أخبار السودان

ألغاز سودانية

عادل إبراهيم حمد

قد يكون غياب التفكير الكلي الذي يأخذ الأمر كمنظومة متكاملة هو المفسر للظاهرة التي أعرض لها في الأسطر التالية؛ حيث يركز أصحاب هذا النهج الجزئي على جزئية تحقق ما يروق لهم متحاشين الاستحقاق المقابل الذي لا تكتمل المنظومة إلا به.
شاعت العبارة (لا يهمنا من يحكم السودان، بل كيف يحكم) حتى صارت (أيقونة) دالة على عمق التفكير. ولا يخفى أن كيفية الحكم التي يعنيها أصحاب العبارة هي الديمقراطية. ولا يهم بعد ذلك من يحكم ما دام قد وصل للحكم عبر هذه الكيفية.. الاتفاق على الديمقراطية يرشح الصادق المهدي ليكون أحد الرموز الديمقراطية في السودان إن لم يكن الأبرز. فالرجل وصل للحكم مرتين عبر صناديق الاقتراع في انتخابات حرة نزيهة، إلا أن العجيب هو تدني قدر الصادق المهدي عند جماعة (لا يهمنا من بل كيف) باعتباره قياديا طائفياً فاشلاً. بجانب تهمة مكرورة بأنه قد تسبب في إضاعة الديمقراطية.. هذه الحالة تكشف بوضوح أن أصحاب العبارة الأيقونة لا يحتملون استحقاقات الكيفية المدعاة. فيرفضون من طرف خفي الإرادة الشعبية التي لم تتوافق مع اتجاهاتهم ويرفضون رفع الرئيس المنتخب لمقام الاحترام الذي يستحقه. ولا ينتبهون إلى أن تكرار اتهامهم للمهدي بإضاعة الديمقراطية قد أنجى الذين سطوا على النظام الديمقراطي حتى من اللوم.
يكتمل المشهد العجيب حين نلحظ أن التبجيل والتقدير من أصحاب العبارة موجه لرمز سياسي لم يرتبط تاريخه بالديمقراطية قط؛ أعني جون قرنق الذي لم يكن ديمقراطيا في إدارة الحركة الشعبية بدعوى الطبيعة النضالية. وكان -وهذا ما يهمنا- السبب الرئيسي في إضعاف الديمقراطية الثالثة؛ حيث رفض بعناد غير مبرر التصالح مع النظام الديمقراطي وواصل عملياته العسكرية، بل وأسقط طائرة مدنية، وأصر بصلف على عدم الاعتراف بالرئيس المنتخب واجتمع معه بوصفه رئيسا لحزب الأمة.. ولما سقط النظام الديمقراطي أصبح جون قرنق جزءاً من تحالف يعمل على استعادة الديمقراطية التي عمل قرنق بقوة على إسقاطها! ومع ذلك. يقدم قرنق من أصحاب الأيقونة إياها بوصفه قديساً في محراب الديمقراطية. وأحيط بترهيب إعلامي بحيث صار من المستحيلات توجيه كلمة ناقدة له.
ومن الألغاز السودانية إقدام نظام الإنقاذ -الذي أتى بانقلاب- على تنظيم انتخابات لنقابة المحامين بعد فترة غير طويلة على الانقلاب. فما الذي أجبر نظاماً أتى بانقلاب نصب رئيسا غير منتخب. على أن يكون نقيب المحامين منتخباً، خاصة أن الانتخابات كلفت النظام مشقة خطف الصناديق إلى مكان مجهول؟;

العرب

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..