ملهاة المخدرات والشذوذ الجنسي!

(1)

من لم يستوقفْهُ خبرَ ضبطِ الكميةِ المهولةِ من الحبوب المخدرة “خمس حاويات” في ميناء بورتسودان في الأيام القليلة الماضية، ولا يجدْ رابطًا يربط بينها وبين إصرار وزارة التربية والتعليم على إضافة عام دراسي لمرحلة الأساس؛ لتصبح تسع سنوات، وتضم مدارسها -وفقًا لهذا القرار- طفل السادسة بجوار مراهق الخامسة عشرة، ثم لا يقشعر بدنه خوفًا على شباب الأمة من الانحراف والفساد، هو بكل تأكيد لا يعلم مدى خطورة النظام الجاثم على صدر الوطن، ولا يفهم كنه نهجه المدمر القائم على قاعدة الضرورات تبيح المحظورات، والغايات تبرر الوسائل، كإطار فلسفي لمشروعه الحضاري.

(2)

حين يتأمَّل المرءُ جراءة صاحب المخدرات، يكتشف أنه لا يستقيم عقلاً أن يجازف فردٌ أو مجموعةُ أفرادٍ بكل هذه الأموال التي صرفت في شرائها وشحنها، ما لم يكن متأكدًا من أنها ستصل آمنة، وتدخل البلاد وادعة، محفوفة بالرعاية والاهتمام!! والسؤال المهم الذي يفرض نفسه وينبثق من جوف فرضية المتأمل الحصيف هو: ما هي الجهة التي يمكن أن توفر مثل هذه الضمانات؟. وتمنح المغامر التطمينات اللازمة ليضع “بطيخة صيفي” في بطنه؟. ويجلب هذه الكم الضخم من المخدرات؛ مُؤكدٌ أنَّهم أفرادٌ وجهاتٌ نافذةٌ في السلطة الحاكمة؟!.

(3)

المؤشراتُ والتحاليلُ المنطقيةُ كافَّة تدعمُ هذه الفرضية، التي تكاد احتمالات نفيها تؤول للصفر، ما لم تثبت السلطات الحكومية المختصة غير ذلك، وتطلع الشارع علنًا على التفاصيل كافة والأدلة الدامغة التي تدحضها، ولن يكون هذا أيضًا كافيًا ومقنعًا ما لم يتضمن بعد إلقاء القبض على المجرم اعترافات صريحة، ومعلومات مفصلة تكشف وتعري الشبكة الإجرامية في الداخل والخارج. وأي دغمسة تمارس في هذا الأمر لحماية فرد أو جهة من الجهات، ستفسر في غير مصلحة السلطات المسؤولة، وعندها سيقف فقه “السترة” و”التحلل” الإنقاذي كما وقف “حمار الشيخ في العقبة” حائرًا مهيض الجناح.

(4)

بينما كنت أطالع خبر القبض على الشحنة المحرمة، وأمعن النظر في الواقعة، قفز إلى ذهني المحور الأهم في مشروع نظام الإنقاذ الفكري، وعادت بي الذاكرة لحوار صحفي أجرته صحيفة “السودان الحديث” في أوائل تسعينات القرن الماضي مع الأستاذ علي عثمان طه وزير وزارة التخطيط الاجتماعي – التي استحدثت خصيصًا حينذاك للأشراف على تطبيق المشروع الحضاري- صرح فيه قائلاً: (بأن على رأس أولويات وزارته موضوع “صياغة الإنسان السوداني الجديد”)!!.

(5)

صدمت وأنا أطالع هذا التصريح، وتساءلت هل هي “إستالينية” جديدة بنكهة إسلامية؟ وما دهى الشيوخ ليستوردوا النُّفايات الفكرية التي تخلَّص منها صانعوها؟ وقد كنتُ عائدًا حينها للتوِّ من الاتحاد السوفيتي، وملم بسلبيات التجربة “الإستالينية” التي شرع السوفيت في قبر منهجها، حتى أجهز عليها نهائيًّا الرئيس ميخائيل غرباتشوف بإعلانه لمبدئي “البروسترويكا” و”الغلاسنست” -إعادة البناء والشفافية- الذي بهما انطوتْ حقبة النظام الشمولي العقائدي، واندثرت فكرة الحزب الطليعي رغم الانجازات المادية المهولة التي حدثت.

(6)

ترسم شيوخ الإنقاذ خطى “الإستالينية” التي بانت نواجذها بتنفيذ سياسة “التمكين” وقانون “الإحالة للصالح العام”، دون موازنة عَنَتِ تطبيقها بإنجازات تذكر، تجعل من أتباعها واقعًا محتملاً ومقبولاً، لذا تململ الشعب السوداني باكرًا ورفض نهجها؛ فكان لابدَّ للشيوخ من الإسراع بخلق منظومة أمنية توفر الحماية للمشروع الفكري المراد تنفيذه، فاستخارت “الجماعة”، واستعاذت من المعارضة، وعزمت على الاستبداد خيارا في ظل المبرر الشرعي المنقول عن أدبيات الفكر “القطبي” المتشدد، القائم على تجهيل المجتمع وتكفيره.

(7)

بدأت الملهاة بـقطع الأرزاق، ودفع الكفاءات للهجرة، ومن تبقى يعذب، ويقتل داخل “بيوت الأشباح”، التي مارس فيها النظام أبشع أنواع التنكيل والإذلال في حق معارضيه، من أجل سحق قناعاتهم، وإعادة صياغة إنسان المشروع الحضاري الداجن المتوالي، الذي يقرُّ سياسات النظام، ويتبع “مسيرته القاصدة” دون اعتراض، ويختارها طوعًا “بالإجماع السكوتي”. ليتحول المجتمع وفقًا لهذا النهج إلى مجتمع شبيه برواية جورج أوريل “مزرعة الحيوانات”، ويغدو حلم الوطن في التقدُّم والازدهار كابُوسًا فظيعًا، يزعزعُ القناعات، وأسس العقائد، وتصبح المرارةُ والأحزانُ طَعْمًا للحياة.

(8)

اليومُ الأزمةُ الوطنيةُ قد بلغت مداها، واستنفذ النظامُ الحاكمُ الأساليبَ الوحشيةَ كافةً لقمع حراك الجماهير الساخطة، ولم يتبق أمامه سوى اللجوء إلى الوسائل الأشد خطرا وأثرًا على الإنسان، وهي إنهاك المجتمع بنشر المخدرات، والشذوذ الجنسي، وهو لاشك قد شرع بالفعل في استخدامها كمخرج أخير من أزماته، اقتداءً بكثيرٍ من الأنظمة الاستبدادية التي سبقته، وهذا ما نراه ماثلاً أمامنا في الشارع، ونلمسه يوميًّا في الوقائع والأحداث.

(9)

من هنا يتَّضحُ سببَ الربط بين كمياتِ المخدرات التي أمطرت البلاد مؤخرًا، وبين قرارِ وزارة التربية والتعليم القاضي بإضافة سنة دراسية تاسعة، على الرغم من المخاطر العظيمة التي أوضحها كبار التربويين والمتخصصين في مجال علم النفس والاجتماع على النشء، ورغم ما أفرزه السلم الحالي ذو الثماني سنواتٍ من انحلال وزيادة في معدلات الشذوذ الجنسي وسط الشباب من الجنسين.

(10)

إنَّ حلقةَ الحصارِ التي ضاقت حول عنق النظام، ودفعَتْ شيوخَهُ “للتواثب” هنا وهناك كقردة السيرك، هي التي تدفع النظام لمحاولة صرف الجماهير عن قضايا التغيير، وذلك بإحداث مزيد من الدمار النفسي والفسيولوجي في أوساط الشباب، بفرض سياسات خبيثة تنطوي على مخاطر جمَّة؛ كقرار وزارة التربية والتعليم بإضافة عام دراسي تاسع لمرحلة الأساس، الذي يوسع الفارق العمري بين أطفال الفصول الأولى ومراهقي الصفوف الأخيرة، مما سيساعد في زيادة حالات التحرش الجنسي والاغتصاب، خاصة في ظل توفر المخدرات، وشيوع تعاطيها وسط مراهقي المرحلة المستهدفة.

(11)

تُعتبَرُ المخدراتُ والشذوذ الجنسي من أهمِّ أدوات تدجين الشعوب، التي درجَتْ الأنظمةُ الدكتاتوريةُ عَلَى استخدامِهَا، فهي من الأسلحةِ الفتَّاكة لتدميرِ الشُّعوب، في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والصحية كافة، حيث تؤدي لانشغالها، وعدم التفكير في تغيير نمط حياتها، لتبقى أسيرة الفقر والبطالة والعوز، وينسد آفاق الأمل أمامها، وتصاب بالشلل، لذا فإنَّ نزعَ القناعِ الخداعِ عن خرافةِ “المشروع الحضاري” أمرٌ في غايةِ الأهميةِ والحيويةِ، إنْ كنَّا نريدُ لشعبنا النهوضَ من كبوتِهِ؛ لمواجهةِ وكنسِ نظامِ الحركةِ الإسلاميةِ الفاسدِ.

** الدِّيمقراطيةُ قادِمةٌ وراشدةٌ لا محالَ ولوْ كَرِه المُنافِقُونَ.

تيسير حسن إدريس03/05/2014م

تعليق واحد

  1. فى سبيل إعادة تشكيل أو كما أسموه”صياغة الإنسان السوداني الجديد”)لا يهم كيف بل المهم النتائج سواء أكان بالتجهيل وأنتاج جيل كامل لا يفقه لا فى العلم ولا فى الحياة(مؤسسات تعليمية ومناهج فاسدة)ومن تلقى ولو قدر من الفهم فالأرهاب والسجون بل حتى القتل(عرجة -سنهورى)ومن لان وضعف فالمال الحرام والوظائف المفسدة والتمكين فى مفاصل الفساد..وشكرآ أستاذ تيسير لأنك فتحت أعيننا على وسيلة جديدة لتخريب الأنسان السودانى.

  2. 7)
    بدأت الملهاة بـقطع الأرزاق، ودفع الكفاءات للهجرة، ومن تبقى يعذب، ويقتل داخل “بيوت الأشباح”، التي مارس فيها النظام أبشع أنواع التنكيل والإذلال في حق معارضيه،)
    لماذا لم تذكر الإقتصاب في بيوت الأشباح ؟؟؟ لا أعتقد أنك تتستر علي شيوخ الإنقاذ وأعتقد أنك نسيت ذكر هذه الجريمة البشعة التي إتسم بها هذا النظام الفاسد القذر ؟؟؟ ولك التحية والإحترام .
    شهادة الدكتور الوطني المحترم الأستاذ بجامعة الخرطوم الدكتور / فاروق محمد إبراهيم :-
    مسألة رجولتك دي خليك منها.. حننتهي منها بعد شوية..المحاكمة..تفاصيل تعذيب واستجواب د.فاروق محمد ابراهيم من قبل نافع على نافع وآخرين ببيوت الاشباح.
    جاء في مذكرتك ( فاروق محمد إبراهيم) للرئيس البشير عن مأساة المعتقل بدرالدين ما يلي:
    "إنني أكتفي فيما يخص حالتي بهذه الأدلة الدامغة. ومع أن هذا الخطاب يقتصر، كما يدل عنوانه، على تجربتي كحالة اختبارية، إلا أن الواجب يقتضي أن أدرج معها حالة موظف وزارة الإسكان السابق المهندس بدرالدين إدريس التي كنت شاهدا عليها. وكما جاء في ردي على دعوة نائب رئيس المجلس الوطني المنحل الأستاذ عبدالعزيز شدو للمشاركة في حوار التوالي السياسي بتاريخ 18 أكتوبر 1998 (مرفق) فقد تعرض ذلك الشاب لتعذيب لا- أخلافي شديد البشاعة، ولم يطلق سراحه إلا بعد أن فقد عقله وقام بذبح زوجته ووالدها وآخرين من أسرته. كان في ثبات ذلك الشاب الهاش الباش الوسيم الأسمر الفارع الطول تجسيدا لكرامة وفحولة وعزة أهل السودان. وكان أحد الجنود الأشد قسوة ? لا أدري إن كان اسم حماد الذي أطلق عليه حقيقيا ? يدير كرباجه على رقبتينا وجسدينا في شبق. وفي إحدى المرات أخرج بدرالدين من بيننا ثم أعيد لنا بعد ساعات مذهولا أبكم مكتئبا محطما كسير القلب. ولم تتأكد لي المأساة التي حلت ببدرالدين منذ أن رأيته ببيت الأشباح عند مغادرتنا لبيت الأشباح منتصف ليلة 12 ديسمبر 1989 إلا عند إطلاعي على إحدى نشرات المجموعة السودانية لضحايا التعذيب هذا الأسبوع. ويقتضي الواجب أن أسرد تلك اللحظات من حياته وأنقلها لمن تبقى من أسرته. فكيف بالله نتداول حول الوفاق الوطني بينما تبقى هذه الأحداث معلقة هكذا، بلا مساءلة"

  3. مع إحترامي لكل الكتَاب ولكنكم تكتبون عن الفارق العمري يعني تلميذ الصف الأول والتاسع أنا معلم بإدارة مدرسة أساس أنا لا إعترض في زيادة السنة وتغيير المنهج ولكن يا إخوة السودان مليئة بمدارس مختلطة يعني أولاد وبنات في فصل واحد تحملنا خطورته في الصف الثامن فما بالكم الحيحصل بالصف التاسع . وأنا من رأيي تغيير المنهج وبعودة الجزئية بدلا عن الكلية وعودة التاريخ والجغرافيا والعلوم وزيادة السنة في الثانويان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..