المكتبة السودانية :هكذا تكلم مولانا ابيل الير …(7-8)

المليشيا والمراحيل
نظمت الميليشيا والمراحيل على نفس الاسس التي نظمت بها الانيانيا (2) . وكانت الميليشيات تنفذ عملياتها في بعض اجزاء الاستوائية , وخاصة بين قبائل مندري , واشولى, ومادي , وفي غربي بحر الغزال بين قبائل الفرتيت , وكانت اشهر عملياتها موجهة ضد المدنين العزل الذين اتهموا بالتعاون مع الجيش الشعبي . وانقسمت مدينة واو , التي كانت قبل اندلاع الحرب الاهلية الثانية , مدينة حية متماسكة الى منطقتي حرب , إحداهما للسكان المدنيين من رجال قبيلتي الدينكا والجور ورجال شرطتهم والثانية للفرتيت بين السكان , ومليشيتها , وحرس من الجيش السوداني , وظلت قيادة الجيش منحازة للفرتيت عاماً كاملاً . وشهدت مدينة واو خلال ذلك التعاون كثيرا من القتل بين المدنيين من رجال الجور والدينكا , وقد قتل في حادثة واحدة من هذه المجازر نحو من ثلثمائة واربعة وخمسين شخصاً في رواية , واعداد تفوق هذه في رواية اخرى . وكانت هذه المذبحة من عمل الجيش السوداني وحلفائه .
وكانت الحاجة العاجلة الملحة لاهل بحر الغزال هي استعادة روح التفاهم التي كانت سمة المواطنين منذ المهدية . وكان الفرتيت يتطلعون الى ما يطمئنهم على توفر روح وفاقية جديدة من قبل خصومهم , والعكس صحيح , وقد اطل في النصف الثاني من العام 1988 , ما يبشر بمثل هذا التغيير , اذ أخذ كلا الفريقين يدرك حاجته لمزيد من التأمل لاستعادة سبل التعاون القديمة .
أما المراحيل وهم الذين يطلق عليهم هذا الاسم بسبب تنقلهم المستمر , من مكان الى اخر , فقد جندوا من قبائل البقارة في جنوب كردفان , و درافور , ومن غربي الجزيرة وأواسطها , ومن شمال أعالي النيل , وشمال وشمال غربي بحر الغزال . وكان البقارة عبر السنين في هذه المناطق يرعون ماشيتهم ويسقونها خلال موسم الجفاف في الجنوب , وقد ابرموا اتفاقيات مع القادة المحليين للانيانيا خلال الحرب الاهلية الاولى , تسمح لهم بمواصلة الرعي , مقابل دفعهم الضرائب نقداً أو نوعاً, ولكن هذه الترتيبات السابقة لم يتم الالتزام بها في الحرب الاهلية الثانية , وتطور الصدام بين المراحيل والدينكا , والنوير , منذ بداية الحرب , الى هجوم سنوي مسلح في المنطقة الجنوبية , يشنه البقارة . وكان المراحيل في العام 1988 وهم مسلحين بالبنادق , ويتميزون عادة على الاهلين المحليين غير مسلحين في بحر الغزال واعالي النيل , وعلى الرغم من انه كان يعوقهم في الماضي قلة الذخيرة , فإن الحرب الاهلية وفرت لهم مصدراً للسلاح , والتدريب, والبنادق الحديثة , من حكومة السودان . واستعيد استخدام عدد كبير من أبناء البقارة الضباط , وضباط الصف , منذ عام 1986 لمساعدة المراحيل .
ورجال الانيانيا (2) , والمليشيات , والمراحيل لا يحصلون على مرتبات منتظمة , ولكنهم رغم هذا كان لديهم الحافز للقتال , لانهم يحصلون على الغنائم خلال العمليات العسكرية . يضاف الى هذا ما في احتلالهم لمناطق الرعي التي يطعمون فيها في شمال وغربي أعالي النيل وشمال شمال . ص 261
******ميثاق السودان (1987)
اصدرت الجبهة الاسلامية القومية في يناير من عام 1987 ميثاقها للسودان ,يعرض افكارها الخاصة بالدولة القومية السودانية , ويتسم بموازنة دقيقة وحرجة بين واقع تعدد الاديان في البلاد والتزامهم بالاتجاه الاسلامي وضرورة الابقاء على الوحدة الوطنية وهو يتعهد بالتزام الحزب بنظام فيدرالي للحكم , كما يحدد رايه بصورة قاطعة في عدد من النقاط النزاع الهامة . من ذلك مثلا:
1. أن السودان متحد في التنوع , والذي يوحد اهله هو المبادئ الدينية والقيم الانسانية المشتركة , وروابط التعايش , والتضامن , وحب الوطن , ولكنهم مختلفون نسبة الى تعدد الديانات , والانتمائات الثقافية .
2. وحفاظاً على وحدة وكرامة الشعب السوداني , نوصي بالمحافظة على عدد من المبادئ , وتشتمل على احترام المعتقدات الدينية , وحرية الافراد في اختيار عقيدتهم الدينية , وحرمة المؤسسات الدينية وممارستها .
3. ولما كان للمسلمين نظرية شمولية في تناولهم الديني للحياة , وهم الاغلبية في القطر , فيجب ان يكون النظام الدستوري غير علماني , فهم لهم حق مشروع , نسبة الى اختيارهم الديني , ووزنهم الديمقراطي , والعدالة الطبيعية , في ممارسة قيم ومبادئ دينهم , الى اقصى مدى , في الشئون الفردية والاسرية والاجتماعية والسياسية . والعلمانية مرفوضة لانها غربية على المسلمين , وقد تطورت من تجربة اوروبية غربية .
4. والثقافات المحلية التي يعرفها الميثاق بانها الالسنة , والتراث , وطرق الحياة إلخ … تنعم بالاحترام , ويمكن ان يعبر عنها بحرية , كما يمكن تطويرها دون التجني على السياسات التعليمية القومية , او مركز اللغة الرسمية (( التي هي اللغة العربية )).
5. هويات القوميات السودانية المختلفة ينظر اليها كانها خصائص عنصرية يجب عدم تشجيعها دستوريا بشتى الوسائل , بل تمنع بصورة حاسمة . ولكن التمايز العرقي يعتبر أمراً طبيعياً لاصلة له بالانجازات البشرية الشخصية , ولا يصلح أساسا لتفرقة بين الناس والمواطنين في العلاقات الاجتماعية والسياسية والقانونية . كما يجب الا يسمح بالتسلط والحقد والنزاع العرقي.
6. سلطة الهئية التشريعية الفيدرالية عليا , وتشريعاتها تسمو على التشريعات الاقليمية , ليس فقط في مجالات تطابق السلطات , ولكن في مجالات أخرى , وفي حالة الطوارئ الوطنية .
7. تستطيع الهئية التشريعة الفيدرالية ان تعلن حالة الطوارئ تحت ظروف محددة تشمل الحرب, الكوارث, والانهيار الدستوري , وأن تعلق السلطات الاقليمية , والمؤسسات .
8. مصدر التشريع الوطني والاقليمي ( وربما ) مصدر الافتاءات القضائية , هو الفقه الاسلامي
9. السلطة التشريعية في اقليم معظم سكانه ليسوا مسلمين , لها أن تعترض على تطبيق أي حكم ذي طبيعة جنائية , مستمد بوضوح من الشريعة .
10. يطبق النظام الفيدرالي المقترح بالتدريج , كلما توفرت البنيات المادية , والانسانية . ومن المفترض أن تقام موارد مالية مستقلة .

إن ميثاق السودان يدعو الى عقد المؤتمر الدستوري الذي تدعي المنظمات الدولية والاقليمية , والامم المتحدة , والدول المجاورة لحضوره كمراقبين . ومن حق كل المنظمات السياسية السودانية , بما فيها الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان , الاشتراك في الحوار , وفي قرارات حل النزاع .

توصيات لجنة الوفاق الوطني (1988)
بدات لجنة تالفت بمبادرة من دكتور خالد فرح , رئيس تحرير الصحيفة العربية اليومية السياسية , لتدرس وتوصي بقوانين بديلة لقوانين الشريعة الصادرة في عام 1983م , بدات اعمالها في نوفمبر من عام 1987 , وفرغت منها في مارس عام 1988 , وقد أعدت خمسة مشاريع قوانين , اولها قانون جنائي , وثانيهما قانون الاجراءات الجنائية , ثالثها قانون الاجراءات المدنية , ورابعها قانون الاثبات , خامسها قانون الحركة , وكانت هذه الاعمال ثمار قرارات جماعية , اتخذها أعضاء اللجنة التي اشتملت على رئيس قضاء سابق , وعلى رئيس سابق لنقابة المحامين , وعلى عضو سابق في المجلس العسكري الانتقالي , وإداري واسع التجربة , وقاضي جنايات سابق , وسبعة محامين أخرين بينهم شخصي . وقد رسمت اللجنة قانون الجنايات دون ان تضمنه اية عقوبات إسلامية , ولكن أمر مثل هذه العقوبات أرجئ لاجراء مزيد من الدراسة إذا ماارادت الحكومة تطبيقها مستقبلاً . وقد حضر اجتماعات اللجنة رئيس الوزراء , الصادق المهدي , وايد توصياتها في حفل رسمي , أعلن فيه أن الحكومة ستتبناها وتقدمها على وجه السرعة الى الجمعية التأسيسية لتصدرها في شكل تشريعات . وطلب من اللجنة أن تواصل بذل جهدها لدراسة العقوبات الاسلامية خدمة للمؤتمر الدستوري . وكان رئيس الوزراء قد طلب مني ان اصطحبه في ابريل في زيارة لزيورخ بسويسرة , حيث كان مقررا ان يلتقي بدكتور جون قرنق , وينبئه , فيما ينبئه به , بأن الحكومة استطاعت مؤخرا أن ترسم خمسة مشاريع قوانين بديلة لقانون1983 الاسلامي . وكنت على استعداد للسفر الى زيورخ , شريطة أن تكون الدعوة الموجهة الي مشتركة منهما , وان يكون مجلس الوزراء قد اجاز فعلا مشاريع القوانين . وقد قبل رئيس الوزراء الشرطين , ولكن الاجتماع لم يتم أبدا , ولعل ذلك كان للخير , فقد اجري تعديل وزاري قبل أن تقدم الحكومة مشروعات القوانين الى الجمعية التشريعية , لان الحزب الاتحادي الديمقراطي , والجبهة الاسلامية القومية كانا يعترضان عليها , ثم صرفت الحكومة الائتلافية الجديدة المكونة من حزب الامة , الجبهة الاسلامية بقيادة رئيس الوزراء نفسه , النظر عن هذه المشروعات , واستبدالها بمشروعات جديدة , اعدها النائب العام دكتور حسن عبد الله الترابي , الامين العام للجبهة الاسلامية القومية , وقدم بالفعل أحد هذه المشروعات وهو مشروع قانون جنائي , يقوم على الحدود الاسلامية , بما فيها بتريد السارق , والاعدام للنهب المسلح الذي يؤدي الى الموت , وصلب المرتدين , ورجم الزناة والسجن والجلد لشاربي الخمر أو حائزيها , وكان هذا المشروع أقسى من القانون الجنائي لعام 1983 الذي لم يحدد عقوبة الردة.

مبادرة السودان للسلام : ورقة عمل للسلام

سرد تاريخ مشاكل جنوب السودان التي أدت الى الحرب بطريقة غير صحيحة ومبتسرة في وثيقة اعدت في اعقاب عام 1988 بمكتب رئيس الوزراء , الصادق المهدي بعنوان (( مبادرة السودان للسلام : ورقة عمل للسلام )). وهي تدعو لعقد مؤتمر دستوري في السودان في اقرب وقت ممكن .
وحدد المشتركون فيه بانهم حكومة السودان , والاحزاب السياسية العاملة في القطر , والحركة الشعبية لتحرير السودان , على أن يحضره ممثلوا الدول المجاورة كمراقبين , وكانت أجندة المؤتمر تتالف ممايلي:
1. نوع الدولة السودانية : اتكون اقليمية أم فدرالية .
2. الهوية الافريقية والعربية .
3. توزيع الثروة والخطط التنموية .
4. المشاركة في السلطة على نمط ديمقراطي.
تؤكد الوثيقة أن ايه اتفاقية يتم التوصل اليها ستكون صيغة سودانية لهيكل بناء الامة , وفي حالة وصول المحادثات عند نهايتها الى اتفاق , فيما تقول الوثيقة , توضع في الحال ترتيبات تشتمل على اصدار قانون العفو العام , ينطبق على جميع المشتركين في الثورة , واشتراك الحركة الشعبية لتحرير السودان في الحكومة , وإعداد برامج توطينية وإعادة تشييد وتنمية المناطق المتاثرة بالحرب . وعلى الرغم من ان هذه الوثيقة مانت موجهة الى الحكومة الاثيوبية , لا الى الحركة الشعبية , فقد كانت اسهاما كأجندة تشير الى المواضيع التي يجب مواجهتها في سبيل البحث عن تسوية , رغم انها لم تمس جوهر مقترحات التسوية .

مبادرة السلام السودانية الصادرة عن الاتحاديين والحركة الشعبية (1988)
وقع على مبادرة السلام السودانية في السادس عشر من نوفمبر 1988 زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي , السيد محمد عثمان الميرغني , وزعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان دكتور جون قرنق .
وقد أعدت لتمهد الطريق لعقد المؤتمر الدستوري , دون أن تتناول المسائل الجوهرية للنزاع , وهي تكتسب أهميتها من ثلاثة أوجه , اولها أن الحركة الشعبية تحلت بكثير من المرونة فيما يختص بالمسائل الاجرائية , عما فعلت في محادثات وبيان كوكادام , اذ وافقت على تجميد تنفيذ قوانين الشريعة لعام 1983م دون ان تصر على الغائها قبل انعقاد المؤتمر الدستوري , كما اصرت على ذلك في بيان كوكادام . ثانيها : عدم إصرارها على استبدال دستور عام 1985 الانتقالي بدستور عام 1956 المؤقت , المعدل في عام 1964 , وثالثهما : تحديد تاريخ لعقد المؤتمر الدستوري , وتكوين لجنة تحضيرية له . وقد استقبلت بترحيب مفرط في حماسته من قبل وسائل الاعلام , والاحزاب السياسية , ماعدا الجبهة الاسلامية القومية وقيادة حزب الامة , كما حظيت بتاييد عالمي من اجهزة الاعلام الدولية , والافراد والحكومات , بما فيها الحكومات العربية لا سيما مصر , والمملكة العربية السعودية والكويت والعراق .

ورشة عمل امبو (1989)
نظمت ورشة عمل في فبراير 1989م في أمبو بأثيوبيا , بواسطة الحركة الشعبية لتحرير السودان , وتاييد من اثيوبيا . وقد حضرها قطاع عريض من الاحزاب السياسية السودانية , والمنظمات , بما فيها الحركة الشعبية , والمؤتمر الافريقي السوداني , والتجمع السياسي لجنوب السودان , ومؤتمر الشعب الافريقي , وجبهة نهضة دارفور , واتحاد شمال وجنوب الفونج , واتحاد القوى الديمقراطية , واتحاد الاحزاب الافريقية السودانية ومجموعة من نقابات العمال , والمهنين , والاكاديميين , وخاصة من جامعة الخرطوم , ونقابة المحامين السودانيين , ونقابات البنوك .ص286
*****

نواصل لى لحلقة الاخيرة القادمة

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..