صراع الحضارات في الرواية العربية نموذج رواية موسم الهجرة الي

تًعد رواية موسم الهجرة الي الشمال للاديب السوداني الطيب صالح ورواية ساهبك مدينة اخري للروائي الليبيي احمد ابراهيم الفقية من ضمن الخمسين رواية عربية الافضل للقرن العشرين ترجمت الروايتين الي عدة لغات مختلفة وتدرس الان في كليات الاداب لبعض الجامعات العربية والعالمية .
نشرت رواية موسم الهجرة الي الشمال لاول مرة في ستينيات القرن الماضي وعلي بدايات الثمانينات كان ميلاد الاول رائعة احمد ابراهيم الفقية وهي عبارة عن ثلاثية تضم ( ساهبك مدينة اخري ، هذه تخوم مملكتي ، ونفق تضيئه امرأة واحدة )
تناولت الروايتين قضية تلاقي الحضارة الشرقية مع الحضارة الغربية ، ويتضح التشابه الضمني للروايتين في بطل الرواية الاولي والثانية ( مصطفي سعيد بطل رواية موسم الهجرة الي الشمال ودكتور خليل الامام بطل رواية ساهبك مدينة اخري ) .
وتدور الاحداث حول رحلة رجل شرقي الي الغرب الاوربي فكانت تراجيديا الانبهار والانفصام بالحضارة الغربية والصراع الثقافي وتكبيل القيود الشرقية التي قاموا عليها وكان التمرد علي القوالب الجاهزة التي عملت علي صياغة الشخصية ويتضح ذلك بصورة كبيرة عند خليل الامام الا ان الجوهر الرمزي حول حقيقية تلك الروايات يكون في مفهوم صراع الحضارة الغربية مع الحضارة الشرقية فالطيب صالح عكس ذلك بصورة واضحة من خلال مصطفي سعيد بان جعل ذلك الصراع قائماً علي الندية والذي تؤطر له الرواية بصورة صريحة بان جعل البطل يذهب غازياً ليس بسلاح وانما من خلال الجنس ، اختلف نمط الصراع عند احمد ابراهيم الفقية فكانت شخصية البطل خليل الامام تتماهي مع الحضارة الغربية بقلق الموروث وعقدة الدونية القائمة علي فكرة التبعية فلم يكن هنالك احتكاكات ولاعنف جسدي حتي في علاقاتة النسائية المتعددة ماعد ذلك العنف العاطفي الذي سببة خليل الامام ( لدونالد) زوج عشقيتة الاولي ( ليندا ) ولعل اشارة الفقية الي ان دكتور خليل يعمل علي نيل درجة علمية من خلال اطروحتة عن اسطورة الف ليلة وليلة ، له الدلالة الواضحة في استمراره في تلك العلاقة المبنية علي الخيانة حتي ولو اعطي لها تفسير بان زوجها يعناني من ضعف جنسي فهو اقرب الي التبرير لاعطاء العلاقة قدسية الاستمرارية .
قد يكون النموزج الشخصي لابطال الروايتين الاساسين قد مر بشكل او باخر علي في حياه احمد الفية والطيب صالح ، مما ادي الي اثارة خيالهم لرسم الشخصيات ( مصطفي سعيد و دكتور خليل الامام ) بعد ان امدهم بما يلزم من ادوات ابداعية وخيال حتي يتثني لهم ان يروا النور وهذا واضح جليا عند مقارنة سيرة حياة الاديببين مع ابطالهم .
فالشخصيتين متفوقين اكاديمياً لهم ذكاء وعبقرية مما اهلهم الي السفر للدراسة في اوربا فكانت رحلة الاول الي لندن والثاني الي اسكتلندا ، يتفق الاديب الطيب صالح مع الروائي احمد ابراهيم الفقية في القالب الدرامي ويختلف البعد الرمزي نوعا ما فنلاحظ ذلك في محاولات عكس صورة العربي الافريقي في الوعي الغربي وايضاً كيف تكون صورة الغربي في العقلية الشرقية ، أن الحقيقة دائماً في المفهوم الروائي تتضح بعدم حيادية الكاتب في مسالة الفكرة التي يحاول ان يقدمها من خلال ما يخطة يراعة ففي عالم الكتابة تكون هنالك دائماً نزعه وانحياز للقضية التي تطرح في الرواية والتي نحدد بصددها الان تتمثل في الصراع الحضاري بين ثقافة الشرق والغرب وهذا بالضبط ما طرحة الطيب صالح بصورة مباشرة وحاول ان ياخذ احمد ابراهيم هذا الصراع الي منحي التماهي التبعي في اعتقادي .فكان التركيز علي الصراع الحضاري من خلال عبارات ورموز من ضمن سياق الرواية ، الا ان هذا لا ينفي ان رواية موسم الهجرة الي الشمال و رواية ساهبك مدينة اخري ومن خلال السرد الابداعي للاديبين عملت علي الاكتشاف والبحث عن القواسم المشتركة وايضا الي مساحات التلاقي الاجتماعي والثقافي وذلك من اجل التوصل الي صيغة تفاهمية بين الحضارتين .
وفي الروايتين ومن خلال السرد نجد أنه تم استخدام ذاكرتين مكانيتين ذاكرة الوطن وذاكرة الغربة ولم يستطيع اي من بطلي الروايتين الخروج من ذاكرة الغربة حتي بعد الرجوع الي الوطن ظلت ذكرياتهم حاضرة ومسيطرة ، ومن هذه الارضية المشتركة بينهم كان التشابة الكبير حتي في النهايات من حيث الضياع او الفقدان فضياع الذات يمكن ان يكون بعدة اسباب اما بالاختفاء كما في نهاية مصطفي سعيد والذي جعل الكاتب نهايته مفتوحة او بالاضطراب النفسي وانفصام الشخصية كما في خليل الامام .
في موسم الهجرة الي الشمال يكون الراوي شخصية اخري خلاف بطل الرواية لم يذكر له الطيب صالح اسم عكس رواية ساهبك مدينة اخري فان الراوي هو نفسة بطل الرواية وهنا يحدث التلاقي الابداعي ، وقد تكون بعض الاحداث في الروايتين نابعة من مواقف حقيقية مرت عليهم خلال تواجدهم بالغرب فكانت تشابة المفردات في بعض الاحيان حول العلاقة الجسدية والانثي الاوربية وهذا امر طبيعي لاشتراك الفكرة والرمزية الي حدما فالعرض التشريحي و التحليلي لتلاقح الثقافات بين الشرق والغرب ينتهي الي عرض تلك العلاقة من عدة اتجاهات .نعم اخذت موسم الهجرة الي الشمال منحني الانتقام من ذلك المستعمر الذي احتل بلاد مصطفي سعيد فولد ذلك احساس بالغبن اقرب الي الحقد فعمل علي الانتقام بطريقتة الخاصة عكس الاخر خليل الامام الذي حاول ان يغوص في عمق تلك الحضارة من باب الجنس محاولاً التغلب علي نزعة جذوره في الصحراء .
تشابه الاحداث يجعل قضية صراع الحضارات موضع اهتمام ادبي كبير فالشخصيات الاساسية تعاني من حالة اغتراب وانفصام حاد وعقد تراكمية تتمرحل من عقدة الانتقام الي عقدة التبعية عند خليل الامام تبدو اكثر واضحا ، فــيتم مصطفي سعيد و( ام ) غير مهتمة عمل علي تكريس علل الانتقام ، وما عاشة خليل الامام من قيود صارمة واب قاسي كان له ابلغ الاثر في حاله عدم الخوض المباشر في الصراعات ظهرت تلك العقدة عندما كان يقارن نفسة بصديقة عدنان وتمني ان يحافظ علي موروثة ولكنة فشل حتي في الصراع مع ذاتة لتحقيق ما كان يتمني ونموزج عدنان يعتبر النموزج الاقوي في رواية ساهبك مدينة اخري للندية مع الحضارة الغربية.
اذن فالقاسم المشترك بين خليل الامام ومصطفي سعيد يتمثل في حالة العقدة النفسية التي ولدها القهر في نشأتهم لذلك كان التمرد في الغرب ياخذ تلك الابعاد الجنسية والاثارة فكان تأجج المشاعر واكتشاف منابع المستعمر الابيض في الانثي هي منبع الحضارة عند الغرب ، والملاحظ ان الصراع في الروايتين اتخذ العاطفة سلاح فليس هنالك اشارات واضحة لصراع سياسي أو اقتصادي أو علمي وإنما مجاله هو المرأة . المرأة فقط واتفقت الروايتين في أن تجعل الذكر شرقي , والأنثي اوربية بحيث يغدو الصراع بين الرجل العربي وانثي الغرب ولعل ذلك يدلل علي الفهم الثقافي الذكوري لدي الشرق العربي والانفتاح الغربي في قضية المرأة .
وبذلك اكد الطيب صالح واحمد ابراهيم الفقية من خلال رؤيتهم تلك انطباع يكاد يطابق المخيلة الغربية للرجل العربي الشرقي ، فحين يرحل الرجل العربي إلي أوربا يكون همه الأول هو الارتباط بالمرأة, وأن أول ما يدهشه ويستقطبه من وجوه هذه الحضارة هو الفتاة الأوربية, أي أنه يقيم علاقته بالآخر من خلالها, وأن ضياعه واستلابه مستمد منها يمكن ان يكون احمد ابراهيم الفقية قد وقع في ذلك من خلال سرده الذي لم يظهر فية الندية وانما الماهي.
ولكن يكون السؤال هل مازالت تلك النظرة للرجل الشرقي في الغرب موجودة الي الان وفي صراع الحضارات بين الشرق العربي والغرب …؟
فالذي اجزم به بان الردة الفكرية في الشرق العربي اصبحت اكثر غلو اتجاة المرأة الغربية فهي مازالت في نظر الشرق العربي تمثل بؤرة الانحلال الغربي.
اكرم ابراهيم البكري
[email][email protected][/email]