أخبار السودان

الحكومة التونسية تضرب المكاسب المادية والمعنوية للثورة في شارع الحبيب بورقيبة

تونس – صوفية الهمامي – حرمان التونسيين من التظاهر في شارع الحبيب بورقيبة بقرار تم التراجع عنه بعد اصرار الشباب وضغط الجبهة المجتمعية المتينة والاحزاب السياسية الحداثية ، يذكرنا بما قاله ابن الرومي وهو يرثي ابنه الاوسط محمد احب أولاده الى قلبه :
“توخى حمام الموت اوسط صبيتي فلله كيف اختار واسطة العقد”، وشارع الحبيب بورقيبة هو واسطة عقد التونسيين جميعا ورمز حريتهم والضمانة الوحيدة لاستمرار الثورة وتجديد دماها وتحقيق أهدافها.
ولان الحكومة تدرك مليا خطورة شارع الحبيب بورقيبة الرمزية والميدانية، جاء قرار المنع في محاولة لضرب الشارع وإضعافه وتشتيت قوته الواحدة، اي رمزيته الى قوى متفرقة حتى تتمكن من السيطرة عليه، وهذه سياسة تقليدية انتهجها الاستعمار الفرنسي : فرق تسود.

ويبدو ان هذه السياسة هي كل ما تعلموه من الاستعمار، او ما تبقى خلفهم ليخطط خطواتهم، خاصة الإصرار على ابعاد الشارع عن الوعي الجديد بالتالي تفتيت قوة الشباب ووعيه الثوري.
“واسطة العقد” هي “الحرية”، حرية التونسيين التي تم انتزاعها بالدم لأجل دحر المستعمر وخلع الديكتاتور ، لكن اين وعود حركة النهضة الحاصلة على اغلبية الأصوات في المجلس التاسيسي بانها ستضمن الحريات العامة والفردية؟ ولماذا تتخذ القرارات ثم تتراجع؟ وهل ضرب الشارع هو خرق وحدة الشعب التونسي ووحدة الحقوق علما و ان الثورة قامت لأجل جميع الحقوق لجميع التونسيين…
عبد الوهاب الهاني رئيس حزب المجد الوسطي الحداثي يقول : “في اعتقادي ان الترويكا الحاكمة وخاصة حركة النهضة ليست لديها رؤيا واضحة للحكم، فقدعجزت عن رسم خارطة طريق للمرحلة القادمة بعد مضي اكثر من مائة يوم من تسلمها مقاليد الحكم، ومضي قرابة ستتة اشهر على فوزها في الانتخابات واكثر من سنة على سقوط نظام بن علي.
وهذا يعكس تخبطها وتضارب قراراتها وعجزها عن إرساء مناخ الثقة والتوافق الضروريين، بالاضافة عن عجزها الفادح على تاطير قواعدها وأنصارها واحيانا بعض قيادتها”.
ويضيف عبد الوهاب الهانئة : “الامر الذي أدى الى حالات كبيرة من الانفلات التنظيمي، والتصريحات اللامسؤولة لقياداتها ووزرائها، مما ساهم في توتير الأوضاع واحتقان الشارع،
وكان من تجليات هذا الانقسام محاولة تفريق التونسيين الى مسلمين وكفار حينا والى إسلاميين وتجمعيين حينا اخر، ووصل الامر أخير الى محاولة اللعب على تقسيم اهداف الثورة ومكتسباتها
ولنا في تصريح وزير الداخلية حول ما جد في التاسع من ابريل الذكرى الوطنية التوحيدية، حيث
قال : “نحن ندافع عن حقوق التجار والحرفيين في العمل ولذلك قررنا تعليق حق التظاهر في شارع الحبيب”، وهو امر خطير جداً يحيل الى “المنظومة الاستبدادية” التي أرساها ستالين حيث فرق بين الحقوق الفعلية (الاقتصادية والاجتماعية) وما اسماه الحقوق “الشكلية البرجوازية” (الحقوق المدنية والسياسية)”..
ويربط الهاني موقف الحكومة الحالية من خرق لوحدة التونسيين وحقوقهم التي قامت لأجلها الثورة بالقول : “شخصيا هذا الامر يذكرني باحتجاج كل الديمقراطيين التونسيين على تصريحات الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك في ديسمبر ٢٠٠٣ اثناء زيارته لصديقه المخلوع بن علي، حيث قال “ان حق الاكل والشرب مضمون في تونس وبالتالي فان حقوق الانسان مكفولة ” في تعليقه حول إضراب الجوع الشهير الذي قامت به المناضلة الحقوقية راضية النصراوي دفاعا عن الحق في التعبير”.
ويزيد الهاني : “هنا كان موقف الاعلام الحر والنزيه، حيث خصصت صحيفة لوموند الفرنسية افتتاحيتها لما اسمته “الدرس التونسي : عودة الانقسام بين الحقوق الفعلية والعملية من جهة والحقوق الشكلية البرجوازية من اخرى” ، محتجة على الخطأ الفادح الذي ارتكبه شيراك مذكرة اياه بمبادىء وروح الثورة الفرنسية التي قامت على التكامل بين الحقوق وليس على التفريق بينها”.
ما حدث يوم ٩ ابريل يطرح نفس السؤال، هل ان تصريحات المسؤولين وتصرفات الحكومة متناسقا مع روح الثورة ام لا ؟؟
ولعل عبد الرؤوف العيادي عضو المجلس التاسيسي عن المؤتمر من اجل الجمهورية ، انتبه الى هذه الخطورة حين حذر بقوله من مغبة احداث التفريق بين المكاسب المادية للثورة ومن بينها التشغيل، والمكاسب المعنوية للثورة وعلى راسها حرية التعبير والتظاهر داعيا الى ضرورة الحفاظ على هذين المطلبين خاصة في المكان والزمان الرمزيين …

هدهد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..