجهوا بالقول أنها لن تزيل النظام من قائمة الدول الراعية للإرهاب ( وانا أعيط) وكذلك غيري.
وهكذا ،يخرج الصادق المهدي مغاضباً الحكومة في الحوار الذي خيب رجاءه . ليعود ممثلاً لقوى معارضة قائداً الحوار مع نفس الذي يبدو اثر فأسهم في ذيله!! والنظام يزاود عليه بفتح البلاغات واستصدار أوامر القبض . وتُدعى البطولات ، والنظام وهو ومن شايعه متيقنون أن هذا مجرد رغاوى صابون لن تلبث أن تتلاشى بتحميرة عين غربية عموماً وأمريكية خصوصاً . فلا ذينك أبطال ولا اولئك فوارس .لكنه عري المتغطي بالأمريكان.
هذه المعادلة ، أجبرت الفريقين ومن شايعهما ، بل ومن عارضهما سلباً. أن يستظلوا بالبشير . فهو عند فريق ،الخيار الذي عجزت الحركة الإسلامية أن تأتي ببديل له بعد ثلاثين عاماً . فأظهرت الألقاب الأكاديمية ومن تمرسوا بأعمار أجيال في العمل السياسي منهم ،مدى عجزها والاكتفاء بالهجير الذي يصورونه للناس ظلاً. وأي هجير أحر من اضطرار كبار العلماء للتبرير لبقاءه باستدعاء كل تأهيلهم الفكري والأكاديمي !!؟أما الفريق الآخر فحادي ركبه قد قالها على رؤوس الأشهاد بان البشير جلدهم الذي لن يرضوا بجر الشوك عليه. والناس ينتظرون عودته وهو يحدثهم عن الموازنات الاقليمية والدوليه دون أن يذكر عري الغطاء الأمريكي ،ولا هجير بقاء البشير الذي يكوي أهله وأعضاء حزبه بقية الشعب المغلوب على أمره. وأي هجير أكثر حراً على شعب من أن يستكين لجلاده وقتر عيشه وخراب دياره ؟ لقد وقعنا في دائرة جهنمية أخرى ، وإن كان من أمل بحسب المواقف ، فلمن يدركون ألاعيب أمريكا والمتغطين بها رغم رفع عقيرتهم بحربها.فلا أملك إلا أن أحيي قوى الإجماع ولجان المهنيين. فقط ، لأنهم مبدئياً يرفضون هذا الغطاء ويعولون على جماهير الشعب أياً كانت قدرتهم على تحريكها. وهذا الموقف فقط ، هو الذي يخرج من التغطي بالأمريكان ، أو الاستظلال بهجير البشير.