مقالات سياسية

وياهم ديل أهلي

ربما تكون حرب الخرطوم هي الحدث الأبشع الذي مر على السودان،

وأقول الأبشع والأفظع لأن الدمار جراء هذه الحرب قد طال كل شئ، دمرت البنية التحتية لولاية الخرطوم  عن بكرة أبيها، دكت عاصمة السودان أرضا بمدنها الثلاث، أحرقت مؤسسات الدولة المهمة على أيدي أناس تجردوا تماما من الإنسانية، الضمير والوازع، قصدوا أن يحرقوا ويدمروا تاريخ دولة، وحاضرها، أحرقوا المتاحف والمكتبات ودور العلم، احتلوا المستشفيات والمرافق الصحية، فدمروها وعاثوا فيها فسادا، كسروا وأحرقوا الأجهزة العدلية والمؤسسات الهامة، عملوا على محو الخرطوم من الوجود،

أما السكان مواطني الولاية، فقد ذاقوا من الويل والأذى، ما لم تشهده عين أو تسمعه أذن في التاريخ المعاصر، من قتل وضرب واغتصاب للحرائر، احتلال وتدمير للمنازل، سرقة ونهب، شرد سكان الولاية، بين نازحين داخليا للولايات الآمنة، ولاجئين خارجيا إلى دول الجوار، مأساة وكارثة استيقظ سكان الخرطوم ووجدوها تطبق على أنفاسهم، معاناة وكرب شديد، فقد الناس موارد الدخل، أصبحوا بين عشية وضحاها صفر اليدين لا يملكون قوت يومهم، احتار بهم الدليل في مجابهة الكرب الذي ألم بهم، أين يسكنون، وكيف يتحصلون على عيش الكفاف، توقفت المدارس والجامعات،

تعطلت حياة الملايين وانقلبت وفقدوا الأمان والاستقرار الذي كان يحتويهم بالأمس القريب،

كان الجميع في حالة صدمة في البداية، وكانوا يمنون النفس بألا يطول الأمر، ربما أسبوع أو أسبوعين، ومع استمرار المعارك وتزايد شراستها تجاوزوا الصدمة إلى مرحلة قبول الأمر الواقع، فما حدث قد حدث والحياة لا بد أن تستمر، حاول الجميع أن يجدوا مخرجا لفقدان الدخول

تحمل المغتربون المنتشرون في أصقاع الأرض نصيب الأسد من مجابهة الأزمة، فأصبحوا يرسلون جل مرتباتهم ودخولهم لأهلهم بالسودان، وبالطبع جاء هذا على حساب أسرهم ونفقاتهم الشخصية التى جعلوها في أقل حد ممكن ليستطيعوا الوقوف مع أسرهم الكبيرة وأقاربهم بالسودان،

وكانت المعاناة أكبر وأصعب على من ليس لديهم من يعينهم بالخارج، فحاول الغالبية افتتاح أعمال صغيرة في ولايات النزوح، من بيع الطعام والمشروبات بمختلف أنواعها، طرق أبواب التجارة البسيطة في الأسواق، وعملت النساء في إعداد المأكولات والحلويات، وقد شاهدت في بلد النزوح أحد الرأسماليين، كان يمتلك مزارعا للدواجن، دمرت مع الحرب، يعمل حاليا في سيارته التي نجا بها من السرقة رحالا، ينقل الناس والبضائع بين مدن السودان، وأستاذا جامعيا يحمل درجة الدكتوراه، يعمل    (كمسنجيا) في محطة مواصلات المسافرين، وغيرهم ممن تبدل حالهم من الغنى إلى الفقر، وفقدوا أعمالهم وشركاتهم ووظائفهم الكبيرة، ليقبلوا بأي عمل يجلب لهم مالا يعينهم على إعالة أسرهم،

بذل هؤلاء النازحون كل ما يستطيعون من جهد لمواجهة المتغيرات الحتمية، التعامل معها وإيجاد مخارج للوضع الاستثنائي الذي انطبق عليهم فجأة وعلى حين غفلة من الزمن،

ضرب الإنسان السوداني مثالا رائعا لتقبل المصائب والمحن والتعامل معها بإيمان عظيم بالقضاء والقدر والتوكل المطلق على الله سبحانه وتعالى، تقبل الجميع أنهم فقدوا كل شئ،

لم يتبرموا ولم يسخطوا ولم يستنكروا قدر الله، فوضوا إليه أمرهم ورفعوا أكفهم بالدعاء سائلين المولى أن يلطف بهم، يبدلهم يسرا بعد العسر وفرجا بعد الضيق وسرورا بعد الحزن، وأن ينتقم ممن أذوهم ويجعل كيدهم في نحورهم ويعوض سكان الخرطوم كل ما فقدوه وزيادة من خزائنه التي لا تنضب،،

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..