لا توجد منطقة وسطى

بسم الله الرحمن الرحيم
إن كان ما يميز هذه الشهور بالنسبة للشأن السوداني ..فيتمثل في نقطتين هما..تفاقم أزمة النظام وفشله في الإيفاء بكل الوعود التي قطعها على نفسه..بداية بالصيف الحاسم ومروراً بصيف بلا قطوعات في الخدمات من كهرباء ومياه وغيرها ..حيث مدت الأزمات فيها اللسان طويلاً للنظام..ومعها سلقت ألسنة تيارات الحزب الحاكم بعضها إلى درجة وصف علي عثمان بأنه لا يمثل إلا نفسه ..والنقطة الأخرى ما كان من تقديم لخارطة الطريق من الوسيط الأفريقي.. والذي وقع عليها النظام ورفضتها بقية قوى نداء السودان..واللافت للنظر أن كل التيارات تتحاشى الوصم برفض الحوار..حكومة ومعارضة .. وتقدم النظام بما سمي بحوار الوثبة تارة وحوار قاعة الصداقة مؤخراً..والذي استطال موعد جمعيته العمومية ..ما أخرج حديث الحاوي من علي عثمان وتداعياته ..واضطرار أعضاء منه مع آخرين لرفع مذكرة ال52 لرأس النظام..حتى حدد أخيراً بالسادس من أغسطس بتبرير ارتباطات الرئيس ..وإن كان في الواقع لإعطاء الفرصة لرافضي التوقيع على خارطة الطريق للحاق بها.. وفي هذه الجبهة ..حدثت هزات ارتدادية لتوقيع النظام لخارطة الطريق..حتى بدأ الحديث عن قوى صارت أقرب للتوقيع عليها مثل حزب الأمة بعد حديث الاندهاش من تطابق مخرجات الحوار مع رؤاه ..ونهاية مهامه بالخارج واقتراب موعد العودة..ثم الانتقادات للشركاء..والعامل الحاسم في كل المواقف ..هو حجم التأثر بالضغوط الدولية..فالحركات المسلحة وحزب الأمة ..واقعة تحت التأثير القوي لهذه الضغوط..خاصة الموقف الأمريكي الداعي إلى التوقيع على خارطة الطريق..عبر مبعوثه لدولتي السودان دونالد بوث..الذي يحثها هذه الأيام في اديس للتوقيع…وتأتي الإشارات متضاربة من هناك..حيث تولى حزب المؤتمر السوداني المشارك إصدار بيانات تؤكد عدم وجود جديد..
بينما التسريبات تتحدث عن موافقة حزب الأمة والحركات المسلحة على التوقيع على أن يصحبه توقيع على مذكرة تفاهم من الجميع لعقد مؤتمر تحضيري وتحقيق بعض شروط المعارضة..لكن الراجح أن هنالك توقيعات ستضاف إلى خارطة أمبيكي مهما أعلنت المواقف..وصار المشهد كمباراة في كرة القدم يجمد فريق الكرة بملعبه والآخر يدافع في منطقته وكل ينتظر خطأً من الطرف الآخر لتسجيل الهدف..لكن الثابت أن الفريقين في الملعب ذاته..وهو ملعب أمبيكي بفعل الضغوط الدولية..
في خضم هذا الواقع برز موقف الحزب الشيوعي الرافض واضحاً لا لبس فيه..وليست النقاط الواردة في البيان لتبرير موقفه من خارطة الطريق هي الأهم..ففيها كثير مما تتحدث به قوى نداء السودان..لكن الأهم رفض العامل الأساسي الذي ينيخ بكلكله على الواقع الراهن ..وهو الضغوط الدولية..فالحزب ليست لديه فواتير يدفعها للمجتمع الدولي..ما جعل موقفه ملاصقاً لموقف السودانيين الذين يرفضون النظام بالكامل ولا يتابعون ما يجري في أديس في معظمهم..وهو الموقف الذي راهن به الخطيب ..سكرتيره السياسي قبل شهور على إسقاط النظام.. والرافض لأي هبوط ناعم يبقي على النظام مع تغييرات هيكلية..وأرى أن قراءته للوضع صحيحة..فأي توقيع لكل الأحزاب والتكوينات السياسية لن يغير في الواقع شيئاً ..ولا توجد في نهاية نفق التوقيع كوة ضوء..بل انعطافة جديدة داخل المتاهة ذاتها..ولا نملك إلا تحيته على هذا الموقف ..اتفقنا أو اختلفنا مع الحزب الشيوعي.
[email][email protected][/email]
.
الحزب الشيوعي السوداني لا تزال له رؤية ثاقبة في شأن الحل الجذري لقضايا الوطن ، وسيظل هذا الحزب هو الضامن لإستمرار الوعي الفكري بالشأن السياسي في السودان ، وهو الحزب الذي عرك الحياة السياسية من خلال مبادئ فكرية اتسمت بالمرونة دون الحياد عن جوهر مضمونها ، وهو الحزب الذي عركته المواقف بحكم انه ضارب الجذور في تاريخ العمل السياسي في السودان ، لهذا نجد موقفه ظلّ واضحاً في كافة المراحل التي مرت بها البلاد لما يقارب الستين عاماً خلت ولم يزل بالرغم الرغم ، ما باع ولا أشترى الا الحرية بأغلى ثمن وقد بذل الغالي والنفيس ….
…… علي احمد جارالنبي المحامي والمستشار القانوني …..