مقالات سياسية

السياسة المصرفية.. قديمة لنج..!!

@ إذا جاز لنا ترتيب الازمات الراهنة فى السودان تأتي الازمة السياسية فى المرتبة الأولى و من خلالها تتضاعف بقية الازمات خاصة ما نواجهه اليوم من أزمة إقتصادية طاحنة تعقدت بسبب الاوضاع السياسات التى تنتهجها الحكومة فى كل مرة . من الناحية الاقتصادية و بإتفاق كل المتخصصين و المهتمين بالشأن الاقتصادى فإن الحكومة و فى كل مرة تكرر ذات الخطأ بأن توكل امر وزارة المالية و الاقتصاد لذوى الخبرة و التخصص المحاسبى ظننا بأن المعنيين بأمر النقد هم الاكثر كفاءة و اقتدار على إدارة اقتصاد البلد رغم أنهم وبالتجارب المريرة أكدوا على فشلهم واخفاقهم بادخالهم اقتصاد البلد فى العديد من الازمات و اقرب مثال على ذلك ما حدث لاقتصاد السودان فى ظل عدد من وزراء مالية الانقاذ الذين جاءوا من خلفيات خبرة مصرفية بحتة (بدر الدين محمود و على محمود عبدالرسول) مقارنة بالاقتصادى عبدالوهاب عثمان الذى شهد عصره اكثر فترة استقرار و ازدهار للوضع الاقتصادى.

@ ادارة الاقتصاد السودانى أصبح متأثرا بالعقلية المصرفية و كأن كل مافى الامر إدارة مالية و ما نشهده الآن دليل واضح على تراجع عقلية صناعة المال على حساب إدارته ليجد الاقتصاد الوطنى نفسه أمام جملة من السياسات المالية و النقدية المتقلبة التى لم تلامس عصب القضايا الاقتصادية وافرزت العديد من المشاكل العويصة المتمثلة فى اهتزاز الثقة فى الجهاز المصرفى و ندرة السيولة و ارتفاع معدلات التضخم و ضخ مزيد من الكتلة النقدية فى التداول كل ما حدثت ندرة فى السيولة . كل ما يواجهه المواطن السودانى من ازمات دفعت به الى التظاهر و الاحتجاجات، خلافا للاوضاع السياسية إلا أن الواقع الاقتصادى الذى تسببت فيه الحكومة، أنها لجأت الى المعالجات النقدية (المالية) فى غياب تام عن الخطط الاقتصادية الإنتاجية التى تفرض واقعا جديدا ينعكس على السياسات النقدية و المالية للدولة و لعل هذا ما انعكس فى السياسات المصرفية التى اعلنها محافظ البنك المركزي قبل يوم أمس الاول .

@ رغم أن حديث محافظ المركزى محمد خير الزبير لا يخل من الكلام الانشائى البحت المعطون فى مصطلحات اقتصادية ومصرفية لم يقدم تحليلا منطقيا تدعمه حلول واقعية تجيب على السؤال (كيف) .لم يفسر ظاهرة الطلب المتوازى على الدولار و على الجنيه السودانى دون ان يحدث انخفاض سعر احدهما. محور السياسات المصرفية للبنك المركزى للعام ۲۰۱۹ تدور حول القضية الاساسية التى تواجه الإقتصاد الوطنى وهى كبح جماح التضخم و استقرار سعر الصرف و تعزيز ثقة المواطنين فى القطاع المصرفى و تعزيز موارد النقد الاجنبى لتحقيق الاستقرار.

هذه القضايا الجوهرية للاقتصاد الوطنى لا يمكن معالجتها بمصفوفة قوانين و اجراءات و سياسات مصرفية بمعزل عن إدارة الاقتصاد الوطنى وسياسات الدولة الكلية فى الاهتمام بالقطاع الانتاجى و التركيز على الانتاجية و الاولوية للانتاج الزراعى الذى اصبح القطاع الانتاجى الوحيد الذى يعول عليه بعد تراجع و انهيار القطاع الصناعى ، فى ذات الوقت يتوجب على الدولة تحمل المسئولية كاملة فى محاربة الصرف الغير منتج خاصة على القطاع السيادى المترهل بالاضافة الى تنامى ظاهرة الفساد الذى شكل الخطر الاول المسبب فى انهيار الدولة و النظام. لا يمكن للحكومة أن تتهرب من ادارة الدولة وفقا للخطة العامة التى تتكامل فيها الموازنات المالية و الاقتصادية.

@ لم يفصح محافظ البنك المركزى عن الطرق و الوسائل التى بموجبها سيقوم بالتغلب على المشاكل الراهنة و المتعلقة باستعادة ثقة الجمهور بالقطاع المصرفى الذى تنكر لحقوق المودعين و إن استعادة الثقة لن تكن بالامر الساهل لأن القضية أصبحت مجرد (كمين) لخدعة كبرى قادمة و (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) و حتى مبادرة ايداع اصبحت فى نظر الكثيرين مجرد (خدعة جديدة). فى الوقت الذى يدعى فيه محافظ البنك المركزى محاربة التضخم يقوم فى ذات الوقت بتشجيعه بطباعة عملة جديدة من ۲۰۰ و ٥۰۰ جنيه (زيادة الكتلة النقدية بمعدل ، فئات ۱۰۰ أكثر سرعة من زيادة الانتاج) و هذا مؤشر جديد بأننا نسير على نهج التجربة الزمبابوية حيث بلغت العملة هنالك فئة المليار دولار زمبابوي و ثمن البيضة الواحدة ٥۰ مليار دولار زمبابوى . الان تشهد الاسواق انعدام تام للسلع المستوردة حتى الضرورية لدرجة أن الاسواق و الصيدليات اصبحت خالية تماما من (طعانات) حقن الانسولين الضرورية لمرضى السكر خلافا لبقية الادوية والضروريات الاخرى .استقرار الطلب على النقد الاجنبى بسبب توقف الاستيراد لقرابة الثلاثة أشهر و يظهر بوضوح من خلال ارفف البضائع فى المتاجر الكبرى و المولات . بمجرد الدخول فى التزامات الاستيراد سيقفز سعر الدولار فى السوق و سيقترب من حاجز المئة جنيه الفئة الجديدة خلال ايام . السياسة المصرفية التى اعلنها البنك المركزى تكشف أن ما يظهر الآن من الازمة الاقتصادية ما هى إلا جزء بسيط من رأس جبل الجليد والغريق لى قدام.

الجريدة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..