أمين عام جديد لمنظمة قديمة. .

(1)
وكما هو المعتاد والمتوقّع ، فقد جاء وزير خارجية مصريّ أسبق ليتولّى منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية للخمسة أعوام القادمة. مكثَ العربيّ النبيل ، أميناً عاماً في أكثر المنعطفات العربية حِـدّة وشِـدّة ، فحاصرته المحنُ العربية ، فصبر عليها ولكنه آيس منها آخر أمره ، وآثر السلامة فلم يطلب تمديد رئاسته للأمانة العربية كما عودنا أسلافه على المنصب . لمصر ? حتى وإن طوح سفينها على موج غاضب- تج لها ولعاً لا يحد باحتكار ذلك المنصب. أتذكر وصفا لسفير سوداني شغل يوماً منصب الأمين العام المساعد، ذكر فيه أن منصب الأمين العام للجامعة العربية، عند إخوتنا في مصر، مثله مثل اهرامات الجيزة أو تمثال أبي الهول، حكر غير قابل للتنازل عنه .
(2)
وإنك إن أجلتَ البصر في أحوال معظم المنظمات الدولية الشبيهة، سترى كيف يقتسم أعضاؤها المؤسّسون تلك الأحوال، فمن نال فضل المقر لا يطمع في فضل رئاسة تلك المنظمة، أما أن ينال عضو واحد الفضلين، فتلك قسمة ضيزى، واستحواز مكروه. ليس في قولي هذا ما يغضب أيّ طرفٍ هنا أو هناك، ولكن مثل هذه الاحتكارية ، لا مرجعية لها إلا في تساهلنا مع طبيعة الأنظمة الشمولية التي قلّ نصيبها في تداول السلطة، ومال أكثرها نحو الاختيار القسريّ، لا الانتخاب الحرّ لمن يحكم. ليس ذلك فحسب ، بل أن ميثاق الجامعة العربية لا يتضمن نصاً يمنع جواز استمرار الأمين العام لأكثر من دورتين ، كل دورة من سنوات خمس، فيترك للأمين العام أن يمكث في منصبه ما شاء له المكث ، وإن بلغ أرزل العمر، بحجّة امتلاك الخبرات وتميّز القدرات . .
(3)
مع تقديرنا للأمين العام الجديد السيد أبو الغيط، واعترافنا بخبراته ومقدراته الدبلوماسية، فإنه إن أكمل فترته الأولى سيكون قد أشرف على الثمانين، فهو والجامعة العربية تقاربا في العمر. عدم الالتفات لعامل السنّ في اختيار الأمين العام ، يحسب سِمة غير محمودة في اختيار شاغلي الوظائف التنفيذية في أيّ منظمة إقليمية أو دولية، لما في مزاولة نشاط تلك الوظائف التنفيذية من متطلبات جسمانية وذهنية عالية، إذ هي ليست شأناً تشريفياً أو وساماً تكريمياً يمنح بلا أعباء . هذا في نظري أيضاً ، يتصل بطبيعة أكثر الأنظمة العربية التي ? وإنْ حققت قدراً من الحكم الرّشيد- نجد أكثرها لا يقترب من معايير الديمقراطية، إلا بشيءٍ من التردّد، ولا يتيح الحريات إلا بعد فرض قيودٍ تحجّم الرأي الآخر.
(4)
لعلّ أدنى ما نطلبه من الأمين العام الجديد للجامعة العربية، أن ينهض بإعمال خطط التجديد لمنظمةٍ هيَ من أقدم المنظمات ، نشأت في مطالع حقبة الحرب الباردة ، والتي انطوت بشرورها ونزاعاتها وحروبها بالوكالة، ثم انتهت في العقد الأخير من القرن العشرين، فيما جامعتنا العربية ثابتة على حالها. ما أصدق ذلك السفير الذي رأى الجامعة رؤية المصريين لها: حجراً من أحجار آثارها، له خلود التاريخ ورسوخ الجبال الراسيات. أملي يتصل بأقصى ما تنتظره شعوب المنطقة أن تطرح الجامعة ثيابها القديمة ، وتهتبل سوانح جديدة، لتحقيق ما يكمل نقصان فعالية تحتاجها . ذلك وحده ما قد يحملنا إلى الإيمان بغدٍ يجمع ولا يفرّق ، ويوحّد ولا يقسّم . لو نظرتَ ملياً ، ستجد يا قاريء العزيز، أن الجامعة العربية لا تحمل كلمة “الوحدة” في اسمها ، بل تخيّرت اسما يخالط أسماء المؤسسات التعليمية ، فهي “جامعة” وكأنّ الوحدة أمراً من غير اهتماماتها..
لعلّ من مطلوبات تجاوز العلل الماثلة، أن تقترب الجامعة العربية في عهد أمينها الجديد من مزاج الشعوب العربية ، وأن تستدني وجدانها، فترسم للتعاون السياسي والعسكريّ والاقتصاديّ والاجتماعي، منظمة عربية، تخرج شامخة من عباءة الشعوب، لا مضطربة تتوكأ على عصا الأنظمة .
++++
[email][email protected][/email] 18 مارس 2016