أخبار السودان

تحقيق بيت الميرغني الحلقة 5

مقدمة الحلقة (5)
الحزب السياسي لـ (بيت الميرغني) شهد ثلاث مراحل من التحولات، بدءاً بـمجموعة (الأشقاء)، والتي اندمجت مع أحزاب اتحادية أخرى في الحزب (الوطني الاتحادي) بقيادة الزعيم إسماعيل الأزهري.. وعندما (تمرد) الرواد على مولانا علي الميرغني، وحاولوا فصل (القداسة عن السياسة)، تأسس حزب جديد لـ (بيت الميرغني) في العام 1958 تحت اسم (حزب الشعب الديموقراطي)، ويبدو أن هذه أول مرة تستخدم كلمة (ديموقراطي) في تسمية حزب سوداني.
بعد ثورة أكتوبر 1964 وبالتحديد في 1968 اندمج حزبا (الوطني الاتحادي) و(الشعب الديموقراطي) في حزب جديد، اختير له اسم (الاتحادي الديموقراطي)، أي النصف الأخير من اسم كلاً من الحزبين.
وهو الحزب الذي لا يزال يعمل تحت العلامة السياسية لـ (بيت الميرغني).
حزب من لا حزب له..!!
الحزب (الاتحادي الديموقراطي) يصفه أتباعه بأنه (حزب الوسط)، والحقيقة هو (حزب من لا حزب له)، فليس في الانتماء إليه أية إجراءات (تعميد) أو مترتبات أخرى.. إذ لا يعتد الحزب بأي أطر فكرية أو عقدية أو جهوية أو حتى طائفية، فرغم أن أتباع الطريقة الختمية هم بالضرورة جماهير الحزب.. إلا أن الانتماء إليه لا يستلزم الانتماء إلى الطريقة الختمية لا على المستوى القاعدي في الحزب ولا على المستوى القيادي.
? حزب الحَضر..
الأستاذ أحمد عبد الرحمن أحد رموز الحركة الإسلامية قال: إن الحزب الاتحادي الديموقراطي يستفيد كثيراً من خاصية (السيولة) المذهبية والفكرية هذه؛ لأنه يستوعب الغالبية الصامتة التي لا تنتمي إلى الأطر الفكرية والمذهبية السياسية.
ويقول أحمد عبد الرحمن: إن الحزب الاتحادي الديموقراطي هو (حزب الحَضر)، يسيطر على جماهير المدن أكثر من الريف، وهذا مصدر قوته؛ لأن جماهير الحضر أكثر قدرة في التأثير السياسي والمشاركة في صنع القرار الوطني.
? الحزب الثاني.. (برلمانياً)..!!
في الحقبة الحزبية الثالثة (1986-1989) نال الحزب الاتحادي الديموقراطي برئاسة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني المقعد الثاني بعد حزب الأمة القومي برئاسة السيد الصادق المهدي في ترتيب الكتل النيابية داخل البرلمان المنتخب في 1986.
نشأ تحالف سياسي بين حزبي الأمة والاتحادي الديموقراطي في مواجهة الحزب الثالث في ترتيب الكتل النيابية وهو حزب الجبهة الإسلامية القومية بزعامة الدكتور حسن الترابي الذي يمثل الحركة الإسلامية وتحالفاتها.
كان (بيت الميرغني) في قلب العملية السياسية.. أحمد الميرغني رئيساً للسودان (مجلس رأس الدولة)، وشقيقه محمد عثمان الميرغني ناشط في كل المحافل.. نجح في استثمار علاقاته الدينية والعربية مع الرئيس العراقي صدام حسين في الحصول على شحنة أسلحة من العراق لصالح الجيش السوداني، الذي كان يسعى إلى تحرير مدية الكرمك الحدودية، والتي سيطر عليها الجيش الشعبي بقيادة جون قرنق.
ثم وقَّع محمد عثمان الميرغني اتفاق (الميرغني-قرنق) في 16 نوفمبر 1988، ليهتز الملعب السياسي كلَّه بعد أن شكلت الاتفاقية نقلة سياسية مهمة وضعت الحزب الاتحادي الديموقراطي في موقع متقدم قياساً بحزبي الأمة والجبهة الإسلامية القومية، فنشط الأخيران في إفشال الاتفاقية حتى تحقق لهما ذلك.
في فترة مبكرة من الحقبة الحزبية الثالثة خرج بعض (نجوم) حزب (بيت الميرغني)، واستعادوا اسم حزبهم الأول (الوطني الاتحادي)، على رأسهم الأستاذ أحمد زين العابدين المحامي، ورغم أن الانشطار لم يؤثر كثيراً على قوة الحزب إلا أنه كان (صافرة البداية).

بعد الإطاحة بنظام الحكم الحزبي، وبداية حكم الإنقاذ في 30 يونيو 1989، بدأ الحزب الاتحادي الديموقراطي يواجه التحدي الأول، مجموعة السيد الشريف زين العابدين الهندي رفضت المعارضة الخارجية وعادت إلى السودان- هذه المجموعة ضمن عناصر ناشطة وضليعة في العمل السياسي- أثر خروجهم كثيراً على تماسك حزب (بيت الميرغني) الاتحادي الديموقراطي.
خلال سنوات حكم الإنقاذ بدأت مجموعات أخرى تغادر الحزب الاتحادي الديموقراطي، وتؤسس أحزاباً اتحادية جديدة، إلى أن وصل العدد الآن إلى حوالى (8) أحزاب، على رأسها الحزب الاتحادي الديموقراطي برئاسة الدكتور جلال يوسف الدقير، الذي حاز على تسجيل الاسم مجبراً حزب (بيت الميرغني) على إضافة كلمة (الأصل).
فشلت كل الجهود لاستعادة الأحزاب الاتحادية المنشطرة، وبدا واضحاً أن حزب (بيت الميرغني) يعاد تشكله بصورة كاملة لينكمش على أنصار الطريقة الختمية بقدر كبير.
? (بيت الميرغني) بين الحكم.. والمعارضة
يبدو- جلياً- من الوهلة الأولى أن الدور الذي لعبه (بيت الميرغني) في المعارضة أقوى كثيراً من أدواره التي لعبها في الحكم.
صحيح أن المعارضة كانت في حقبة الإنقاذ- طبعاً ليس المقصود المعارضة الدستورية- لكن قياساً بمعارضة منافسه (بيت المهدي) كانت معارضة (بيت الميرغني) أكثر تأثيراً وأطول زمناً، حيث لم يعد زعيم (بيت الميرغني) إلى البلاد إلا بعد عدة أعوام من عودة زعيم (بيت المهدي).
لكن الواقع تبدل بعد ذلك حيث انخرط (بيت الميرغني)، وذراعه السياسية، حزبه الاتحادي الديموقراطي في مشاركة حقيقية في الحكم تطورت إلى مشاركة في سنام الدولة، حيث تولى السيد جعفر الصادق، ابن السيد محمد عثمان الميرغني، منصب مساعد رئيس الجمهورية، بينما تبرأ (بيت المهدي) من مشاركة أحد أعضائه السيد عبد الرحمن الصادق المهدي في الحكم من داخل القصر الجمهوري في موقع مساعد رئيس الجمهورية.
? رجل السودان المريض!!
بكل يقين الحزب الاتحادي الديموقراطي الآن شبه مشلول، مؤسسات الحزب متعطلة أو عاطلة، ومولانا محمد عثمان الميرغني في مهجر أقرب إلى رحلة استجمام طويلة لا يعلم أحد متى تنتهي، وفي غيابه يفقد الحزب القدرة على القرار، والفعل السياسي.
النخب التي بقيت داخل أسوار الحزب لم تعد قادرة ولا راغبة في تحدي سلطة رئيسه محمد عثمان الميرغني، ليس لخشيتها من فقدان المدد المالي المحرك للحزب فحسب، بل لعلمها أن الحزب فقد كثيراً من قواعده الجماهيرية المفتوحة لصالح قواعد تعتمد على الولاء للطريقة الختمية.
كان ذلك واضحاً في قرار ترشيح الأستاذ حاتم السر للمنافسة على منصب رئيس الجمهورية في انتخابات أبريل 2010، بينما في الحزب أسماء أخرى أكثر خبرة وجماهيرية، لكن حاتم السر تفوق بالانتماء إلى الطريقة الختمية، ولم يعد سراً أن الحزب بات يفضل أتباع الطريقة على أبناء السبيل، الذين تسربوا إليه من مشارب أخرى غير الطريقة الختمية.
وأصبح محمد عثمان الميرغني قابضاً على المال والرجال- الثروة والسلطة- معاً.
تحت مبررات الاحترام وتوقير آل البيت ارتضت كثير من النخب المستنيرة أن يكونوا مجرد شاغلي مقاعد وثيرة في مؤسسات صورية داخل الحزب، فلا أفادوا (بيت الميرغني) ولا الحزب.. ولا أنفسهم.
مولانا محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب، وزعيم الطريقة الختمية، يقيم في مدينة لندن منذ أكثر من عام، ابنه السيد جعفر الصادق مساعد رئيس الجمهورية معه في لندن، ويقضي عطلاته في القاهرة بعيداً عن الوطن، رغم منصبه الدستوري الرفيع، بقية الأبناء كلهم في المهاجر، موزعون بين أوروبا وأمريكا، وأكبرهم السيد علي محمد عثمان الميرغني اعتزل الطريقة الختمية، والعمل السياسي معاً، ويستعصم بالبعد عن السودان مستقراً في أمريكا.
بينما الطريقة الختمية، ومجموعة الخلفاء الخُلص، يواصلون نشاطهم اليومي والموسمي باستماتة؛ للحافظ على الترابط العضوي للطريقة، التي لا تزال من أقوى وأكبر الطرق الصوفية في السودان، وتحتفظ بامتداداتها الإقليمية في دول الجوار، دون أن تتأثر بطقس السياسة المتقلب.

لم يشهد (بيت الميرغني) تفلتات سياسية تذكر قياساً بـ (بيت المهدي) الذي تفرق دمه بين المحاور السياسية والأحزاب.
? انشقاق محمد سر الختم الميرغني
السيد محمد سر الختم (وهو اسم واحد مركب)، شقيق السيدة الشريفة مريم، زوجة مولانا محمد عثمان الميرغني، والتي انتقلت إلى جوار ربها قبل أعوام قليلة.
محمد سر الختم المقيم في ولاية البحر الأحمر كان الساعد الأيمن لمولانا محمد عثمان الميرغني خلال سنوات المعارضة القاسية لحكم الإنقاذ، لكن اختلاف منهج العمل السياسي أدى بمولانا محمد سر الختم أن يتخذ طريقه في البحر سرباً؛ ليصبح عضواً في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، مفارقاً حزب (بيت الميرغني)، لكن دون أن يحدث انشطاراً في البيت.
خروج مولانا محمد سر الختم من أسوار حزب (بيت الميرغني)، وانضمامه الصريح إلى حزب المؤتمر الوطني الحاكم، مثّل نقلة (شاذة) في (بيت الميرغني)، لولا أن مبررات الانتقال قامت على أسس وخلافات شخصية أكثر منها (مؤسسية)، أو فكرية، ربما لكان لهذا الخروح أثر سياسي كبير في تماسك (بيت الميرغني) السياسي، ويبدو أن مولانا محمد سر الختم يدرك حدود ما هو متاح له- سياسياً، وفي ظل تحول وانتقال ومشاركة حزب (بيت الميرغني) في الحكم، لم يعد الانشقاق مؤثراً على بقية أجزاء وعناصر (بيت الميرغني) السياسية.
نواصل في الحلقة السادسة يوم الأحد- بإذن الله
في الحلقة القادمة.. من هم أبناء السيد محمد عثمان الميرغني.. ومستقبلهم في الحزب والطريقة؟.

التيار

تعليق واحد

  1. انت عاوز تصل لي شنو ؟؟؟؟ المراغنه ضيعوا الحزب وضيعوا البلد :::

    هذا جعفوري بياخد راتبه ومخصصات من الحكومه علي شنو ؟؟؟؟؟ ايام الشريف

    حسين والمعارض القوية لم يكن للمراغنه صوت ولا حس

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..