السودان.. صندوق البشير!

ليس من المستغرب بعد كل هذا القتل والدمار والتشريد والتهجير الذي حدث بالسودان أن يلجأ نظام دموي كنظام عمر البشير إلي صناديق الاقتراع, ليكشف بذلك عن مرحلة جديدة من مراحل حكم الحديد والنار والتطهير بكل أشكاله. هذه المرحلة قادها البشير بجدارة علي مدي السنوات الفائتة, وأيقن خلالها أن الإرادة الدولية لا تحرك ساكنا ضده لمنعه من قتل الشعب السوداني والتنكيل به. بالتالي فإن لعبة الصناديق ما هي إلا مناورة قديمة جديدة يهدف النظام من خلالها إلي قوننة القتل وجعله شرعياً من خلال صناديق الاقتراع, التي تعطيه الضوء الأخضر والتفويض الشعبي- كما يعتقد هو- للاستمرار في حرب الإبادة الساخرة التي يقودها ضارباً عرض الحائط بكل القيم الأخلاقية والإنسانية.
إعلان البشير عن خوضه الانتخابات في منافسة مع غيره من المرشحين, تكشف اللثام أيضا عن شكل مختلف من الاستهتار بدماء ومصير الشعب السوداني المغلوب علي أمره في ثورته. وبالتالي كان فوز البشير أمراً محتوماً ومعداً مسبقاً وبأغلبية الناخبين كعادة كل الأنظمة الديكتاتورية, التي تتفنن هذا النوع من السياسات, كل المعطيات والمؤشرات دلت علي أن البشير سيخرج من تجربة الانتخابات هذه علي أنه الخيار الأنسب للاستمرار بالحكم- أي الاستمرار باختطاف البلاد والمضي بها نحو مرحلة قاسية من حكم الحديد والنار, بل ومما لا شك فيه بأنها ستكون مرحلة أكثر قسوة من الحالة الأمنية التي كان يعيشها السودانيون قبل اندلاع الثورة السودانية, وفتح باب الدم السوداني علي مصراعيه. فلم يحدث عبر التاريخ أن خرج نظام ديكتاتوري من مواجهته لشعبه بالسلاح والقمع ليصبح أكثر إيماناً بالديمقراطية والمشاركة الشعبية وتداول السلطة واحترام الحريات, بل يجد الشعب عادة نفسه مهدداً بوضعه ضمن قوائم طويلة من المطلوبين والمطاردين والمشتبه فيهم من قبل الأجهزة الأمنية تحت شعار الحفاظ علي النظام وحماية الأمن القومي للبلاد.
انتخابات الخيار الأوحد بعد كل هذا الدمار لا تخلق الشرعية المستوي الدولي, خصوصا إن كان الهدف منها إطلاق يد النظام نحو المزيد من إراقة الدماء في المستقبل, كما أنها لا تمنحه علي مستوي الداخل السوداني صفة القائد الشرعي المطلق بحكم مسرحية صناديق الاقتراع التي اختراعها هو ونظامه. ولعله ليس من المستغرب لو لجأ بعد ذلك لارتداء الأوسمة تكريماً له كقائد ضرورة وكبطل قومي أنقذ السودان من الانهيار وفقاً لمقاييس التي تكون عادة أحادية الجانب, كما معروف شتائم وأكاذيب الإخوان في السودان. وهنا يعيد البشير موال الديكتاتوريات علي مدي التاريخ, والتي يتحول قادتها بعد حدث ضخم بحجم حدث السودان, إلي فراعنة يحكمون بمنطق “أنا ربكم الأعلي”.
اختفاء النظام السوداني بمسرح العرائس الذي أخرجه بشكل فاضح, وبنقل صور الزحف نحو صناديق الاقتراع والتطبيل لها علي أنها خيار الشعب السوداني ينطوي عن الكثير من التدليس والتزوير للحدث السوداني برمته, لأن كل ما يحدث لا يغير من الواقع السوداني المحزن قيد أنملة. هذا بعد أن اصبح التعقيد سمة ملازمة لمجريات الأمور يوماً بعد يوم وبشكل متزايد, ليأتي هذا في ظل معارضة مفككة لم تستطع أن تحقق الهدف المرجو من وجودها سياسيا من جهة, وحيرة النظام العالمي من جهة أخري أمام واقع الشعب السوداني, وعجزه عن اتخاذ التدابير العملية لإنقاذه من آلات الإجرام والقتل أو التخفيف من معاناته بالحد الأدني.
فالشعب السوداني الذي احتلط عليه الحابل بالنابل, وجد نفسه علي مدي ربع قرن ملقي علي قارعة الطريق المجهول لمواجهة شكل فريد من إجرام الديكتاتورية, دون أن يري بصيص أمل للخلاص في آخر نفق الخوف الذي دخله. وهو بالتالي لا يملك غير خيار “الرضي من الغنيمة بالإياب” ليشتري ما بقي من عمره, ومستقبل أولاده من نظام لا يقيم وزناً لكمية الدماء التي يريقها كل يوم, ولا يتواني عن التدمير الشامل لمقدرات الشعب وحيلته. حتي جعل الشعب بين خيارات الثلاثة فقط وهي إما البشير أو البشير أو الموت بكل الأشكال..
يخطئ النظام السوداني حيث يعتقد أن الشعب السوداني قد فقد ذاكرته, أو أنه يستطيع من خلال الصناديق غسل الأدمغة بإلغاء الجريمة ومحوها وتويل علاقته التي تلطخت بدماء الأبرياء مع الشعب إلي علاقة تقبل التفاهم وترضي بحجم الجريمة والعقاب. فالعلاقة اليوم هي علاقة مبنية علي ميزان عدالة مائل إلي جهة الجلاد علي حساب الضحية. وهو القضاء الاجتماعي الذي لا يقبل إلا بالحديث بلغة الثأر والقصاص للمظلوم من الظالم. وهنا علي البشير أن يتذكر أن النفوس الأيتام والأرامل المكلومين بعدد كبير من موتاهم, القدرة علي إعادة دورة الحدث السوداني من جديد إلي نصابه, بعد أكثر من عشرة أعواما عجاف تركها البشير عالقة بذاكرة الناس- إلي أن يشاء الله- لم يرّ خلالها هذا الشعب فسحة أمل بحياة الحد الأدني.
احمد قارديا خميس
[email][email protected][/email]
انا شايف الانتخابات دي فيها جانب ايجابي مهم للكوادر المعارضة في الاحياء حيث تمكنهم من معرفة وحصر عضوية المختمر البطني وامنجية النظام في كل حي وذلك فقط من خلال اصابعهم المحننة بحبر الاقتراع ياما انت كريم يا رب خلاص اي غواصة عامل معارض بنعرف
انا شايف الانتخابات دي فيها جانب ايجابي مهم للكوادر المعارضة في الاحياء حيث تمكنهم من معرفة وحصر عضوية المختمر البطني وامنجية النظام في كل حي وذلك فقط من خلال اصابعهم المحننة بحبر الاقتراع ياما انت كريم يا رب خلاص اي غواصة عامل معارض بنعرف