الجهاد هو الإيديولوجيا الجديدة للاحتجاج في أفريقيا

تقرير خاص ? (الإيكونوميست) 18/7/2015

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

أبوجا، باماكو والخرطوم – كانت رحلة الهبوط من وجهة سياحية إلى أرض حرام لا تنتمي لأحد قصيرة بالنسبة للساحل الكيني. وأصبح الزوار الأجانب الوحيدون المتواجدون على الشاطئ في الأشهر الأخيرة هم الجهاديون الصوماليون فقط. وقد استولى هؤلاء على المساجد، وعينوا دعاة الكراهية ورفعوا الأعلام السوداء. وينضم الشباب المحليون إلى صفوفهم بالمئات. ويتعرض المسيحيون في البلد للأذى أو يتم سحبهم من الحافلات وإطلاق النار عليهم بالعشرات. ويصف الوضع محافظ مانديرا، المقاطعة الكينية التي يقطنها مواطنون من عرق صومالي، بأنه “ميؤوس منه تماماً”. وبالمعدل الحالي، ربما سيصبح الساحل الكيني شبيهاً بشمال نيجيريا. ويتحدث أحد السفراء في نيروبي بحنق عن “ولادة ?بوكو حرام? كينية”، في إشارة إلى الجماعة الإسلامية النيجيرية الأكثر وحشية.

بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة في تونس، بدأ الأوروبيون يشعرون بالقلق من توجيه المتطرفين بنادقهم إليهم عبر المتوسط. لكن الاحتمال الأكثر ترجيحاً كما يبدو هو أن تنعطف بكتيريا الجهاديين صوب الجنوب. وقد التقطت منطقة الساحل الأفريقي، الحزام القاحل على الحافة الجنوبية للصحراء الأفريقية التي تمتد من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر، حمى الإرهاب مسبقاً من الجزائر وليبيا.

تصبح المزيد من الأماكن في جنوب الصحراء الأفريقية باطراد مناطق موبوءة بالإرهاب، بما فيها أجزاء من الكاميرون، وتشاد، ونيجيريا والنيجر. وقد أصبح شمال مالي منطقة خارج الحسابات بالنسبة للغرباء (وخاصة الغربيين) منذ الانتفاضة المدعومة من الإسلاميين في العام 2012، رغم التدخل العسكري الفرنسي في العام 2013، والذي أوقف الجهاديين عن التقدم إلى عاصمة مالي. وقتلت الهجمات الأخيرة التي شنتها حركة “بوكو حرام” مئات من الناس في كل من نيجريا وتشاد، إلى حد دفع الرئيس النيجري، محمدو البخاري، إلى عزل قادة جيشه.

على الجانب الشرقي من القارة، تسرب العنف الإسلاموي إلى جنوب خط الاستواء، قاطعاً مسافة بعيدة إلى تنزانيا القصية. وباستخدام القنابل المصنعة يدوياً، والمسدسات ودلاء الأسيد، هاجم المتطرفون القادة المسيحيين والسياح هناك. كما أصبحت تنزانيا أيضاً نقطة عبور للمتطرفين الأوروبيين. وكان “الجهادي جون” العضو البريطاني في مجموعة “داعش” المعرف بقطعه رؤوس الناس أمام الكاميرا، قد عبر من خلال دار السلام، أكبر المدن التانزانية، قبل أن يتجه إلى سورية.

الآن، أصبحت أكثر من دزينة من بلدان من منطقة جنوب الصحراء الكبرى تتعامل مع الحركات الجهادية في الوطن. وتضم هذه البلدان كلاً من الكاميرون، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وتشاد، وأريتريا، وأثيوبيا، وكينيا، ومالي، وموريتانيا، والنيجر، ونيجيريا، والصومال، والسودان، وتنزانيا وأوغندنا. وتشكل الهجمات الجهادية في الكثير من هذه الأماكن حدثاً يومياً أو أسبوعياً. والأسلحة متوفرة هناك على نطاق واسع، وقد تخلفت في كثير من الأحيان من الحروب الأهلية العلمانية. وقتل عشرات الآلاف من الناس هناك حتى الآن.

يشكل السودان مفترق طرق تتجمع من خلاله الجماعات المتطرفة أو تتبادل الرجال والموارد والدراية. وكان انقلاب في العام 1989 قد جلب إلى السلطة مجموعة من الجنرالات المتحالفين مع إسلاميين متزمتين من حقبة أبكر، والذين لعبوا قبل عقدين دور المضيف لأسامة بن لادن. ومنذ ذلك الحين، أصبح النظام متشككاً إزاء الإسلاموية الجامحة، رغم أنه لا يعارض فكرة احتوائها أيضاً. وما تزال جامعة الخرطوم، العاصمة السودانية، تشكل نقطة جذب للطلبة المتطرفين الذين انتقل البعض منهم إلى ميادين المعارك في الشمال والشرق، متعقبين خُطى بن لادن.

تتنافس علامتا الجهاد العنيف الرئيستان؛ “الدولة الإسلامية” و”القاعدة”، على ولاء الجماعات المختلفة من الجهاديين الأفارقة. ومع ذلك، تبقى الصلات بين الجماعات أكثر تعقيداً من مجرد تعهدات الولاء المجردة. وتتشكل الصلات عبر الحدود في كثير من الأحيان -فيما ينطوي على مفارقة- ليس عندما يكون المتطرفون أقوياء، وإنما عندما يكونون ضعفاء. وخلال حملة شُنت ضد مجموعة “بوكو حرام” في العام 2009، ذهب الكثيرون من قادتها إلى تشاد والسودان والصومال. ومنذئذٍ، أصبحت الأصوات العربية السودانية تُسمع في أشرطة “بوكو حرام” الدعائية. وكان صانع السيارات المفخخة الرئيسي للمجموعة قد تلقى تدريبه في الصومال. وأدت التكتيكات العسكرية المتحركة التي تم تعلمها في تشاد (المعروفة باسم “حرب تويوتا”) إلى تحويل طريقة عمل “بوكو حرام” القتالية. وعندما أصبحت المجموعة في صعود خلال السنة الماضية، حولت أنظارها عبر حدود نيجيريا إلى الشرق، بعد أن قامت بتجنيد الكاميرونيين خلال الأوقات الأكثر صعوبة.

تعمل الهزائم المحلية للمجموعات الإسلامية، متبوعة بهروبها، على تسريع تشكل ورم خبيث على المستوى القاري. ومن المحتمل أن ينتشر سرطان الجهادية في منطقة جنوب الصحراء الأفريقية إلى الخارج من الصراعات الجارية الآن، والتي تنخرط فيها مجموعات في ليبيا ونيجيريا، ويرجح أن يهرب أعضاؤها إلى منطقة الامتداد الرملي الفسيح الذي يغطي الكثير من أجزاء أفريقيا شمال خط الاستواء، كما حدث بعد أن حاولت القوات الفرنسية القضاء على المتطرفين في شمال مالي في العام 2013.

لم يكن للحدود في منطقة الساحل الأفريقي الكثير من المعنى في أي وقت مضى، وظلت السياسة هناك متشابكة مع التجارة منذ وقت طويل. وقد نشأت الجماعات الجهادية، مثل “أنصار الشريعة”، و”حركة الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا”، و”القاعدة في المغرب الإسلامي”، من شبكات تهريب عبر منطقة الصحراء. وتستطيع هذه الجماعات عبور مسافات شاسعة بارتياد مسارات تتعقب طرق التجارة الصحراوية التي يعود عمرها إلى قرون خلت، لكنها ما تزال غامضة. ويقول ضابط استخبارات في نيجيريا: “إن خريطتهم ليست واحدة نعرفها نحن”.

رغم أن الجماعات المتطرقة تتلقى الدعم من نخب جيدة التمويل، فإنها لم تكن لتستطيع البقاء من دون الدعم الشعبي. وتتغذى كل واحدة منها على مظالم محلية معروفة جيداً. ومن مالي إلى نيجريا إلى كينيا إلى تنزانيا، تبقى القصة هي نفسها: إن المتطرفين يظهرون من -ويتوددون إلى- السكان المسلمين الذين يعيشون على الهوامش الوطنية، والذين ضاقوا ذرعاً بعد عقود من الإهمال والتمييز وسوء المعاملة من حكامهم. ويستطيع الجهاديون استغلال التوترات الدينية القائمة من أجل كسب السيطرة على المجتمعات المسلمة الساخطة.

بالإضافة إلى ذلك، خلقت الصراعات التي تثيرها المجموعات المتطرفة عدداً متعاظماً باطراد من اللاجئين الذين يكونون إما مكشوفين أمام التطرف، أو أنهم يتسببون بنوع من السخط الذي يشعل جذوته.

لا تقتصر الأسباب التي تدفع التطرف الأفريقي المتزايد على مسألة الفرصة أو قوة النيران، وإنما تتعلق بالإيديولوجيا أيضاً. ومع أن من غير المرجح أن تنشأ خلافة كبرى تمتد من الموصل في شمال العراق إلى مايدوغوري في شمال شرق نيجيريا، فقد انتشرت نكهة مميزة من التفكير السام عبر آلاف الأميال. لقد أصبحت الإسلاموية هي إيديولوجية الاحتجاج الجديدة في القارة.

هكذا أصبحت هذه الإيديولوجية قوية بطريقة فريدة تقريباً. ومع أن السياسة الأفريقية تميل إلى الدوران حول الولاءات القبلية والعرقية، فإن ذلك يترك الكثير من الفراغ السياسي الذي لا يسيطر عليه أحد. وهناك تستطيع مجموعة مثل حركة الشباب الصومالية عرض نفسها على أنها تكوين “فوق القبيلة”.

لا يمكن أن يغير هذه الدينامية في المنطقة الأفريقية سوى وجود تنافس سياسي حقيقي. ومع ذلك، ينطوي معظم القادة العرقيين والقبليين على القليل من العناية بالتخلي عن سيطرتهم على السلطة. وبذلك تُترك الحكومات الأفريقية والغربية ..

حمرين نيوز

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..