إعلان براءة مريم دون تدخلٍ

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد الهادي الأمين

وفاءً بموعدتي لكم في مقالي السابق بعنوان براءة مريم بين رداءة التطبيق ورداءة التنفيذ , سأتناول في هذه الفذلكة القانونية نص المادة 126 (1),من القانون الجنائي لسنة1991م نقداً وتحليلاً قانونياً صرفاً وفق معايير الصياغة التشريعية السليمة المطلوبة لتحقيق العدالة وعدم معاقبة الأبرياء بموجب نصوص قانونية يأتيها الريب والعيب من فوق ومن تحت ومن الجنب , و ذلك من أجل بيان رداءة التشريع , ومن أجل تأكيد أن الحق سيُحصْحِصْ وتُعلن براءة مريم إن محصت الجهات القضائية المختصة ما يبرزه مقالي هذا من عجب عجاب وخطل معاب اكتنف نص المادة 126 (1) من القانون الجنائي لسنة 1991م ,إذ يتضح دون أدنى ريب أن نص المادة 126(1) قاصر على مخاطبة المسلم الرجل لا المرأة , فلا اجتهاد مع صريح النص كما هو مقنن في المادة(4/ب ) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م. الناصة على :-(لا تجريم ولا جزاء إلا بنص تشريعي سابق).كما سأبين خطأ محكمة الموضوع في تطبيقها لنوصوص مادتي الإتهام المادة126-(1) والمادة 146 من القانون الجنائي لسنة 1991م وفي جمعها بين عقوبة الإعدام حداً والجلد حداً.
فنص المادة: 126-(1) ينص على:( يعد مرتكباً جريمة الردة كل مسلم يروج للخروج من ملة الإسلام أو يجاهر بالخروج عنها بقول صريح أو بفعل قاطع الدلالة).
فلنقف عند الركن المادي لهذه الجريمة وهو( يعد مرتكباً جريمة الردة كل مسلم يروج للخروج من ملة الإسلام أو يجاهر بالخروج عنها بقول صريح أو بفعل قاطع الدلالة) , ولنمحص عناصره خاصةً الفاعل القانوني المخاطب بالحكم وهو حسب نص هذه المادة (كل مسلم ) , والركن كما تعلمون هو ما يقوم عليه الشيء فإن انهدم إنهدم معه ذلك الشيء , وسترون في السطور القادمة كيف أن الركن المادي لهذه الجريمة لا محالة منهدمٌ لزوال عناصره المكونة له لمخالفتها قواعد الصياغة التشريعية السليمة, ولمخالفتها قواعد أصول الفقه الإسلامي ,ولتضاربها مع نهج القانون الجنائي لسنة 1991م نفسه فإلى تفنيد ذلك:-
أولا :- فيما يتعلق بمخالفة قواعد الصياغة التشريعية وأصول الفقه الإسلامي , وفيما يتعلق بمخالفة منهج القانون الجنائي لسنة 1991م في تحديد الفاعل القانوني , نجد أن المشرع قد استخدم صفةً نكرةً لرجل / مذكر كفاعلٍ قانوني في نص المادة 126(1), فهل ينطبق النص أيضاً على الفاعل القانوني المرأة, مثل (مريم) ؟؟
لا شك أن أول الأخطاء التي عجت بها هذه المادة هو مخالفة نصها لقواعد الصياغة التشريعية (Legislative Drafting Principles ) في استعماله لمفردة (مسلم) فهذه المفردة وهي كما تعلمون صفةٌ نكرةٌ لمذكر !! والأمر الذي لا جدال فيه أن قواعد الصياغة التشريعية تقول إن العناصر الجوهرية للجملة القانونية هي فاعل قانوني(Legal Subject ) وفعل قانوني , (Legal Action) . والفاعل القانوني هو الشخص المخاطب بالحكم ولا يتصور أن يكون صفة نكرة ك (مسلم, مسيحي, أسود, أبيض).
والفاعل القانوني مناط حديثنا حسبما ورد في نص المادة 126(1) هو (كل مسلم ) , وكما أسلفنا الذكر فإن (مسلم) الواردة بالنص ماهي إلا صفة أو نعت لرجلٍ مفرد , ولا نجد تشريعاً وضعياً أو سماوياً يجعل الفاعل القانوني صفةً لمفرد , فالفاعل في اللغة العربية والإنجليزية وفي كل لغات العالم , وفي قواعد الصياغة التشريعية لا يكون إلا اسماً (Noun ), لأن الصفة النكرة لا يتصور مخاطبتها كشخص فاعل قانوني ,ولأن الصفة النكرة ليست لفظ عموم كما سنبين , و تحتمل الصفة النكرة تأويلات عدة والتشريعات الجزائية/ الجناية والحدود على وجه الخصوص لا تحتمل التأويل ولا الشك , وإلا كانت شبهة .
(في حديثنا عن الصياغة التشريعية , فضلاً أنظر: Barabra Clid ,Drafting Legal Documents :Principles and Practices& Vcrac Crabble ,Legislative Drafting,والصياغة التشريعة, عبد الحافظ عبد العزيز,دار الجيل ,بيروت1991م).
هذا والحق يقال إن المشرع في القانون الجنائي لسنة 1991م ,لم يستعمل الصفة النكرة كفاعل قانوني مخاطب بالحكم في كل مواده البالغة (185 ) مادةً , إلا في المادة (126-1) , فالمشرع فيما عداها من مواد-(184) مادة)- استعمل للفاعل القانوني المخاطب بالحكم لفظ عموم هو اسم الموصول (من) أو (كل شخص , كل رجل , كل إمرأة) وتأكيداً لذلك عرف في المادة (3) منه الكلمات (شخص, إمرأة , رجل ), بل و حتى في جرائم الحدود الخاصة بالمسلمين نجده قد انتهج نفس النهج ففي جريمة السرقة الحدية المادة 171(1) نُص على (يعد مرتكباً جريمة السرقة الحدية من يأخذ ..) وفي الحرابة نُص علي(يعتد مرتكباً جريمة الحرابة من يرهب العامة أو يقطع الطريق)..فلم يورد المشرع صفة (مسلم ) كفاعلٍ قانوني حتى في جرائم الحدود, بل لم يوردها مطلقاً, و عندما أراد أن يميز الفاعل القانوني المسلم من الفاعل القانوني غير المسلم وضعها في شكل شرط كما هوالحال في جريمة شرب الخمر والإزعاج – المادة 78 التي تنص على :- (1- من يشرب خمراً أو يحوزها أو يصنعها، يعاقب بالجلد أربعين جلدة إذا كان مسلماً.
(2) دون مساسٍ بأحكام البند (1) من يشرب خمراً ويقوم باستفزاز مشاعر الغير أو مضايقتهم أو إزعاجهم أو يشربها في مكان عام أو يأتي مكاناً عاماً وهو في حالة سكر، يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز شهراً أو بالجلد بما لا يجاوز أربعين جلدة كما تجوز معاقبته بالغرامة أيضاً.)…فإيراد كلمة (مسلماً) جاءت هنا لضرورةٍ تشريعية للتمييز بين عقوبة المسلم وعقوبة غير المسلم ,وليس تمييزاً للرجل عن المرأة كفاعلٍ قانوني .ولنركز في استعمال المشرع للفظ العموم (من)..فهي بصورتها هذي تشمل كل شخص ذكراً كان أم امرأة.
وفي هذا المقام أجدني على خلاف مع أستاذي الدكتور عوض الحسن النور في مقاله بتأريخ 24/5/2014م, في صحيفة الراكوبة الغراء بعنوان (عناصر حد الردة في القانون السوداني وما مصادره في الشريعة الإسلامية), إذ قال في مقاله:-(العنصر الأول : أن يكون الجاني مسلماً ثم يرجع عنه أي أن يخرج عن الإسلام ، فلا يعد غير المسلم إذا أسلم مرتداً ، أو إذا خرج غير المسلم عن دينه إلى دين آخر ويشمل العموم كل مسلم رجلاً أم امرأة .). فالحق والحق أقول إن (كل مسلم).لا تفيد العموم رغم أن لفظة كل من ألفاظ العموم , فهي مكونة من (كل ) وهي لفظ عموم قيد ب(مسلم) وهي صفة لذكر مفرد فيكون المقصود بالخطاب والحكم الرجل المسلم , والفيصل في ذلك تعريف علماء أصول الفقه الإسلامي للفظ العام فهم يعرفونه بأنه اللفظ الذي يدل بحسب وضعه اللغوي على شموله واستغراقه لجميع الأفراد، التي يصدق عليها معناه من غير حصر في كمية معينة منها).
ويحدد علماء أصول الفقه صوراً محددة لألفاظ العموم ,ونختار من هذه الصور ما هو أقرب لموضوع نقاشنا وهي صورة المفرد المعرف بأل تعريف الجنس: كما في قوله تعالى :- {الزانية والزاني} [النور: 2]، {السارق والسارقة} [المائدة: 38]، {واحل الله البيع وحرم الربا} .
(أنظر في ذلك ,شرح روضة الناظر وجنة المناظر لإبن قدامة-تحقيق دكتور عبد الكريم النملة ,الفروق للقرافي المالكي , الأحكام للإمدي , أحكام الأحكام لإبن حزم الظاهري ).
فهذه الصورة لا تكون الصفة فيها إلا معرفة بأل تعريف الجنس,بينما مفردة (مسلم )التي جاءت في نص المادة 126-1لا تدخل في هذه الصورة , بسبب أن مفردة (مسلم) ليست معرفة بأل تعريف الجنس , بل هي صفة نكرة لمذكر , فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون لفظ عموم لتشمل المرأة كالمحكوم عليها مريم .وهذا ما قصده المشرع فلامجال للاجتهاد معه لأن النص هنا يصبح واضح الدلالة على أن المراد من الفاعل القانوني رجل صفته مسلم.
وسندنا فيما ذهبنا إليه من تفسير جعلنا نقول بأن المرأة ليست مخاطبة بنص المادة 126-1-هوالمادة 2/ج (من ) قانون أصول الأحكام القضائية لسنة1983 التي تنص على في تفسير النصوص التشريعية , مالم يكن النص مفسراً أو قطعي الدلالة :-
(أ)……………………… (ب)…………………….
(ج) يفسر القاضي المصطلحات والألفاظ الفقهية على ضوء القواعد الاصولية واللغوية في الفقه الإسلامي .
فالمادة (2) أعلاه هي المادة الوحيدة من قانون أصول الأحكام القضائية التي يجوز للقاضي الإستناد عليها في تناول المسألة التي بحثناها,ولا سبيل لقاضي الجنايات إلى الإستناد لنص المادة (3) من ذات القانون ليشترع منه ما يفيد بشمول النص للمرأة المسلمة عن طريق تطبيق أي حكم شرعي لم ينص عليه القانون الجنائي لسنة 1991م , ذلك لأن المشرع قد إستثنى الدعاوي الجنائية صراحة من حكم نص المادة (3) فهي تنص على ………..وفيما عدا الدعاوي الجنائية إذا لم يوجد نص تشريعي يحكم الواقعة :
() يطبق القاضي ما يجد من حكم شرعي ثابت بنصوص الكتاب والسنة.
وتأكيدا لذلك فقد سبق وأن أرست المحكمة العليا-الدستورية في حكمها في م ع / ق د/ 2/ 1406هـ ( أسماء محمود محمد طه ، عبد اللطيف عمر حسب الله ? ضد – حكومة جمهورية السودان).. أرست المبدأ التالي :-
المادة (3) من قانون أصول الأحكام المعدلة لم يكن من شأنها اضفاء سلطة ترقى في طبيعتها إلى سلطة في التشريع لا تختص بها المحاكم أصلاً.
كما جاء في حيثيات الحكم (أن المادة 3 على أي معنى أخذت لم تعد تسرى على المسائل الجنائية (أنظر التعديل الصادر فيها بتاريخ 24/4/1986، إلا أن الحاجة إلى تحديد إطارها مازالت قائمة لا بشأن آثارها محل النظر أمامنا فحسب، وإنما لأغراض في الفقه والسياسات التشريعية في المستقبل).
و لن يكون ما ذهبنا إليه من عدم شمول نص المادة 126-1 , تعطيلا لحد أو إباحة لمحرم أو نشاذا عن الفقه الإسلامي مصدر هذه المادة, فجريمة الردة كما تعلمون مختلف في كونها حد أم تعزير أو كونها جريمة- ( أنظر في ذلك مقال دكتور عوض الحسن النور سابق الذكر ) .
ولقد أختلف فقهاء الشريعة الإسلامية حول توقيع عقوبة الردة على المرأة المرتدة عن الإسلام , وهي عقوبة القتل ولم يختلفوا حول توقيعها على الرجل المرتد عن الإسلام ,مما يعني أنه يجوز إخراجها عن موجب العقوبة , ولقد برر القائلين بذلك بأن المرأة لايتصور خروجها من الإسلام محاربة كالرجال ذلك لطبيعة تكوينها الجسدي ,كما يبررون لذلك بنهي النبيّ صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء مطلقاً فقال صلى الله عليه وسلم: ((ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً ولا صغيراً ولا امرأةً)) -سنن أبي داود1-.
ولقد إستند القائلون بعدم قتل المرأة المرتدة بما جاء من أحاديث في مصنف أبي شيبة نورد منها:-
1-حدثنا أبوبكر قال حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ووكيع عن أبي حنيفة عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس قال: لا يقتلن النساء إذا هن ارتددن عن الإسلام ولكن يحبسن ويدعين إلى الإسلام فيجبرن عليه.
2-حدثنا أبو بكر قال حدثنا حفص بن غياث عن ليث عن عطاء في المرتدة قال لا تقتل.
(فضلا أنظر في ذلك المصنف لعبد الله بن محمد بن أبي شيبة ,دار الفكر.1994م, كتاب الحدود).
ومن الفقهاء من قال إن ابن عباس رضي الله عنه وهو راوي حديث: ((من بدل دينه فاقتلوه))، قال: ((لا يقتلن النساء إذا هن ارتددن عن الإسلام، ولكن يحبسن ويدعين إلى الإسلام فيجبرن عليه)).
وياترى ما جدوى مخاطبة المرأة بحد الردة,وهي لا تعاقب بعقوبته المقررة للرجل المرتد ؟؟أيكون أرتدادها عن الإسلام جريمة حدية؟ أم يكون جريمة تعذيرية؟ أم أنه لا جريمة فيه؟؟؟.
وعلى كل فإنه من جماع نقاشنا وتحليلنا أعلاه نخلص إلى أن المخاطب بنص المادة 126/1من القانون الجنائي لسنة 1991م , هو كل رجل مسلم.
صحيح أن عدم شمول النص للمرأة المسلمة يكفي وحده لهدم الركن المادي ولكن لا بد من الصيرورة لبيان رداءة النص فيما تبقي من عناصر الركن المادي , وذلك يتمثل في:-
مخالفة النص لمبدأ دقة ووضوح (Accuracy and Clarity ) التشريع في اختياره لكلمات الفعل القانوني المتمثلة في (يروج ), وفي إختياره ل (ملة الإسلام):-
1- فكلمة يروج ليس هي الكلمة التي تدل على الردة كما جاء في الحديث الذي يستدل به القائلون بأن الردة حد وهو ((من بدل دينه فاقتلوه))…بل أن كلمة روج لها معانٍ متغايرة فهي تجيء في اللغة العربية على نحو :- روَّج الشَّيءَ : جعله منتشرًا يكثر الطَّلب عليه , رَوَّجَ الشَّيْءَ أَوْ بِهِ : عَجَّلَهُ, رَوَّجَ أَخْباراً : أَشاعَها , رَوَّجَ كَلامَهُ : زَيَّنَهُ, رَوَّجَ خِطابَهُ : جَعَلَهُ غامِضاً لا تُعْرَفُ حَقيقَتُهُ , رَوَّج الغُبارُ : دام.
(أنظر في ذلك معجم المعاني الجامع, ولسان العرب لمحمد بن منظور).
فكيف للمشرع إذاً أن يختار كلمة لها معانٍ متضادة في جريمة عقوبتها الإعدام ؟؟؟, فمع هذا العيب في الإختيار التشريعي نجد أن هذه الكلمة مطاطية تجعل النص معيباً إذ يعرض أرواح الأبرياء لمخاطر التأويل والتفسير.
ووفق ما هو متناقل من أخبار في وسائل الإعلام وحتى إن إفترضنا أنه ثبت لمحكمة الموضوع أن المحكوم عليها (مريم) كانت مسلمة ثم بدلت دينها بالمسيحية , فلن يكون من الثابت دون شك معقول أنها روجت للخروج من ملة الإسلام أو جاهرت بالخروج عنها بقول صريح أو بفعل قاطع الدلالة , وحتى الأفعال والأقوال في الحديث عن الردة نجد الفقهاء على خلاف فيها فسب الديانة الذي أعتبره القانون الجنائي في المادة(125 ) جريمة تعزيرية لا حدية نجده عند أغلب الفقهاء ردة يعاقب عليها الرجل بالقتل, فما الحكمة من استثناء إهانة الأديان أو سب الديانة من الأقوال المعتبرة ردة وخروجاً عن الإسلام؟؟ أثرنا هذه المسألة للتدليل على أن الفاعل القانوني في نص المادة 126-1 مطاطي وغير منضبط .ولبيان أن المشرع نفسه يخالف بعض أقوال فقهاء ملة الإسلام ويستثنى سب الديانة وإهانتها من الحكم بأنها رده!!!!
وكذا الأمر بالنسبة لمصطلح (ملة الإسلام ):-
فاختيار المشرع لهذا المصطلح وعدم استخدامه كلمة (دينه) كما جاءت في الحديث المذكور سابقاً, يفتح باباً واسعاً للاجتهاد لتعريف ملة الإسلام والتي هي أصلاً مختلف عليها عند فقهاء الشريعة الإسلامية في أقوالهم في علم الملل والنحل, فكم من فرقة أو جماعة تطلق على نفسها صفة الإسلام والإسلام براء منها, ففي سودان اليوم نجد كثير من الجماعات تلصق على نفسها صفة الإسلام وتعتقد أنها الفرقة /الملة الناجية وتكفر غيرها من الفرق/الملل. والقضاة جزء من المجتمع السوداني فلربما وجد منهم من ينتمي لهذه الفرق فيأخذ تفسير معنى ملة الإسلام بما هو عليه جماعته/ملته فيوقع حكمه وفق ذلك, فهذا المصطلح (ملة الإسلام) ,غير منضبط في ظروف عصرنا هذا فكان على المشرع تعريفة في المادة (3) من القانون الجنائي لسنة 1991م.
هذا ما كان بخصوص رداءة التشريع , أما فيما يتعلق بخطأ محكمة الموضوع , فإننا وفقاً لما حصلنا عليه من معلومات من وسائل الإعلام , سنفند هذه الأخطاء على النحو التالي:-
فبالإضافة لخطأ محكمة الموضوع في شمول المحكوم عليها بحكم نص المادة 126(1) الخاص بالرجل المسلم دون المرأة, نجد محكمة الموضوع قد أخطأت في حكمها وإدانتها للمحكوم عليها بتهمة الزنا, ولا شك في أن محكمة الموضوع قد قررت في مسألة زواج المحكوم عليها لتصل لبطلان الزواج باعتباره زواجاً مجمعاً على بطلانه :
وللإيضاح نورد نص جريمة الزنا كما هو في المادة 145-(1) من القانون الجنائي لسنة 1991م (يعد مرتكباً جريمة الزنا:
أ‌ ) كل رجل وطئ امرأة دون رباط شرعي،
ب‌)كل امرأة مكنت رجلا من وطئها دون رابط شرعي
2-يتم الوطء بدخول الحشفة كلها أو ما يعادلها في القبل.
(3) لا يعتبر النكاح المجمع على بطلانه رباطاً شرعياً.
, ولا شك أن قاضي المحكمة الجنائية ليس مختصاً بنظر قضايا الأحوال الشخصية سواء كان المتداعيان/ الطرفان مسلمين أو غير مسلمين فالمادة( (7)-1)من القانون الجنائي لسنة 1991م تحدد اختصاص قاضي محكمة الجنايات وتنص على:(تكون للمحاكم الجنائية سلطة الفصل القضائي في الدعاوى الجنائية).
فالقاضي المختص بالتقرير في صحة الزواج أو بطلانه هو قاضي محكمة الأحوال الشخصية للمسلمين وفق قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لسنة1991م , ويتبع في إجراءات نظرها قانون الإجراءات المدنية لسنة1983م. ولما كان قاضي محكمة الموضوع غير مختص فإن ذلك مدعاة للقول ببطلان حكمه فيما يتعلق بجريمة الزنا.
أما ثالثة الأثافي من أخطاء محكمة الموضوع فهو حكمها وتقريرها معاقبة المحكوم عليها بالجلد حداً وبالإعدام حداً , فحتى إن افترضنا جدلا صحة الإدانة والحكم بجريمة الزنا وجريمة الردة ,فإن جمع عقوبة الإعدام مع أي عقوبة أخرى إجراء باطل لمخالفة المادة (40/2) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م القائل :(إذا تعددت الجرائم فإن الحكم بالإعدام عن إحداها يجب ما عداه من عقوبات سوى المصادرة).
وقصارى القول أنه ينبغي أن تفاد المحكوم عليها (مريم) من انعدام الركن المادي لجريمة الردة وفق ما فصلنا في المقال أعلاه , كما لها أن تفاد من القاعدة (5) ب من قانون الإثبات لسنة 1993(الأصل براءة المتهم حتى تثبت إدانته دون شك معقول) , ولها أيضا أن تفاد من المادة (65-1) من قانون الإثبات نفسه والقائلة (تدرأ الحدود بالشبهات ).
ولعله من الأهمية بمكان أن نؤكد على ضرورة عدم المساس باستقلال القضاء وعدم التدخل من أي جهة أو سلطة غير السلطة القضائية في موضوع قضية ردة مريم , لأنه لو قلنا بجواز تدخل السلطة التنفيذية لإعادة النظر في القضية وإلغاء الحكم بحد الردة ,كان ذلك التدخل من السلطة التنفيذية تدخلاً مخالفا لصريح نص المادة (38-1,من القانون الجنائي التي تنص على (لا يجوز إسقاط تنفيذ الحدود بالعفو ),كما أن مثل هذا التدخل يكون مخالفاً لقول سيدنا محمد عليه أفضل الصلوات والتسليم في رواية :(حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب قال سمعت ابن جريج يحدث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب), فلطالما أن القضية قيد النظر أمام المحاكم الأعلى فقد بلغت السلطان فلا مجال للقول بعفوه فيها.
كما أنه لا ينبغي لأي جهة كانت أن تصرح بأي تصريح من شأنه أن يؤثر على سير العدالة في نظر القضية خاصة وأن القضية ما زال أمامها مراحل قضائية لمراجعتها وإعادة النظر فيها, فالقول قول القضاء.

مولانا محمد الفاتح احمد خليل
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. يا مولاناتنا

    مخاطبة القراء شيئ والبحوث القانونية شيئ ثاني

    يا الفاتح اوصيك وكذلك مولانا عوض الحسن النور ان تكتبوا كتابة مبسطة بدون تخاطبوا بيها القراء العاديين اما الفزلكات القانونية دي ممكن فمجالها غير

  2. ورقة النقاش فى منبر أهل الراى غدا الثلاثاء 27/5/2014
    هل حد الردة من الاسلام؟.
    الدكتور محمد المجذوب

    ان الإيمان بالله تعالي لا يفرض علي الإنسان فرضا ، ولا يمكن فرضه بالإكراه على الناس ، وانما يجعل الايمان بالله من لوازم الوضع الأخلاقي الاختياري للإنسان ، كونه يضمن سلامة العلاقة بين الانسان والله تعالي ، ولذلك انبني التصور الاسلامي على مبدأ حرية الايمان والاعتقاد ، وهو الذي يعطي مجموعة من الحقوق والحرمات ، التي على رأسها. الحق في حرية الفكر والتفكر ، وهو من أعظم الحقوق والحرمات في الرؤية الاسلامية حيث تحرير الفكر الإنساني ، ودعوته إلى التأمل والنظر في الكون ، فكثيرا ما تتكرر وتتاكد معاني وألفاظ العلم في القران دلالات مثل: التعقل ، والتدبر ، والفقه ، والتاويل ونحو ذلك ماني الفكر في الخطابات الإسلامية ، وورودها بهكذا كثرة يحمل دلالات مهمة اهمها ، انه ليس في الإسلام تقليد واستتباع بلا دليل واختيار ذاتي ، لاسيما مسالة الإيمان بالله تعالى الذي هو أسمى عقائد الإسلام ، حيث قامت البراهين والأدلة العقلية الصحيحة على وجود الله التي وافقتها الأدلة النقلية الصريحة وكذا الادلة العلمية السليمة ، واوجبت اخلاقياً وعقلانياً لزوم الايمان بالله تعالي.

    فكان ان كانت حرية الفكر والتفكير والتعبير ، وحرية البحث ، عن الحقيقة في الكون والانسان امر مسلَّم به ، وعنصر هام في الرؤية الاسلامية يتضمن مبادئ الايمان الراسخ بالله تعالي ، كما ان الرؤية الإسلامية قد تضنت امكانية الخطأ الانساني ، وجعله حالاً من احوال الإنسان في رحلة بحثه عن الحقيقة ، يقول تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ {البقرة/286} ، ويقول: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الأحزاب/5} ، ويقول عليه الصلاة والسلام: “إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان”.
    ودلالة ذلك إن من حق المؤمن أن ينكر ما يراه باطلاً متفقاً على بطلانه ، بل إن ذلك من واجبه ، ومن هذا الباب جعل الرسول عليه الصلاة والسلام أفضل أنواع الاستشهاد استشهاد رجل قام في وجه سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله ، كونه لا خير في مجتمع لا يدافع الظالم ، لأنه حينئذ لن يقول للمحسن أحسنت ، وهذا من أرقى أنواع النقد الذاتي ، ثم إن الرؤية الإسلامية لا مكان فيها لتحكم قلة قليلة تتحكم باسم الدين ، على الناس وعلى حركة عقولهم كما فعلت الكنيسة حتى باءت بهجران الناس لها ومحاصرة دَورَها الفكري والاجتماعي والسياسي ، مما جعل المجتمعات الأوربية لا تعرف للحرية معنى إلا بسبب ظلم الكنيسة يوم أن خرجوا على تعاليمها ، فتضخمت فكرة الحرية في الفكر الغربي كما لم تتضخم فكرة اخري ، في حين أن الرؤية الإسلامية جاءت بحرية الاعتقاد والايمان والتعبير والنصح منذ تنزلها الأول ، وحاربت في سبيل إقرار هذا المبدأ كل سلطان يعطل ملكة التفكير والتفكر التي وهبها الله تعالى للإنسان.
    وفضلاً عن حق وحرمة الفكر والتفكير فهناك حرمة الإيمان والمعتقد ، كونها تتأسس على مبدأ الحق في حرية الاعتقاد ، كمحصول مهم لمقصد الحق الالهي والحرية والكرامة الإنسانية ، وهو المبدأ الأخلاقي الذي تأسس مع فجر الإسلام دون أن يطالب به فئة او حزب ، أو تقوم من أجله ثورة ، أو يحدث في سبيله انقلاب ، فقد جاء مبدأ الحق في حرية الايمان والاعتقاد في منظومة الايمان الديني كجزء لا يتجزأ من إقرار الوهية الله عظمته وكرامة الإنسان حرمته ، وغاية معنى حرمة الحرية في الاعتقاد هي أن الرؤية الإسلامية فكر قوي واثق من حقيقته ، ولذلك فانه لا يخشي من حالة الكفر به او الارتداد عنه ، ومن هنا فانه لا يسمح لسلطة مجتمع المسلمين إكراه أحد الناس على اعتناقه مع أنه هو الدين الحق ، ولا يجبر من لا يؤمن أن يترك عقيدته مع كونها باطلاً محضاً ، الا بالاقناع والاختيار لا بالاكراه.
    كون أن الإيمان المعتد به عند الله تعالى ، هو ما كان عن اختيار وحرية ، يقول تعالى: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {البقرة /256}. ولذلك لا يُعاقِب الإسلام بالقتل لمن ارتد عن دين الإسلام ، وإنما يدع عقابه إلى الآخرة إذا مات على كفره ، كما في قوله تعالى: “وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” {البقرة/217} . وكما في قوله: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ * كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ {آل عمران 85/91}.
    ويشمل هكذا حق وحرمة حتى أوليك الذين يجعلون من الدين ألعوبة يدخل فيها اليوم ويخرجون منه غدًا على طريقة بعض اليهود ، يقول تعالى: وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ {آل عمران /74} ، فلم يحكم الله تعالى عليهم بحكم القتل بالردة ، بل تنحصر وظيفة الرسول صلي الله عليه وسلم ومن ورائه سلطة المجتمع والقضاء في كونهم اسوة حسنة يبشرون وينزرون ويذكرون ويجادلون ويحاورون ويوضحون وينافحون عن وظائف الرسالة والنبوة ، يقول تعالى: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ * إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ * إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ {الغاشية 21/26} . ويقول: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ {ق/45}.
    وعلى هذا فان الله الذي خلق الانسان بقدرته من العدم ترك أمر الايمان والالتزام بالدين والتدين أمراً اختيارياً فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وها هو ذا سبحانه ، يقول لرسوله صلي الله عليه وسلم: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ {يونس/99}. إن هذه الآيات الكريمة تؤكد أنه لا يجوز أن يجبر أحد على اعتناق أي عقيدة ، ولم تفرق الآيات بين أن يكون هذا المُجبَر نصرانيا أم ملحدا أم مرتدا عن الإسلام ، بل هي في سياقات عامة تمنع أي إكراه في الدين ، فآية البقرة في قوله تعالى: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ…الآية ، وإن كانت بصيغة الخبر ، لكنها تفيد الطلب. ولو قالت محكمة ما لانسان ما ، عليك أن تعود إلى الإسلام وإلا قتلتك ، لكان هذا إكراها واضحاً ، والآية تمنع الإكراه ، لذا فهي تمنع مثل هذا الحكم والقول وتحرمه.
    وعلى هذا المعنى يجب ان توضع وتراجع نصوص قوانين العقوبات في مجتمعات المسلمين ، وان تحذف منها تلك النصوص التى تنص على قتل المرتد او الملحد ، أما القول بأن الإكراه المنهي عنه في الآية محصور في الإكراه على الدخول الى دين الاسلام ابتداء ، وأن الإكراه على الرجوع إلى الدين يقع تحت طائلة القتل غير داخل في عموم الآية ، فان هذا تحكم في الدلالة يأباه السياق كاداة حاكمة على انتاج المعني في الخطاب القراني ، خصوصاً وأن الآية وردت بصيغة من أقوى صيغ العموم وهي النكرة في سياق النفي والنهي: “لا إكراه”.
    وعلى هذا فلا عقاب قضائي في الدنيا على المرتد عن دين الإسلام ، يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {المائدة /54} ، إذ لا توجد في الآية أوامر للسلطة القضائية للمجتمع بقتل المرتدين ، اما لفظة الجهاد هنا – وبحسب السياق- فمقصود بها الكلمة والحجة القرآنية والمجاهدة الفكرية والعلمية التي تفحم الكفرة بالدين وليس قتلهم ، يقول تعالي: إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ * وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ {المنافقون1/4}.
    ويقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً * بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا {النساء136/138} ، وهكذا نلاحظ انه ليس ثمة أوامر تدعو لقتلهم بل على العكس فإن الانصراف عنهم وتركهم أحياء فرصة لهم من الله ليتوبوا ويعودوا إلى رشدهم مرة أخرى قبل أن يدركهم الموت ، كون قتل المرتد يحرمه من فرص التوبة المتجددة بحكم قانون الابتلاء الذي يحكم العلاقة بين الالهي والانساني ، وهو معنى قوله تعالى: وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا {الكهف/29} ، إنه اذن ابتلاء إرادة الإنسان ومشيئته التي سيحاسب عليها أمام خالقه تعالى يوم القيامة.
    كما هو ما يفهم من قوله تعالى: مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ * لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ * ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ {النحل 106/110} ، وهكذا نجد اجتماع دلالة السياقات القرانية على تأجيل عقاب الذي يكفر بعد الإيمان إلى يوم القيامة وليس لأحد أن يقتله بحد الردة كما يزعمون ، كون إن الآيات القرآنية التي تحدثت عن المرتد لم تذكر له أي عقوبة قضائية في الدنيا ، بل قصرت ذلك على العقوبة عند الله يوم القيامة.
    كما نستدل بقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَّرْتَدَّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ” {المائدة/54} بوصفها تدل على أن الله هيأ للمرتدين من يقاومهم ، من المؤمنين المجاهدين الذين وصفهم الله بما وصفهم به ، إلا أن النص لا يصرح بعقوبة القتل قضاء على المرتد ، بل شرع مجاهدتهم لا قتلهم طالما بقوا مسالمين ، أما المجاهدة فتكون بالحجة وبالقرآن ، يقول تعالى: وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا * وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا *فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا {الفرقان50/52}.
    هذا من ناحية ، ومن ناحية أخري ، فانه في صلح الحديبية ، نجد أن النبي صلي الله عليه وسلم قد وافق على أن من ارتد من أهل المدينة فلا بأس لو التحق بأهل مكة ، وليس له أن يطالبهم به ، كما أن الرسول صلي الله عليه وسلم لم يقتل أي إنسان لمجرد ردته ، بل وافق على أن يخرج المرتد من المدينة إلى مكة من دون أن يعاقبه ، ولو كان قتل المرتد حكما قرآنيا لما وافق النبي صلي الله عليه وسلم على شرط في صلح الحديبية يخالف القرآن. كما يدل على ذلك أن النبي صلي الله عليه وسلم قبل توبة جماعة من المرتدين ، وأمر بقتل جماعة آخرين ، ضموا إلى الردة أمورًا أخرى تتضمن الأذى والضرر للإسلام والمسلمين. مثل أمره بقتل مقيس بن حبابة يوم الفتح ، لما ضم إلى ردته قتل المسلم.
    روى البيهقي: أن أنسًا عاد من سفر فقدم على عمر ، فسأله: ما فعل الستة الرهط من بكر بن وائل الذين ارتدوا عن الإسلام ، فلحقوا بالمشركين؟ قال: يا أمير المؤمنين ، قوم ارتدوا عن الإسلام ، ولحقوا بالمشركين ، قتلوا بالمعركة. فاسترجع عمر- أي قال: إنَّا لله وإنا إليه راجعون- ، قال أنس: هل كان سبيلهم إلا إلى القتل؟ قال نعم ، كنت أعرض عليهم الإسلام فإن أبوا أودعتهم السجن ، وفي رواية: انه صح عن عمر بن الخطاب (رض) ما يفيد عدم قتل المرتد المسالم ، وهو واضح من قول عمر عن رهط من بني بكر بن وائل ارتدوا والتحقوا بالمشركين وقتلهم المسلمون في المعركة: “لأن أكون أخذتهم سِلْما كان أحب إليَّ مما على وجه الأرض من صفراء أو بيضاء ، قال: أنس بن مالك فقلت: وما كان سبيلهم لو أخذتَهم سلما؟ قال عمر: كنت أعرض عليهم الباب الذي خرجوا منه ، فإن أبوا استودعتهم السجن”.
    بيد انه قد يستدل دعاة القول بحد الردة بدلالة الآيات الواردة في شأن المنافقين ، لكونها تبين أنهم حموا أنفسهم من القتل بسبب كفرهم عن طريق الأيمان الكاذبة ، والحلف الباطل لإرضاء المؤمنين ، كما في قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ * اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ {المجادة /21}. وكذا قوله: سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ {التوبة 95/96}”.
    وكذا قوله: يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ {التوبة /74} ، لكن الآيات تؤكد أنهم بدؤكم أول مرة ، وإن لم يتكلموا بكلمة الكفر ، فدل ذلك على أن الكفر قد ثبت عليهم بالبينة ، وبالتالي فان حجتهم تكون قد انهزمت ، وأيمانهم الفاجرة لا تغن عنهم شيئًا ، وفي كل الاحوال فانهم لا يعاقبون بعقوبة وقانون للردة ينتهي الى قتلهم.
    كما انه قد يستدل على الروايات المنسوبة إلى النبي صلي الله عليه وسلم ، والتي قد يفهم منها وجوب قتل المرتد عن الدين ، أهمها ما رواه عن عكرمة قال: أتي علي (رض) بزنادقة فأحرقهم ، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم ، لنهي رسول الله صلي الله عليه وسلم: (لا تعذِّبوا بعذاب الله). ولقتلتهم ، لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم: (من بدَّل دينه فاقتلوه) والحق أن هذا الحديث لا يراد عمومه ، إذ إن المسيحي الذي يبدل دينه فيعتنق الإسلام لا يُقتل بلا خلاف. فتكون دلالة الحديث دلالة تفيد الخصوص لا العموم. بيد أن الكثير من الفقهاء قد خصصه بالمسلم الذي يبدل دينه ، لكننا نخصصه بالذي يترك دينه ويحارب. ذلك أن الآيات القرآنية المتقدمة ، تنفي وجوب أية أي عقوبة على المرتد لمجرد ردته ، بينما توجب آيات أخرى العقوبة على المعتدي فقط.
    أما الحديث الثاني الذي يرويه البخاري أيضاً عن عبد الله قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم ، يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس ، والثيب الزاني ، والمفارق لدينه التارك للجماعة). فهو حديث ينادي بقتل المرتد التارك للجماعة ، ومعنى ذلك المحارب للجماعة ، لذا فهو نص في ما نقول من أن المرتد المحارب هو الذي تجب عليه عقوبة في حال قدر عليه ، وليس القتل لمجرد الردة.
    أما الاستدلال بقتل المرتدين في ما عرف بحروب الردة ، فان الملاحظ ان قتلالهم لم يكن بموجب “ردتهم” عن عقيدة الإسلام ، بل بموجب حربهم التي شنوها على مجتمع المؤمنين وسلطته الشرعية ، فكان قتالهم “حرابة” لتمردهم ورفضهم ولاية الدولة الشرعية من خلال رفضهم دفع الزكاة لأبي بكر بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم ، ومن ثم تمردوا على السلطة الجديدة للخليفة أبي بكر الصديق (رض) ، لذا لم يُحارب هؤلاء لتركهم الدين ، لأنهم لم يتركوا الإسلام بالمجملة ، فهؤلاء في الاساس جماعة انشقت وتمردت على ولاية وشرعية الدولة الشرعية ، وهناك من القبائل من أتت غازية المدينة ، فكان لا بد من محاربتها دفاعاً. وهناك من قام بقتل مسلمين ظلماً وعدواناً ، مثل مسيلمة الكذاب وقومه ، بينما لم يسير له الرسول صلي الله عليه وسلم أي جيش لمجرد ادعائه النبوة وتكذيب الرسول.
    وهكذا فأنه إذا كان المرتد مرتداً محارباً ، ولم تكن ردته ليست مجرد كفر فكري بالإسلام فحسب ، بل تعدت ذلك لان تكون حالة اعلان حرب علي الإسلام وعلى أمته ، فانه يندرج عندئذ ، ضمن مفهوم الحرابة ، فالذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا ، فيقتلون حرابة لا ردة ، يقول تعالى: إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {المائدة 33/34} ، بوصفهم قوم خرجوا محارببين لله ورسوله فإنهم يقتل أو يُصلبون أو يُنفون من الأرض بعد تقدر عليهم السلطة السياسية المشروعة لان المسالة عندئذ تعبر عن حالة حرابة ، لا عن مجرد ردة فردية فكرية عن الدين. والمعني ان العقوبة على الحرابة القتل كما ظهر بوصفها تفريق صف الجماعة وحرب على الولاية العامة المشروعة للمجتمع الاسلامي ، فهي عقوبة على الجريمة المصاحبة لتبديل الدين لا على تبديل الدين في حد ذاته. أما تبديل الدين فعقوبته عقوبته أخروية عند الله تعالى ، وهي أغلظ من أي عقوبة قضائية في الدنيا يتخيرها القضاء المسلم.
    كما قد يحتج ببعض الاحداث التاريخية باعتبار أن فيها ما يفيد توقيع عقوبة القتل بالمرتدين ، فقد روي أن علياً كرم الله وجهه أقام عقوبة الردة في قوم ادعوا إلوهيته فحرقهم بالنار ، بعد أن استتابهم وزجرهم فلم يتوبوا ولم يزدجروا ، فطرحهم في النار ، وقد اعترض عليه ابن عباس بالحديث الآخر: “لا تعذبوا بعذاب الله” ، ورأى أن الواجب أن يُقتلوا لا أن يُحرقوا. فكان خلاف ابن عباس في الوسيلة لا في المبدأ. وكذلك الاحتجاج بتنفيذ أبو موسى ومعاذ القتل في اليهودي في اليمن ، والذي كان قد أسلم ثم ارتد. وقال معاذ: قضاء الله ورسوله ، وقد رردت هذه الرواية عند الشيخين. وقد يحتج بفعل بعض الصحابة منهم أبو موسى الأشعري ومعاذ بن جبل (رض) بما يفيد قتل المرتد. ففي البخاري:”…زار معاذ أبا موسى ، فإذا رجل مُوثَق ، فقال: ما هذا؟ فقال أبو موسى: يهودي أسلم ثم ارتد ، فقال معاذ: لأضربن عنقه”. روى أن ابن مسعود أخذ أقوامًا ارتدوا عن الإسلام من أهل العراق ، فكتب فيهم إلى عمر ، فكتب إليه أن أعرض عليهم دين الحق ، وشهادة أن لا إله إلا الله ، فإن قبلوها فخل عنهم وإذا لم يقبلوها فاقتلهم ، فقبلها بعضهم فتركه ، ولم يقبلها بعضهم فقتله.وروي عن أبي عمر الشيباني أن المستورد العجلي تنصر بعد إسلامه ، فبعث به عتبة بن فرقد إلى علي فاستتابه فلم يتب ، فقتله.
    وعندنا أنه لا يجب قتل المرتد غير المحارب فيه تعارضاً لصريح القران ، والأوْلى تأويل الأحاديث لتتواءم مع صريح نصوص القرآن لا العكس ، لاسيما وان الروايات عن قتل مرتد التي ذكرت عن الصحابة ، يجب إرجاعها السياق المجتمعي والسياسي الذي قيلت فيه ، إذ الغالب أن هؤلاء المرتدين كانوا محاربين فوق ردتهم الأصلية. إذ بُعث الرسول صلي الله عليه وسلم في ظروف كان الكل فيها يقاتل ضد الكل ، ولم تكن حالات الحياد والعزلة السياسية والعسكرية معروفة ، بل كانت القبائل تغزو بعضها البعض لمجرد أمور هامشية ، ولما كان المرتد عن الإسلام يلتحق بالقبائل المعتدية في العادة ، فكان بديهياً بالنسبة إلى الفقهاء أن ينادوا بقتل كل مرتد ، لأنه يتحول إلى معتدي لحظتها ، لذا نجد أن عدداً من الفقهاء الأحناف ينادي بعدم قتل المرتدة ، باعتبارها لا تحارب ، بينما يوجب قتل كل رجل مرتد ، باعتباره محارباً.
    وقد يقول قائل إن التهاون في عقوبة المرتد ، يعرض المجتمع كله للخطر ، ويفتح عليه باب فتنة لا يعلم عواقبها إلا الله ، فلا يلبث المرتد أن يغرر بغيره وخصوصًا من الضعفاء والبسطاء من الناس ، وتتكون جماعة مناوئة للأمة ، تستبيح لنفسها الاستعانة بأعداء الأمة عليها ، وبذلك تقع الأمة في صراع وتمزق فكري واجتماعي وسياسي قد يتطور إلى صراع دموي ، بل إلى حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس ، ولكن هذه الحجة العقلية الواقعية يكون الرد عليها بأن فتح المجال لمن يشك في عقائد الدين للتعبير عنها بحرية ، يجعلنا نناقشه فيها ، ونساعده على فهمها ، وإزالة ما علق بذهنه من وساوسَ ، وهذا فيه خير له ، إذ يُقبل على التزامه.
    والحق إن الحرية الفكرية كفيلة بالقضاء على العقائد المنحرفة ، التي لا تنمو إلا في الظلام ، وتحت الأرض ، ولا تجد مبررًا لوجودها إلا بتقوقعها على ذاتها ، ويوم يُفتح باب المناظرة والنقاش على مصراعيه ، فسرعان ما تنهار ، يقول تعالى: كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ {الرعد/17}. ثم إن القائل بقتل المرتد من الممكن أن يجد له مُكَفِّر من المسلمين ، ولو قرَّرنا قتل المرتدِّ لكان على المجتمعات الإسلامية أن يحصد نفسها ، وأن تجتث بعضُها البعض ، أمَّا أهل الأديان الأخرى فلا يتعرض لهم أحد ، لأنَّهم ، في النهاية ، أهل كتاب.
    وغاية القول إن عقوبة الردة ، إذا لم يصحبها خروج على سلطة المجتمع السياسي تظل محصورة في الجزاء والعقاب الأخروي ، كون إن الرؤية الإسلامية تمنح الحرية الدينية والفكرية كاملة ، وليس فيها أي اضطهاد فكري ، وإن حربها على الآخرين سببها عدوانهم وليس كفرهم ، فالكفر ليس باعثا على قتال أحد ، بل لهم حرية مطلقة في الكفر ، وحساب الكافر عند الله تعالى فقط على مجرد كفره ، انه لا عقوبة قضائية على الردة ما لم تتحول إلى خروج حرابة سياسية أو عسكرية على اجتماع المسلمين ، لكنها تبقى أعظم الذنوب في الإسلام ، لأنها هدم لأساس الدين ، مثل قوله تعالى: وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {البقرة/217}.

    ملحوظة: مصادر المقال مثبتة بدراسة عن جدل الايمان والالحاد تصدر قريباً.
    صورة: ‏ورقة النقاش فى منبر أهل الراى غدا الثلاثاء 27/5/2014 هل حد الردة من الاسلام؟. الدكتور محمد المجذوب ان الإيمان بالله تعالي لا يفرض علي الإنسان فرضا ، ولا يمكن فرضه بالإكراه على الناس ، وانما يجعل الايمان بالله من لوازم الوضع الأخلاقي الاختياري للإنسان ، كونه يضمن سلامة العلاقة بين الانسان والله تعالي ، ولذلك انبني التصور الاسلامي على مبدأ حرية الايمان والاعتقاد ، وهو الذي يعطي مجموعة من الحقوق والحرمات ، التي على رأسها. الحق في حرية الفكر والتفكر ، وهو من أعظم الحقوق والحرمات في الرؤية الاسلامية حيث تحرير الفكر الإنساني ، ودعوته إلى التأمل والنظر في الكون ، فكثيرا ما تتكرر وتتاكد معاني وألفاظ العلم في القران دلالات مثل: التعقل ، والتدبر ، والفقه ، والتاويل ونحو ذلك ماني الفكر في الخطابات الإسلامية ، وورودها بهكذا كثرة يحمل دلالات مهمة اهمها ، انه ليس في الإسلام تقليد واستتباع بلا دليل واختيار ذاتي ، لاسيما مسالة الإيمان بالله تعالى الذي هو أسمى عقائد الإسلام ، حيث قامت البراهين والأدلة العقلية الصحيحة على وجود الله التي وافقتها الأدلة النقلية الصريحة وكذا الادلة العلمية السليمة ، واوجبت اخلاقياً وعقلانياً لزوم الايمان بالله تعالي. فكان ان كانت حرية الفكر والتفكير والتعبير ، وحرية البحث ، عن الحقيقة في الكون والانسان امر مسلَّم به ، وعنصر هام في الرؤية الاسلامية يتضمن مبادئ الايمان الراسخ بالله تعالي ، كما ان الرؤية الإسلامية قد تضنت امكانية الخطأ الانساني ، وجعله حالاً من احوال الإنسان في رحلة بحثه عن الحقيقة ، يقول تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ {البقرة/286} ، ويقول: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الأحزاب/5} ، ويقول عليه الصلاة والسلام: “إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان”. ودلالة ذلك إن من حق المؤمن أن ينكر ما يراه باطلاً متفقاً على بطلانه ، بل إن ذلك من واجبه ، ومن هذا الباب جعل الرسول عليه الصلاة والسلام أفضل أنواع الاستشهاد استشهاد رجل قام في وجه سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله ، كونه لا خير في مجتمع لا يدافع الظالم ، لأنه حينئذ لن يقول للمحسن أحسنت ، وهذا من أرقى أنواع النقد الذاتي ، ثم إن الرؤية الإسلامية لا مكان فيها لتحكم قلة قليلة تتحكم باسم الدين ، على الناس وعلى حركة عقولهم كما فعلت الكنيسة حتى باءت بهجران الناس لها ومحاصرة دَورَها الفكري والاجتماعي والسياسي ، مما جعل المجتمعات الأوربية لا تعرف للحرية معنى إلا بسبب ظلم الكنيسة يوم أن خرجوا على تعاليمها ، فتضخمت فكرة الحرية في الفكر الغربي كما لم تتضخم فكرة اخري ، في حين أن الرؤية الإسلامية جاءت بحرية الاعتقاد والايمان والتعبير والنصح منذ تنزلها الأول ، وحاربت في سبيل إقرار هذا المبدأ كل سلطان يعطل ملكة التفكير والتفكر التي وهبها الله تعالى للإنسان. وفضلاً عن حق وحرمة الفكر والتفكير فهناك حرمة الإيمان والمعتقد ، كونها تتأسس على مبدأ الحق في حرية الاعتقاد ، كمحصول مهم لمقصد الحق الالهي والحرية والكرامة الإنسانية ، وهو المبدأ الأخلاقي الذي تأسس مع فجر الإسلام دون أن يطالب به فئة او حزب ، أو تقوم من أجله ثورة ، أو يحدث في سبيله انقلاب ، فقد جاء مبدأ الحق في حرية الايمان والاعتقاد في منظومة الايمان الديني كجزء لا يتجزأ من إقرار الوهية الله عظمته وكرامة الإنسان حرمته ، وغاية معنى حرمة الحرية في الاعتقاد هي أن الرؤية الإسلامية فكر قوي واثق من حقيقته ، ولذلك فانه لا يخشي من حالة الكفر به او الارتداد عنه ، ومن هنا فانه لا يسمح لسلطة مجتمع المسلمين إكراه أحد الناس على اعتناقه مع أنه هو الدين الحق ، ولا يجبر من لا يؤمن أن يترك عقيدته مع كونها باطلاً محضاً ، الا بالاقناع والاختيار لا بالاكراه. كون أن الإيمان المعتد به عند الله تعالى ، هو ما كان عن اختيار وحرية ، يقول تعالى: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {البقرة /256}. ولذلك لا يُعاقِب الإسلام بالقتل لمن ارتد عن دين الإسلام ، وإنما يدع عقابه إلى الآخرة إذا مات على كفره ، كما في قوله تعالى: “وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” {البقرة/217} . وكما في قوله: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ * كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ {آل عمران 85/91}. ويشمل هكذا حق وحرمة حتى أوليك الذين يجعلون من الدين ألعوبة يدخل فيها اليوم ويخرجون منه غدًا على طريقة بعض اليهود ، يقول تعالى: وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ {آل عمران /74} ، فلم يحكم الله تعالى عليهم بحكم القتل بالردة ، بل تنحصر وظيفة الرسول صلي الله عليه وسلم ومن ورائه سلطة المجتمع والقضاء في كونهم اسوة حسنة يبشرون وينزرون ويذكرون ويجادلون ويحاورون ويوضحون وينافحون عن وظائف الرسالة والنبوة ، يقول تعالى: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ * إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ * إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ {الغاشية 21/26} . ويقول: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ {ق/45}. وعلى هذا فان الله الذي خلق الانسان بقدرته من العدم ترك أمر الايمان والالتزام بالدين والتدين أمراً اختيارياً فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وها هو ذا سبحانه ، يقول لرسوله صلي الله عليه وسلم: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ {يونس/99}. إن هذه الآيات الكريمة تؤكد أنه لا يجوز أن يجبر أحد على اعتناق أي عقيدة ، ولم تفرق الآيات بين أن يكون هذا المُجبَر نصرانيا أم ملحدا أم مرتدا عن الإسلام ، بل هي في سياقات عامة تمنع أي إكراه في الدين ، فآية البقرة في قوله تعالى: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ…الآية ، وإن كانت بصيغة الخبر ، لكنها تفيد الطلب. ولو قالت محكمة ما لانسان ما ، عليك أن تعود إلى الإسلام وإلا قتلتك ، لكان هذا إكراها واضحاً ، والآية تمنع الإكراه ، لذا فهي تمنع مثل هذا الحكم والقول وتحرمه. وعلى هذا المعنى يجب ان توضع وتراجع نصوص قوانين العقوبات في مجتمعات المسلمين ، وان تحذف منها تلك النصوص التى تنص على قتل المرتد او الملحد ، أما القول بأن الإكراه المنهي عنه في الآية محصور في الإكراه على الدخول الى دين الاسلام ابتداء ، وأن الإكراه على الرجوع إلى الدين يقع تحت طائلة القتل غير داخل في عموم الآية ، فان هذا تحكم في الدلالة يأباه السياق كاداة حاكمة على انتاج المعني في الخطاب القراني ، خصوصاً وأن الآية وردت بصيغة من أقوى صيغ العموم وهي النكرة في سياق النفي والنهي: “لا إكراه”. وعلى هذا فلا عقاب قضائي في الدنيا على المرتد عن دين الإسلام ، يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {المائدة /54} ، إذ لا توجد في الآية أوامر للسلطة القضائية للمجتمع بقتل المرتدين ، اما لفظة الجهاد هنا – وبحسب السياق- فمقصود بها الكلمة والحجة القرآنية والمجاهدة الفكرية والعلمية التي تفحم الكفرة بالدين وليس قتلهم ، يقول تعالي: إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ * وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ {المنافقون1/4}. ويقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً * بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا {النساء136/138} ، وهكذا نلاحظ انه ليس ثمة أوامر تدعو لقتلهم بل على العكس فإن الانصراف عنهم وتركهم أحياء فرصة لهم من الله ليتوبوا ويعودوا إلى رشدهم مرة أخرى قبل أن يدركهم الموت ، كون قتل المرتد يحرمه من فرص التوبة المتجددة بحكم قانون الابتلاء الذي يحكم العلاقة بين الالهي والانساني ، وهو معنى قوله تعالى: وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا {الكهف/29} ، إنه اذن ابتلاء إرادة الإنسان ومشيئته التي سيحاسب عليها أمام خالقه تعالى يوم القيامة. كما هو ما يفهم من قوله تعالى: مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ * لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ * ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ {النحل 106/110} ، وهكذا نجد اجتماع دلالة السياقات القرانية على تأجيل عقاب الذي يكفر بعد الإيمان إلى يوم القيامة وليس لأحد أن يقتله بحد الردة كما يزعمون ، كون إن الآيات القرآنية التي تحدثت عن المرتد لم تذكر له أي عقوبة قضائية في الدنيا ، بل قصرت ذلك على العقوبة عند الله يوم القيامة. كما نستدل بقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَّرْتَدَّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ” {المائدة/54} بوصفها تدل على أن الله هيأ للمرتدين من يقاومهم ، من المؤمنين المجاهدين الذين وصفهم الله بما وصفهم به ، إلا أن النص لا يصرح بعقوبة القتل قضاء على المرتد ، بل شرع مجاهدتهم لا قتلهم طالما بقوا مسالمين ، أما المجاهدة فتكون بالحجة وبالقرآن ، يقول تعالى: وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا * وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا *فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا {الفرقان50/52}. هذا من ناحية ، ومن ناحية أخري ، فانه في صلح الحديبية ، نجد أن النبي صلي الله عليه وسلم قد وافق على أن من ارتد من أهل المدينة فلا بأس لو التحق بأهل مكة ، وليس له أن يطالبهم به ، كما أن الرسول صلي الله عليه وسلم لم يقتل أي إنسان لمجرد ردته ، بل وافق على أن يخرج المرتد من المدينة إلى مكة من دون أن يعاقبه ، ولو كان قتل المرتد حكما قرآنيا لما وافق النبي صلي الله عليه وسلم على شرط في صلح الحديبية يخالف القرآن. كما يدل على ذلك أن النبي صلي الله عليه وسلم قبل توبة جماعة من المرتدين ، وأمر بقتل جماعة آخرين ، ضموا إلى الردة أمورًا أخرى تتضمن الأذى والضرر للإسلام والمسلمين. مثل أمره بقتل مقيس بن حبابة يوم الفتح ، لما ضم إلى ردته قتل المسلم. روى البيهقي: أن أنسًا عاد من سفر فقدم على عمر ، فسأله: ما فعل الستة الرهط من بكر بن وائل الذين ارتدوا عن الإسلام ، فلحقوا بالمشركين؟ قال: يا أمير المؤمنين ، قوم ارتدوا عن الإسلام ، ولحقوا بالمشركين ، قتلوا بالمعركة. فاسترجع عمر- أي قال: إنَّا لله وإنا إليه راجعون- ، قال أنس: هل كان سبيلهم إلا إلى القتل؟ قال نعم ، كنت أعرض عليهم الإسلام فإن أبوا أودعتهم السجن ، وفي رواية: انه صح عن عمر بن الخطاب (رض) ما يفيد عدم قتل المرتد المسالم ، وهو واضح من قول عمر عن رهط من بني بكر بن وائل ارتدوا والتحقوا بالمشركين وقتلهم المسلمون في المعركة: “لأن أكون أخذتهم سِلْما كان أحب إليَّ مما على وجه الأرض من صفراء أو بيضاء ، قال: أنس بن مالك فقلت: وما كان سبيلهم لو أخذتَهم سلما؟ قال عمر: كنت أعرض عليهم الباب الذي خرجوا منه ، فإن أبوا استودعتهم السجن”. بيد انه قد يستدل دعاة القول بحد الردة بدلالة الآيات الواردة في شأن المنافقين ، لكونها تبين أنهم حموا أنفسهم من القتل بسبب كفرهم عن طريق الأيمان الكاذبة ، والحلف الباطل لإرضاء المؤمنين ، كما في قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعً

  3. يا له من مقال يصلح منهجا لكتابة المرافعات والتشريعات …لو اطلع عليه قضاة العليا لبراوها من اول سطر…وفقك الله فانت موسوعة قانونية وفقهية ومالك لنواصي اللغات ..85

  4. مشكور زميلنا مولانا محمد الفاتح على هذا التناول القانوني التنويري الراقي ..

  5. أهم ما في المقال هو مطالبة هذا المولانا العادل بعدم تدخل البشير كما فعل في قضية اغتصاب فتاة جامعة بخت الرضا واطلق سراح المدان رغم اأييد الدستورية… والكلام ده مقصود بيهو استقلال القضاء وما بيعني انو الكاتب مؤيد للردة كحد.. لكن شكله اورد الحديث عشان يبين انو حتى الرئيس وفقهاء السلطان بيخالفوا الشريعة المتلصقين فيها وداير يذكرهم بالحديث ده عشان ما يحللوا لنفسهم ويحرموا للغير…

  6. من المؤسف أن يتصدر هذا المقال الرائع التحفة تعليق مثل تعليق (المفلوق في نص راسه) فأولاً هذا المقال لغته سلسة وواضحة ,,
    ثانيا الغرض من هذا المقال أن يتثقف الشخص العامي مثلك ويوسع مداركه ليست القانونية فحسب بل اللغوية والفقهية ولقد كدت ايها المفلوق ان تستفيد منه حيث أخذت منه كلمة فذلكة ومع ذلك أخطأت فيها فجعلت الذاي زيناُ .

    ثالثاً: كل القراء ليسوا عوام .
    رابعاً : موضوع مريم ليس للتسلية ويمكنك تتسلي بالمواضيع الاخري

    خامساً هذا الموضوع في غاية الاهمية وليت هذا القاضي كان هو الناظرلهذه القضية لجعل من قراره سابقة يهتدي بها جميع القانونيين طلابا ومهنيين .

    سادسا ماقدمه مولانا محمد الفاتح ليس بحث إنما مرافعة ومدافعة عن الظلم وصدقني أن محاكم الاستئناف لو اطلعت علي هذه المرافعة لجعلت منها الخلاص

    سابعاً القاضي عوض الحسن والقاضي محمد الفاتح كتبا في اختصاصهما وبلغة مجالهمايعني (دي لغة القانون ودي طريقة تناول المواضيع القانونية )

    وفي النهاية علي الكاتبين نظم الكلام وايراد المنطق وماعليهما ان لم يفهم امثال

  7. في نفس المقال ده رفعت تعليق باسم Asad Ibrahim ارجو من الادراه قبل رفعة..تغير الاسم ل Teacher وارفاق العنوان (لو لا اختلاف الاراء لبارت السلع) ولكمم الشكر اجزله.

  8. يجب أن أعترف أن هذه القضية قد أضرت بي وبقواي العقلية أو ما بقي منها أصلا، اذا بقي منها شيء!! فقد تفضل فيض من العلماء والفقهاء والقضاة والأئمة وكتاب الرأي بالخوض في هذه القضية ليل نهار وعلي مدار الأسابيع الماضية، وأوردوا أطنانا من الحجج والآيات القرآنية والأحاديث النبوية ورسائل الفقه ولفتوي علي مدار الأربعة عشر قرن الماضية، والتي اتفقت جميعها علي ضعف الحجج المؤيدة لوجود حد الردة في صحيح الإسلام، عوضا عن إنفاذه وتطبيقه، ولكن لا حياة لمن تنادي. جفت الأقلام ورفعت الصحف ولا إجتهاد ولا يحزنون مع فقهاء

    فالردة هي الموضوع الأول والأخير والشغل الشاغل في دولة السودان الإسلامية المجيدة، التي لا تعرف قضية أو شأنا غيره!! ولما لا، فقد ملأت هذه (الدولة) المسلمة المتفرده الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا، وأشاعت الأمن والأمان والسلم والطمأنينة بين أهله المسالمين المسلمين الكرام، الذين أضحوا يتتفيئون ظلال الإسلام للمرة الأولي في حياتهم، فعادوا أتقياء أنقياء حتي ليكاد المرؤ يحسبهم من جنس الملائكة ونسائهم من جنس الحور (حسنا وبياضا وجمالا)!! فيجب أن نزجي الشكر لقيادة هذه الدولة بعد أن بتنا نعرف العدل في كامل أراضي وطننا الجميل، في هضاب درافور التي عادت إلينا آمنة مطمئنة بعد أن أعيتها حروب الردة (سابقا)، وربوع كردفان الغراء وسفوح جبالها الوديعة بعد أن خربها أهلها (الكفار) اللئام (سابقا)، فالحمد لله علي نعمة الإسلام، وأدام الله دولة الإسلام بالسودان و(مكنها) ووسع من فضلها ومدد عرشها لتعم أركان الكرة الأرضية لتملأها عدلا وخيرا كما فعلت بنا في السودان. وعليه، فاليخسأ الكفار والمرتدون والمرتدات، وليسكتوا والحمد لله رب العالمين.

    والي لقاءنا القادم يوم القيامة في جنة عرضها السماوات والأرض، الفاتحة!!
    تاني مافي كلام؟؟

  9. ما شاء الله فذلكة قانونية بحق وحقيقة ,,,, ويجب أن يستفيد القانونيين المهتمين بقضية مريم بها ,, أما بالنسبة للأهبل المدعو محمد نور فأنت واحد من ثلاثة إما كوز منحط أو أحد أقرباء القاضي مصدر الحكم إن لم يكن هو ذاته . فمولانا مثل دكتور واستاذوالمحامي وغيرها ,, والكاتب ذكرها لأنها اصبحت قرينة بإسمه فالقاضي تقرن به كلمة مولانا حتي لومات وينادي بها حتي بين اقاربه واصدقائه ودائما هنا في الراكوبة او غيرها يكتب الكتاب صفاتهم وقبل كم يوم كانت هناك مقالات لمولانا سيف الدين حمدنا الله , ومولانا دكتور عوض حسن النور وغيرهم تجد استاذ فلان , المحامي فلان الدكتور العقيد فلان فلماذا لم تحتج ,,, كما اخبرك اني بعد التقصي عن هذا الكاتب عرفت انه يمسك بنواصي 3 لغات وعالم في الفقه وورث القضاء أبا عن جد وهو الآن مع زميل له سوداني يديران الشئون القانونية لواحدة من أكبر المؤسسات بالخليج ,,,,, ياليتك تبرز لنا سيرتك الذاتية أنت ,,, اكرر انك أحد الثلاثة الذين ذكرتهم أعلاه .

  10. تناول موضوعي ينم عن الفهم العميق والنافذ لكاتب المقال ورسوخ قدمه فيما تناوله من مسائل فقهية وقانونية ويفضح ويكشف مدى تردي القائمن على أمر القضاء في دولة المشروع الحضاري

  11. بسم الله الرحمن الرحيم

    (فمن اعتدى عليكم فأعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) الآية 193 البقرة
    لقد اعترض احد الجهلة على اطلاق كلمة مولانا علي مولانا محمد الفاتح واخذ يقول متهكما مع جهل فادح ?? المولانا مولانا يا للهبل يا للجهل والتجهيل??.
    فيا هذا الجاهل ?? لقد كتبت المولانا?? ف ??ال?? لا تدخل علي المعرفة وانما تدخل علي النكرة، فمولانا هي ?? مولى?? و ??نا?? فصارت مولانا مضاف ومضاف اليه ? ومن ثم أصبحت معرفة , إذاً دخول ??ال?? علي مولانا جهل فادح
    ومولانا صارت علما لكل قانوني بالغلبة. والعلم عند اهل اللغة ينقسم الي ثلاثة أقسام : اسم وكنية ولقب ? واللقب ما اشعر بمدح كزين العابدين ? وبذم كأنف الناقة وهو لقب يصلح اطلاقه علي المعترض علي اطلاق ??مولانا?? على مولانا محمد الفاتح الذي يستحقها بجدارة واعتزاز فقد ورث هذا اللقب كابرا عن كابر ? فمن كان معترضا ينبغي ان يكون علي علم ودراية وليس من كان فاسد رأي وسئ تدبير ان يعترض علي أمر لا علم له به وان عدتم عدنا يا انف الناقة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..