الإصلاح السياسي

دكتور هاشم بابكر

«إذا استطعت أن أوفر ثلاث وجبات يومياً للفقراء أكون حققت إنجازاً عظيماً» لولا داسيڤا الرئيس البرازيلي السابق!!
لم يحقق لولا داسيڤا ذلك فحسب بل خلق عشرين مليون وظيفة، وهيأ للفقراء سبل الدراسة في الجامعات لأول مرة، وأصبح التعليم إجبارياً حتى سن السابعة عشر!!

معدل التضخم بلغ ثلاثة آلاف في المائة واليوم أصبح في المعدل المقبول، سددت البرازيل كل ديونها الخارجية البالغة مئات المليارات، ولم تكتف بهذا بل أصبحت تقدم القروض للآخرين، وفوق ذلك أصبحت أكبر ممول لصندوق النقد الدولي!!.

من أين لك الموارد التي استطعت بها أن تقدم كل هذا..؟ سؤال وُجه إلى لولا فأجاب ببساطة من الضرائب.. نعم الضرائب.. تصوروا!!
الفقير، الملون، أصحاب الأرض الأصليين نالوا حقوقهم دخلوا الجامعات بمنح تدفعها الدولة، وأصبحت العائلات الفقيرة لها أبناء يدرسون في الجامعات ولأول مرة في تاريخها البائس، أنشأ المعاهد الفنية والتي خصصت لأبناء الفقراء لتحويلهم إلى عمال مهرة وفنيين بعد أن كانوا متسعكين في الشوارع يتعرضون لابتزاز تجار المخدرات والعصابات!!

أنشأ للفقراء بيوتاً لسكناهم ولأول مرة تدخل بيوتهم الثلاجات وأفران البوتاجاز والخلاطات والتلفزيون، قدم كل هذا، وكانت أمنيته أن يقدم للفقراء ثلاث وجبات في اليوم!!

ونهضت البرازيل بعد أن كانت فقيرة تستدين أصبحت هي الدائن ودخلت نادي العشرين الأغنياء في العالم ومن أوسع الأبواب!!
لولا داسيڤا عامل من عائلة فقيرة عانى من الفقر ما عانى عمل في المناجم وعمل كناساً، وعبر الشعب البرازيلي عن امتنانه له بأن خرجت الملايين من الشعب البرازيلي في مظاهرة كانت الأولى من نوعها. الملايين حمل كل واحد منهم مكنسة بيده متكئة على كتفه كما يحمل الجندي البندقية!! كان ذلك مثار اعجاب العالم.. كل العالم!!

الشعب طالب داسيلڤا أن يترشح لدورة ثالثة ولكنه رفض معللاً ذلك بأنه لا يود أن يجعل من ذلك سابقة يخرق بها الدستور الذي نص على تولي الرئيس للرئاسة لدورتين فقط، فإن لم يحترم هو الدستور فمن سيحترمه بعده..؟! «درس مجاني للمكنكشين»!!.
كنس دا داسيلڤا الفساد بمكنسته كنساً وانعكس ذلك على الفقراء حياة كريمة رغدة، عملوا، وتعلموا وصنعوا حتى الطائرات كل هذا مصدره الضرائب، والتي استخدمها دا سيلفا لخدمة شعبه!!

لم تستجد البرازيل الدائنين إعفاء ديونها ولم تطلب جدولتها بل سددتها جميعا وتحولت من مدين إلى دائن، كل هذا تم باستغلال الموارد الذاتية والضرائب على وجه الخصوص!!. ولنتجه شرقاً عبر الأطلسي من ساوباولو إلى الخرطوم في قلب افريقيا والتي تشابه حالها حال ساوبالو وبرازيليا والتي تجبي من الضرائب المرئية والمحسوسة والملموسة وغير المرئية ما يشيب له الولدان، ماذا فعلت الخرطوم بهذه الضرائب هل استفاد منها فقير السودان، كما نعم بها فقير البرازيل وكانت سباً في انتشال فقراء البرازيل والبرازيل ذاتها من غيابة جب الفقر إلى أبراج الغنى؟!

كلا لم يحدث هذا بل أن الفقراء في السودان يزدادون فقراً على فقر، فهم من يدفعون تلك الضرائب، العائلة الفقيرة في البرازيل تنال دعماً من الدولة كل شهر بمعدل مائة وخمسين ريالاً برازيلياً بينما الفقيرة في السودان تطحنها الضرائب وتدمر بيوتها السيول والفيضانات كل عام تحت سمع وبصر الدولة التي أقصى ما تقدمه أن يطوف مسؤول فوق المنازل المدمرة بطائرة ويقدم أقصى أنواع الدعم كلمات مواساة يظنها المسؤول سقفاً ينام تحته المنكوبون!!

قبل أن تصل البرازيل إلى هذا المستوى جرى فيها إصلاح سياسي جذري وهو الذي وضع البرنامج الاقتصادي الذي خلق عشرات الملايين من الوظائف ونهض بالصناعة وارتفع بمستوى المعيشة للفقراء وأدخلهم الجامعات ودفع لهم تكاليف الدراسة وهبط مستوى التضخم الذي وصل إلى ثلاثين ضعفاً إلى رقم أحادي!!
كانت البرازيل إرادة سياسية للإصلاح فترجم اقتصادها تلك الإرادة واليوم تجد البرازيل في وسط أعتى عشرين دولة في العالم!!. واختفت الإرادة السياسية في السودان، فهي «الإرادة» محتكرة إما عسكرياً أو طائفياً وقادتها منذ نصف قرن مضى هم هم لم يتغيروا حتى أصبحوا من مخرفي السياسة والمخرف لا إرادة له وأقلهم عمراً وخبرة في الحكم بلغ عمره وهو على الكرسي خمسة وعشرين عاماً ويسأل هل من مزيد!!

والإرادة السياسية لا تتم بما يعرف بالوثبة، فهل يستطيع من تجاوز الثمانين الوثوب حتى لبضع ملمترات؟!
دا سيلڤا وثب من اليوم الأول لتوليه السلطة ولم ينتظر ربع قرن حتى شقت الفأس الرأس وضعف الطالب والمطلوب!!
والإصلاح السياسي لا يقوم به أولئك الذين خربوا السياسة لربع قرن مضى وفاقد الشيء لا يعطيه، وحتى يتم إصلاح سياسي يجب أن يكون هناك سياسيون جدد شباب ذوي قدرة وإرادة سياسية واقتصادية تمكنهم من إصلاح سياسي صحيح ينمو باقتصاد البلد وبمواردها الذاتية!!

وهذا يمكن أن يتم على مرحلتين، المرحلة الأولى تشكيل حكومة كفاءات تعيد بناء البنيات الأساسية الاقتصادية «السكة حديد» الزراعة «مشروع الجزيرة» الكهرباء وهذه شؤون هندسية لا يقدر عليها السياسيون ودليل على ما أقول إنهم هم من دمرها!!
حكومة الكفاءات «التكنوقراط» تستمر لمدة خمسة أعوام وهي كافية لإعادة البنيات الأساسية إلى ما كانت عليه مورداً مهماً وحقيقياً للاقتصاد السوداني السيادة السياسية لهذه الحكومة تتمثل في مجلس عسكري مدعوم بسياسيين واقتصاديين شباب يفكرون بتفكير العصر، الذي لا ينظر بنظرة الجاهلية، التي ينظر بها قادة الطائفية القديمة والحديثة إلى السودان ويقول لسان حالها «هذا ما وجدنا عليه آباءنا»!!

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. ارى ان تتعاقد حكومة ما بعد الثورة مع شركة ادارة عالمية ، لتقوم بالادارة المالية و الادارية و تعمل على تحقيق الاهداف المبينة بشروط العطاء ، مقابل عمولة متفق عليها. وكفى الله المؤمنين شر ،الخبرات والشهادات المشتراة من كل انحاء العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..