الأفلام توثق قصص الصحافة: دس السم في العسل

في فيلم مليء بنجوم أقوياء، يتطرق ?سبوت لايت? لقصة جيدة من عالم الصحافة مبنية على أسئلة محرجة كسرت النظرة النمطية للصحافة التي كانت ترى فيها الأفلام القديمة ?فضائح? لا غير.
العرب
واشنطن – في مقابلة تم إجراؤها في عام 1960 مع الممثل الأميركي أورسون ويلز قال ?أنا أكره رجال الصحافة?.
وكان لهذا الشعور شيء من التأثير. كان ويلز، الرجل الذي رسّخت صورته في الفيلم الأميركي الدرامي ?سيتزن كين? (المواطن كين) الذي بدأ عرضه في عام 1941 ويجسد فيه دور مالك ثري لإحدى الصحف، العلاقة الأبدية بين السينما والصحافة؛ وهما اثنتان من المؤسسات الكبرى في القرن العشرين اللتان يتم تشغيلهما بنفس النوع من التكبر.
لا تزال إستوديوهات السينما وقاعات العمليات الإخبارية تشترك في نفس مالكيها، لكن أصبحت التكتلات اليوم مترامية الأطراف. وبعد فترة طويلة من عرض فيلم ويلز، أخذ المدير توم مكارثي وجهة نظر أكثر لطفا من الصحفيين.
يروي فيلمه الجديد، ?سبوت لايت?، قصة فريق التحقيق التابع لصحيفة ?بوسطن غلوب? الذي كشف في عام 2001 عن الاستغلال الجنسي للأطفال من جانب كهنة الكنيسة الكاثوليكية.
وقد تمكن مكارثي من عبور عدة مسارات من خلال هذا العمل: حيث أنه كان في السابق ممثلا، واشتغل كمراسل في الموسم الأخير من السلسلة التلفزيونية ?ذي واير?.
بدأ مكارثي (49 عاما) مسيرته كمخرج في عام 2003 من خلال العمل الدرامي ذي الميزانية المنخفضة ?ذي ستايشن أيجنت? (عامل المحطة).
وفي منزله في نيويورك، قال إنه يستقي معظم الأخبار من الصحافة المطبوعة، وعندما يتمكن من افتكاك الأيباد من أولاده، يستقي أخباره من المواقع مدفوعة الاشتراكات.
وتساءل ?لماذا يجب أن تكون الصحافة مجانية؟ إنها مثل السوشي. أنا لا أريد هذا النوع الرخيص منها، وأريد النوع الجيد?.
الصحافة التي تم التطرق إليها في فيلم ?سبوت لايت? تعتبر من النوع الجيد، حيث أنها تنبني على أسئلة محرجة، والتي تدفع إلى النظر بعناية في التفصيلات.
“سبوت لايت” يروي قصة فريق التحقيق التابع لصحيفة ?بوسطن غلوب? الذي كشف في عام 2001 عن الاستغلال الجنسي للأطفال من جانب كهنة الكنيسة الكاثوليكية
في فيلم مليء بنجوم أقوياء أمثال: مارك روفالو، راشيل ماك ادمز ومايكل كيتون، يعتبر غياب البريق نوعا من الطيش، خاصة في عالم الصحفيين الاستقصائيين الذين تم التعرف عليهم بشكل سريع.
المقارنة الواضحة التي وردت في فيلم ?أول ذي برزيدنتس مان? (كل رجال الرئيس)، الذي تم إنتاجه في عام 1976 ويتعرض لفضيحة وترغيت التي رافقت السباق الانتخابي للرئاسيات الأميركية في عام 1972 والتي تحدثت عنها صحيفة واشنطن بوست، وقد لعب كل من روبرت ريدفورد وداستن هوفمان دور مراسلي الصحيفة بوب وودوارد وكارل بيرنشتاين. وهو من الحكايات الممتازة عن المخالفات الكبرى التي لولا الصحافة لما سمع بها العالم، على غرار حكاية ?سبوت لايت? الذي يعتبر من الأفلام التي تتحدث عن الصحافة التي يستمتع بها الصحفيون.
كما أن الفيلم هو الأفضل بين المتراهنين على الفوز بجائزة أفضل فيلم خلال حفل توزيع جوائز الأوسكار الشهر المقبل.
وهذا التتويج يمكن أن يكون خبرا سارا للصحافة نفسها. في عام 2001، بدأت صحيفة ?بوسطن غلوب? تفقد عائدات الإعلانات المبوبة لموقع كريغزلست. وهو ما تم اعتباره ?حمام دم? قد يلحق بالصحافة الاستقصائية.
ولكتابة الفيلم، استأجر مكارثي جوش سينغر كمتعاون، الذي كان كتب السيناريو لفيلم ?ذي ففث استايت? (السلطة الخامسة)، (2013) يدرس العلاقة المضطربة بين صحيفة الغارديان والصحفي المتقلب جوليان أسانج.
على عكس ذلك، هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تجميع تحقيق أجرته صحيفة ?بوسطن غلوب? في كتاب، وهو ما ترك الفرصة لمكارثي وسينغر لربط أحداث متتالية لأكثر من عقد من الزمن. بعد تسعة أشهر من المقابلات مع صحفيين في بوسطن، والتي أجراها فريق ?سبوت لايت?، كشفت المقابلات أن الصحفيين عادة ما كانت لهم أشياء أخرى ليفعلونها، وليست لهم رغبة ليصبحوا من شخصيات الفيلم.
منافسة على الأوسكار
?لقد أجرى الصحفيون مواضيع مقابلات رهيبة. جميعهم لديهم طريقتهم الخاصة للتملص منك?.
ببطء، استعملوا التفاصيل الصغيرة للكشف عن الصورة الكبيرة. ?كلما واصلنا الغوص في عمق القضايا، واضطررنا إلى العودة إلى بوسطن للفحص وإعادة فحص الأمور، كلما وجدنا صدى بين عملياتنا وعملياتهم?.
أدت تعويذة ?الاستمرار في الدفع? في النهاية مكارثي وسينغر لتحقيق ذلك، قبل سنوات من رؤيا فريق ?بوسطن غلوب?، إلا أن واحدا من فريق ?سبوت لايت? وجه صفعة قاسية للجميع من خلال انتهاز الفرصة لكشف خبايا القصة. جعل هذه القضية مصدر جدل كان أمرا غير مريح جدا، ?لقد كنا نعرف هذا الشخص جيدا، وكان بطل قصتنا?.
لهذا انتهى ?سبوت لايت? كفيلم حول تقرير شجاع، والذي يمثل مجرد التطرق إليه شيئا من الشجاعة: وقد كان الفيلم بمثابة نوعية نادرة في مجال الصحافة، ناهيك عن العالم السينمائي.
يرى مكارثي في الاستجابة لفيلمه نوعا من الأمل. وصرح ?إنك ترى عاطفة متجددة لأعمال تتميز بالحرفية الآن. ولكن دعونا نكون صريحين: هناك مفارقة لتصوير احتضان الصحافة باعتبارها من المجالات المستضعفة. الأفلام التي تم تصويرها حول الصحافة منها ما يمكن اعتباره فيلما أحمق على غرار ?هيز غول فرايداي? (1940)، الذي رسم الصحافة على أنها حفرة للثعابين?.
ولم يكن فيلم ?سيتيزن كين? سوى صورة أكبر لذلك، حيث أن موضوعه يتطرق للصحافة الصفراء التي كانت سائدة في الولايات المتحدة خلال تسعينات القرن الماضي.
كان بيلي وايلدر أشد قسوة في الفيلم الذي صدر في عام 1951 بعنوان ?اسي إن ذي هول?، والذي لم يحمل أي نوع من الحلاوة التي ظهرت في فيلم ?سام لايك إت هوت? (البعض يريده ساخنا). بدلا من ذلك، زمجر كيرك دوغلاس واحتقر أحد مقدمي الأخبار واسمه تشاك تاتوم، الذي تقطعت به السبل في ألباكركي، وهي إحدى أكبر مدن ولاية نيو مكسيكو الأميركية، بعد أن تمت إهانته ثانية.
وقد تحدث الفيلم أن الخلاص جاء عندما تم إلقاء القبض على رجل محلي في أحد الكهوف في الصحراء. بدعوى الحصول على السبق الصحفي، شهد الفيلم نوعا من التواطؤ من أجل ضمان بقاء الضحية محاصرا حتى تبدو القصة وكأنها تصوير للحقيقة.
هناك لحظة تاريخية مؤلمة تمثل خلفية لفيلم حول واقع الحياة في الصحافة. ويحمل هذا الفيلم اسم ?تروث?، والذي يمكن اعتباره نوعا من التهور.
توم مكارثي: لماذا يجب أن تكون الصحافة مجانية؟ إنها مثل السوشي
ويتحدث الفيلم عن عملية الكشف عن السجل العسكري للرئيس الأميركي السابق جورج بوش خلال البرنامج التلفزيوني 60 دقيقة، قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2004. في إشارة إلى أمجاد الماضي، هناك دور للممثل روبرت ريدفورد، يجسد فيه دور الصُحفي الأميركي ومُذيع الأخبار السابق في برنامج الأخبار المسائية على شبكة قنوات سي بي إس، المخضرم دان راذر.
ولكن في الوقت الذي يبدو فيه فيلم مكارثي مليئا بالعديد من الخطابات حول نبل الصحافة، إلا أن فيلم ?تروث? (الحقيقة) يستند إلى قضية مقنعة.
وقعت قصة فيلم ?مابيس? في مستنقع الاتهامات المضادة بشأن أبحاثها، حيث احتوت على خلل كبير عمدت من خلاله إلى تشويه معسكر بوش.
في فيلم ?تروث?، تم تقديم ذلك على أنه عواء غير عادل، في الحقيقة، كانت القصة فاسدة، ولها عواقب وخيمة على جميع الأطراف المعنية.
ربما لهذا السبب، مقارنة مع ?سبوت لايت?، تم اعتبار فيلم ?تروث? وكأنه شيء من تقديم الأعذار أكثر من كونه عرضا للرؤى.
إذا لم يفز فيلم ?سبوت لايت? بجائزة بيست بيكتشر أوسكار (جائزة الأوسكار عن أفضل صورة)، فإنه سوف يكون قد حصل على واحدة أكثر من تلك التي حصل عليها فيلم ?سيتيزن كين? في عام 1941. وبالتالي، سوف يكون التوقيت ملائما لرجل الصحافة حتى يأخذ بثأره.