قطر ضد قطر

فاروق يوسف

كل المعطيات تؤكد أن قطر ستكون بسبب الاجراءات الخليجية المتوقعة أصغر بكثير مما كانت عليه قبل أن تحلق بها أحلامها الغرائبية.

كنا نتمنى لو أن دولة قطر كانت قد انفقت أموالها بما لا يضر بالآخرين ومن ثم بها. ولكن الواقع غالبا ما يخون الامنيات، وبالأخص حين يتعلق ذلك الواقع بتطلعات سياسية منقطعة عن شروطه.

وفي حالة قطر فان ذلك الواقع الافتراضي كان قد القى بحمولته غير الحميدة في وقت قياسي على العديد من المجتمعات العربية التي كانت تشهد نوعا من الحراك السياسي، بعد عقود من الجمود، ساد فيها الاستبداد وعاثت الافكار الشمولية في عقول الناس فسادا وتغولت المافيات الاقتصادية حتى شكلت بسلطتها دولة داخل الدولة.

هل انحرفت دولة قطر بما ضخته من أموال هائلة بالربيع العربي عن مساره؟

ذلك ما سيحكم به التاريخ، بما سيحمله من وقائع وشهادات ووثائق.

غير أن الثابت بشكل معلن أن قطر كانت قد لعبت دورا كبيرا في احتواء ذلك الحراك والتحكم نسبيا بمساراته. بشكل مباشر كما حدث حين مولت حرب الناتو على ليبيا وحين دعمت الحوثيين في اليمن بالسلاح والمال وهو الامر نفسه الذي كررته في سوريا أو بشكل غير مباشر من خلال تحالفها مع تنظيم الاخوان المسلمين في تونس ومصر.

في الحالين كانت قطر حاضرة بقوة.

غير أن ما كان يجري في العلن لم يكن إلا جزءا من الدور السياسي الذي كانت قطر قد اضطلعت في القيام به من أجل تكريس نفسها قوة اقليمية.

وهو ما دفع الآخرين إلى مراقبة الجزء السري من الخطة القطرية. وهو الجزء المتعلق بنشاط قطر في محيطها الخليجي، وهو النشاط الذي يسلط الضوء على رغبة الدولة الخليجية الصغيرة في اعادة توزيع الادوار خليجيا من خلال فرض معادلات جديدة، يكون لها فيها دور قيادي، لم تكن واقعيا مؤهلة له.

وإذا ما كان المعلن من الخطة القطرية وقد باء جزء كبير منه بالفشل، كما في الحالة المصرية لم يدفع بقطر إلى مواجهة استحقاقات مصيرية، فان الجانب السري من تلك الخطة قد وضع قطر في مواجهة حجمها الحقيقي.

الآن وبعد الموقف المتشدد الذي اتخذته الدول الخليجية من المسعى التآمري القطري بدا واضحا أن قطر في كل ما فعلته كانت تعمل ضد مستقبلها، غير ان المفارقة في واقع الحال الذي فرض عليها بعد اتفاق الرياض تكمن في أن عليها الآن بحكم توقيعها على ذلك الاتفاق أن تعمل ضد ماضيها. وهو ماض ملغز، مليء بالرهانات التي صار عليها اليوم أن تعترف انها قد خسرتها كلها.

كانت العثرة القطرية متوقعة، ذلك لان نسبة الخطأ في ما يمكن أن يقوم الصغار في مواجهة الكبار غالبا ما تكون كبيرة. وهو ما وقعت فيه قطر، حين خيل إليها أن ما فعلته في ليبيا واليمن ومصر وتونس ومن قبلهم العراق سيمهد لها الطريق لاختراق الجسد الخليجي، وهو ما يعني بالضرورة أن قطر وقد أفقدتها الفوضى التي تشهدها بلدان الربيع العربي قدرتها على التوازن صارت تنظر بعينين ساخرتين إلى النظام الامني الخليجي الذي يفترض أنها كانت جزءا منه.

وهنا وقعت في المحظور.

لم يعد الان أمام قطر سوى التراجع، من أجل أن تستعيد حجمها الطبيعي.

من غير ذلك التراجع فان كل المعطيات تؤكد أنها ستكون بسبب الاجراءات الخليجية المتوقعة أصغر بكثير مما كانت عليه قبل أن تحلق بها أحلامها الغرائبية.

غير أن قطر في مسعاها إلى أن تستعيد حجمها الطبيعي على المستوى الخليجي تعرف جيدا أنها لن تستعيد تعاطف شعوب عربية، سبق لها أن الحقت بها أضرارا فادحة. فلا العراقيون ولا اليمنيون ولا الليبيون ولا التونسيون ولا المصريون ولا السوريون سينسون دورها التخريبي في الانحراف بحراكهم الثوري الذي كانت قد وضعته في خدمة القتلة من أعضاء التنظيمات الاسلاموية المتشددة التي حظيت برعايتها.

فاروق يوسف
ميدل ايست أونلاين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..