هل بمقدور الدكتور الترابي الإنتصار للتغيير والتحول الديمقراطي؟..!!

في أواخر أيام الديمقراطية الثانية وتمهيدا لإنقلاب 30يونيو1989م قال الدكتورحسن الترابي في ندوة عامة بالميدان الشرقي لجامعة السودان للعلوم (صدقوني إن كانت هذه الحكومة جادة لجندنا نصف مليون من شباب الحركة الإسلامية ليقاتلوا معها التمرد في الجنوب) يقصد حكومة الصادق المهدي والشئ الذي كان يلمح له الدكتور الترابي هو أن الديمقراطية سقطت يوم عجز أهل الحكم علي إيقاف زحف التمرد بل فشلوا حتي في أن يجدوا تشكيلة ثابته لحكومة قوية من الحزبين المؤتلفين آنذاك تعبر بالناس من الفوضي للإستقرار السياسي والأمني, فكان يريد الدكتورالترابي أن يتجاوزها الناس ولا يزرفون قطرة دمع على ذهابها, ولكن الذي كان يجهله الشيخ الترابي رغم علمه ومعرفته بأسرار وخفايا ما يدور في بواطن الإمور أن الإستئساد علي المدنيين بالعسكر له مخاطره التي من العسير عليه من بعد إحتواء آثارها أو تحجيم أدوارها في ترهل الدولة وكساد دورتها مما يعجل بفض السامر عنها ثم إسقاطها وقديما قال أحمد أبو الطيب المتنبئ
ومن يجعل الضرغام بـازاً لصيـده تصيــده الضرغـــام فيما تصيــدا
واليوم إشتدت الفتن علي الناس كقطع الليل المظلم وأصبح نهارها كليلها ودارت عليهم دورة الأيام ببؤسها وعنتها ومشقتها وقد فقدوا الأمن الذي يأملون أن يأتيهم علي حوافر خيل الإسلاميين كما فقدوا القوت الذي يقتاتون وقبل ذلك كله فقدوا السلام الإجتماعي الذي كانوا يتنعمون به بل فقدوا الأمل في بكرة ان ينصلح الحال فقد كثرت عليهم أكاذيب الحكام وإهاناتهم ولم تعد لديهم بقية من صبر علي إحتمال ما آل إليه الحال, فهل ياتري بمقدور الدكتور الترابي الثورة لصالحهم؟ أو حتي إخراج500شخص للشارع تنادي بإسقاط النظام؟ فقد أتي بالنظام الحالي لإنقاذهم وإخراجهم من ضيق الدنيا لسعة الدنيا والآخرة ومن ظلم الطائفية لعدل وسماحة الإسلام الذي يقوم علي أمره الدكتور الترابي..!!!
ثم إن مشروع الدكتور الترابي علي إقامة دولة العدل والحرية الراشدة في السودان قد سقط مثلما أسقطت عصابته حكومة الديمقراطية المنتخبة ولم يعد في مقدوره ولا في مقدور حزبه الجريح فعل شئ لصالح أمن وإستقرار البلاد رغم بريقه وإن صدق لأن من يضع يده في يد العسكر من جديد لم يتعظ من تجربته ولا تجربة من من حولنا من شعوب المنطقة الذين تحولت بلادهم لفئآت وطوائف وأحزاب يقاتل بعضها البعض.
غير أن هنالك فرصة أمام النظام الحاكم للخروج من عنق الزجاجة و هي أن يتجاوز أوهام حزبه في الإصلاح ويقدم علي إرجاع الحكم للشعب ليقرر مصيره بيده وهذا لن يتأتي إلا بجرأة كبيرة وشجاعة فائقة ينبغي أن يتحلي بها صانعي القرار ولن يفعلوا ذلك أو يقدموا عليه إلا إذا وزنوا الإمور ميزان العقل السليم والإرادة الحقيقية في التغيير لا بميزان المصلحة الذاتية العاجلة وشخصنة القرارات الوطنية التي ينبغي أن تقودنا لبر الأمان وذلك بالأتي:
أولا : إيقاف مهزلة أن يتنافس المؤتمر الوطني مع نفسه وحلفائه في عملية إنتخابية مرفوضة شعبيا وغير مرحب بها دوليا لان القوي الوطنية الغير متحالفة معه والمطالبة برحيله قد أعلنت مقاطعتها للعملية الإنتخابية لان النظام لم يستجب لمطلوبات التحول الديمقراطي في إطلاق الحريات وإيقاف الحرب وتشكيل حكومة إنتقالية .
ثانيا : تشكيل برلمان تأسيسي إنتقالي تشارك فيه كل القوى الوطنية بمن فيهم حملة السلاح يضع دستورا للبلاد يقر الحريات العامة وشكل الحكم وكيفية الوصول إليه؟.
ثالثا : تشكيل حكومة إنتقالية لفترة عامين أو ثلاث تكون مهمتها الإستفتاء علي الدستور وإجراء إنتخابات عامة رئأسية وبرلمانية تتشكل عقبها الحكومة المنتخبة والتي من أول مهامها الإصلاح السياسي والإقتصادي و إعادة الثقة في مؤسسات الدولة ومكافحة الفساد والمحسوبية.
رابعا: إن صدقت عزيمة النظام كما أكد ذلك الرئيس مرارا و تكرارا في مناسبات عديدة بأن الحوار ليس تكتيكا وإنما نابع من إرادة حقيقية ورغبة أكيدة في التحول الديمقراطي فإن الفرصة مواتية أمامه ليبرهن بيانا عمليا علي ذلك بالشروع فورا في تأجيل الإنتخابات وإطلاق سراح السجناء السياسيين والتعجيل بعملية الحوار وإيقاف الإجراءآت التي أتخذت ضد حزب الأمة القومي والذي كان يمثل حزب الأغلبية في آخر إنتخابات ديمقراطية.
لا أعتقد ان سادة المؤتمر الوطني يقبلون بذلك فهؤلاء قد أعمت السلطة بصائرهم وأضعف الربا إرادتهم وقد أصابهم الوهن فأصبحوا كريشة في مهب الريح تقلبهم سفن المصلحة أينما هبت ريحها وقد ظهر هذا جليا في تضارب التصريحات السياسية لمنسوبيهم وتقلب المواقف فتارة هم مع الإصلاح وتارة ضده وتارة هم مع التغيير وتارة ضده وتارة هم مع الحريات وتارة ضدها وتارة هم مع إيقاف الحرب وتارة أخري هم من يدعون إليها ويعبئون الناس لها ويجيشون الجيوش لخدمتها.
لقد عاني أهل السودان عبر التاريخ من عدة مصائب ونكبات وكوارث طبيعية وإنقلابات عسكرية وحروب أهلية دامية وقد تمكن الشعب بفضل ثوراته المجيدة في إكتوبر وأبريل من التخلص من الكثير من هذه المآسي و تحقيق عدة مكاسب على صعيد الحريات وفي مجال حقوق الإنسان وما زلنا نحارب في الفقر والجوع وإن لم نغضي علي آفة الطغيان في الحكم فإننا سنظل في مؤخرة شعوب المنطقة هذا إن لم تفنينا مشاريع التقسيم الجهنمية المرسومة في خيال الغرب والموضوعة خرطها في أدرجة أعداء السودان.
أحمد بطران عبد القادر
[email][email protected][/email]