آبي أحمد رئيساً

اثيوبيا أو الوجه المحترق هي موطن مملكة اكسوم القديمة ، بالرجوع للتاريخ الاسلامي نصح الرسول صلي الله عليه و سلم المسلمين الاوائل بالهجرة لبلاد الحبشة هربا من اضطهاد الكفار في مكة في بداية نشر الاسلام حيث ان ملكها النجاشي كان يتصف بالعدل فأحسن استقبال المسلمين و اكرمهم ووفر لهم الحماية ، نذكر أن سيدنا بلال بن رباح أول مؤذن للصلاة في عهد الرسول صلي الله عليه و سلم تنحدر اصوله من الحبشة . لاثيوبيا حدود مع 6 دول ، اثيوبيا تعتبر من ارض الحضارات القديمة في التاريخ الانساني ، لكن الامر الهام و الملفت للنظر هو عدم خضوع اثيوبيا للاستعمار الا في فترة زمنية قصيرة من قبل ايطاليا . بعد الحرب العالمية الثانية و بالتحديد في منتصف الستينات ايام الحرب الباردة اتجه نظام الحكم في اثيوبيا نحو السوفيت معقل الشيوعية ، و ظلت اثيوبيا تنتهج الايدلوجية الشيوعية حتي عام 1991 بتقدم الجبهة الشعبية الثورة الديمقراطية نحو اديس ابابا ، و في تلك الايام كانت بداية تفكك جمهوريات الاتحاد السوفيتي و ظهور سياسة الغلاسنوست و البيريسترويكا ، لذا لم يكن من الممكن عمليا تدخل السوفيت لحماية و انقاذ منغستو اكبر حليف لهم في أفريقيا ، في نهاية الامر مع الانتصارات المتتالية للثوار اضطر منغستو للفرار الي زيمبابوي طالبا اللجؤ السياسي ، و بنهاية تلك المرحلة قفلت اثيوبيا صفحة مريرة من تاريخها السياسي ….
سيطرة الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الاثيوبية علي الحكم و هي عبارة عن ائتلاف لعدة احزاب ، و بعد فترة اندلعت الحرب الاثيوبية الارتيرية الحدودية التي ادت في محصلتها النهائية لانفصال ارتيريا لتكون دولة مستقلة ، نظام الحكم في اثيوبيا جمهورية برلمانية اتحادية حيث يوجد رئيس الوزراء و هو رئيس الحكومة و هو علي قمة السلطة التنفيذية ، ايضا هنالك السلطة التشريعية و السلطة القضائية ، انتهجت سياسة الفيدرالية العرقية و هي تستند لصلاحيات كبيرة للسلطات الاقليمية علي اساس عرقي لذا تم تقسيم اثوبيا الي 9 اقسام ، علي الرغم من الصلاحيات الواضحة للسلطات الدستورية الا ان القوميات كانت تعاني من الاستبداد و القهر حيث يوجد اكثر من 80 مجموعة عرقية قومية ، الارومو و الامهرة تعتبران اكبر قوميتان في البلاد حيث يمثلان ثلثي سكان البلاد ، اثيوبيا ثاني دولة في افريقيا من حيث عدد السكان حيث يقترب العدد من 100 مليون نسمة ، و تعتبر من اكثر البلدان الافريقية من ناحية النمو الاقتصادي لكنها في بعض الاحيان تعاني من مشكلة الجفاف ، و من اكبر الاشكاليات التي تعاني منها الحكومة في اديس ابابا هي انتشار الفقر و الجوع ، تعتمد اثوبيا بصورة اساسية علي الزراعة و تصدير الثروة الحيوانية لما تمتلكه من اعداد ضخمة من الماشية و تصدير بعض المعادن ….
ظهرت قبل فترة اضطرابات في كثير من الاقاليم خصوصا في مناطق الارومو و الامهرة ، حيث يشعران بالاضطهاد و التهميش السياسي و الاقتصادي و التجاهل من قبل الحكومة المركزية خصوصا في الوظائف الحكومية التي استفردت بها قومية التقراي منذ سقوط منغستو ، و هنالك غبن من عدم وجود تنمية او عمران في هذه الاقاليم لذا بدأ الحراك ضد السلطة الحاكمة ، تفاقمت الامور مع ظهور حالات كثيرة من الاعتقالات السياسية و الزج بالمعارضين في السجون و التنكيل بهم ، في خطوة مفاجئة و جرئية تستحق الاشادة و التقدير تقدم رئيس الوزراء ديسالين باستقالته من المنصب و من ثم ترك الباب مفتوحا للائتلاف الحاكم لاختيار رجل جديد للمرحلة القادمة ، صادق مجلس النواب في جلسة استثنائية بالاجماع علي تعيين آبي احمد رئيسا للوزراء خلفا ل ” ديسالين ” الذي استقال من رئاسة الائتلاف الحاكم و الحكومة في 15 فبراير الماضي ، ديسالين في اعتقادي اتخذ القرار الصائب في الزمن المناسب ليفسح المجال أمام اجراء مزيدا من الاصلاحات ، في تقديري أن استقالة ديسالين حظيت باحترام عالمي للرجل الذي ترجل من اجل بلده و حقنا للدماء ، و ابتعادا عن سياسة التنكيل بالمعارضين و الاستبداد ، التضحية بالمنصب شئ رائع لاستكمال نهضة تنموية كبيرة لهذا البلد ، الكل مندهش للتحول الدرامتيكي في عجلة القيادة بصورة سلمية ، اختيار آبي احمد له معني واحد هو تجاوز الاثيوبين محطة الصراع الديني ، الايدلوجي ،الاثني و العرقي الذي كان سببا في اعاقة التنمية و التطور ردحا من الزمن و الانتقال لمحطة تحقيق النمو و التطور و الازدهار الاقتصادي لخير بلدهم و ترسيخ دائم حكم ديمقراطي ينعم فيه الجميع بالمساواة ….
آبي احمد المولود لأب مسلم و أم مسيحية ينحدر من قبيلة الارومو ، تاريخ ميلاده 1976 انخرط في شبابه في العمل في العسكرية و تدرج في الرتب حتي وصل لرتبة عقيد و تقاعد بعد ذلك ، اثبت كفاءة عالية في المجال العسكري بصورة عامة و الاستخباري و المعلومات بصورة خاصة و هذه جانب مهم حيث تمكن من الاستفادة من خبرات القادة الذين عمل معهم ايام فترة النضال و اطلع علي خفايا كثيرة و معلومات كثيرة ، يمكن انها كانت سببا في تفوقه علي جميع اقرانه في فترة ما ، برز تفوقه في تحليل المعلومات لاتخاذ القرار الصحيح ، و هنا اكتسب خبرة كبيرة ، لطموحه الكبير اتجه لتأهيل نفسه اكاديميا فنال البكالوريوس في هندسة الكمبيوتر في اثيوبيا و من ثم واصل مسيرته التعليمية فنال ماجستير في ادارة التغيير و ماجستير في ادارة الاعمال حيث اتجه للدراسة في بريطانيا و الولايات المتحدة للدراسات العليا مما زاد من محصلته الثقافية بالاطلاع علي ثقافات اخري من خارج القارة ، اشترك في قوات حفظ السلام في رواندا و شاهد بنفسه فظاعة تآثير الابادة الجماعية ، وروندا تظل من المحطات الرئيسية في تكوين شخصيته ، و من ثم تبلورت عقليته القيادية ورجع لبلاده لينال الدكتوراة في ادارة حل النزاعات الاقليمية و عنوان البحث ” رأس المال الاجتماعي و دوره في حل النزاعات التقليدية في اثيوبيا ” حيث أن آبي احمد ظل مهتم بالصراعات الدينية في منطقة جيما بين المسلمين و المسيحين لذا كان له دور محوري بالتعاون مع العديد من المؤسسات الدينية و رجال الدين في اخماد الفتنة في تلك المنطقة و شهدت المنطقة مصالحة تاريخية بين الجميع و هذا الامر هو ما شجعه لرسالة الدكتوراة حيث مثلت حالة الصراع بين الاديان انطلاق لهذا الرجل ….
آبي احمد سياسي طموح و رجل دولة نشط ، ظهر نجمه في الصراعات الدينية حيث كان له القدح الاكبر في حلها بالتوسط بين الفرقاء ، وهنا يجب الاشادة بنظرته الثاقبة للامور و حاول الاضطلاع بادوار استباقية لاحتواء الصراع و نجح بالتعاون مع الزعامات المحلية في تحقيق التصالح بين المسلمين و المسيحين و اسس منبر ” المنتدي الديني للسلام ” و يهدف لايجاد تعايش مستديم في الاقليم ، و النقلة الهامة في حياته هي تعينه وزيرا للعلوم و التكنولوجيا و قبله قام بانشاء ” مركز معلومات العلوم و التكنولوجيا ” و هذا المركز يعني بالتفوق العملي و التكنولوجي و الابتكار ، و نلمح في هذا الامرعبقرية ابي احمد في نشر المعرفة و التعليم لانه طريق النهضة و التقدم للبلاد ، و هو رجل محبوب و يقوم بالعديد من الاعمال في خدمة منطقته و تشغيل الشباب و الاعتناء بالنازحين ، له دور مؤثر في الحفاظ علي العلاقة بين اكبر قوميتين في البلاد الارومو و الامهرة ….
الاثنين الماضي في اديس ابابا و التي تعني الزهرة الجميلة الجديدة وفي جلسة استثنائية للبرلمان أدي آبي احمد اليمين الدستورية ، و القي كلمة بهذه المناسبة كانت كلمة قوية و مؤثرة لكن الملفت انها عبرت عن استراتيجيته للمرحلة المقبلة ، مع ملاحظة تركيزه علي ثلاثة نقاط مهمة و هي :
اولا : تحدث عن سد النهضة ووصفه بأنه ” الموحد للشعوب الاثيوبية ” و هنا يقال انه يبعث برسالة ذكية لكل العالم بصورة عامة و دول الجوار بصورة خاصة ، هذه الروح القيادية في شخصيته لحث و تحفيز الشعوب الاثيوبية في التوحد و الاستفادة من الروح الوحدوية التي شكلها المشروع في بناء النمو الاقتصادي للبلاد ، هذا المشروع العملاق سيزيد الرقعة الزراعية لتوفير غلات زراعية للاكتفاء الذاتي و التصدير ، بجانب توليد الطاقة الكهربائية لسد النقص في هذا المجال .
ثانيا : ذكر انه يسعي لبناء علاقات دبلوماسية مع ارتيريا و استعداده للجلوس مع الحكومة الارتيرية لانهاء الخلاف عبر الحوار ، من الامور الهامة هي الخلافات الحدوية بين الجارتين اثيوبيا و ارتيريا و تصاعدت الخلافات في الفترة الأخيرة و جعل الامر توترا في العلاقات وصلت لمراحل حساسة تكاد تصل لقطع العلاقات و اعلان الحرب ، آبي أحمد يدرك اهمية الاستقرار في المنطقة خصوصا في ظل تداخل قبلي بينهما هذه ناحية ، الناحية الاخري هي اطلالة ارتيريا علي البحر الاحمر و هذه الامر يمكن ان يكون مصدر للتعاون في المجال التجاري الاقتصادي ، علي الرغم من أن اثيوبيا تستخدم ميناء جيبوتي لكنها تحاول الاستفادة من افضلية الميناء الارتيري ، و آبي احمد قد استفاد من فترة عمله في الحدود الارتيرية الاثيوبية في معرفة العمق الارتيري كثيرا ، اذا نظرنا للامر من ناحية القدرات العسكرية و الامكانيات و عدد السكان و المساحة الجغرافية نجد ان التفوق بلا شك سيكون للاثيوبين علي حساب الارتريين لكن حنكة الرجل و بعد نظره يستبعد خيار الحرب و القوة و يلجأ لوسائل دبلوماسية لحل الازمة التي بدأت تلوح ، فالرجل بما لديه من خبرات يدرك حالة الاستقطاب الذي يمكن ان تقع فيه الجارة ارتيريا مما يصعب الامر في حالة نشوب صراع مسلح ، هذا من جانب الجانب الاخر و هو المهم التهدئة و العلاقة الطيبة مع الجيران سوف تترك الرجل يتفرغ لاصلاح البيت الاثيوبي من الداخل ، فالطريق أمامه ليس معبدا بل عليه معالجة كثير من الامور و الاخفاقات المتراكمة علي مدي عقود من الزمن للوصول لبر الامان ، فالمهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة للوصول للأهداف و الغايات للنهوض بصورة قوية تمكنهم من الجلوس في المقدمة لاستلام دفة القيادة في القارة السمراء ، و من ثم جلب المستثمرين لوجود حالة استقرار امني و سياسي و هذا ما اعتقد سوف يكون ثقل تفكيره فيه لحاجة بلاده للنهوض اقتصاديا بمواصة التنمية المنشودة .
ثالثا : تعهده باتاحة الحريات السياسية ، محاربة الفساد و تطوير الاقتصاد و مواصلة النمو ، و هنا يظهر اتجاهه في الفترة المقبلة لبناء دولة تستوعب التنوع الذي تزخر به البلاد ، و يجعل منه ثروة حقيقية ، فاقامة العدل و المساواة سوف تكون اساس لحل المشاكل التي تواجه اثيوبيا ، فتحقيق الديمقراطية في اي بلد يحتاج لحاكم يستمع لمشاكل و هموم الناس ، و هذه يمكن ان تكون مفتاح نجاح لآبي احمد ان سار بنفس اندفاعه و طموحه قبل ان يؤدي اليمين للمنصب الجديد ، يمكن القول ان الصراع في اثيويبا ليس فقط مطلبيا كما يظهر في السطح لكن اذا نظرنا للعمق نجده صراعا عرقيا ، الشئ المعروف عن آبي احمد هو تشجيع للشباب في الانخراط في العمل العام لتنمية البلاد و الاسهام بخبراتهم في بناء دولة ديمقراطية ، وهنا سوف يكون قد استفاد من طاقات هؤلاء الشباب في الانطلاق لافاق العالمية ، و الجدير بالذكر لابد من الاشادة باللفتة البارعة منه في تثمين دور سلفه ديسالين في ادراة الحكم في الفترة الماضية و قال ” أن الانتقال السلمي الذي تشهده البلاد يعد سابقة تاريخية ، و سيفتح صفحة جديدة في السياسة الاثيوبية ” ….
لعل اهمية الاستحقاق الاثيوبي الحالي تتمثل في طابعه السلمي و الديمقراطي ، و هذا درس بليغ في التداول لنظام الحكم و هذه مفخرة للشعب الاثيوبي في انه نجح في ادارة ازمته داخل البيت الواحد و لم تأتيه الحلول من الخارج ، و هذا ان دل انما يدل علي الوعي الحقيقي للشعوب بمعرفة مصالحها و البعد عن الانانية بتقديم شاب علي اناس يكبرونه خبرة و تجربة ، لكن المحك الحقيقي كان في الفكر الثاقب و الرؤية العميقة في تفهم مشاكل بلاده و ابتكار الحلول المناسبة لها فهو كجراح يمسك المبضع ليزيل الالم من مريضه ، الانتخاب بالاقتراع السري قمة الديمقراطية و الشفافية ، حظي اختيار آبي احمد بدعم ملحوظ من ديسالين المستقيل و هذا كان امر طيب لانه فيه دعم من القيادة السابقة و دعوة كافة اطياف الشعب الاثيوبي في مؤازرة الاصلاحات التي يتبناها الائتلاف الحاكم ، يمكن الدعم الذي وجده ابي احمد من قومية التقراي سوف يكون مصدر قوة له في الفترة المقبلة ، من الاهمية بمكان التمعن في صفات الرجل بتمتعه بصفات القيادة الملهمة التي تمتلك الحضور السياسي و سحر البيان و قوة الشخصية ، هذا الرجل استحق هذا المنصب نسبة لتضحياته في العمل العام و خبراته التراكمية معززا مؤهلاته بالتاهيل الاكاديمي ، بهذا الموقف تعززت آليات التناوب السلمي علي السلطة ، لذا لابد من الاعجاب بهذا التحول و التضحية الكبيرة لا سيما في ظل الاهتمام الاقليمي و الدولي بالتحولات الجارية في اثيوبيا …
فهل سيعني موافقة البرلمان علي اختيار ابي احمد وصول أول رئيس وزراء من قومية الارومو نهاية عصر سيطرة التقراي فحسب ، أم يعني ابعد من ذلك و هو وصول اثوبيا الي مرحلة تحكم المؤسسات الدستورية و البرامج السياسية بدل صراع الاعراق و الاثنيات ؟ هذا ما ستكشف عنه مقبل الايام ….
[email][email protected][/email]
هل يتعلم هؤلاء من أثيوبيا ؟؟؟ أم أن السودانيين الذين ضاق بهم العيش والكبت السياسي سوف يشدون الرحال الى أثيوبيا افرادا وجماعات للعمل هناك
وهذه الهجرة العكسية متوقعة قريبا جدا طالما استمر حال الحكم والدولة بهذا النمط
هل يتعلم هؤلاء من أثيوبيا ؟؟؟ أم أن السودانيين الذين ضاق بهم العيش والكبت السياسي سوف يشدون الرحال الى أثيوبيا افرادا وجماعات للعمل هناك
وهذه الهجرة العكسية متوقعة قريبا جدا طالما استمر حال الحكم والدولة بهذا النمط