الأرض الهشة

يعدو البص السياحي ناحية الخرطوم لاستئناف رحلة الرهق مرة اخري في مدينة الضجيج، تكفي اليومين الماضيين لاستنشاق عبير الاقاليم والعيد بينهم، من الشرق تبدو دائما الامور عسيرة، هنا متلازمة البلاد الكبيرة، شارع الاسفلت “الزلق” يصحو علي بقايا وابل غزير من الامطار كأنما ماالخريف يودعنا، الارض المخضرة والممتدة بالزراعة ليست كلها حسنا، الطريق وعلي جنباته الحشائش يبدو مفخخا بالمأساة، طرق المرور السريع في بلادنا تكفي لاشعال القلوب بالخوف، المحظوظ من يصل الي بيته سالم، ليس الطريق وحده من يدس في قلوب المسافرين حزم الوجل، السائقين انفسهم اصبحوا مصدر خطر دائم وكبير، يرسلون العنان لخياراتهم البسيطة، في غمرة انشغالهم بانجاز الرحلة للعودة مرة اخري، يدوسون علي كل الترقب الذي يلف البص، لا كوابح ولا اشارات ضوئية بالحذر في طرق رديئة ومبللة وجاهزة لكتابة قصة ” الشاهد والضحية “، السائقون في الاخر لا يمنحون الركاب ثقة انهم في أيد أمينة، السفر هنا قدر في ارض هشة لاتقدر علي الاحتمال، الطريق والسائق، العربة وجودتها، اطارات السيارة، التخطي الخاطئ والسرعة الزائدة، مفردات كثيفة لاكمال موجز الخبر لحادث بشع، عشرون نفس بريئة تصعد لبارئها وهي في طريقها لمدينة الخرطوم علي متن بص سياحي قادم من مدينة حلفا، فرحة العيد تبدو ناقصة، من هم في الانتظار عليهم ان يلوحوا بالوداع ويمدوا اياديهم بقراءة الفاتحة في المقبرة التي حملت الجثامين في مقابر الصوفي الازرق بولاية القضارف، المدينة التي تستقبل الحادث المروع سريعا تبث الخبر بالمساعدة، علي صفحات التواصل الاجتماعي، من مايكروفات المساجد، عبر الهواتف، الجميع كانوا في المستشفي من يطلب المساعدة في بلد ومدينة مثل القضارف لن يخيب ظنه، سريعا كانت يد المساعدة تمتد لدفن الجثث واسعاف المصابين، الدمعات ايضا علي الغرباء كلهم كانوا هنا كلهم، والارض الهشة ليس فيها من يبني او يعمر، بل ايادي الفساد التي تصنع الاف المأساة ولا تجد من يقطعها.
حسن محمد علي
اليوم التالي