وجع وش

بشفافية

(وجع وش)

حيدر المكاشفي

حكاية شيخ ابو سن زعيم الشكرية مع المفتش الانجليزي عندما سأله رأيه عن مأمور المركز، لها روايتان، الأول تقول أن شيخ العرب رد على السؤال بالقول «كويس إلا رسلولو اولادو» -واللبيب يفهم اشارة الشيخ-، والثانية وهي ما تعنينا هنا هي قوله: «كويس إلا طوّل» -أي طالت مدة بقاءه في المنصب- فشيخ العرب وحكيم البطانة بهذا الرد البليغ انما كان يقرر حقيقة نزل بها القرآن الكريم من فوق سبع سماوات «وتلك الايام نداولها بين الناس لعلهم يتفكرون»، كما كان يشير أيضاً لحكمة أفرزتها التجربة الانسانية الطويلة وهي أن طول البقاء في السلطة والمنصب يفسد الاثنين معاً، المنصب وصاحبه، هذا إضافة الى المعلوم بالضرورة عن أن السلطة المطلقة.. مفسدة مطلقة تورث الاحساس بالعظمة والقوة والجاه والسلطان ولهذا يستمسك بها صاحبها ويستميت من أجلها بكل السبل والوسائل ولو كانت قذرة، وقد رأينا ذلك عيانا بياناً في محاولات الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك المستميتة في البقاء على سدة حكم مصر رغم الاجماع الشعبي الكاسح على رفضه، وهذا هو ديدن كل سلطوي إلا من رحم ربي في الدول المتحضرة والمتقدمة التي جعلت السلطة دولةً بين الناس لأمدٍ معلوم لا يتجاوزونه مهما كان، وهو أمد يقل كثيراً عن المدة التي يقضيها السلطان في بلاد العربان والافريقان ومنها بلادنا السودان، فمنهم من يقضي فيها أكثر من عشرين عاماً وما يزال، ومنهم من شارف على الاربعين سنة حكم قضاها لا يلوي على شيء ولا ينتوي «التنحي» اللهم إلا اذا أتته القاضية فخرج من القصر الى القبر، او شيعته الجماهير باللعنات منبوذاً ومطروداً، ولاهل السودان فيمن يفرض نفسه عليهم ويظل يطل عليهم رغم تطاول الزمن وتعاقب الايام وباختلاف وتعدد المنافذ والواجهات والوسائط التي يطل منها، عبارة وجيزة وناجزة تلخص ببلاغة هذا المشهد الرتيب الممل، إذ يقولون فيه «فلان دا عامل لينا وجع وش»…
و«وجع الوش» هذا كابده أهل السودان لما ينيف عن العقدين من الزمان ظلوا خلالها يصبحون ويمسون على وجوه سلطوية محددة لم تفارقهم أبداً، يفتحون الفضائية السودانية يجدون بعضهم، يتحولون الى «الشروق» يجدون بعضهم الآخر، وهكذا النيل الازرق والاذاعة الأم بتفريعاتها المختلفة بل وحتى إذاعات «الاف إم»، هذا غير المحافل والاحتفالات والكرنفالات، لا مهرب منهم الا اليهم، وجوه محفوظة وأسماء أصبحت مثل مقرر المحفوظات، أبسط مواطن سوداني من كثرة ما ترددت على سمعه هذه الاسماء ومن كثرة ما أطلت عليه هذه الشخوص يستطيع أن «يُسمّع أسمائها صم» دون أن يتردد أو يتلعثم في إسم، فهل عقرت «الانقاذ» أم عقمت حركة الاسلام السياسي حتى تعتقل أهل السودان في هذه الدائرة الضيقة والمغلقة من الاسماء والشخصيات التي ظلت تتبادل المواقع وتتنقل بين المناصب الرسمية وحدها في رشاقة القرود التي لا تترك فرعاً إلا حين تمسك بالآخر، هل يمسك هؤلاء على الآخرين من بني جماعتهم «ذلّة» تمنعهم من تغييرهم وتداول السلطة حتى فيما بينهم، ام ماذا هناك، إن الماء الراكد والآسن يتعفن إن لم يتم تجديده و«كترة الطلّة تمسخ خلق الله»، فهل نسمع باسماء جديدة ونرى شخصيات مختلفة مع ما قيل أنه تغييرات مرتقبة في التشكيلة القيادية القادمة للبلاد، أم أن الحال سيظل كما هو وكأنما «الانقاذ» تحكمنا بشخصيات وليس برامج…

الصحافة

تعليق واحد

  1. شكرا لك الاستا> المكاشفي

    يستحضرني مقالك الشيق بجلسة كنا فيها اصداقاء عقب اجراء الانتخابات الاخيرة المعلولة كما وصفت في وسائط الاعلام نتحدث عن التشكيل الحكومي الجديد بعد فوز المؤتمر الوطني عفوا اللاوطني وعن من يحل في الوزارة الفلانية ومن يشغل المنصب الفلاني واوردنا بعض اسماء من اصابونا بوجع الوش ومن تفتحت اعيننا عليهم عندما كنا نتعلم النشيد الوطني في المدرسة وما زالو الي الان هم فقط علي الكراسي فقال احدنا ( انتو عارفبن ياجماعة حركة الرئيس دي حركة قردية ) يعني كما قلت انو الواحد فيهم ما يفك الفرع الا يمسك بالاخر وهو ما هم عليه علي مدي اكثر من عشرين سنة . ياخ كفاية كدا (جلونا )بكلام العامة او العامية السودانية .

  2. حكام طغاة وأغبياء فقد تمسك بها مبارك حتي الرمق الأخير ومن عبارة (تخليت ) عن السلطة … حقيقة أغاظتني كلمة ( تخليت ) وهي تفرق من كلمة ( تنحيت ) كأن له الحق الحصري في كل شيء وكأنه قد وهب السلطة خاصته ومن تلقاء نفسه ولم تنتزع منه إنتزاعاً.

  3. حكام طغاة وأغبياء فقد تمسك بها مبارك حتي الرمق الأخير ومن عبارة (تخليت ) عن السلطة … حقيقة أغاظتني كلمة ( تخليت ) وهي تفرق من كلمة ( تنحيت ) كأن له الحق الحصري في كل شيء ويملك كل شيء فهو الذي يوهب ويمنع .. قالها وكأنه قد وهب السلطة خاصته ومن تلقاء نفسه ولم تنتزع منه إنتزاعاً.

  4. لله على هذا المقال الرائع.. فعلا ابوسن كان حكيم ولكن مايرمي اليه ابعد من ذلك فعندما قال كويس لكن طول كان يعني استبداد ناظر الخط الانجليزي. كانت بينهما مناكفات بلغت حد السخرية ومايحكى عن الانجليزي انه ترقى اي جاتو ترقية فجاء لابوسن وقال له انا بقيت عب كبير الخ الخ الخ…. وطبعا دا كان من باب الغيظ لابوسن الحكيم. عليه فالشعب الحكيم يعلم لن الانغاذ طول وله يوم اسود

  5. المصادفة العجيبة قبل قراءة مقالك _ علقت على احد المقالات اليوم بنفس محتوى مقالك __ وهو

    عدم تغيير الوجوه فى حكومة الانقاذ والتنقل من وزارة لاخرى ثم المجلس الوطنى ثم اختلاق اجهزة

    باسماء جديدة وباختصاصات متكررة __ فقط لاستيعاب الجماعة _

    ولو تمعنا فى الوزارات الموجودة الآن من حيث الاختصاصات لوجدنا أكثر من وزارة تقوم بنفس

    الدور وبكل وزارة اكثر من وزير دولة _ واكثر من وزارة ولائية فى نفس الولاية __

    ياجماعة فى النهاية الغرض منح أى كوز منصب وامتيازات والاختصاصات مامهم __ وكفى

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..