مقالات وآراء

الى جنات الخلد الأستاذة اسيا عبد الماجد (ام إيهاب) رائدة المسرح السوداني

أمير شاهين

 

اسيا عبد الماجد (ام إيهاب) رائدة المسرح السوداني وأول ممثلة سودانية تصعد خشبة المسرح .

هكذا هي الحروب والاقتتال والنزاعات العسكرية في بلادنا تأتى على الأخضر واليابس وتحصد أرواح أناس أبرياء لا ناقة لهم فيها ولا جمل ولاذنب لهم سوى انهم عاشوا في بلد منكوب بالقائمين على امره ، فبالأمس  الاربعاء 3 مايو استشهدت واحدة من بنات الوطن المجيدات المبدعات وهي الأستاذة اسيا عبد الماجد (ام إيهاب) إثر سقوط قذيفة عليها نتيجة للقتال المجنون الدائر في بلادنا منذ حوالي ال 3 أسابيع وفى حينها ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بالخبر والذي جاء فيه:

” إنّا لله وإنّا إليه راجعون

وفاة الاستاذة اسيا عبدالماجد زوجة الاستاذ الشاعر الراحل محمد مفتاح الفيتوري بعد استهداف مبني مؤسستها ((ام إيهاب للتربية والتنشئة الاجتماعية)) بالخرطوم بحري بقذيفة.

ولم تتمكن اسرتها من سحب جثمانها ودفنه في المقبرة داخل حوش المؤسسة.

حسبنا الله ونعم الوكيل “انتهى”

وما لفت نظري بان وسائل الاعلام تناقلت الخبر واشارت الى الفقيدة فقط بصفة “زوجة” الشاعر العملاق محمد مفتاح الفيتوري شاعر افريقيا وسلطان العاشقين كما كان يطلق عليه وبسبب قصيدته التي تفوق بها على الجميع والتي يقول فيها :

في حضرة من أهوى .. عبثت بي الأشواق

 حدّقتُ بلا وجه .. ورقصت بلا ساق

 وزاحمت براياتي وطبولي الآفاق

عشقي يُفني عشقي وفناي استغراق

مملوكك .. لكني … سلطان العشاق

وكانت الأستاذة اسيا أيضا من اشد المعجبين بشعر زوجها وفى مقابلة معها قالت “محمد الفيتوري في نظري هو أفضل شاعر عربي وافريقي في القرن العشرين دون مجاملة لأنه ربط بين الحضارة العربية والافريقية وترجمت معظم دواوينه الشعرية الى كل اللغات. “

 وبرغم الشهرة الكبيرة والمجد الذى كان يتمتع به ولايزال الفيتورى , فانه لم يكن من المناسب الإشارة اليها فقط بصفة “زوجة رجل عظيم” اذ انها نفسها لم تكن خاملة الذكر او شخصية عادية يمكن المرور بها مرور الكرام بل كانت امرأة سودانية وافرة العطاء كثيرة الابداع خدمت بلادها وشعبها وتقاسمت معه حلو الحياة ومرها وما استشهادها بقذيفة وهى في دار عملها في بحرى سوى دليل واضح على ذلك .

 ولدت الأستاذة اسيا عبدالماجد عام 1943م بحي العمدة أم درمان وهى تنتمى لاسرة الكتيابى العريقة المشهورة بانجاب الادباء والشعراء وعلى راسهم شاعر الجمال والروح والوجدان التيجاني يوسف بشير امير شعراء السودان وصاحب قصيدتى “محراب النيل” و “انشودة الجن” ومنهم أيضا الشاعر عبد القادر الكتيابي .  تلقت دراستها الأولية بمدرسة عبد المنعم الأولية بالخرطوم (3) جوار نادي الأسرة . ومنذ طفولتها الباكرة ظهرت وتفتحت مواهبها في مجال التمثيل حيث كانت تشارك بانتظام وشغف في المسرحيات المدرسية وفى عام 1959م التحقت بكلية المعلمات بأم درمان وعملت بعد تخرجها بنفس الكلية في مجال التدريس وفي العام  1968م  سافرت الى القاهرة لدراسة التمثيل في اكاديمية الفنون المسرحية  على حسابها الخاص ويذكر بان دفعتها كانت تشمل العديد من عمالقة التمثيل في مصر مثل عفاف شعيب واحمد زكى واحمد ماهر , والمثير للأعجاب انها تحصلت على المركز الأول عند تخرجها في 1972م العام   متفوقة على جميع أبناء دفعتها , وكان بإمكانها العمل في مصر ولكنها اثرت العودة الى السودان والعمل على النهوض بفن التمثيل والمسرح وكانت تؤمن بان هذه هي الرسالة التي يجب ان تقوم بها تجاه وطنها وفى السودان واصلت دراستها فنالت الماجستير من معهد الخرطوم الدولي لتعليم العربية والدراسات الإضافية وعملت كموظفة في وزارة الثقافة والاعلام وفصلت لأسباب سياسية لمواقف زوجها الشاعر الراحل محمد الفيتوري السياسية من النظام المايوي وعملت لفترة وجيزة بمركز ثقافة الطفل وبعد مجئ نظام الانقاذ تم فصلها وتشريدها  من المركز بحجة انها فائض عمالة مثلها ومثل الاف  السودانيين الذين بطش بهم وشردهم نظام الكيزان عديم الرحمة والإنسانية والمروءة والشهامة !! . وتجدون ادناه ملخص لبعض اعمالها وإنجازاتها :

·         انطلق نشاط وعطاء الأستاذة اسيا منذ بدء عمل التلفزيون القومي في العام حيث 1963م كانت تشارك في مسرح المجتمع الذي كان يقدمه حلمي ابراهيم .

·         وفى الإذاعة كان لديها الكثير من المشاركات في عدد من المسلسلات نذكر منها فاطمة السمحة والبيت المسكون .

·         عام 1965م كانت اسيا عبد الماجد اول ممثلة سودانية تصعد على خشبة المسرح القومى في احتفال بمرور عام على ثورة أكتوبر ، حيث قدمت مسرحية (بامسيكا) ، وهى كذلك أول مسرحية تعرض على خشبة المسرح القومي الجديد بأم درمان ، وكانت البطولة النسائية فيها لآسيا عبد الماجد ، وفى تلك الفترة احتفت بها وسائل الاعلام وجميع النقاد والمهتمين بالثقافة واعجابا بها اطلقوا عليها لقب  “ممثلة السودان الأولى”

·         في العام 1967م تم تقديم المسرحية الشهيرة (المك نمر) من تأليف إبراهيم العبادي ومن اخراج الفكي عبدالرحمن ومن بطولة أسيا عبد الماجد وميرغني الخليفة ونفيسة محمد محمود وعبدالوهاب الجعفري ومحمد خيري ومكي سنادة والامين جماع ومحمد خلف الله وهاشم صديق وآمنة الحاج والسر قدور وابراهيم حجازي وقد حققت تلك المسرحية نجاحا منقطع النظير .

·          بعد نجاح مسرحية (المك نمر) تم تقديم مسرحية (سنار المحروسة) تأليف واخراج الطاهر شبيكة ومن بطولة آسيا عبد الماجد وعوض صديق وابراهيم حجازي ومكي سنادة ومحمد رضا حسين واخرين .

·          تم تقديم مسرحية ابليس بعد مسرحية (سنار المحروسة) من تأليف خالد ابو الروس ومن اخراج أحمد عثمان عيسى ومن بطولة آسيا عبد الماجد وابو العباس محمد طاهر وابراهيم حجازي واسماعيل خورشيد والخير صالح واخرين ومسرحية

·         مسرحية (أكل عيش) تأليف واخراج الفاضل سعيد ومن بطولة الفاضل سعيد وابراهيم حجازي وعثمان المصري ويس .

·         في العام 1969م  قامت آسيا عبد الماجد ببطولة مسرحية خراب سوبا من تأليف خالد ابو الروس ومن اخراج أحمد عثمان ويتجلى الابداع في هذه المسرحية من ان الأستاذ خالد أبو الروس قد قام باستلهام قصة خراب مدينة سوبا وهى اخر مملكة نوبية مسيحية في السودان  في العام 1504م على يد تحالف الفونج والعبدلاب  وهنالك افتراض بان المدينة قد تم اضعافها وتسهيل زوالها بسبب مكايد امراة من سكان المدينة ككانت تدعى (عجوبة)   وادى هذا الدور ببراعة الأستاذ خالد ابوالروس  وبسبب رغتها في الانتقام  من الملك ووزرائه بسبب قتلهم لزوجها فانها قامت بزرع الفتن والمكائد بين ا الوزراء الذين كانوا يرغبون في الزواج من ابنتها الجميلة جدا (طيبة) والتي أدت دورها اسيا عبدالماجد فكانت تخبر الخطاب من الوزراء وعليه القوم بانها لامانع لديها من تزويجهم ابنها ولكن بشرط التخلص من بعض الذين طلبوا يد ابنتها قبله وهكذا اشتعلت  الحرب واندلع  القتال الذى أدى الى اضعاف الدولة ووقوعها لقمة سائغة فيما بعد للفونج في النهاية .

·         تعتبر آسيا عبد الماجد من المؤسسين الأوائل لأول فرقة للفنون الشعبية في السودان عام 1965م .

·         ولم يقتصر عطاء الأستاذة اسيا عبدالماجد على التمثيل والمسرح والدراما وانما امتد الى التعليم قبل المدرسى حيث تعتبر الأستاذة اسيا من رائدات التعليم قبل المدرسي حيث افتتحت أول روضة نموذجية (روضة أم ايهاب) في العام 1967م بحي الاملاك ببحري وكانت هذه الروضة الأولى في بحري وانتقلت الروضة إلى حي الشعبية جنوب مقرها الحالي في العام 1987م بجوار دار المكفوفين بالمؤسسة بحري.

ونسبة لابتعاد الأستاذة اسيا عن الأضواء والانزواء بعيدا فهنالك القليل جدا عن الكتابات واللقاءات معها ، ولكنى اشير هنا للقليل من تلك اللقاءات ولعل أفضلها ما كتبه الأخ الأستاذ والموثق البارع عماد احمد في لقاء معها في العام 2015م والذي اقتبسنا منه بعض المعلومات فله جزيل الشكر والتقدير كما ان للأستاذ الجليل حيدر محمد على كتابة عن هذا الموضوع .

اللهم اجعل جنة الخلد مثواها وانزل على روحها الأمان والسكينة ، اللهم لا تطفىء نور قبرها واجعل الجنة أجمل مسكن لها اللهم ارحمها برحمتك واغفر لها ، اللهم أعف عنها وأبدلها خيرا مما تركت وراءها يارب العالمين .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..